الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و «الدين بديل خيالي عن العلم» (1).
وجعل الإسلام الإيديولوجية الرسمية للقوى الرجعية المتخلفة في الوطن العربي (2).
والإسلام المصدر الرئيس لتبرير الأنظمة الرجعية وأنه مؤهل لأن يلعب هذا الدور، وقد لعبه في جميع العصور بنجاح (3).
تجاوز الدين والمفاهيم الدينية وإقصاؤها
.
قال أركون مبينا موقف العلمانية من الدين: أما الموقف العلماني فيتميز بإحداث القطيعة الجذرية مع كل ما يشرط الموقف الديني ويتحكم به. وهو يفترض - متسرعا- أن فرضية الله أو وجود الله ليست ضرورية من أجل العيش، وبالتالي فالوحي يشكل بالنسبة له ظاهرة أو معطى، مثله في ذلك مثل أيّ معطى آخر، ويمكننا أن ندرسه كمؤرخين وكعلماء اجتماع. ولكن لا يمكننا التقيد به وقبول ما يدعوه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور: بالاختيار المُسْتَعْبَد، المقصود بهذا المصطلح خضوع العقل لمعطى خارجي عليه، إن الموقف العلماني يذهب في توجهه حتى هذه النقطة
…
وإذن فيوجد بالفعل هنا قطيعة أساسية وجذرية مع الوحي أو معطى الوحي، لكي ينتقل المرء إلى تحقيق الاستقلالية الكلية للعقل. العلمنة والدين (71 - 72).
وهذا كلام في غاية الوضوح أن مراد العلمانية إهمال الدين ومفاهيمه كالله ونحوه من المفاهيم الدينية وإحداث قطيعة نهائية معها.
ويزيد أركون هذا المعنى وضوحا في كتاب آخر له عن الأنسنة والإسلام (160):
(1) نفس المرجع (17).
(2)
نفس المرجع (16).
(3)
نفس المرجع (17).
إن السلوك الأنسني (1) الذي أدافع عنه في كتابي هذا لا يهدف إلى إصلاح ما هو داخل في إطار الانغلاق العقائدي فحسب، بل إلى الخروج من هذا الإطار بالمعنى الذي يقصده مارسيل جوشيه وغيره من المفكرين كجياني فاتيمو عندما يتحدثون عن الخروج من الدين أو عن مسيحية غير دينية.
وهذا كلام واضح كذلك، ويزيده تأكيدا قوله في نفس الكتاب (144): ذلك لأن المواضيع المطروحة في هذا الكتاب وخاصة في هذا الفصل تهدف إلى فتح الطرق وإلى اقتراح أدوات تفكير تقود إلى الخروج نهائيا وبغير رجعة من التكراريات العقائدية والمنتجات الفكرية للعصور الوسطى.
وتحدث قبل هذا (71) عن فهم الخلاص ومعايشته، وتحدث عن ما بعد الغيبية، وما بعد اللاهوت، بل تحدث عن ما بعد الإسلام وإسلام غير ديني.
مراده بما بعد الغيبية نهاية الغيبية، وما بعد الإسلام: نهاية الإسلام.
وإسلام غير ديني يقصد إسلام يتحدث عن بعض الروحانيات وبعض الأخلاق الفاضلة التي ترضى عنها العلمانية، لا إسلام طقوسي شعائري كما يعبر أركون في بعض كتبه.
وإذا كان مشروع أركون وكذا غيره من العلمانيين يهدف إلى تجاوز الدين، فلابد عنده من تطبيق العمليات التفكيكية التالية: الانتهاك، فالزحزحة، فالتجاوز والتخطي.
قال: هذه العمليات ينبغي تطبيقها بالطبع على التراث الديني (2).
وقال:
(1) أي: العلماني. والأنسنة هي العلمانية نسبة إلى الإنسان. إذ مرجع العلمانية هو العقل الإنساني فحسب، وتبعد كل ما هو خارج عنه كالغيب والماورائيات التي هي عمدة الدين.
(2)
نحو نقد العقل الإسلامي (321).
نحن نهدف من خلال هذه الدراسة كلها إلى زحزحة مفهوم الوحي وتجاوزه (1).
بهذا الوضوح رغم الرقابة الذاتية التي يمارس على نفسه على حد تعبيره السابق لكي لا يثير حفيظة الجماهير المسلمة.
