الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُ بِالْإِنْفَاقِ كَأَمْرِ الْمُودِعِ لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُزَارِعِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ لَمْ يَهْرُبْ وَلَكِنَّهُ انْقَضَى وَقْتُ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَالْمُزَارِعُ غَائِبٌ فَإِنَّ الْقَاضِي يَقُولُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ: أَنْفِقْ عَلَيْهِ إنْ شِئْت فَإِذَا اسْتَحْصَدَ لَمْ يَصِلْ الْعَامِلُ إلَى الزَّرْعِ حَتَّى يُعْطِيَك النَّفَقَةَ فَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَك النَّفَقَةَ أَبِيعُ حِصَّتَهُ مِنْ الزَّرْعِ وَأُعْطِيكَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّتَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَإِنْ لَمْ تَفِ بِذَلِكَ حِصَّتُهُ فَلَا شَيْءَ لَك عَلَيْهِ فَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ النَّفَقَةَ بَاعَ الْقَاضِي حِصَّتَهُ قِيلَ هَذَا بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِمَا فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبِيعُ الْقَاضِي حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: بَلْ هُوَ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَلَا يَتَصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنْ الزَّرْعِ الَّذِي صَارَ لَهُ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ خَبَثٌ وَلَا فَسَادٌ فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ سَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ وَغَابَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ رَبَّ الْأَرْضِ فَرَفَعَ الْمُزَارِعُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَأْمُرَهُ بِالْإِنْفَاقِ فَالْقَاضِي لَا يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ أَنَّ الزَّرْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَائِبِ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ حِينَئِذٍ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ وَلَيْسَ سَمَاعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِلْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ رَبَّ الْأَرْضِ لَوْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ الشَّرِكَةَ وَقَالَ: الْأَرْضُ وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِي وَقَدْ غَصَبَهَا مِنِّي لَا يَكُونُ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ مَا لَمْ يُعِدْ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الزَّرْعَ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا سَمَاعُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ لِإِيجَابِ الْحِفْظِ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُدَّعِي بِمَا ادَّعَى يُرِيدُ بِهِ إيجَابَ الْحِفْظِ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَائِبِ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي فَكَانَ لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَلْتَزِمَ ذَلِكَ بِمَجْرَدِ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِدُونِ الْبَيِّنَةِ فَقَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ إنْ شَاءَ أَمَرَهُ بِالْإِنْفَاقِ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْفِقْ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْت وَبَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ مُطْلَقًا حَتْمًا فَيَقُولُ لَهُ: أَنْفِقْ وَإِنْ خَافَ الْقَاضِي الْهَلَاكَ عَلَى الزَّرْعِ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ مُقَيَّدًا عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّا وَتَقْدِيرُ قَوْلِ الْقَاضِي لَهُ أَنْفِقْ إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْت إنْ كَانَ الزَّرْعُ مُشْتَرَكًا بَيْنَك وَبَيْنَ فُلَانٍ فَقَدْ أَمَرْتُك بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنَّ لَك الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا وَقَدْ غَصَبْتَهَا مَزْرُوعَةً فَلَا رُجُوعَ لَك وَإِنْ أَمَرْتُك بِالْإِنْفَاقِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ أَنْفَقَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا وَلَا يَجِبُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ نِصْفِ الْأَرْضِ وَكَذَا لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ وَلَوْ غَابَ الْمُزَارِعُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يُنْفِقُ الْحَاضِرُ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْغَائِبِ هَلَكَ الزَّرْعُ أَوْ بَقِيَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ مُعْسِرًا لَيْسَ لَهُ مَا يُنْفِقُ فَالْجَوَابُ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي كَانَ مُتَبَرِّعًا وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا يُجْبَرُ عَلَى الْإِنْفَاقِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمُزَارَعَةِ وَالزَّرْعُ بَقْلٌ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ وَأَبَى الْمُزَارِعُ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُزَارِعِ مِنْ الْخِيَارَاتِ مَا ثَبَتَ لِرَبِّ الْأَرْضِ حَتَّى أَنَّ الْمُزَارِعَ لَوْ قَالَ: أَنَا أُعْطِي قِيمَةَ حِصَّةِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُزَارِعُ الْقَلْعَ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُزَارِعِ وَالْفَرْقُ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْمُزَارِعَ صَاحِبُ تَبَعٍ وَلِصَاحِبِ الْأَصْلِ أَنْ يَتَمَلَّكَ التَّبَعَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ التَّبَعِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ التَّبَعِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْأَصْلَ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي زِرَاعَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ وَزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ]
(الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي زِرَاعَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَكَةَ وَزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ) فِي النَّوَازِلِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فَغَابَ أَحَدُهُمَا فَلِشَرِيكِهِ أَنْ يَزْرَعَ نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلَوْ أَرَادَ فِي الْعَامِ الثَّانِي أَنْ يَزْرَعَ زَرَعَ النِّصْفَ الَّذِي كَانَ زَرَعَ، كَذَا ذَكَرَهَا هُنَا، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يَنْفَعُ الْأَرْضَ أَوْ لَا يَنْقُصُهَا فَلَهُ أَنْ يَزْرَعَ كُلَّهَا، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ فَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِكُلِّ الْأَرْضِ مِثْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ فِي مِثْلِ هَذَا ثَابِتٌ دَلَالَةً، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الزَّرْعَ يَنْقُصُهَا أَوْ التَّرْكَ يَنْفَعُهَا وَيَزِيدُهَا قُوَّةً لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْرَعَ
شَيْئًا مِنْهَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ الرِّضَا غَيْرُ ثَابِتٍ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى. .
أَرَاضِي مُشَاعَةٌ بَيْنَ قَوْمٍ عَمَدَ بَعْضُهُمْ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا فَزَرَعَهُ بِبَذْرِهِ وَسَاقَ الْبَعْضُ الْمَاءَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُمْ وَاشْتَرَكَ الْأَرْضَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ سِنِينَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِغَيْرِ أَمْرِ شُرَكَائِهِ، إنْ كَانَ الَّذِي اُشْتُغِلَ مِنْ الْأَرْضِ هُوَ مِقْدَارُ حِصَّتِهِ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمُهَايَأَةِ، وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَتَهَايَئُونَ وَلَمْ يَكُنْ شُرَكَاؤُهُ طَلَبُوا الْقِسْمَةَ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا اُشْتُغِلَ وَلَا يُشْرِكُهُ شُرَكَاؤُهُ فِيمَا اشْتَرَكَ مِنْ ذَلِكَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ. .
فِي بَعْضِ الْكُتُبِ رَجُلٌ زَرَعَ أَرْضَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ثُمَّ إنَّ الزَّارِعَ قَالَ لِرَبِّ الْأَرْضِ: ادْفَعْ إلَيَّ بَذْرِي وَأَكُونُ أَكَّارًا لَكَ فَدَفَعَ، فَقَدْ قِيلَ: إنْ كَانَ الزَّارِعُ قَالَ هَذَا وَقْتَ كَانَتْ الْحِنْطَةُ الْمَبْذُورَةُ قَائِمَةً فِي الْأَرْضِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَصِيرُ الزَّارِعُ مُمَلَّكًا الْحِنْطَةَ الْمَزْرُوعَةَ بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَيَصِيرُ الزَّارِعُ أَكَّارًا لَهُ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً عَلَى مَا هُوَ جَوَابُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُبَيِّنَا مُدَّةَ الْمُزَارَعَةِ، وَإِنْ قَالَ الْمُزَارِعُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعْدَ مَا فَسَدَتْ الْحِنْطَةُ الْمَزْرُوعَةُ لَا يَجُوزُ، وَعَنْ الثَّانِي لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَرْضِهِ فَزَرَعَ ثُمَّ إنَّ رَبَّهَا أَرَادَ إخْرَاجَ الْمُزَارِعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَغْرِيرَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، وَإِنْ قَالَ لَهُ رَبُّهَا: خُذْ بَذْرَكَ وَنَفَقَتَكَ وَيَكُونُ الزَّرْعُ لِي وَرَضِيَ بِهِ الْمُزَارِعُ، إنْ كَانَ قَبْلَ النَّبَاتِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْعَ الزَّرْعِ قَبْلَ النَّبَاتِ لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ حَالَ قِيَامِ الْبَذْرِ أَوْ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ بَعْدَ مَا كَانَ الْبَذْرُ مُسْتَهْلَكًا حَتَّى تَصِيرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُوَافِقَةً لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ. .
