الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ وَفِيهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بَابًا]
[الْبَاب الْأَوَّل شرعية الْمُزَارَعَة وتفسيرها وَرُكْنهَا وَشَرَائِط جِوَازهَا وَحُكْمهَا]
(كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ)
(وَفِيهِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بَابًا)
(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي شَرْعِيَّتِهَا وَتَفْسِيرِهَا وَرُكْنِهَا وَشَرَائِطِ جَوَازِهَا وَحُكْمِهَا وَصِفَتِهَا)
(أَمَّا)(شَرْعِيَّتُهَا) فَهِيَ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا جَائِزَةٌ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا
لِحَاجَةِ النَّاسِ
(وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا شَرْعًا) فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ عَقْدِ الزِّرَاعَةِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَهُوَ إجَارَةُ الْأَرْضِ أَوْ الْعَامِلِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
(وَأَمَّا)(رُكْنُهَا) فَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ: دَفَعْت إلَيْك هَذِهِ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِكَذَا وَيَقُولَ الْعَامِلُ: قَبِلْت أَوْ رَضِيت أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِهِ وَرِضَاهُ فَإِذَا وُجِدَا تَمَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا.
(وَأَمَّا شَرَائِطُهَا فَنَوْعَانِ) شَرَائِطُ مُصَحِّحَةٌ لِلْعَقْدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ الْمُزَارَعَةَ وَشَرَائِطُ مُفْسِدَةٌ لَهُ. أَمَّا الْمُصَحِّحَةُ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمُزَارِعِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْآلَةِ لِلْمُزَارَعَةِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَزْرُوعِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْخَارِجِ مِنْ الزَّرْعِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى الْمَزْرُوعِ فِيهِ وَبَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ.
أَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُزَارِعِ فَنَوْعَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا فَلَا تَصِحُّ مُزَارَعَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْمُزَارَعَةَ وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ حَتَّى تَجُوزُ مُزَارَعَةُ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ فَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ مِنْ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَالثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ مُرْتَدًّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ أَجَازَ وَعِنْدَهُمَا هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الْمُزَارَعَةِ وَمُزَارَعَةُ الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ لِلْحَالِ وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَزْرُوعِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ مَا زُرِعَ إلَّا إذَا قَالَ لَهُ: ازْرَعْ فِيهَا مَا شِئْت فَيَجُوزُ وَلَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا مَا شَاءَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ لِأَنَّ الدَّاخِلَ تَحْتَ الْعَقْدِ الزَّرْعُ دُونَ الْغَرْسِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مِقْدَارِ الْبَذْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِإِعْلَامِ الْأَرْضِ إنْ لَمْ يُبَيِّنَا جِنْسَ الْبَذْرِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ جَازَ لِأَنَّ فِي حَقِّهِ الْمُزَارَعَةَ لَا تَتَأَكَّدُ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ وَعِنْدَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ يَصِيرُ الْأَمْرُ مَعْلُومًا وَالْإِعْلَامُ عِنْدَ التَّأْكِيدِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْإِعْلَامِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَلَمْ يُبَيِّنَا جِنْسَ الْبَذْرِ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْأَرْضِ قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا إذَا فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى الْعَامِلِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ بِأَنْ قَالَ لَهُ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى أَنْ تَزْرَعَهَا مَا بَدَا لَك أَوْ بَدَا لِي لِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ الْأَمْرَ إلَيْهِ فَقَدْ رَضِيَ بِالضَّرَرِ وَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ الْأَمْرَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ وَكَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَلَمْ يُبَيِّنَا جِنْسَ الْبَذْرِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَإِذَا زَرَعَهَا شَيْئًا تَنْقَلِبُ جَائِزَةً لِأَنَّهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ وَتَرَكَهَا فِي يَدِهِ حَتَّى أَلْقَى الْبَذْرَ فَقَدْ تَحَمَّلَ الضَّرَرَ فَيَزُولُ الْمُفْسِدُ فَيَجُوزُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْخَارِجِ مِنْ الزَّرْعِ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مَذْكُورًا فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَسَدَ الْعَقْدُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا حَتَّى لَوْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ لِأَحَدِهِمَا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُزَارِعِينَ بَعْضَ الْخَارِجِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّرِكَةِ لَازِمٌ لِهَذَا الْعَقْدِ.
