الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظير، إذ لا يجتمع عاملان على معمول واحد إلا في التقدير، نحو: ليس زيد بجبان، يعني: لا يجوز أن يجتمع عاملان على معمول واحد في اللفظ وإن توجها إليه في المعنى؛ لأن العوامل كالمؤثرات، ولا يجوز اجتماع مؤثرين في محل واحد.
ونختم هذا العنصر مكتفين بما أوردناه من أمثلة تدل على مدى اهتمام العلماء بالاستدلال بعدم النظير، ومنبهين على أن السيوطي إن كان قد أوجز القول في عدم النظير في (الاقتراح) فقد أورد مبحثًا مطولًا في كتابه الموسوم بـ (الأشباه والنظائر) عنوانه: الحمل على ما له نظير أولى من الحمل على ما ليس له نظير، تضمن عددًا من الأمثلة على عدم النظير.
احتجاج أبي البركات الأنباري والسيوطي بعدم النظير
وإنما آثرنا أن نفرد احتجاج أبي البركات الأنباري والسيوطي بعدم النظير بهذا العنصر؛ لنبين أولًا: أن قول السيوطي في مبحث الاستدلال بعدم النظير عبارة، ولم يذكره ابن الأنباري وذكره ابن جني، مراده به أن أبا البركات الأنباري لم يذكر عدم النظير في أدلة الاحتجاج في كتابيه (الإغراب في جدل الإعراب) و (لمع الأدلة) لا أنه لم يحتج به البتة، إذ الواقع أنه قد احتج به كثيرًا في كتابه (الإنصاف في مسائل الخلاف). ولنبين ثانيًا: أن السيوطي مع أنه لم يذكر مثالًا يوحي باحتجاجه بعدم النظير في كتابه (الاقتراح) قد احتج به في كتابيه (همع الهوامع) و (الأشباه والنظائر). وإليك بعض الأمثلة على احتجاج الأنباري به في كتاب (الإنصاف في مسائل الخلاف).
أولًا: في المسألة الثانية، وعنوانها: الاختلاف في إعراب الأسماء الستة: احتج الأنباري بعدم النظير على رد مذهب الكوفيين في إعراب الأسماء الستة، وتأييد
مذهب البصريين، إذ ذهب البصريون إلى أنها معربة من مكان واحد، والواو والألف والياء هي حروف الإعراب، وذهب الكوفيون إلى أنها معربة من مكانين، وأيد الأنباري مذهب البصريين بأن له نظيرًا؛ لأن كل معرب في كلامهم ليس له إلا إعراب واحد، كما رد مذهب الكوفيين بأنهم ذهبوا إلى ما لا نظير له في كلامهم، فإنه ليس في كلامهم معرب له إعرابان، والمصير إلى ما له نظير أولى من المصير إلى ما لا نظير له.
ثانيًا: في المسألة الثالثة، وعنوانها: القول في إعراب المثنى والجمع على حده: ذكر أن النحاة قد اختلفوا في الألف والواو والياء في التثنية والجمع، وأن الجرمي ذهب إلى أن انقلابها هو الإعراب، وأن هذا المذهب قد أفسده بعض النحويين من وجهين: أحدهما: أن هذا يؤدي إلى أن يكون الإعراب بغير حركة ولا حرف، وهذا لا نظير له في كلامهم.
ثالثًا: في المسألة الخامسة والأربعين، وعنوانها: المنادَى المفرد العلم معرب أو مبني؟: ذهب إلى أن الكوفيين قالوا: إن الاسم المنادى المعرف المفرد معرب مرفوع بغير تنوين، محتجين بأنا إنما قلنا ذلك؛ لأنا وجدناه لا معرب له يصحبه من رافع ولا ناصب ولا خافض، ووجدناه مفعول المعنى، فلم نخفضه لئلا يشبه المضاف، ولم ننصبه لئلا يشبه ما لا ينصرف، فرفعناه بغير تنوين إلى آخره. ورد عليهم: بأن قولهم: إن المنادى لا معرب له يصحبه. غير مسلَّم، وبأن قولهم: إنا رفعناه قلنا لهم: وكيف رفعتموه ولا رافعَ له؟ وهل لذلك قط نظير في العربية؟ وأين يوجد فيها مرفوع بلا رافع أو منصوب بلا ناصب أو مخفوض بلا خافض؟ وهل ذلك إلا تحكم محض لا يستند إلى دليل؟!
احتجاج السيوطي:
المثال الأول: ذكر في (الهمع): أن في إعراب الأسماء الستة اثني عشر مذهبًا، سادسها: أنها معربة من مكانين بالحركات والحروف معًا، وعليه الكسائي والفراء، ورد بأنه لا نظير له، وسابعها: أنها معربة بالتغير والانقلاب حالة النصب والجر، وبعدم ذلك حالة الرفع، وعليه الجرمي، ورد بأنه لا نظير له. والمثال الثاني: ذكره في (الهمع) كذلك: بأن جملة ما يعرف به الزائد تسعة أشياء، تاسعها: لزوم عدم النظير بتقدير أصالته فيما هو منه، أو في نظير ما هو منه، وذكر أن مثال الأول ملوط وهو مِقرعة الحديد، فالواو زائدة والميم أصلية، ووزنه فعول؛ لأنه لو عكس لكان وزنه مفُعلًا، ومَفُعْل مفقود، وفَعُول موجود، نحو: عتود، وهو ولد المعز، وعسول، وهو الذئب.
وذكر مثال الثاني أن يكون في اللفظ حرف لا يمكن حمله إلا على أنه زائد، ثم يُسمع في ذلك اللفظ لغة أخرى يحتمل ذلك الحرف فيها أن يحمل على الأصالة، وعلى الزيادة، فيُقضى عليه بالزيادة لثبوت زيادته في اللغة الأخرى التي هي نظيرة هذه، وذلك نحو: تَتْفُل، وهو ولد الثعلب، فإن فيه لغتين: فتح التاء الأولى، وضم الفاء، وضمها مع الفاء، فمن فتح التاء فلا يمكن أن تكون عنده إلا زائدة، إذ لو كانت أصلية لكان وزن الكلمة فعلُلًا بضم اللام الأولى، ولم يرِد مثل ذلك في كلامهم، ومَن ضم التاء أمكن أن تكون عنده أصلية.
هذا والله ولي التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.