زَرَعَ أَرْضَ الْغَيْرِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ إلَّا عِنْدَ الِاسْتِحْصَادِ وَرَضِيَ بِهِ حِينَ عَلِمَ أَوْ قَالَ مَرَّةً لَا أَرْضَى بِهِ ثُمَّ قَالَ رَضِيتُ طَابَ الزَّرْعُ لِلْمَزَارِعِ، نَصَّ فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ الْفَقِيهِ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَبِهِ نَأْخُذُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ. .
وَلَوْ أَنَّ ثَلَاثَةً أَخَذُوا أَرْضًا بِالنِّصْفِ لِيَزْرَعُوهَا بِالشَّرِكَةِ فَغَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَزَرَعَ الِاثْنَانِ بَعْضَ الْأَرْضِ حِنْطَةً ثُمَّ حَضَرَ الْآخَرُ وَزَرَعَ بَعْضَ الْأَرْضِ شَعِيرًا، إنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِإِذْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَالْحِنْطَةُ بَيْنَهُمْ وَيَرْجِعُ صَاحِبَا الْحِنْطَةِ عَلَى الْآخَرِ بِثُلُثِ الْحِنْطَةِ الَّتِي بَذَرَا وَالشَّعِيرُ أَيْضًا بَيْنَهُمْ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الشَّعِيرِ عَلَيْهِمَا بِثُلُثَيْ الشَّعِيرِ الَّذِي بَذَرَ بَعْدَ رَفْعِ نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ، وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَالْحِنْطَةُ ثُلُثُهَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَثُلُثَاهَا لَهُمَا وَيَغْرَمَانِ نُقْصَانَ ثُلُثِ الْأَرْضِ وَيَطِيبُ لَهُمَا ثُلُثُ الْخَارِجِ، وَأَمَّا الثُّلُثُ الْآخَرُ يَرْفَعَانِ مِنْهُ نَفَقَتَهَا وَيَتَصَدَّقَانِ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ ذَلِكَ نَصِيبُهُمَا وَقَدْ زَرْعَاهُ فَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ، وَفِي الثُّلُثِ الْآخَرِ صَارَا غَاصِبَيْنِ فَصَارَ كُلُّ الْخَارِجِ مِنْهُ لَهُمَا، وَأَمَّا صَاحِبُ الشَّعِيرِ فَلَهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الشَّعِيرِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ السُّدُسُ؛ لِأَنَّ ثُلُثَيْ ذَلِكَ زُرِعَ غَصْبًا فَهُوَ لَهُ وَثُلُثَهُ زُرِعَ بِحَقٍّ فَنِصْفُهُ لَهُ أَيْضًا وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ فِي مِقْدَارِ ثُلُثَيْ ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ بِالْفَضْلِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْكُبْرَى.
إذَا انْتَقَصَتْ الْأَرْضُ بِزِرَاعَةِ الْغَاصِبِ ثُمَّ زَالَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ رَبِّ الْأَرْضِ لَا يَبْرَأُ أَصْلًا، وَإِنْ زَالَ بِدُونِ فِعْلِهِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنْ زَالَ قَبْلَ الرَّدِّ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ يَبْرَأُ، وَإِنْ زَالَ بَعْدَ الرَّدِّ لَا يَبْرَأُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَبْرَأُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَبِهِ يُفْتَى، كَالْمَبِيعِ إذَا زَالَ عَنْهُ الْعَيْبُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ يَنْقَطِعُ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُشْتَرِي فِي الْحَالَيْنِ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْغِيَاثِيَّةِ.
وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً وَشَرَطَ الْبَذْرَ عَلَى الْمُزَارِعِ فَزَرَعَهَا الْمُزَارِعُ فَجَاءَ مُسْتَحِقٌّ وَاسْتَحَقَّهَا، أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ بِدُونِ الزَّرْعِ وَلَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِقَلْعِ الزَّرْعِ وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ بَقْلًا، وَلَا تُتْرَكُ الْأَرْضُ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ بِإِجَارَةٍ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ وَيَكُونَ الْقَلْعُ عَلَى الدَّافِعِ وَالْمُزَارِعِ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ الْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَقْلُوعِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الدَّافِعِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْمَقْلُوعَ عَلَيْهِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ نَابِتًا فِي أَرْضِهِ لَا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: ضَمَّنَهُ قِيمَةَ حِصَّتِهِ نَابِتًا فِي أَرْضِهِ قِيمَةَ حِصَّتِهِ مِنْ زَرْعٍ لَهُ حَقُّ الْقَرَارِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ، ثُمَّ الْمُسْتَحِقُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُضَمِّنُ نُقْصَانَ الْأَرْضِ الْمُزَارِعَ خَاصَّةً وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الْأَرْضَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرُ، وَفِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمُسْتَحِقُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ نُقْصَانَ الْأَرْضِ الدَّافِعَ، وَإِنْ شَاءَ الْمُزَارِعَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُزَارِعُ بِهِ عَلَى الدَّافِعِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى
مَسْأَلَةِ غَصْبِ الْعَقَارِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
هَذَا إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الْأَرْضَ وَأَمَرَهُمَا بِالْقَلْعِ وَقَلَعَا، فَالْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِنِصْفِ الْمَقْلُوعِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْمَقْلُوعَ عَلَى الدَّافِعِ وَرَجَعَ عَلَيْهِ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَبِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الزَّرْعِ عَلَى قَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا الْفَصْلَ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ، إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَةِ رَبِّ الْأَرْضِ لَا تَعْمَلُ إجَازَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ صَحَّتْ إجَازَةُ الْمُسْتَحِقِّ قَبْلَ الْمُزَارَعَةِ، وَلَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ بَعْدَ الْمُزَارَعَةِ وَكَانَ كَمَنْ آجَرَ دَارَ غَيْرِهِ شَهْرًا فَأَجَازَ صَاحِبُ الدَّارِ الْإِجَازَةَ، إنْ أَجَازَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ جَازَ، وَإِنْ أَجَازَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَبُو سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا وَدَفَعَهَا إلَى غَيْرِهِ مُزَارَعَةً سَنَةً، إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ فَزَرَعَهَا الْمُزَارِعُ وَلَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ حَتَّى أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ جَازَتْ إجَازَتُهُ، وَمَا خَرَجَ مِنْهَا فَهُوَ بَيْنَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى مَا شَارَطَهُ الْغَاصِبُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إلَّا مَا نَقَصَهَا قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ رَبُّ الْأَرْضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ يَضْمَنُهُ الْمُزَارِعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنْ شَاءَ رَبُّ الْأَرْضِ ضَمَّنَ الْمُزَارِعَ ذَلِكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، وَلَوْ نَبَتَ الزَّرْعُ وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ ثُمَّ أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا بَعْدَ مَا أَجَازَهَا وَلَكِنْ لَا شَيْءَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ، وَمَا يَحْدُثُ فِيهِ مِنْ الْحَبِّ فَجَمِيعُ ذَلِكَ بَيْنَ الْمُزَارِعِ وَالْغَاصِبِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: لَوْ أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ جَازَتْ أَنْ لَا يَكُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُزَارِعَ بِقَلْعِ الزَّرْعِ وَتَفْرِيغِ الْأَرْضِ وَقَبْلَ الْإِجَازَةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لَا أَنْ يَصِيرَ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَفِي الْمُنْتَقَى أَيْضًا رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ آخَرَ أَرْضًا وَدَفَعَهَا إلَى رَجُلٍ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ، ثُمَّ إنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ وَكَانَتْ الْإِجَازَةُ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ أَوْ بَعْدَهَا، فَالْإِجَازَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى لَا يَكُونَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مِنْ الزَّرْعِ شَيْءٌ، وَالْمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْبَذْرَ إذَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الدَّافِعِ فَالْعَقْدُ لَمْ يَرِدْ عَلَى حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ، قَالَ فِي الْمُنْتَقَى: وَالْأَرْضُ بَعْدَ الْإِجَازَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَالْمُزَارِعِ.
