الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإسلام متعصب ويحتكر الحقيقة
.
قال أركون: ثم يزداد الطين بلة فيما يخص الإسلام، فهو يزيد إلى هذه العاهة المشتركة مع الدينين الآخرين، أقصد عاهة التعصب واحتكار الحقيقة الإلهية المطلقة، عاهة أخرى إذ يرفض مناهج ونتائج علوم الإنسان والمجتمع بحجة أنها ولدت في الغرب ومن أجل الغرب فقط
…
ثم إن الإسلام يذهب إلى أبعد من ذلك في نسيان العقل والتشكيك به ثم رفضه في نهاية المطاف (1).
واعتبر أن مفهوم الإسلام في قوقعة انغلاقية، هي مدعاة الإشكال وسوء الفهم، ولذلك حاول هو أن يزيل عنه طابع التناقض والغموض الشديد الذي يلفه ويحيط به، كما قال (2).
وقال في صدد حديثه عما تعانيه الشعوب العربية والإسلامية من مآس:
…
واجترار مقدس متفكك ومدنس بألف طريقة وطريقة في نفس اللحظة (3). يقصد الإسلام.
وأكد أن هدفه في أبحاثه هو نزع الأسطرة عن الأديان التوحيدية الغارقة في ضباب التقديس الأسطوري بسبب قدمها وغوصها في أعماق الزمن السحيق (4).
وبسبب مواقف أركون هذه وغيرها كثير مما سنقرأه في هذا الكتاب كان الطلبة المسلمون في السربون وغيره يرفضون أفكاره في نقد الدين، كما صرح
(1) نحو نقد العقل الإسلامي (252).
(2)
نحو نقد العقل الإسلامي (250).
(3)
نفس المرجع (242).
(4)
نفس المرجع (317).
بنفسه (1)، بل بعضهم كانوا يخرجون من قاعة المحاضرات في الجامعة احتجاجا على ما سماه هو نقدا تاريخيا للدين، وحكى أنه كان كثيرا ما يهاجم مباشرة ويشتم في بعض المحاضرات العامة (2).
وزاد أركون أنه إلى جانب ما تعرض له في الأوساط الإسلامية، فقد تعرض للإعراض واللامبالاة في الأوساط العلمانية العربية والغربية (3).
وهكذا لم يجن أركون من نقده للإسلام إلا الحسرة والندم، فالأوساط الإسلامية لفظته ورفضته، كما صرح بنفسه، والأوساط الغربية لم تهتم به ولم تعبأ به. كما تقدم في الكتاب الأول.
وهي طبعا لم تفعل ذلك اعتباطا، بل لأسباب عقلانية وجيهة في نظرها: إما لأن أبحاثه لا ترقى إلى مستوى البحث الأكاديمي الجيد في نظرها.
وإما أن هذه الأبحاث لا تقدم شيئا سوى جعجعة من غير طحن.
فمع أنه ركع للغرب وانبطح إلى الأرض مُقبِّلا أعتابه إلا أنه همشه ولم يعترف به.
وذلك جزاء من يجعل القرآن تحت مطرقة نقده، عوض أن يكرس جهوده لنقد الغرب وفكره وفلسفته، وبالأخص فرنسا التي دفعتها هذه الفلسفة إلى استعمار بلده الجزائر وقتل أبناء وطنه واستغلال خيراته، ولا تزال إلى الآن تتحكم في مصائره وتغذي الطغم الفاسدة فيه.
وليت منهج النقد التاريخي الذي عاش حياته من أجله قاده إلى إدراك أنه لا
(1) نفس المرجع (343).
(2)
نفس المرجع (3
(3)
نحو نقد العقل الإسلامي (252).
يعدو هو نفسه أن يكون من مخلفات الاستعمار الفكرية، وأنه ليس أكثر من جندي مجند خلف السياسة التغريبية المحاربة لحضارته وإرثه الثقافي والديني. {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة120.
وأغلب العلمانيين يتهمون الإسلام بالتعصب والعنف، وقد تقدم كلام أركون، وكذا فعل علي حرب قال: إن الإسلام في حد ذاته يؤول إلى التعصب والضيق والإلغاء والإرهاب (1).
وعند الشرفي ليس الإسلام فقط، وإنما جميع الأديان تشترك في عدم التسامح والركون إلى العنف (2).
وسيأتي معنا كلام القمني وآخرين.
أما العلماني السوري طيب تيزيني فهو أحد أكثر العلمانيين الماركسيين تطرفا، ولنترك تركي علي الربيعو يشرح لنا حقيقة الدين عند طيب تيزيني، قال: حيث يظهر لنا مشروع الدكتور تيزيني أن الدين في النهاية هو نسق معرفي بسيط، لنقل لعبة معرفية جاء بها كبار الكهنة، وهذا ما حذر منه ماركس (3). والدين وهم إيديولوجي كبير ابتدعه كبار الكهنة (4). والدين في المفهوم الماركسي العربي انعكاس لعلاقات اجتماعية اقتصادية إنتاجية (5)، وهو تعبير حي عن علاقات طبقية (6).
ومن بني بلده علماني آخر ذو أصل شيعي، لكنه ملحد لا يؤمن بدين ويهاجم
(1) الممنوع والممتنع (178).
(2)
الإسلام والحرية (194).
(3)
أزمة الخطاب التقدمي العربي (86).
(4)
نفس المرجع (91).
(5)
نفس المرجع (87 - 91).
(6)
نفس المرجع (87).
جميع الأديان ويسخر منها في كل تعليقاته على كتب أركون، وكذا في كتبه التي ألف. قال معلقا على كتاب أركون نحو نقد العقل الإسلامي (6) بعد تأكيده على ضرورة إجراء عملية جراحية خطيرة للإسلام كي يوافق الحداثة.
قال عن المسلمين: وصلوا إلى مفترق طرق: فإما أن ينخرطوا في هذه العملية الجراحية الخطيرة الضرورية لمصالحة الإسلام مع الحداثة، وإما أن يستسلموا للمقادير وينقطعوا عن حركة التاريخ كليا في عصر العولمة الكونية ويصبحوا مهمشين ومرميين في مؤخرة كل الأمم.
ومقصوده بالعملية الجراحية الخطيرة طبعا تطويع أحكام الإسلام لترضى عنها العلمانية الغربية أو بالأحرى بترها والبراءة منها وجعلها شيئا من الماضي فقط تدرس تاريخيا ومعرفيا كما تدرس باقي الثقافات.
وتأمل كيف يستعمل لغة دينية لا يؤمن بها: يستسلموا للمقادير.
مع أن الذي يستحق البتر والقطع هو علمانيته الغربية.
وزاد مجنون أركون فكرته الإستئصالية وضوحا وتأكيدا فقال (6): لو لم تخض أوروبا معركتها مع نفسها، لو لم تُصَفِّ حساباتها مع ذاتها التاريخية- أي: مع تراثها المسيحي القديم بكل رواسبه- لما استطاعت أن تقلع حضاريا وأن تسيطر على العالم.
هنا يكون هاشم صالح واضحا وصريحا، إنها تصفية حسابات مع الإسلام، الذي يخيف أوروبا وفي طليعتها عملاؤها وروادها العرب.
وزاد (7 - 6) فأكد أن الوعي الإسلامي وصل إلى درجة خطيرة من التفاقم حتى ظهر للأمة المهدي والمنقذ من الضلال محمد أركون.