المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم ما ورد شاذا في القياس مطردا في الاستعمال - أصول النحو ٢ - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 نشأة العلة النحوية وذكر بعض الأمثلة لها

- ‌مفهوم العلة النحوية

- ‌نشأة العلة النحوية في القرنين الأول والثاني

- ‌بعض أمثلة العلة النحوية عند المتقدمين من علماء القرن الثاني الهجري في ضوء ما ورد في كتاب سيبويه

- ‌الدرس: 2 أمثلة العلة النحوية للخليل وسيبويه

- ‌بعض أمثلة التعليل النحوي للخليل بن أحمد، وسيبويه

- ‌العلة النحوية في القرن الثالث الهجري

- ‌أثر علوم المنطق والكلام والشريعة في العلة النحوية

- ‌الدرس: 3 العلة في القرن الرابع الهجري وأبرز النحاة الذين كان لهم الفضل في ذلك

- ‌ظهور تطور العلة النحوية في القرن الرابع الهجري

- ‌أبرز العلماء المهتمين بالعلة النحوية في القرن الرابع الهجري

- ‌الدرس: 4 أبرز العلماء الذين تحدثوا عن العلة النحوية في القرن الرابع الهجري

- ‌أبرز العلماء المهتمين بالعلة النحوية في القرن الرابع الهجري حتى القرن العاشر الهجري

- ‌رأي سيبويه في وثاقة العلة النحوية

- ‌رأي ابن جني وابن الفرخان صاحب (المستوفى) في وثاقة العلة النحوية

- ‌الدرس: 5 صنفا علل النحويين وذكر بعض الأمثلة لكل صنف منهما وتحليلها

- ‌اعتلالات النحويين

- ‌ذكر بعض الأمثلة لكل صنف وأنواعها

- ‌انقسام العلة إلى موجبة للحكم وإلى مجوزة له

- ‌انقسام العلة إلى بسيطة وإلى مركبة

- ‌الدرس: 6 جواز التعليل بعلتين وجواز تعليل حكمين بعلة واحدة

- ‌تعليل الحكم الواحد بعلتين

- ‌جواز تعليل حكمين بعلة واحدة

- ‌تعارض العلل

- ‌الدرس: 7 مسالك العلة

- ‌الإجماع

- ‌ النص

- ‌الإيماء

- ‌السبر والتقسيم وبعض من أمثلته عند ابن جني

- ‌أمثلة السبر والتقسيم عند أبي البقاء، وابن فلاح

- ‌الدرس: 8 العلة في ضوء ما ورد في كتاب (الاقتراح) للسيوطي

- ‌مسلك التقسيم عند أبي البركات الأنباري

- ‌مسلك المناسبة

- ‌قياس الشبه

- ‌مسلك الطرد

- ‌الدرس: 9 القوادح في العلة

- ‌النقض

- ‌تخلف العكس

- ‌عدم التأثير

- ‌القول بالموجب

- ‌الدرس: 10 تابع القوادح في العلة

- ‌فساد الاعتبار

- ‌فساد الوضع

- ‌المنع للعلة

- ‌المطالبة بتصحيح العلة

- ‌المعارضة

- ‌الدرس: 11 الاستصحاب

- ‌نظرة تأريخية في ظهور مصطلح "استصحاب الحال" في علم أصول النحو

- ‌من مسائل الاستصحاب في النحو العربي

- ‌الدرس: 12 تابع الاستصحاب

- ‌الاستصحاب من الأدلة المعتبرة

- ‌استصحاب الحال من أضعف الأدلة

- ‌الاعتراض على الاستدلال بالاستصحاب

- ‌الاستدلال بالعكس

- ‌الاستدلال بالأصول

- ‌الدرس: 13 عدم النظير

- ‌معنى عدم النظير، ومتى يحتج به

- ‌أمثلة من احتجاج النحويين بعدم النظير

- ‌احتجاج أبي البركات الأنباري والسيوطي بعدم النظير

- ‌الدرس: 14 الاستدلال بالاستحسان

- ‌معنى الاستحسان، ومكانته بين أدلة النحو

- ‌مناقشة أمثلة الاستحسان التي وردت في (الاقتراح) في ضوء نص ابن جني

- ‌مناقشة مثالين آخرين من أمثلة الاستحسان الأخرى التي وردت في (الخصائص) ولم يذكرها (الاقتراح)

