الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأسطورية، وأنها رموز وأمثال لا حقائق تاريخية (1).
إنما يتحاشى الشرفي ذكر الله مع ما تقدم، مع أن الباب واحد، تجنبا لردود الأفعال التي قد تؤثر سلبا على تقبل مشروعه.
فكل الغيب -الذي هو أس الدين والإيمان- خرافات وهمية في نظر الشرفي، آمن الناس بها في عصر سيادة الخرافة، أما وقد تحررنا من كل ذلك فلم نعد بحاجة إليها وأصبح تجاوزها أمرا لازما وحتميا.
استحالة اجتثاث الدين من المجتمع:
رغم الهجمة العلمانية الشرسة على الأديان، ورغم كونها مدججة بقوة الدولة وجبروتها، ورغم تسخيرها كافة الوسائل الأمنية والإعلامية والثقافية لتحقيق ذلك، لم تفلح في استئصال الدين من المجتمعات.
في ندوة لندن (يونيو 1994) حول سقوط العلمانية والتحدي الإسلامي للغرب أكد البروفيسور جون كين أن الدين لا يمكن أن يجتث نهائيا من حياة الناس، وإنما الذي نجحت العلمنة (2) في تحقيقه هو إخضاعها الدين لنظم مدنية أوجدها البشر صارت لها السلطة العليا والكلمة الأخيرة، غير أن ظهور الأصولية الدينية في الغرب اتخذ أشكالا عدة في مقدمتها: بروز الحديث عن «السباسة المسيحية» والجدل المتجدد حول الدين والإجهاض، ومطالبة 80% من البريطانيين بتدريس الدين في المدارس، هذه المؤشرات وغيرها كثير تثير تساؤلات عدة حول مدى نجاح العلمنة في إقصاء الدين عن الحياة، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في المسألة برمتها. من زاوية مراجعة موقف العلمانية من
(1) نفس المرجع (61).
(2)
طبعا في الغرب.
العلاقة بين الدين والمجتمع (1).
وكذا أكد أركون أن بوادر الانفراج بين الديني والعلماني في تصاعد في أوربا (2).
وذكر عالم الاجتماع الألماني وأستاذ اللاهوت الإنجليزي الدكتور جوتفرايد كونزلن: ولأن الاهتمام الإنساني بالدين لم يتلاش، بل تزايد .. وفي ظل انحسار المسيحية، انفتح باب أوربا لضروب من الروحانيات وخليط من العقائد الدينية لا علاقة لها بالمسيحية ولا بالكنيسة من التنجيم .. إلى عبادة القوى الخفية .. والخارقة .. والاعتقاد بالأشباح .. وطقوس الهنود الحمر .. وروحانيات الديانات الآسيوية .. والإسلام، الذي أخذ يحقق نجاحا متزايدا في المجتمعات الغربية (3).
وها قد حان الشروع في الكتاب بعون الله، نوثق فيه لنظرة العلمانيين للتدين عموما والإسلام خصوصا، فالعلماني يحاول دائما أن يظهر بمظهر الباحث النزيه والناقد البريء من أية أفكار مسبقة وأية إيديولوجيا. وهو دوما يرمي مخالفيه بتلك التهم المجانية، بينما لو تمعنا قليلا لا كثيرا لرأيناه في صورته الحقيقية: مثقف تسممت أفكاره بالدراسات الاستشراقية الغربية، حتى غدت قناعاته واختياراته منسجمة تماما مع الطرح الغربي والبحث الاستشراقي فأصبحت له مواقف متطرفة من الدين والتدين يغلفها بستار البحث العلمي أو النقد التاريخي.
ولو أزحت الستار لرأيت خلفه: أفكارا مسبقة، وإيديولوجيا متخفية، وأهدافا مسطرة يبحث لها عن سَنَد ودعم. وبعبارة أوضح: لرأيت مخالب تحت قفازات من حرير.
(1) المفترون (247).
(2)
قضايا في نقد العقل الديني (258 - 259 - 275).
(3)
مأزق المسيحية والعلمانية في أوربا (18 - 33 - 34).