بل ذهب أركون إلى وجوب تخطي الحوار بين الأديان وبين الثقافات إلى تجاوز هذه الأديان نفسها، قال: ينبغي الانطلاق من الحوار بين الأديان وبين الثقافات أو من تحالف الحضارات بصفته أسطورة معاصرة، لكي نصل إلى تجاوز كل المواريث أو التراتاث العتيقة البالية التي عفى عليها الزمن من أجل الإعلاء من شأن التراث العام المشترك للبشرية (2).
فحوار الأديان أو الحضارات أسطورة في نظر أركون، بل المطلوب هو تجاوز هذه الأديان من أجل ما سماه التراث العام المشترك للبشرية.
أي: سيقوم بعملية دمج بين الأديان الثلاثة، واستخراج دين مشترك ترضى عنه العلمانية يدعو المساواة والعدل وحقوق الإنسان، قال: وبما أن اليهودية هي السابقة زمنيا فإنها تصبح عندئذ مرجعية إجبارية بالنسبة للمسيحية والإسلام (3).
إذن فقاعدة الأديان هي اليهودية فهي المرجع لباقي الأديان.
ولا يعني هذا الاعتراف بشرعية أيّ دين، فمشروعه يهدف إلى أرخنة الأصول الأولى للأديان التوحيدية، أي: الكشف عن تاريخيتها أو المغطاة بستار كثيف من
(1) القرآن من التفسير الموروث (76).
(2)
نحو نقد العقل الإسلامي (322).
(3)
نفس المرجع.
التقديس والتعالي (1).
يقصد بتاريخيتها بشريتها، وإبعاد أيّ صبغة إلهية متعالية مقدسة عنها.
وبالتالي سيقطع أركون مع:
1 -
المحرمات العتيقة.
2 -
الميثولوجيات (أي: الأساطير) البالية.
3 -
الإيديولوجيات الناشئة (2).
لا مكان للأساطير: الغيبيات والأنبياء والجن والملائكة والقبر والآخرة.
هنا يبدو منهج طه حسين والعقاد وهيكل غير كاف في نظر أركون، لأنه منهج اعتذاري تبريري، لابد عنده من قفزة أكبر، بل موقف أصرح وأكثر حدة (3).
ونقل عن آن ماري بليتي: هكذا حكم على التوراة بالتجاوز لا حين تستنفد قراءاتنا المتعددة المستلهمة معناها، بل حين يغدو هذا المعنى مكتملا تماما. أما الغوص في سر هذا الاكتمال عن طريق النفاذ إلى ما وراء الكتاب الذي بين أيدينا اليوم. فذلك هو غاية الأبدية.
ثم قال: وما تقوله آ. م. بليتي عن الكتاب المقدس ينطبق تماما على القرآن. ولكن هناك فارقا جوهريا. إذ إن عمل الهدم الذي أدعو إليه في مجال الخطاب القرآني يمس جميع النصوص المسماة بالنصوص المؤسسة، بينما لا تعير الدراسات في مجال التوراة والأناجيل أيّ اهتمام لوضعية القرآن إلا بمحض
(1) القرآن من التفسير الموروث (84).
(2)
تاريخية الفكر العربي الإسلامي (58).
(3)
نفس المرجع (60).
الصدفة في تعليقات بعض الباحثين (1).
يريد أركون أن عملية الهدم التي سيقوم بها لن تخص القرآن وحده، بل ستشمل جميع الكتب المقدسة التي أسست لهذا القرآن.
أما برهان غليون العلماني السوري فحدثنا أن هدف العلمانية هو إقصاء التراث وإبعاده عن مناحي الأنشطة الاجتماعية والفردية (2).
وأما زكي نجيب محمود فقال في تجديد الفكر العربي (110): هذا التراث كله بالنسبة إلى عصرنا قد فقد مكانته، لأنه يدور أساسا على محور العلاقة بين الإنسان والله (3).
ودعا العلماني التونسي عبد الوهاب المؤدب إلى تجاوز الشريعة وإلغاء الجهاد كليا بما فيه الجهاد الدفاعي وإلى إحداث قطيعة مرة مع التراث وأن نقوم بالحداد على الماضي (4).
واعتبر أن تحريم الخمر والاختلاط يحول المجتمع إلى سجن أو قبر (5).