- ‌الدرس: 15 بعض مباحث التعارض والترجيح

- ‌المراد بالتعارض والترجيح

- ‌حكم تعارض نقلين

- ‌حكم ترجيح لغة على أخرى

- ‌اللغة الضعيفة أولى من الشاذ

- ‌الأخذ بأرجح القياسين عند تعارضهما

- ‌الدرس: 16 الحكم في تعارض السماع والقياس

- ‌حكم ما ورد شاذًّا في القياس مطردًا في الاستعمال

- ‌حكم ما شذ في الاستعمال وقوي في القياس

- ‌حكم ما ضعف في القياس والاستعمال جميعًا

- ‌الدرس: 17 من صور التعارض والترجيح

- ‌ما كثر استعماله مقدم على ما قوي قياسه

- ‌الحكم في معارضة مجرد الاحتمال للأصل والظاهر

- ‌الحكم في تعارض الأصل والغالب

- ‌تعارض أصلين

- ‌الدرس: 18 تابع صور التعارض والترجيح

- ‌تفضيل السماع والقياس على استصحاب الحال

- ‌الحكم في تعارض قبيحين

- ‌المجمع عليه أولى من المختلف فيه

- ‌الحكم عند تعارض المانع والمقتضي

- ‌الدرس: 19 تابع صور التعارض والترجيح

- ‌الحكم إذا كان أحد القولين المتعارضين مرسلًا والآخر معللًا

- ‌الحكم إذا كان القولان المتعارضان مرسلين وأمكن تأويل أحدهما

- ‌الحكم إن لم يمكن التأويل

- ‌الدرس: 20 ما رجحت به لغة قريش على غيرها

- ‌مصادر لغة قريش

- ‌صفاء لغة قريش وخلوها من مستبشع اللغات

- ‌الدرس: 21 الترجيح بين مذهب البصريين ومذهب الكوفيين

- ‌الاتفاق على أن البصريين أصح قياسًا وأن الكوفيين أوسع رواية

- ‌احتكاك المدرستين عن طريق المناظرات النحوية

- ‌مما رجح فيه رأي الكوفيين

الفصل: ‌حكم ما ورد شاذا في القياس مطردا في الاستعمال

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السادس عشر

(الحكم في تعارض السماع والقياس)

‌حكم ما ورد شاذًّا في القياس مطردًا في الاستعمال

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن والاه؛ أما بعد:

تكرر حديث ابن جني في (الخصائص) عن القياس والسماع؛ لكونهما في مقدمة أدلة النحو المعتمدة، كما تكرر حديثه عن الاطراد والشذوذ، وذكر غيرَ مرةٍ أن الكلام إذا كان مطردًا في القياس والاستعمال جميعًا كان هو الغاية المطلوبة والمثابة المنوبة، وأن ذلك ما لا غايةَ وراءه ولا هدف بعده نحو منقاد اللغة من النصب بحروف النصب، والجر بحروف الجر والجزم بحروف الجزم وغير ذلك، مما هو فاشٍ في الاستعمال قوي في القياس. ومن ذلك حديثه في باب: القول على الاطراد والشذوذ، وذكر فيه أن الكلام في الاطراد والشذوذ على أربعة أضرب: مطرد في القياس والاستعمال جميعًا، ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال، ومطرد في الاستعمال شاذ في القياس، وشاذ في القياس والاستعمال جميعًا. وذكر حكمَ كل ضرب منها وبعضَ أمثلته، ثم أفرد بابًا عنوانه: باب في تعارض السماع والقياس في الجزء الأول أيضا من (الخصائص).

وقد فَصَّل فيه ما أجمله في الباب الأول، ولكنه أكد في البابين على قوانينَ تُعد من الثوابت في العربية. وفي مقدمة هذه القوانين: أن أقوى الكلام ما كان فاشيًا في الاستعمال قويًّا في القياس، وذلك نحو: قام زيد، وأكرمت عمرًا، ومررت بسعيد، أي: ما كان مراعيًا للقواعد المطردة المستنبطة من كلام العرب الفصحاء الموثوق بعربيتهم، وأن السماع والقياس إذا تعارضَا نطقت بالمسموع على ما جاء عليه، أي: لأنه نص وأصل ولم تقسه في غيره، أي: في غير ما ورد من النص؛ لاقتضاء القياس المنع من ذلك، وأجزتَ الوارد لوروده مقتصرًا عليه دون قياس ما وراءه عليه لمخالفته القياس، أي: إذا كان قياس النحويين يؤدي إلى حكم من

ص: 245

الأحكام يخالف الحكم الذي يؤدي إليه المسموع، فليس لك أن تحدث في المسموع تغييرًا، وإنما عليك أن تنطق به كما سُمع عن العرب ولا تقيسه في غيره؛ لأنه ليس بقياس، لكنه لا بد من قبوله؛ لأنك إنما تنطق بلغتهم وتحتذي في ذلك -أي: وتتبع في ذلك- أمثلتهم، ثم إنك من بعد لا تقيس عليه غيره، وهذا ما يعرف بأنه شاذ في القياس مطرد في الاستعمال، وذلك نحو قوله تعالى:{اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} (المجادلة: 19).

