الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والإسلام ليس إلا نسخة معدلة من اليهودية والنصرانية، خطط لها مسيحيون وحنفاء:
هذا ما حاول التأكيد عليه مجموعة من العلمانيين، على رأسهم القمني، وبشكل أكثر عمقا طيب تيزيني في كتابه «مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر» .
وقد تقدم معنا حديث طويل عن هذه المسألة في مبحث «أصل الدين والإسلام» فقرة: «الإسلام ليس إلا عقائد يهودية ومسيحية وجاهلية وإغريقية، ألفها محمد وجمع بينها في إخراج من نوع خاص» . ونضيف هنا تأكيدات علمانية أخرى على نفس الموضوع.
وقد استند تيزيني إلى مجموعة من الأخبار في التواريخ أغلبها لا يصح، ولكن لجهلهم بأصول نقد الأخبار الحديثي لا يميزون بين ما صح من عدمه، ولهذا تعين علي إفراد هذه المسألة برسالة مستقلة تحت عنوان: الأخبار الواردة في الحنفاء: دراسة نقدية.
والغريب هنا حقا أن العلمانيين يكيلون بمكيالين: فإذا تعلق الأمر بأحاديث البخاري ومسلم المجمع على صحتها والمتلقاة بالقبول وقفوا منها موقف التشكيك والتكذيب، وإذا تعلق الأمر بأخبار لا سند لها ولا مصداقية لها طاروا بها فرحا وأشاعوها كما لو كانت نصوصا ثابتة مقطوعا بها مادامت تخدم أغراضهم الإيديولوجية.
فطيب تيزيني مثلا أيُّ نص وجده يخدم مشروعه في أيّ كتاب كان ولو كان مشهورا برواية الأخبار الباطلة والساقطة، فلا يتردد في الإشادة به والتأكيد على أهميته، وكأنه عثر على كنز ثمين وصيد مكين.
يجزم تيزيني بدون خجل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متأثرا بقوة في مراحل حياته باليهودية والمسيحية وربما كذلك بالزرداتشية، وأعلن في مرحلة النضج قطيعة معها، إلا أنها قطيعة نسبية (1).
أما الحنفاء مثل ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم، فقد ذكر أن محمدا (حسب تعبيره) انتفع كثيرا بالحنفاء، بل قال عن ورقة: المعلم الأول الذي أضاء له الطريق وفك له أسرار الوحي (2)، وقدم إليه من الحوافز الأخلاقية المعنوية ما جعله يثبت (3).
وبيَّن قبل أن الوثنية وُجه لها نقد إيديولوجي من قبل أناس ليسوا بأقل شهرة من محمد (4).
يريد تيزيني أن يبرهن لنا أن النبي لم يأت بكبير جديد، إنما استثمر مواقف فكرية إيديولوجية كانت سائدة في زمانه، بل الأكثر من هذا فالنبي محمد يمثل إيديولوجية كانت متواجدة قبل بزمان، بل إن الحنفاء كورقة ونحوه هم المصدر المركزي والهام للإسلام المحمدي.
أو بلغة الماركسيين: الإسلام هو إيديولوجية تقدمية انبثقت من الوضع الاقتصادي الاجتماعي للجزيرة عبر تطور وصراع طبقي معين.
لنستمع لتيزيني: ذلك لأن ورقة
…
كان بالنسبة إلى النبي المنتظر أكثر من مجرد شخصية دينية نقدية وإصلاحية رافقته في بعض سني حياته في مكة. لقد كان
(1) مقدمات أولية (424).
(2)
ولا تظنن أنه يؤمن بالوحي، فقد تقدم عنه أن الوحي حديث باطني ليس إلا.
(3)
مقدمات أولية (260).
(4)
مقدمات أولية (259).
-بما مثّله من آراء وتصورات ومواقف- المصدر أو أحد أهم المصادر وأحسمها ذهنيا (إيديولوجيا) للشخصية المحمدية.
إلى أن قال: يمكن القول بترجيح قوي مشدد بأن العلاقة بينهما (أي: النبي وورقة) كانت مبنية على أسس إيديولوجية عقيدية، مهدت لها وقادت إليها رابطة مصاهرة نمت وأحيطت بالرعاية والاهتمام على نحو مخطط ومقصود وناجح (1).
ثم يستمر تيزيني ليبين لنا أن ورقة النصراني وخديجة هما اللذان خططا ودبرا لوجود الإسلام، قال بعد تأكيده على نصرانية ورقة وعلاقاته باليهودية، وانتشار آلاف النصارى العرب وآلاف الرهبان والقسيسين ومئات الكنائس والأديرة العربية في الجزيرة: ونحن في هذا السياق نميل إلى ترجيح أن ورقة وخديجة مثلا نقطتين حاسمتين في تكوين الشخصية المحمدية: باستدراجها محمدا الشاب -عبر تعيينه مدير أعمال لتجارتها ثم الزواج به- إلى دائرة الفكر النوفلي، وابن نوفل في فتح قلبه وعقله له وتقديم العون له بوسائله الممكنة
…
إلى أن قال: بيد أنه يبدو أن دائرة معارف خديجة من النصارى كانت واسعة ومتنوعة في مكة (2).