فَإِنْ أَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إجَازَتِهِ وَيَأْخُذَ أَرْضَهُ فَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ لَمْ يَزْرَعْ الْأَرْضَ بَعْدُ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمُزَارِعُ قَدْ زَرَعَ الْأَرْضَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَنَبَتَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَوْ زَرَعَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَنَبَتَ أَوْ زَرَعَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ وَلَمْ يَنْبُتْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَجَازَ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرَ الْمُؤْمِنِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمَالِكُ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ بَعْدَ مَا تَسَنْبَلَ الزَّرْعُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسْتَحْصَدْ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا أَجَازَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِلْغَاصِبِ: اغْرَمْ لَهُ أَجْرَ مِثْلِ أَرْضِهِ إلَى أَنْ يَسْتَحْصِدَ الزَّرْعَ وَبَقِيَتْ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُزَارِعِ عَلَى مَا كَانَتْ، فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: أَنَا أَغْرَمُ الْأَجْرَ بِقَدْرِ حِصَّتِي مِنْ الزَّرْعِ، لَمْ يُجْبَرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ لِلْمَزَارِعِ: اغْرَمْ أَنْتَ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِكَ مِنْ الزَّرْعِ، فَإِنْ كَانَا غَرِمَا مِنْ ذَلِكَ وَرَضِيَا بِهِ كَانَ عَمَلُ الزَّرْعِ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ حِينَ أَبَى أَنْ يَغْرَمَ الْأَجْرَ كُلَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ زَرْعٌ بَيْنَهُمَا زَرَعَاهُ فِي أَرْضِ رَجُلٍ، فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: لَا أَغْرَمُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْئًا وَلَكِنِّي أَقْلَعُ الزَّرْعَ فَالْمُزَارِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَلَعَ مَعَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ مِنْ مَالِهِ وَعَمِلَ فِي الزَّرْعِ بِنَفْسِهِ وَأُجَرَائِهِ.
فَإِذَا اسْتَحْصَدَ نَظَرَ إلَى نَصِيبِ الْغَاصِبِ فَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ مَا غَرِمَ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ وَأَجْرِ الْإِجْرَاءِ فِي نَصِيبِ الْغَاصِبِ، وَكَانَ الْفَضْلُ لِلْغَاصِبِ وَلَا يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ أَجْرًا لِعَمَلِهِ، وَإِنْ قَالَ الْمُزَارِعُ: لَا أَغْرَمُ أَجْرًا وَلَا أَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا وَأَنَا أَقْلَعُ الزَّرْعَ، فَإِنْ اجْتَمَعَ الْغَاصِبُ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ قَلْعًا وَسَلَّمَا الْأَرْضَ لِصَاحِبِهَا، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الْغَاصِبُ كَانَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يُؤَدِّيَ أَجْرَ مِثْلِ الْأَرْضِ وَيُقَالُ لَهُ: قُمْ عَلَى الزَّرْعِ فَاعْمَلْهُ بِنَفْسِكَ وَأُجَرَائِكَ حَتَّى يَسْتَحْصِدَ فَتَأْخُذَ مِنْ حِصَّتِهِ الزَّرْعَ مَا غَرِمْتَ عَنْهُ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ وَالْأُجَرَاءِ، وَكَانَ حَالُكَ فِيهِ مِثْلُ حَالِ الْمُزَارِعِ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَأَمَّا إذَا فَعَلَهُ
أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلَا رِضَا مِنْ صَاحِبِهِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيهِ وَسَلَّمَ لِلْآخَرِ نَصِيبَهُ مِنْهُ كَمُلَا.
وَلَيْسَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا أَصَابَهُ مِنْ الزَّرْعِ إلَّا مَا وَجَبَ لِلْغَاصِبِ مِنْ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ، وَإِنْ أَجَازَ رَبُّ الْأَرْضِ الْمُزَارَعَةَ قَبْلَ أَنْ يَبْذُرَ، ثُمَّ بَذَرَ فَلَمْ يَنْبُتْ حَتَّى أَرَادَ أَخْذَ أَرْضِهِ فَقَالَ الْمُزَارِعُ: أَنَا أَدْعُ الْمُزَارَعَةَ وَلَا حَاجَةَ لِي فِي الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ لَمْ يَنْبُتْ، وَقَالَ الْغَاصِبُ: أَنَا أَمْضِي عَلَى الْمُزَارَعَةِ؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ قَدْ فَسَدَ حِينَ طُرِحَ فِي الْأَرْضِ قِيلَ لِلْغَاصِبِ عَلَيْكَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ، فَإِذَا رَضِيَ بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الْمُزَارِعِ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ كَمَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ، وَكَانَ الْأَجْرُ كُلُّهُ عَلَى الْغَاصِبِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُزَارِعِ وَلَا فِي حِصَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنْ قَالَ الْغَاصِبُ: لَا أُعْطِي الْأَجْرَ وَأَنَا آخُذُ الْبَذْرَ يَعْنِي مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، قِيلَ لِلْمُزَارِعِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ إنْ شِئْتَ فَأَبْطِلْ الْمُزَارَعَةَ وَسَلِّمْ الْغَاصِبَ بَذْرَهُ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَجْرُ أَرْضِهِ، وَإِنْ شِئْتَ كَانَ عَلَيْكَ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ، فَإِنْ رَضِيَ بِذَلِكَ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْبَذْرِ عَلَى أَخْذِ بَذْرِهِ سَبِيلٌ، وَيَكُونُ الْمُزَارِعُ مُتَطَوِّعًا فِيمَا غَرِمَ مِنْ أَجْرِ الْأَرْضِ وَتَكُونُ الْمُزَارَعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا وَلَا يَتَصَدَّقَانِ بِشَيْءٍ مِمَّا وَجَبَ لَهُمَا مِنْ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ وَالْبَذْرَ عَلَى حَالَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ.
