الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نماذج من النقد التاريخي للقرآن:
يرى أركون أن في سورة التوبة وسور أخرى في القرآن مفاهيم «دين الحق» «الدين القويم» «الإسلام» محركة من قبل فاعلين ذوي مصالح مباشرة، يقومون بالمزايدة على نفس رهانات الحقيقة والنجاة لدى فئات أخرى كاليهود والمسيحيين والمشركين والكفار والمنافقين (1).
هكذا يصور أركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام: أصحاب مصالح يقومون بالمزايدة على مخالفيهم.
ثم زادنا من تحليلاته النقدية التي تغوص إلى أعماق المفاهيم ولا تقف عن الظواهر والشكليات كما هو شأن الفقهاء والأصوليين الدوغمائيين فقال: ونلاحظ أن مفهوم الله الواحد مبلور ليس من أجل مضامينه الخاصة، وإنما أولا وقبل كل شيء من أجل تسفيه طريقة استخدامه من قبل أهل الكتاب، تقول السورة:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} التوبة30 (2).
إذن الهدف هو تسفيه الآخرين، وليس المقصود إيضاح معنى الألوهية وما يجب لله من التنزيه.
ونقرأ في كتاب آخر له نموذجا آخر من تشكيكاته في القرآن تحت ستار القراءة التاريخية، ولننقل النص بتمامه قال: نضرب على ذلك مثلا كلمة «عزير» الواردة في الآية الثلاثين من سورة التوبة المذكورة آنفا، فالآية تقول بأن اليهود يعترفون به
(1) القرآن من التفسير الموروث (70).
(2)
نفس المرجع.
كابن لله. فما هي حقيقة الأمر يا ترى؟ ينبغي الاعتراف هنا بأن المفسرين المسلمين القدامى كانوا جديين، وكانت لهم ميزة التساؤل عن هوية عزير هذا. بل ويصل الأمر بالطبري إلى حد القول بأنه ليس من المعتاد أن يعبر اليهود عن اعتقاد كهذا. أما البحث الأكاديمي الحديث فيقول لنا بعد طول تنقيب وتبحر (1) في الموضوع بأن عزير هذا ما هو إلا الحاخام الأكبر عزرا الذي ساهم في إعادة بناء المعبد اليهودي بعد عودة اليهود من منطقة وادي الرافدين إلى أورشليم (القدس) في فلسطين. ولكن هذه المعلومة التاريخية لم تعد تخطر على بال أغلبية المسلمين المعاصرين. لماذا لا يهتم المسلمون المعاصرون بمثل هذه المعلومات الدقيقة عن الآية؟ (2) لأن القراءة التاريخية للقرآن أو قل التفسير التاريخي لآياته يؤدي إلى التشكيك بذلك التصور الأرثوذكسي المرسخ في الوعي الجماعي عن القرآن بصفته كلام الله الحرفي النازل من السماء على الأرض والمنقول من فم الله كلمة كلمة إلى البشر عن طريق النبي. هذه الصورة المرسخة في الوعي الجماعي الإسلامي تهتز إذا طبقنا التفسير التاريخي على القرآن. ولذلك فإنهم يتحاشونه بأي شكل ويتهمون المستشرقين الفيلولوجيين بمحاولة تدمير الإسلام (3).
وهذا كلام في غاية الوضوح، فهو يريد أن يقول إن قول الله تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ} ، كذب على اليهود فلم يقولوا هذا أبدا، وقد أثبت البحث التاريخي أن عزيرا حاخام كبير فيهم فقط.
إلى هذه الدرجة
(1) هكذا يضخم الأمر، وكأن الموضوع مراقب بمجهري ضخم أو تحت تحليل مخبري معقد.
(2)
لأنها لا دليل على صحتها في نظرهم. وعلى فرض صحتها لا مناقضة بينها وبين ما ذكره المفسرون ومنهم الطبري أن عزيرا هذا كان عابدا فيهم كتب التوراة بيده كاملا من حفظه فلما عارضوه بنسخ كانت عندهم وجدوها مطابقة لها، فزعموا أنه لابد أن يكون ابنا لله.
(3)
نحو نقد العقل الإسلامي (68 - 69).
يسلب الرجل عقله واعتداله.
وما المانع أن يكون اليهود اعتقدوا في هذا الحاخام أنه ابن الله؟ هذا إذا سلمنا بهذه المعلومة التاريخية!!.
أما وكُل المعلومات التاريخية عن العصور ما قبل الإسلام في موضع الشك لأنها لم تنقل بالأسانيد الصحيحة، بل كلها بين ناقلها وأصلها عشرات السنوات بل القرون.
فكيف يكذب كلام الله وتصحح تلك الروايات البعيدة كل البعد عن الصحة والصدق؟.
أم مادامت تخدم المشروع العلماني فهي صحيحة وصادقة؟ بينما إذا تعلق الأمر بما نقله المسلمون عن ربهم أو نبيهم فتلك أخبار مشكوك فيها دخلها الوضع والكذب.
وفي كتابه الفكر الإسلامي (94) ذكر نموذجا آخر للقراءة السيميائية الدلالية لأية أخرى من سورة التوبة، صور فيها النبي صلى الله عليه وسلم بطلا عربيا يستفيد من التناقضات الموجودة في البيئة العربية لتكريس سلطته من خلال خلق ما سماه العصبية المقدسة (103 - 105) وأن صراعه مع مخالفيه صراع إيديولوجي (104).
وهكذا في تفاهات من هذا الشكيلة، كلها تدور على نزع صفة النبوة عن النبي والتعامل معه على أساس أنه قائد سياسي همه الصراع وتحقيق مآرب سياسية.