ويحدثنا هاشم صالح بصراحة أكبر فيقول: إن كل التراث الموروث عن القرون الوسطى سوف نجد أنفسنا مضطرين لتفكيكه حجرة حجرة، وقطعة قطعة، ثم الإطاحة به، عشرات أو مئات الأفكار الراسخة واليقينيات المعصومة سوف تنهار كصرح من كرتون
…
حقا لقد حان زمن التفكيك والتكنيس والتعزيل الكبير (6).
(1) الأنسنة والإسلام (141 - 143).
(2)
اغتيال العقل (173).
(3)
ونقله عنه محمود أمين العالم في الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر (19).
(4)
الإسلام والانغلاق اللاهوتي (107).
(5)
نفس المرجع.
(6)
نفس المرجع (24).
وزاد: لا أقصد إطلاقا بأن الدين سينتهي، وإنما سيبقى منه الجوهر، أي: القيم الروحية والأخلاقية العليا، كل ما عدا ذلك من حشو وتعصب مذهبي أو طائفي سوف ينتهي يوما ما مثلما انتهى في البلدان المتقدمة في أوربا (1).
وزاد: وهذا يعني أن التطور ممكن حتى في الشؤون العقائدية وعلم الاهوت، وبالتالي أرجوكم كفوا عن اتهامنا بالمس بثوابت الأمة (2).
وهذا كلام في غاية الوضوح، الهدف هو تجاوز عقائد الإسلام وثوابته وتطويعها لخدمة الحداثة العلمانية، فما وافقت سيادتها عليه قبل، وما لم تقبله فإلى الجحيم.
ولن تترك لنا علمانية هاشم صالح من إسلامنا إلا القيم الروحية كالمحبة والمساواة والعدل واحترام الآخر (3).
أما البومسهولي فأكد على وجوب رفض كل وصاية إلهية على الإنسان، لأنها تحد من حركيته وحريته وانفتاحه. فلا بد في نظره من إحداث قطيعة مع تمجيد فكرة «الله» اللامتناهية، لأنها رمز للذل والخضوع والعبودية، وهذا طبعا يتنافى مع مشروعه العلماني (4).
وليست الصلة بالله هي العبودية والذل والخضوع كما عبر ابن تيمية، بل على العكس من ذلك التحرر من أيّ عبودية، بما فيها عبودية الله وتحقيق إرادة الإنسان (5).
(1) نفس المرجع (25).
(2)
نفس المرجع (25).
(3)
وهذا ما دعا له عبد الوهاب المؤدب كذلك أنه لن يبق إلا التراث الروحاني والأخلاقي المتجسد في كبار المتصوفة كابن عربي. الإسلام والانغلاق اللاهوتي (106).
(4)
العلمانية مفاهيم ملتبسة (295 فما بعدها).
(5)
نفس المرجع (300).
وهذا ما يعبر عنه كثير من العلمانيين بالأنسنة، أي: تأليه الإنسان، أو أنسنة الإله.
وعليه فإن نظام الفتوى في البلاد الإسلامية سيتم تجاوزه لأنه يقدم نفسه كنظام للوقاية والحجر، وهذا يعارض ثقافة التسامح والحرية والكرامة (1).
عندما يتحول مفكر إلى صُنبور وقِمْع لأفكار غيره فعلى الفكر السلام.
وأما حسن حنفي فدعا إلى الكف عن ترقيع التراث، بل الواجب هدمه بأكمله.
والدفاع عن التراث في نظر حسن حنفي جريمة لا تغتفر، وعنوان الهزيمة وسبيل لكسب المال، ومما قال: الدفاع رفض للعقل، ينشأ عن جهل أو تعصب
…
تستخدمه السلطة السياسية لتغطية الواقع ومآسيه
…
وعادة ما يكون الدفاع هو دفاع عن النفس ودفاع عن المنصب ورغبة في الشهرة ودخول في المزايدة، فأشد المدافعين حمية هو الذي يحصل على الغنيمة، ومن ثم ينقلب الفكر إلى تجارة والأمانة إلى خيانة، وكثيرا ما يكون الدفاع عن نفاق لا عن إيمان واقتناع (2) .... إلى آخر تفاهته.
