الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
بشرية القرآن
.
أغلب العلمانيين العرب على أن القرآن بشري المصدر، تشكَّل في الواقع وخرج من الواقع، وليس نصا مفارقا نزل من السماء.
فالعلماني التونسي عبد الوهاب المؤدب اعتبر أن كون القرآن يحتوي على الكلام الإلهي الذي لا يتغير ولا يتبدل أسطورة سيتم تحطيمها (1).
وأكد عبد الوهاب كذلك أنه ينبغي الخروج من القفص الدوغمائي الذي يجبره على الاعتقاد بأن القرآن هو من تأليف الله ذاته، ولم يتدخل البشر أو المسلمون الأوائل في عملية التأليف وتشكيل النص على الإطلاق (2).
وأكد على بشرية القرآن قائلا: ونفهم كيف أن اليد البشرية تدخلت في فبركته وصنعه (3).
وهذا الكلام في غاية الصراحة والوضوح.
وقال هاشم صالح: هذا في حين أن المسلمين يعتبرون القرآن كلام الله الحرفي الأزلي غير المخلوق. هذا هو التابو. أي: المحرم الأعظم الذي ينبغي كسره وتحطيمه (4).
وذكر أركون أن القراءة التاريخية للقرآن أو التفسير التاريخي لآياته يؤدي إلى التشكيك في كونه منزلا من عند الله على النبي صلى الله عليه وسلم (5).
(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (135).
(2)
الإسلام والانغلاق اللاهوتي (134).
(3)
الإسلام والانغلاق اللاهوتي (135).
(4)
نفس المرجع (133).
(5)
نحو نقد العقل الإسلامي (69).
ونقل هاشم صالح محتجا عن «هانز كونغ» الذي نقل بدوره عن المسيحيين ومؤرخي الغرب العلمانيين وعلماء الأديان أن القرآن ليس كلام الله كما يعتقده المسلمين، وإنما كلام محمد (1).
ولا أظن أنه يوجد علماني عربي على وجه الأرض يجرأ على مخالفة أسياده الغربيين وعلماء الأديان في هذا. كيف وقد صرحوا هم أيضا بما صرح به أولئك.
واعتبر هاشم صالح أن القرآن قد شاخ وتراكمت عليه الشروحات وشروحات الشروحات، وأنه للخروج من هذه الأزمة لا بد من إجراء عملية جراحية خطيرة للتراث برمته، وطبعا ومنه القرآن (2).
وأكد على ضرورة تطبيق المنهج التاريخي النقدي على القرآن كما طبق على التوراة والإنجيل وبان تهافتهما.
وزاد: لقد ابتدأت الشكوك تظهر حول أطروحة الكتاب الهابط من السماء بقضه وقضيضه (3).
وأكد أبو زيد على بشرية النصوص الدينية فقال: وإذا كنا هنا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية، فإن هذا التبني لا يقوم على أساس نفعي إيديولوجي، يواجه الفكر الديني السائد والمسيطر بل يقوم على أساس موضوعي يستند إلى حقائق التاريخ وإلى حقائق النصوص ذاتها (4).
والنصوص الدينية عند أبي زيد هي القرآن والسنة. ثم استمر أبو زيد مؤكدا هذه الحقيقة رابطا بين كونها بشرية وكونها تاريخية، فقال: وإذا كانت النصوص الدينية نصوصا بشرية بحكم انتمائها للغة والثقافة في فترة تاريخية محددة، هي
(1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (74).
(2)
الإسلام والانغلاق اللاهوتي (74).
(3)
نفس المرجع (76).
(4)
نقد الخطاب الديني (209).
فترة تشكلها وإنتاجها، فهي بالضرورة نصوص تاريخية، بمعنى أن دلالتها لا تنفك عن النظام اللغوي الثقافي الذي تعد جزءا منه (1).
ولا تظنن أن هذه التحليلات من رحم أبي زيد، لا طبعا، فالفضل راجع لسيده دي سوسير الذي فرق بين اللغة والكلام، كما بين قبل هذا (204).
أما كيف ستتم عملية القراءة هذه، فقد تفضل علينا أبو زيد بمثال موضح فذكر أن القرآن تحدث عن الله بوصفه ملكا له عرش، وكرسي وجنود، وتحدث عن القلم واللوح، وتحدث الحديث النبوي عن القلم والروح والكرسي والعرش، وكلها تساهم إذا فهمت فهما حرفيا في تشكيل صورة أسطورية عن الله وعالم الملكوت (2).
إذن فما الحل يا أبا زيد، وخصوصا وأن معك ترسانة سوسيرية ضخمة؟.