فهذا النص القرآني يقتضي إبقاء الواو في قوله: {اسْتَحْوَذَ} على حالها وهذا ليس بقياس؛ لأن القياس يقتضي انقلابها ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ومع قبوله بحاله كما ورد في النص الكريم لا تقِس عليه غيره، فلا تقل في استقام: استقوم، ولا في استباع: استبيع، بل تجيء بذلك على ما يقتضيه القياس، فتقلب كلًّا من الواو والياء ألفًا، وتقتصر في إبقاء المسموع عن العرب مخالفًا لذلك بحاله عن الوارد عنهم، المسموع منهم، فتكون بذلك جامعًا بين إعمال النص وإعمال القياس.

ومما ورد من هذا النوع مخالفًا للقياس قولهم لمن ذل بعد عز: استنوق الجمل، أي: صار كالناقة في ذلها، وقولهم لمن أشبه الفيل في عظمه: استفيل الجمل، أي: صار كالفيل في ضخامته، وقولهم: استتيست الشاة، أي: صارت كالذكر من المعز، وذكر ابن جني أن استنوق واستفيل واستتيسَ مع شذوذه أسهل من استحوذ، وذلك أن استحوذ فعل مزيد بالألف والسين والتاء، وقد تقدمه فعله الثلاثي المجرد المعتل، وهو حاذ يحوذ نحو قول العجاج يصف ثورًا وكلابًا:

يحوذهن وله حُوذي

كما يحوذ الفئة الكَمِي

يروَى بالذال والزاي: يحوذهن ويحوزهن، أي: يسوقهن السوق الشديد، والحوذي والحوزي: هو السائق المُجِد المستحث على السير. قال ابن جني مشيرًا

ص: 246

إلى احترام المسموع مع شدة مخالفته للقياس: "فلما كان استحوذ خارجًا عن معتل -يعني: حاذ يحوذ- وجب إعلاله؛ إلحاقًا في الإعلال به، وكذلك باب: أقام وأطال واستعاذ واستزاد، مما يسكن ما قبل عينه في الأصل. ألا ترى أن أصل أقام: أقوم، وأصل استعاذ: استعوذ، فلو أخلينا وهذا اللفظ أي: الذي عليه هذا الأصل، لاقتضت الصورة تصحيح العين لسكون ما قبلها، يعني: لبقيت الواو من غير إعلالها بقلبها ألفًا لسكون ما قبلها، غير أنه لما كان منقولًا ومخرجًا من معتل هو قام وعاذ، أُجري أيضًا في الإعلال عليه. وليس كذلك: استنوق الجمل واستتيست الشاة؛ لأن هذا ليس منه فعل معتل. ألا تراك لا تقول: ناقَ ولا تاس؟ إنما الناقة والتيس اسمان لجوهر، لم يصرف منهما فعل معتل، فكان خروجهما على الصحة أمثلَ منه في باب: استقام واستعاذ، وكذلك: استفيل"، انتهى.

يقارن ابن جني في النص السابق بين الشذوذ القياسي في الكلمات: استنوق واستتيس واستفيل، والشذوذ في كلمة: استحوذ، فيذكر أن الشذوذ في الكلمات الأول أسهل من الشذوذ في الكلمة الأخيرة، وذلك أن استحوذ تقدمها فعلها الثلاثي المجرد وهو حاذ، وهو فعل أجوف واوي العين، وقد أعل بقلب واوه ألفًا، فكان القياس يوجب إلحاق مزيد هذا الفعل به في الإعلال، فيقال: استحاذ، هذا ما كان يقتضيه القياس، وما يقتضيه في كل فعل أجوف من بابي: أفعل واستفعل، نحو: أقام وأطال واستعاذ واستزاد، فهذه الأفعال المزيدة ونحوها قد أُعلت فيها العين وهي واو أو ياء بقلبها ألفًا؛ حملًا على إعلال مجردها، فأصل الفعل أقام: أقوم، ووزنه: أفعل، فَأُعِل بقلب عينه وهي الواو ألفًا بعد نقل حركتها إلى الساكن الصحيح قبلها، وهو القاف.