ولهذا أخذ على إخوانه العلمانيين بأنهم يبنون فوق بنيان متهدم قائم، دون أن يكملوا الهدم ليعيدوا البناء من جديد (3).
وفي ظل مشروع «التراث والتجديد» يجب التخلي عن لغة اللاهوت الإسلامي: إله، رسول، ثواب وحساب وعقاب وملاك وشيطان
…
إلى آخره،
(1) نفس المرجع (300).
(2)
التراث والتجديد (100). والنقاط علامة على حذفي لبعض كلامه. وهكذا أفعل مع غيره.
(3)
نفس المرجع (29).
فهذه اللغة في نظره مغلقة خاضعة للرمز الديني (1)، وبالتالي يجب تجاوزها لأنها لم تعد تعبر عن متطلبات العصر، نظرا لطول مصاحبتها للمعاني التقليدية الشائعة التي نريد التخلص منها. ولأنها أصبحت لغة عاجزة عن أداء مهمتها في التعبير والإيصال (2)، واستعمال لغة أخرى أكثر عقلانية وانفتاحا وإنسانية مثل الإنسان والعقل والنظر والعمل والفضيلة (3).
لا يكتفي حسن حنفي بتجاوز المفاهيم والمضامين، وإنما يريد تجاوز المصطلحات كذلك، لأنها حجر عثرة أمام مشروعه التجديفي عفوا التجديدي.
وشرح لنا في كتابه من العقيدة إلى الثورة مشروعه التجديدي هذا. فذكر أن علم الكلام أو علم أصول الدين سيتحول إلى علم جديد اسمه: الإنسان والتاريخ.
وبدل الإلهيات: الإنسان.
وبدل السمعيات: التاريخ.
وبدل الذات: الوعي الخالص.
وبدل الصفات: الوعي المتعين أو الشخصية الإنسانية.
وبدل خلق الأفعال: الحرية.
وبدل النبوة: تطور الوحي.
وبدل المعاد: مستقبل الاإنسانية.
وبدل الأسماء والأحكام: النظر والعمل.
وبدل الإمامة: الحكم والثورة (4).
وهكذا نكون قد جددنا كل القديم، وليس الأمر مقتصرا على تغيير مصطلحات، بل تغيير مضامين ومفاهيم، فعوض الحديث عن المعاد والآخرة، في مشروع «التراث والتجديد» سنتحدث عن المستقبل البشري، وعوض الحديث عن الله وأسمائه وصفاته، سنتحدث عن الإنسان ووعيه.
(1) نفس المرجع (157).
(2)
نفس المرجع (110).
(3)
نفس المرجع (157).
(4)
من العقيدة إلى الثورة، المجلدات الخمسة، ونقد الخطاب الديني (164 - 165).
وعوض الحديث عن النبوة سنتحدث عن تطور الوحي، أي: دراسة تاريخية مقارنة لتطور الوحي عبر العصور.
بل الأكثر من هذا حوَّل حسن حنفي الوحي إلى الطبيعة والميتافيزيقي إلى الفيزيقي، وكل إنجاز بشري في مجال معرفة الطبيعة والواقع إضافة للوحي واستمرار له، بل قال أبو زيد: وفي هذا الفهم لا يكون الوحي مجرد واقعة حدثت في الماضي عدة مرات ثم توقفت، تاركا شأن البشرية سدى، بل الوحي اسم يطلق على النشاط الذهني للإنسان في كل زمان ومكان (1).
ومع أن هذا المشروع يهدف إلى زعزعة العقائد الإسلامية وطحنها وعجنها في صورة مناقضة لها، فهو في نظر مَنْ حكمتْ محكمةُ القاهرة بردته نصر حامد أبي زيد عمل ناقص، بل يريد هو اجتثاث هذه العقائد من الأصل.
فمشروع حسن حنفي في نظره مجرد طلاء، ومشروع تلفيقي وتلويني (2)، أقرب إلى الإخفاق منه إلى النجاح (3)، وأنه تحويل تجديد التراث إلى تجاور بين القديم والجديد (4).
وهذا طبعا لا يرضي أبا زيد، إنه يريد الجديد فقط، وأما القديم فالمكنسة له بالمرصاد.
وأبو زيد وإن انتقص عمل صديقه ورفيق دربه حسن حنفي إلا أنه قال عنه: إنها محاولة مشروعة لتحويل اللاهوت إلى انتروبولوجيا والإلهيات إلى إنسانيات (5).
