الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يجز أن يتسلط على عمل الجر، فلهذه العلة لم يجز العطف عندهما على عاملين، لذلك حملوه على حذف المضاف" انتهى.
وقال ابن مالك في (شرح التسهيل): "العطف على عاملين بمنزلة تعديتين بمعدٍّ واحد، فلا يجوز"، والخلاصة المستنبطة أن المتكلم بنحو المثل المذكور بين أمرين قبيحين، إما أن يعطف على عاملي عاملين مختلفين، وإما أن يدعي حذف المضاف، وذلك مع قبحه أهون الضررين وأقل القبحين.
المجمع عليه أولى من المختلف فيه
إذا تعارض أمر أجمع عليه النحويون من البصريين والكوفيين، وأمر آخر اختلفوا فيه، فإن الرأي المجمع عليه أولى من الرأي المختلف فيه؛ لأن للإجماع مكانته عند علماء العربية، وقد عدَّه ابن جني من أصول النحو الغالبة، كما ذكر الشاطبي رحمه الله أن إجماع النحويين كإجماع الفقهاء وإجماع المحدِّثين، وكل علم اجتمع أربابه على مسألة منه؛ فإجماعهم حجة ومخالفهم مخطئ، وإذا كان الأمر كذلك فإن الرأي المجمع عليه أولى من الرأي المختلف فيه.
ولذلك قال السيوطي: "إذا تعارض مجمع عليه ومختلف فيه فالأول أولى"، وذكر مثالًا لذلك، وهو أنه إذا كان الشاعر مضطرًا إلى قصر الممدود أو مد المقصور، فارتكاب الأول أولى؛ لإجماع البصريين والكوفيين على جوازه أي: على جواز قصر ممدود، ومنع البصريين الثاني أي: وهو مد المقصور. وفي (الإنصاف) قال أبو البركات: "أجمعوا على أنه يجوز قصر الممدود في ضرورة الشعر، إلا أن الفراء من الكوفيين اشترط في مد المقصور وقصر الممدود شروطًا لم يشترطها غيره، وذكر مثل ذلك أبو سعيد السيرافي في كتابه (ضرورة الشعر).
ومن الشروط التي اشترطها الفراء أنه لا يجوز أن يُمد من المقصور ما لا يجيء في بابه ممدود، فنحو: فَعْلى تأنيث فعلان مثل: سكرى وعطشى، هذا لا يجوز أن يمد، لأن مذكره سكران وعطشان، وفعلى تأنيث فعلان لا تجيء إلا مقصورة، ولا يجوز أن يقصر من الممدود ما لا يجوز أن يأتي في بابه مقصور نحو: تأنيث أفعل مثل: بيضاء وسوداء، فهذا لا يجوز أن يقصر؛ لأن مذكره أبيض وأسود، وفعلاء مؤنث أفعل لا يكون إلا ممدودًا". وقد ذكر الأنباري أن ما ذهب إليه الفراء من اشتراطه في قصر الممدود أن يجيء في بابه مقصور باطل؛ لأنه قد جاء القصر فيما لم يجئ في بابه مقصور، ومن ذلك قول الأعشى:
والقارحَ العَدَّا وكل طِمِرَّة
…
ما إن تنال يد الطويل قذالها
والقارح: أراد به الفرس الذي اكتمل سنه، والطمرة: العالية، والقذال: جماع مؤخر الرأس، والشاهد قوله: العدا، أراد العَدّاء فقصره للضرورة، ووجه الاستشهاد بهذا البيت أن العداء صيغة مبالغة فعلها عدا يعدو، ولم يأت في صيغ المبالغة مقصور حتى يُحمل هذا عليه. ومن قصر الممدود المجمع على جوازه قول الراجز:
لابد مِن صنعا وإن طال السفر
......
والأصل صنعاء، وأما مد المقصور فموضع خلاف بين النحويين، إذ أجازه الكوفيون متمسكين بقول الشاعر:
سيغنيني الذي أغناك عني
…
فلا فقر يدوم ولا غناء
بمد غناء، والأصل عند الكوفيين غنى، فلما اضطر الشاعر مده. وذهب البصريون إلى أن غناء في البيت مصدر لغانيت؛ لأنهم يمنعون مد المقصور ولو في ضرورة الشعر، فتعارض قولان؛ أحدهما مجمع عليه والآخر مختلف فيه، فكان المجمع عليه أولى من المختلف فيه.