وَيَكُونُ لَهُ قِيمَتُهُ فَلَا يَتَصَدَّقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ زِيَادَةِ الزَّرْعِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا غَصَبَ بَذْرًا وَزَرَعَهُ فِي أَرْضِ نَفْسِهِ فَقَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ، كَانَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ أَنْ يُجِيزَ فِعْلَهُ؛ لِأَنَّ قَبْلَ النَّبَاتِ الْحِنْطَةُ قَائِمَةٌ فِي الْأَرْضِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَبَعْدَ النَّبَاتِ لَا تَعْمَلُ إجَازَتُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
غَصَبَ أَرْضًا فَزَرَعَهَا ثُمَّ زَرَعَ فَوْقَ زَرْعِهِ رَجُلٌ آخَرُ، فَالزَّرْعُ لِلثَّانِي لَكِنْ يَضْمَنُ لِلْأَوَّلِ مِثْلَ بَذْرِهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ فَضَمَانُ نُقْصَانِهَا عَلَى الْأَوَّلِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَفِي الْعُيُونِ: رَجُلٌ غَصَبَ أَرْضًا وَزَرَعَهَا حِنْطَةً ثُمَّ اخْتَصَمَا وَهِيَ بَذْرٌ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ، فَصَاحِبُ الْأَرْضِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا حَتَّى تَنْبُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: اقْلَعْ زَرْعَكَ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مَا زَادَ الْبَذْرُ فِيهِ، وَتَفْسِيرُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ وَلَيْسَ فِيهَا بَذْرٌ وَتُقَوَّمُ وَفِيهَا بَذْرٌ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ بَذْرِهِ لَكِنْ مَبْذُورًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بَذَرَ أَرْضًا لَهُ وَلَمْ يَنْبُتْ فَسَقَاهُ أَجْنَبِيٌّ فَنَبَتَ، فِي الْقِيَاسِ يَكُونُ الزَّرْعُ لِلَّذِي سَقَاهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَرْضَى بِهَذَا السَّقْيِ دَلَالَةً بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْحَبِّ مَبْذُورًا فِي الْأَرْضِ عَلَى شَرْطِ الْقَرَارِ إنْ سَقَاهَا قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ الْبَذْرُ فِي الْأَرْضِ، وَإِنْ سَقَاهَا بَعْدَ مَا فَسَدَ الْبَذْرُ فِي الْأَرْضِ قَبْلَ أَنْ يَنْبُتَ نَبَاتًا لَهُ قِيمَةٌ فَنَبَتَ بِسَقْيِهِ فَإِنَّ فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ نُقْصَانَ الْأَرْضِ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ مَبْذُورَةً وَقَدْ فَسَدَ حَبُّهَا وَتُقَوَّمُ غَيْرَ مَبْذُورَةٍ فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ وَالزَّرْعَ لِلسَّاقِي، وَإِنْ سَقَاهَا بَعْدَ مَا نَبَتَ الزَّرْعُ وَصَارَ لَهُ قِيمَةٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ الزَّرْعِ يَوْمَ سَقَاهَا وَالزَّرْعُ لِلسَّاقِي، وَإِنْ سَقَاهَا بَعْدَ مَا اسْتَغْنَى الزَّرْعُ عَنْ السَّقْيِ لَكِنَّ السَّقْيَ أَجْوَدُ لَهُ، فَإِنَّ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا شَيْءَ لِلسَّاقِي، وَهَذَا جَوَابُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ، وَجَوَابُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَجْنَبِيُّ السَّاقِي مُتَطَوِّعٌ وَلَا شَيْءَ لَهُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَلْقَى بَذْرًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ سَقَى الزَّرْعَ حَتَّى أَدْرَكَ، أَخَذْتُ هَاهُنَا بِالْقِيَاسِ، وَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْحَبِّ إنْ كَانَ سَقَاهُ وَهُوَ حَبٌّ قِيمَتُهُ مَبْذُورًا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّ الْقَرَارِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ سَقَاهَا بَعْدَ مَا فَسَدَ الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ فَخَرَجَ الزَّرْعُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْلَا السَّقْيُ لَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ، فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَلَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ غَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالسَّقْيُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ غَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ أَيْضًا كَانَ سَبِيلُهُ مَعَهُ كَسَبِيلِ السَّاقِي مَعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَالْأَرْضِ جَمِيعًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا زَرَعَ أَرْضَهُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَأَلْقَى بَذْرَهُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فَخَرَجَ الزَّرْعُ، إنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ سَقْيٍ فَالزَّرْعُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ الْحَبِّ مَبْذُورًا فِي الْأَرْضِ عَلَى حَقِّ الْقَرَارِ فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ أَلْقَى الْبَذْرَ بَعْدَ مَا فَسَدَ الْحَبُّ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ نَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ الْمَبْذُورَةِ عَلَى