إذن فالإسلام ذو أصول نصرانية، بل هو نسخة نصرانية معدلة.
مع أننا نقطع الطريق على تيزيني منذ البداية فنقول له: اثبت العرش ثم انقش، اثبت صحة الأخبار التي تستند إليها في استنتاجاتك ثم استنتج.
ثم يمضي باحثنا
(1) مقدمات أولية (2
(2)
نفس المرجع (270).
المغوار في تحليلاته فيقول: إن النوافلة هم الذين استشرفوا نبوة محمد (أمُّ قتال أخت ورقة)، وهم الذين هيؤوا لها ورافقوها وأظهروا أسرارها لصاحبها، وهم الذين آمنوا بها ودافعوا عنها وأحاطوا صاحبها بالحماية المعنوية والمادية (خديجة)، وهم الذين ظلوا أوفياء لها في مراحل انتصارها وعزها (أم ورقة)
…
(1)
يلغي تيزيني أيّ اعتبارات غيبية من طرحه، أي: كونه صلى الله عليه وسلم نبيا مرسلا من عند الله.
فلا يعدو محمد في نظره أن يكون صنيعة نصرانية بامتياز. وخديجة لم تكن إلا وسيطا عند هؤلاء (2).
ويزيد مؤكدا أن العلاقة بين خديجة والنبي صلى الله عليه وسلم لم تكن علاقة حب عاطفي أو زواج عادي، بل كان شيئا مخططا له من قبل ورقة بن نوفل ونسطاس النصرانيين، وإن مراقبة محمد استمرت 15 سنة منذ عودته من الشام تمت فيها عملية تأهيله الثقافي الديني اللازمة. وإذا، إذا أسفر الموقف عن هذه الوضعية العمومية لم لا تكون خديجة بنت عم ورقة قد هُيئت هي بدورها للقيام بمهمة الزوجة لمحمد أو بتعبيرها أمرت بذلك؟ (3).
وتكلم تيزيني بكلام طويل حول تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بنصارى زمانه وخاصة الفرقة النسطورية والعلاقات التي كانت تربطه بهم (4). في جهد حثيث لإحياء اتهامات كفار قريش {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} .
وأكد تيزيني على جملة
(1) نفس المرجع (272).
(2)
نفس المرجع (273).
(3)
نفس المرجع (274).
(4)
نفس المرجع (283).
أمور من بينها: إن الإسلام في بواكيره الأولى مثَّل تواصلا مع النصرانية (1) وارتباطا عقائديا وسياسيا وعسكريا معها (2).
واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم تلميذا لورقة بن نوفل النصراني (3). وقال: أما ورقة بن نوفل فقد يكون الشخصية الأكثر تأثيرا وحسما في حياة النبي الجديد (4).
وقال: وإذا ما استبقينا ورقة بمثابته القس الضليع والذي تتلمذ محمد على يديه في طور التلمذة (5).
وقال عن ورقة وقس بن ساعدة: إذا كنا حتى الآن قد تعرفنا إلى شخصيتين انتمتا بوضوح كاف إلى النصرانية الحنيفية، وأسهمتا على نحو مباشر في بلورة الشخصية الذهنية الدينية للفتى محمد (6).
وقال عن ورقة وزيد بن عمرو بن نفيل: إن هذين الرجلين أثرا تأثيرا عميقا ومباشرا وصريحا في تكوين الشخصية الثقافية الاعتقادية المحمدية إلى درجة لا يمكن غض النظر عنها منهجيا نظريا وتاريخيا (7).
وقال عن أمية بن أبي الصلت وورقة وزيد بن عمرو بن نفيل: فهؤلاء جميعا كونوا قاعا تاريخيا عميقا للحركة الإسلامية المحمدية، كما أسهموا في ضبط إيقاعها على نحو أولي (8).
وقال: إن محمدا يمثل الوريث الشرعي الأكثر حزما ووضوحا لرواد
(1) نفس المرجع (287).
(2)
نفس المرجع (289).
(3)
نفس المرجع (340).
(4)
نفس المرجع (317).
(5)
نفس المرجع (522).
(6)
نفس المرجع (351).
(7)
نفس المرجع (357).
(8)
نفس المرجع (377).
الحنيفية النصرانية الكبار والصغار، والمشهورين والمغمورين، الذين كان الحجاز يعج بهم في النصف الثاني من القرن السادس ومطالع القرن السابع على الأقل (1).
وقال عن مواعظ النصارى مثل قس بن ساعدة، فمثل هذه المواعظ كانت تترك أثرا عميقا في شخصية محمد، خصوصا وأنها تمحورت حول التحذير من يوم الحساب، بأهواله على المذنبين وبمتعه على المؤمنين، كما تمحورت حول جهنم والجنة والصراط
…
إلخ (2).
بل الأكثر من كل ما تقدم فقد جزم تيزيني في خفة لا يحسد عليها بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بداية أمره وإلى فترة تالية نصرانيا حنيفيا (3).
وبعد صفحتين أكد على أنه تأثر بالتلمود أي: باليهودية وخصوصا في مسألة تعدد الزوجات والطلاق (4).
(1) نفس المرجع (375 - 376).
(2)
نفس المرجع (588).
(3)
نفس المرجع (3
(4)
نفس المرجع (329).