ص: 247

ولولا نقل حركة الواو إلى الساكن قبلها ما قُلبت ألفًا؛ حتى لا يلتقي ساكنان، وإنما كان لا بد لإحداث قلب هذه العين المحركة في الأصل ألفًا أن يفتح ما قبلها؛ حتى تكون الواو قد تحركت في الأصل وانفتح ما قبلها بعد نقل حركتها، وحينئذٍ تُقلب ألفًا؛ إجراءً للفعل المزيد مجرى فعله المجرد في الإعلال. وهكذا في بقية الأفعال التي على هذه الصفة من أفعال هذين البابين، فأطال أصله: أطول، واستعاذ أصله: استعوذ، واستزاد أصله: استزيد، وقد فُعل فيها ما فعل بأقام؛ حملًا للمزيد على مجرده في الإعلال. أما: استنوق واستتيس واستفيل ونحوها مع شذوذها وخروجها عن القياس، فأمر شذوذها أسهل، إذ لم يتقدمها فعل معتل؛ لأن الناقة والتيس والفيلَ أسماءُ ذوات، فكان خروجها إلى الصحة وعدم الإعلال أيسر من خروج استحوذ.

وذكر ابن جني أن مما ورد شاذًّا عن القياس ومطردًا في الاستعمال أيضًا قولهم: الحَوَكَة، في جمع الحائك الذي ينسج الثياب، والخونة؛ وذلك لأن الواو فيهما قد تحركت وانفتح ما قبلها، فكان مقتضى القياس قلبها ألفًا لا تصحيحها، ولكنهم صححوا العين فيها؛ تنبيهًا على الأصل، وقد قالوا على القياس: خانه، ومع شذوذ الحوكة والخونة، هما في الاستعمال غير متأبيين، فهما شائعان، ولكنهما لا يقاس عليهما، فلا يقال في جمع قائم: قومة، ولا في جمع صائم: صومة، ولو جمع ذلك على وزن فَعلة ما كان إلا معلًّا.

ومما ورد شائعًا في الاستعمال شاذًّا عن القياس قولهم: أقائم أخواك أم قاعدان؟ قال ابن جني: "ومن ذلك قول العرب: أقائم أخواك أم قاعدان؟ هذا كلامها، قال أبو عثمان: والقياس يوجب أن تقول: أقائم أخواك أم قاعد هما؟ إلا أن العرب لا تقوله إلا: قاعدان، فتصل الضميرَ، والقياسُ يوجب فصلَه؛ ليعادل

ص: 248

الجملة الأولى"، انتهى. وبيان ذلك: أن المبتدأ في القول المذكور هو اسم الفاعل قائم، وقد رفع فاعلًا مستغنيًا به عن الخبر وهو أخواك، وأَمْ حرف عطف، وقاعدان معطوف على الوصف المستغني بمرفوعه عن الخبر، وفاعله ضمير مستتر فيه تقديره هما، والضمير المستتر بمنزلة الضمير المتصل، وقد ذَكر كثير من النحويين منهم أبو الحسن الأشموني: أن مرفوع الوصف المستغني بمرفوعه عن الخبر إما أن يكون اسمًا ظاهرًا كالمثال المذكور، وإما أن يكون ضميرًا منفصلًا، كقوله تعالى:{قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} (مريم: 46).

وبذلك يكون ما بعد العاطف في المثال المذكور قد خالف القياس؛ لأن الوصف المعطوف رفع ضميرًا متصلًا، والقياس يوجب أن يكون ضميرًا منفصلًا. ومن هنا رأى أبو عثمان المازني: أن القياس يوجب أن يقال: أم قاعد هما؟ ليحصل التعادل بين الجملتين، فيعطف قاعد على قائم ويكون مرفوع الوصف الأول اسمًا ظاهرًا، ومرفوع الوصف الواقع بعد العاطف ضميرًا منفصلًا. وقال ابن هشام:"قاعدان مبتدأ؛ لأنه عطف بـ"أم" المتصلة على المبتدأ، وليس له خبر ولا فاعل منفصل، وإنما جاز؛ لأنهم يتوسعون في الثواني"، انتهى. فأشار ابن هشام إلى فاعلية الضمير المستتر وإغنائه عن الخبر على خلاف القياس؛ لأنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، أي: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع، وجوز غيره كون الوصف الثاني خبر مبتدأ محذوف، أي: أم هما قاعدان؟ فتكون أم منقطعة.

ولا يقف احترام المسموع عن العرب عند حد تقديمه على القياس عند تعارضهما عند هذا الحد، بل إن ابن جني ينقل لنا وصيةً عن أبي الحسن الأخفش،

قال ابن جني: "واعلم، أنك إذا أداك القياس إلى شيء ما، ثم سمعت العرب قد نطقت

ص: 249