وزاد أبو زيد في إطار إظهار إيجابيات مشروع حسن حنفي أن
(1) نقد الخطاب الديني (188).
(2)
نفس المرجع (158 - 159 - 163).
(3)
نفس المرجع (183).
(4)
نفس المرجع (183).
(5)
نفس المرجع (184).
العقائد الإسلامية مجرد تصورات ذهنية، أكثر من كونها عقائد دالة على وجود مفارق، وأن الله ليس ذاتا موجودة مفارقة للوعي الإنساني، بل هو مبدأ معرفي خالص (1).
أي: العقائد الإسلامية تصور ذهني لا أقل ولا أكثر.
فالله والجنة والنار والمعاد والحساب والعقاب وغيرها تصورات يتصورها الذهن لا أنها موجودة في نفس الأمر.
وعوض مشروع حسن حنفي التلفيقي كما يقول نصر أبو زيد فله مقاربة أخرى لتجاوز التراث نحو التجديد:
فدلالات النصوص عند أبي زيد ثلاثة:
1 -
شواهد تاريخية لا تقبل التأويل المجازي أو غيره.
2 -
دلالات قابلة للتأويل المجازي.
3 -
دلالات قابلة للاتساع على أساس المغزى (2).
فالنصوص عنده إما تاريخية تجاوزها الزمن، وإما مجاز، وإما مغزى.
فنصوص الحجاب مغزى للعفة، والعفة متغيرة حسب الزمان والمكان، وقد يكون من العفة لبس (الشورت) للمرأة في الرياضة في هذا الزمان.
وضرب لنا أبو زيد أمثلة عديدة لهذه الدلالات فذكر من النصوص ذات دلالة تاريخية التي يجب تحويلها إلى متحف التاريخ ولم يعد لها معنى في زمان أبي زيد: ملك اليمين (215) والجزية والموقف من الكفار (216) ونصوص السحر والحسد والجن والشياطين (218).
فكل هذه المفاهيم كانت مناسبة لبيئة بدوية تقليدية، وبعبارة سَيِّدِه سوسير:
(1) نقد الخطاب الديني (1
(2)
نفس المرجع (214 - 215).
هي مفاهيم ذهنية، لأن اللغة قد تشير إلى مفردات ليس لها وجود عيني (219).
وهكذا نصوص الربا (220)، فكلمة «الربا» تجاوزتها اللغة في الاستعمال لاختفاء الظاهرة التي تدل عليها من المعاملات الاقتصادية (220).
وعليه أردف قائلا: والحقيقة أن النظم البنكية لا تتعامل بالربا، بل تمنح أرباحا للمودعين وتجني فوائد من المقترضين (221).
وأما المغزى: فالمعنى عنده يمثل المفهوم المباشر لمنطوق النصوص، والوقوف عند المعنى تجميد النص في مرحلة محددة وتحويله إلى أثر أو شاهد تاريخي.
وأما المغزى فهو محصلة لقراءة عصر غير عصر النص، وضرب لنا مثلا بميراث البنات.
فلما حلل أبو زيد عصر النص وجد أن النص أحدث حركة تتجاوز الوضع المتردي للمرأة وتسير في اتجاه المساواة المضمرة والمدلول عليها في الوقت نفسه (236).
1
إذن فالمغزى من تشريعات القرآن حول ميراث البنات وكونه على النصف من الذكور هو التحرك نحو المساواة تدرجا من وضع أكثر ترديا إلى وضع أعلى زمن النص. ولكن الهدف النهائي هو المساواة. بل ما قيل هنا يقال حسب أبي زيد دائما في وضعية المرأة عموما التي نقلها النص من وضع جاهلي منحط إلى وضع أعلى منه. وهذا هو المعنى، ولكن أبو زيد يريد المغزى، أي: المساواة مطلقا.
فالنصوص القرآنية تعتبر الأنصبة طبقا لعلاقات العصبية الأبوية. وهذا طبيعي في المجتمع القائم على تلك البنية العصبية.
وأما المغزى النَّصْري البوزيدي فهو العدل وتوزيع الثروة (237).
وهذا ما سماه أبو زيد في كتابه الآخر الإمام الشافعي (190) بالتحرر من سلطة النصوص.