الحل كما يلي: ذكر أن المعاصرين لهذه النصوص أي: الصحابة كانوا يفهمون هذه النصوص فهما حرفيا كما يقول أبو زيد، ثم يزيد قائلا: ولعل الصور التي تطرحها النصوص كانت تنطلق من التصورات الثقافية للجماعة في تلك المرحلة (3).
ثم يردف مستنكرا التشبث بهذه المفاهيم الأسطورية لله: لكن من غير الطبيعي أن يصر الخطاب الديني في بعض اتجاهاته على تثبيت المعنى الديني عند العصر الأول، رغم تجاوز الواقع والثقافة في حركتها لتلك التصورات ذات الطابع الأسطوري (4).
(1) نفس المرجع (2
(2)
نقد الخطاب الديني (210).
(3)
نفس المرجع (210).
(4)
نفس المرجع (211).
إذن هذا الفهم القديم: «ملك له عرش وكرسي وجنود» أصبح في عصر أبي زيد يعتبر أسطوريا لا يتناسب مع فهمنا المعاصر وعلوم العصر.
والفهم الذي فهمه الصحابة كان انعكاسا لتصورات ثقافية تاريخية معينة كما وضح بعد ذلك (211).
ثم يضيف: والتمسك بالدلالة الحرفية للصورة- التي تجاوزتها الثقافة وانتفت من الواقع- يعد بمثابة نفي للتطور وتثبيت صورة الواقع الذي تجاوزه التاريخ، وعلى النقيض من الموقف التثبيتي يكون التأويل المجازي نفيا للصورة الأسطورية وتأسيسا لمفاهيم عقلية تحقيقا لواقع إنساني أفضل (1).
ومن هذا المنطلق أخذ أبو زيد على الأشاعرة تمسكهم بصورة الملك المتسلط الذي يعذب ولا يبالي، والذي {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الأنبياء23. هذه عبارة أبي زيد (2).
وفي كتابه النص والسلطة والحقيقة (103) ذكر أبو زيد أن النص القرآني نص مجزأ، أي: نص تكون في فترة زمنية تربو على العشرين عاما.
وذكر أن النص القرآني يمثل انحيازا لنصوص الصعاليك حيث تمثل المرأة الزوجة مخاطبا في بعض نماذجه. (103).
ما دام القرآن خاطب المرأة الزوجة، إذن فقد انحاز لنصوص صعاليك الجاهلية الشعراء!!!
ولا شك أن هذا التحليل هو أشبه بأسلوب الصعاليك في زماننا منه بدكتور متخصص.
(1) نفس المرجع (211).
(2)
نفس المرجع.
على كل حال لنتابع لنفهم ماذا يريد أن يقول لنا أبو زيد:
قال: هذه التعدية النصية في بنية النص القرآني تعد في جانب منها نتيجة للسياق الثقافي المنتج للنص (105).
كما لاحظ أبو زيد أن القرآن يتشابه مع نصوص الثقافة السائدة آنذاك التي أنتجت النص، ولم يَرَ وجها للمغايرة بينهما إلا من جهتين فقط: من حيث الحجم أو من حيث المدى الزمني الذي استغرقه النص في تشكله النهائي (105).
وفي كتابه مفهوم النص تكلم بلغة أوضح، حيث قال (24): إن النص في حقيقته وجوهره منتج ثقافي، والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على العشرين عاما.
وقال (25): وحين نقول تشكلت فإننا نقصد وجودها المتعين في الواقع والثقافة بقطع النظر عن أيّ وجود سابق لهما في العلم الإلهي أو في اللوح المحفوظ. انتهى.
وهذا علماني معجب بنصر أبي زيد اسمه إلياس قويسم يقرر بكلام لا لبس فيه أن هدف أبي زيد هو أَنْسَنَة النص القرآني وأنه نص دنيوي وليس ظاهرة غيبية مفارقة، أي: بيان بشريته، يقول: بهذا نقول إنّ نصر حامد قد اتّجه صوب أَنْسَنَة النص القرآني من خلال الفصل في مجال البداية، بحيث يغدو نمط التعامل معه على أساس أنه نص لغوي أو منتج ثقافي تماما كما فهمه أدونيس (1).
وقال: من ثم يغدو النص القرآني نصا دنيويا وليس ظاهرة غيبية مفارقة أو خارقة، بل بصفته ظاهرة مشروطة محايثة، بمعنى جعله ممارسة خطابية هي في المنتهى فعالية بشرية تاريخية دنيوية دهرية تحمل شروط إمكانها الثقافية
(1) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رقمية.