الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العشرون
(ما رجحت به لغة قريش على غيرها)
مصادر لغة قريش
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
إن لغة العرب هي إحدى اللغات السامية، وقد انقسمت هذه اللغة إلى لهجات عديدة في أنحاء شبه الجزيرة العربية، وأدَّى إلى هذا الانقسام أن أصحاب اللغة الواحدة كانوا يعيشون في بيئة جغرافية واسعة، تختلف الطبيعة فيها من مكان إلى مكان، وأدَّى هذا الاختلاف إلى وجود لهجات تنتمي إلى اللغة نفسها. وقد عُرفت هذه اللهجات عند القدماء باسم اللغات، وقد عقد ابن جني بابًا في (الخصائص) عنوانه: اختلاف لغات العرب وكلها حجة، والمراد باللغات اللهجات، وكذلك قول السيوطي:"لغة قريش"، يريد به لهجتها التي تنتمي إلى اللغة العربية. فاللهجة أخص من اللغة، واللغة أعم منها؛ لأن العلاقة بين اللغة واللهجة هي العلاقة بين العام والخاص، إذ إن اللهجة طريقة معينة في الاستعمال اللغوي، توجد في بيئة خاصة من بيئات اللغة الواحدة. وقد اتفق القدماء على أن لهجة قريش هي أفصح اللهجات العربية وأعلاها، وأنها اللغة التي سادت شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام.
يقول ابن فارس رحمه الله: "أجمع علماؤنا بكلام العرب والرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم، وأيامهم، ومحالهم أن قريشًا أفصح العرب ألسنة، وأصفاهم لغة، وذلك أن الله -جل ثناؤه- اختارهم من جميع العرب واصطفاهم، واختار منهم نبي الرحمة محمدًا صلى الله عليه وسلم، فجعل قريشًا قُطَّان حرمه، وجيران بيته الحرام، وولاته، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم، يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم، وكانت قريش تعلمهم مناسكهم وتحكم بينهم، ولم تزل العرب تعرف لقريش فضلها عليهم، وتسميها أهل الله؛ لأنهم
الصريح من ولد إسماعيل عليه السلام لم تشبهم شائبة، ولم تنقلهم عن مناسبهم ناقلة، فضيلة من الله -جل ثناؤه- لهم وتشريفًا، إذ جعلهم رهط نبيه الأَدْنَيْن، وعترته الصالحين" انتهى.
وإنما كانت لغة قريش هي اللغة الغالبة لعدة أسباب: منها أن قبيلة قريش هي القبيلة التي قامت بخدمة البيت الحرام، والعناية بشئونه، واستضافة الحجيج وسقايتهم، وتعليمهم مناسكهم، وقد كان العرب من مختلف القبائل يحجون إلى بيت الله الحرام، ويتحدثون بلغاتهم المختلفة، وكانت قريش تستمع إلى هذه اللغات، فتختار منها أحسنها وأصفاها، وتترك منها ما تراه مخلًّا بالفصاحة، وقد نقل السيوطي عن أبي نصر الفارابي أن قريشًا كانت أجود العرب انتقادًا للأفصح من الألفاظ، وأسهلها على اللسان عند النطق، وأحسنها مسموعًا وإبانة عما في النفس. ومن هنا كانت لغة قريش هي أفصح لغات العرب، والسبب في ذلك أنها تكلمت بما استحسنته من لغات العرب، وقد نقل السيوطي عن الفراء قوله:"كانت العرب تحضر الموسم في كل عام، وتحج البيت في الجاهلية، وقريش يسمعون لغات جميع العرب، فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به، فصاروا أفصح العرب، وخلت لغتهم من مستبشع اللغات، ومستقبح الألفاظ" انتهى.
ومعنى ما ذكره السيوطي: أن قريشًا كانت تنتقي من الألفاظ أفصحها، ومن التراكيب أسهلها، وقد أدَّى ذلك إلى أن تكون للغة قريش الغلبة على غيرها من اللغات، حتى أصبحت لغة عامة العرب، استعملتها القبائل المختلفة في نتاجها الأدبي من شعر، ونثر، وإن احتفظت كل قبيلة بخصائصها اللهجية، فيما يدور بين أبنائها من حديث يومي، ومن هنا تجلت حكمة الخالق تبارك وتعالى حين اختار هذه اللغة؛ لتكون لغة القرآن الكريم.