قادت أبو زيد تحليلاته إلى مستوى أعلى، فاستند في كتابه النص والسلطة والحقيقة (109) إلى ما سماه: المسكوت عنه في بنية الخطاب، وأكد لنا أن هذا المسكوت عنه ليس هو الفحوى أو لحن الخطاب المذكورين في أصول الفقه. بل هو سياق أعمق، بحيث يمكن لنا أخذ دلالة معكوسة لدلالة النص.
وضرب لنا أبو زيد مثلا: فذكر أن القرآن تحدث عن الجن بناء على الثقافة السائدة آنذاك، أي: البيئة الثقافية في جزيرة العرب، حيث الإيمان بالجن هو الشائع، لكن بتحليل السياق اللغوي في القرآن على مستوى أنسنة الجن بتقسيمهم إلى مؤمنين وكافرين، وعلى مستوى مرجعية الضمائر (أي: الغائب)، وعلى مستوى مصادرة حق الجن في الاستماع إلى أخبار السماء عن طريق محاصرتها بالشهب الحارقة الراصدة للجن، ليستخلص أبو زيد بجزم تام وخفة وطيش كبيرين: أمكننا القول: إن النص يلغي وجود الجن بدلالة المسكوت عنه المستخرجة من تحليل السياق اللغوي (1).
ما شاء الله، ما شاء الله!! يا لها من تحليلات دقيقة، تدل على البراعة التامة والعمق المعرفي!!! إنها حقا الإيديولوجية النفعية التي نعاها على غيره.
هذه هي دائرة الصمت والمسكوت عنه في بنية الخطاب كما قال العلامة الهمام أبو زيد!. والأكثر من هذا أن هذه القراءة النصرية تتعدد إلى ما نريد قراءته، قال: ولا شك أن تحليل مستويات السياق اللغوي في بنية النصوص الدينية بإدخال مستوى المسكوت عنه- ناهيك بمستويات هذا المسكوت عنه المتعددة بتعدد مستويات القراءة، يمكن أن تساعدنا إلى حد كبير في فهم أعمق- وأكثر علمية- للنصوص (2).
هذا هو مشروع أبي زيد لتجاوز الدين وإقصائه.
وقال
(1) النص والسلطة والحقيقة (109).
(2)
النص والسلطة والحقيقة (109 - 110).
محمد خلف الله في الأسس القرآنية للتقدم (41): تبقى بعد ذلك عملية تحرير العقل البشري من السلطة الدينية المتمثلة في نظام النبوة (1).
وقال علي حرب في الممنوع والممتنع (219): فإنني لا أتعامل مع هويتي القومية أو الدينية كجوهر ما ورائي أو كعنصر نقي أو كبنية ثابتة أو كحقيقة متعالية أو كشعار مقدس، بل أتعامل معها كشرط يمكن تغييره أو تجاوزه.
وأول الطريق عنده (222) هو التحرر من أيّ تقليد أو نموذج، من كل مسبق يتحكم فيما نرى التفكير فيه أو عمله.
ولا مقصود من هذا الكلام إلا الدين.
وزاد (215) أن خطاب الهوية لا معنى له وسلاح تقليدي لا فعالية له.
وطالب بالتحرر من النص الديني واعتبره شرطا لقراءته قراءة جديدة مغايرة خلاقة (218).
وحضور التراث فينا -عنده- ليس الحضور الأغنى والأبهى، بل يحضر كأثقال نجرها وراءنا كسلاسل تكبل حركتنا (218).
وطالب جورج قديس باستبدال التعاليم الدينية في المدارس بتعاليم أخرى إنسانية تبحث فيما هو مشترك بين البشر من حيث هم بشر (2).
يريد منا جورج قديس تجاوز وإقصاء تعليم الدين من المدارس وأن نستبدله بتعاليم إنسانية مشتركة بين البشر.
وقال خليل حيدر: القرآن والسنة إن صلحا لعصر فلن يصلحا لنا الآن.
وقال: إنني مع الرأي القائل بأن مزج الدين بالسياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة يعرقل التطور كما وكيفا، ويسبب آلاما لا آخر لها بدون مبرر (3).
(1) تهافت العلمانية (265).
(2)
العلمانية مفاهيم ملتبسة (370).
(3)
تهافت العلمانية (87).