الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قياس الشبه
هذا المسلك هو السادس من مسالك العلة، وقد نقله السيوطي في (الاقتراح) ملخصًا عن كتاب (لمع الأدلة)، الفصل الخامس عشر؛ حيث بدأه أبو البركات الأنباري بتعريفه فقال:"اعلم أن قياس الشبه أن يُحمل الفرع على الأصل بضرب من الشبه، غير العلة التي عُلق عليها الحكم في الأصل"، وبهذا التعريف علمنا من بداية الأمر أن بين مسلك المناسبة والإخالة، وبين مسلك قياس الشبه اتفاقًا وافتراقًا، فأما الاتفاق بينهما فمن جهة أن كليهما حمل الفرع على الأصل، وأما الافتراق فلأن العلة التي في الفرع هي عين العلة التي عُلق عليها الحكم في الأصل في المناسبة والإخالة، أما في قياس الشبه فالعلة التي في الفرع غير العلة التي عُلق عليها الحكم في الأصل، وإنما هي بضرب من الشبه، وذلك مثل أن يُدل على إعراب الفعل المضارع أي: حملًا على إعراب الاسم الثابت بعلة المناسبة والإخالة، بأنه يتخصص بزمن معين بعد أن كان شائعًا في زمني الحال والاستقبال، ويخصص لأحدهما بالقرينة.
قال الأنباري: "وبيان ذلك أنك تقول: يقوم فيصلح للحال والاستقبال، فإذا أدخلت عليه السين اختص بالاستقبال، كما أنك تقول: رجل، فيصلح لجميع الرجال، فإذا أدخلت عليه الألف واللام فقلت: الرجل اختص برجل بعينه، فلما اختص هذا الفعل بعد شياعه، كما كان الاسم يختص بعد شياعه؛ فقد شابه الاسم، والاسم معرب، فكذلك ما شابهه أي: أن الفعل المضارع يدل على حدث شائع في زمنين هما الحال والاستقبال، وصالح لأن يتخصص لأحدهما بالقرينة ككلمة الآن، التي تخصصه للحال وما في معناها، ولام
الابتداء، ونفيه بليس أو ما، أو إن، أو ككلمة غد التي تخصصه للمستقبل، ومثلها بقية ظروف المستقبل ونواصب المضارع، واقتضاؤه طلبًا أو وعدًا، وسبقه بأداة ترج، أو سبقه بلو المصدرية، أو حرف تنفيس، واتصاله بنون التوكيد. كما أن الاسم يتخصص بعد شياعه أي: فإنه يكون شائعًا كرجل، ثم يتخصص بقرينة كالوصف، والألف واللام، والإضافة فيصير معينًا، فقد شابه الفعل المضارع الاسم في الشياع وصلاحية التخصص، فكان معربًا كالاسم لذلك.
والعلة الجامعة بين الفرع والأصل في هذا القياس هي الاختصاص بعد الشياع، أو أن يدل على إعراب المضارع بأنه يدخل عليه لام الابتداء كقوله عز وجل:{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (النحل: 124) فكان معربًا كالاسم لذلك"، قال الأنباري: "أو أن يدل على إعرابه بأن تدخل عليه لام الابتداء كما تدخل على الاسم، والاسم معرب، فكذلك هذا الفعل" وبيانه أنك تقول: إن زيدًا لا يقوم، كما تقول: إن زيدًا لقائم، وقائم معرب، فكذلك ما قام مقامه. والعلة الجامعة بين الفرع والأصل في هذا القياس هي دخول لام الابتداء عليه، أو أن يُدل على إعراب المضارع بجريانه على لفظ اسم الفاعل في مطلق الحركات والسكون، وعدد الحروف، وتعيين الأصول والزوائد، كما في يضرب وضارب، ويكرم ومكرم، وينطلق ومنطلق، ويستخرج ومستخرج. فكذلك كان الفعل المضارع مضارعًا أي: مشابهًا للاسم في هذه الأشياء، فكان معربًا، والعلة الجامعة بين الفرع والأصل في هذا القياس هي جريانه على الاسم المعرب في حركاته وسكناته.
وختم الأنباري هذا الفصل بذكره أن قياس الشبه قياس صحيح يجوز التمسك به في الأصح كقياس العلة أي: كقياس المناسبة، لأن كلا القياسين يوجبان غلبة