فَكُلُّ شَرْطٍ يَكُونُ قَاطِعًا لِلشَّرِكَةِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْبَعْضُ مِنْ الْخَارِجِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ مِنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ أَوْ نَحْوِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْجُمْلَةِ حَتَّى لَوْ شُرِطَ لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانٌ مَعْلُومَةٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ وَكَذَا إذَا ذَكَرَا جُزْءًا شَائِعًا وَشَرَطَا زِيَادَةَ أَقْفِزَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَعَلَى هَذَا إذَا شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا الْبَذْرَ لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لَا تَصْلُحُ الْمُزَارَعَةُ لِجَوَازِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا قَدْرَ الْبَذْرِ. وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمَزْرُوعِ فِيهِ وَهُوَ الْأَرْضُ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا أَنْ تَكُونَ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ سَبِخَةً أَوْ نَزَّةً لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ فِي الْمُدَّةِ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ زَرْعُهَا وَقْتَ الْعَقْدِ بِعَارِضٍ مِنْ انْقِطَاعِ الْمَاءِ وَزَمَانِ الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعَوَارِضِ الَّتِي هِيَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فِي الْمُدَّةِ.
تَجُوزُ مُزَارَعَتُهَا وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً فَإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلَوْ دَفَعَ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً عَلَى أَنَّ مَا يُزْرَعُ فِيهَا حِنْطَةٌ فَكَذَا وَمَا يُزْرَعُ فِيهَا شَعِيرًا فَكَذَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّ الْمَزْرُوعَ فِيهِ مَجْهُولٌ وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَزْرَعَ بَعْضَهَا حِنْطَةً وَبَعْضَهَا شَعِيرًا لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى التَّبْعِيضِ تَنْصِيصٌ عَلَى التَّجْهِيلِ وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ مَا زَرَعْت فِيهَا حِنْطَةً فَكَذَا وَمَا زَرَعْت فِيهَا شَعِيرًا فَكَذَا جَازَ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْأَرْضَ كُلَّهَا ظَرْفًا لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ أَوْ لِزَرْعِ الشَّعِيرِ فَانْعَدَمَ التَّجْهِيلُ وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مُسَلَّمَةً إلَى الْعَاقِدِ مُخَلَّاةً وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ لِانْعِدَامِ التَّخْلِيَةِ فَكَذَا إذَا اشْتَرَطَ عَمَلَهُمَا جَمِيعًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَالتَّخْلِيَةُ أَنْ يَقُولَ صَاحِبُ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ: سَلَّمْت إلَيْك الْأَرْضَ وَمِنْ التَّخْلِيَةِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ فَارِغَةً عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ قَدْ نَبَتَ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَيَكُونُ مُعَامَلَةً وَلَا يَكُونُ مُزَارَعَةً وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ قَدْ أَدْرَكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزَّرْعَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْعَمَلِ فَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهَا مُعَامَلَةً هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى آلَةِ الْمُزَارَعَةِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ فِي الْعَقْدِ تَابِعًا فَإِنْ جُعِلَ مَقْصُودًا فِي الْعَقْدِ تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُدَّةِ فَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً فَلَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ لِتَفَاوُتِ وَقْتِ ابْتِدَاءِ الزِّرَاعَةِ حَتَّى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَتَفَاوَتُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَهُوَ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ يَخْرُجُ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ بَيَّنَا وَقْتًا لَا يُتَمَكَّنُ فِيهِ مِنْ الزِّرَاعَةِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ وَصَارَ ذِكْرُهُ وَعَدَمُ ذِكْرِهِ سَوَاءً وَكَذَلِكَ إذَا بَيَّنَا مُدَّةً لَا يَعِيشُ أَحَدُهُمَا إلَى مِثْلِهَا غَالِبًا لَا تَجُوزُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمِنْهَا بَيَانُ النَّصِيبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ هَكَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ فَإِنْ بَيَّنَا نَصِيبَ أَحَدِهِمَا يُنْظَرُ إنْ بَيَّنَا نَصِيبَ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ جِهَتِهِ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا وَإِنْ بَيَّنَا نَصِيبَ مَنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ جِهَتِهِ جَازَتْ الْمُزَارَعَةُ اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَمِنْهَا بَيَانُ مَنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ اسْتِئْجَارًا لِلْعَامِلِ وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ اسْتِئْجَارًا لِلْأَرْضِ.
وَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَإِنَّ الْعَقْدَ فِي حَقِّ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْهُ يَكُونُ لَازِمًا فِي الْحَالِ وَفِي حَقِّ صَاحِبِ الْبَذْرِ لَا يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا قَبْلَ إلْقَاءِ الْبَذْرِ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ أَرْضًا وَبَذْرًا مُزَارَعَةً جَائِزَةً ثُمَّ أَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ أَخَذَ الْأَرْضَ وَالْبَذْرَ وَزَرَعَهَا كَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْمُزَارَعَةِ وَلَا يَكُونُ إعَانَةً وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيّ: يُحَكَّمُ فِيهِ الْعُرْفُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ يُعْتَبَرُ فِيهِ عُرْفُهُمْ وَيُجْعَلُ عَلَى مَنْ كَانَ الْبَذْرُ عَلَيْهِ فِي عُرْفِهِمْ إنْ كَانَ عُرْفُهُمْ مُسْتَمِرًّا، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظًا يُعْلَمُ بِهِ صَاحِبُ الْبَذْرِ فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ: دَفَعْت إلَيْك الْأَرْضَ لِتَزْرَعَهَا لِي أَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَعْمَلَ فِيهَا بِنِصْفِ الْخَارِجِ يَكُونُ بَيَانَ أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَإِنْ قَالَ: لِتَزْرَعَهَا لِنَفْسِك كَانَ بَيَانًا أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَوَادِره أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: آجَرْتُك أَرْضِي هَذِهِ سَنَةً بِالنِّصْفِ أَوْ قَالَ: بِالثُّلُثِ يَجُوزُ وَالْبَذْرُ عَلَى الْمُزَارِعِ.
وَلَوْ قَالَ: دَفَعْت إلَيْك أَرْضِي مُزَارَعَةً أَوْ قَالَ: أَعْطَيْتُك أَرْضِي مُزَارَعَةً بِالثُّلُثِ لَا يَجُوزُ إذْ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَنْ عَلَيْهِ الْبَذْرُ وَإِنَّهُ شَرْطٌ وَلَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك لِتَزْرَعَ أَرْضِي هَذِهِ بِالثُّلُثِ فَهُوَ جَائِزٌ وَالْبَذْرُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(وَأَمَّا الشُّرُوطُ الْمُفْسِدَةُ لِلْمُزَارَعَةِ فَأَنْوَاعٌ) مِنْهَا كَوْنُ الْخَارِجِ لِأَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ شَرْطٌ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ وَمِنْهَا شَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ وَمِنْهَا شَرْطُ الْبَقْرِ عَلَيْهِ وَمِنْهَا شَرْطُ الْحَصَادِ وَالرَّفْعِ إلَى الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الزَّرْعُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ وَجَفَافِهِ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى إصْلَاحِهِ مِنْ السَّقْيِ وَالْحِفْظِ وَقَلْعِ الْحَشَاوَةِ وَحَفْرِ الْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا فَعَلَى الْمُزَارِعِ وَكُلُّ عَمَلٍ يَكُونُ.
بَعْدَ تَنَاهِي الزَّرْعِ وَإِدْرَاكِهِ وَجَفَافِهِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْحَبِّ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِخُلُوصِ الْحَبِّ وَتَنْقِيَتِهِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى شَرْطِ الْخَارِجِ وَكُلُّ عَمَلٍ يَكُونُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مِنْ الْحَمْلِ إلَى الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِحْرَازِ الْمَقْسُومِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ فِي نَصِيبِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ أَجَازَ شَرْطَ الْحَصَادِ وَالرَّفْعَ إلَى الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى الْمُزَارِعِ لِتَعَامُلِ النَّاسِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا مِمَّنْ وَرَاءَ النَّهْرِ يُفْتُونَ بِهِ أَيْضًا وَهُوَ اخْتِيَارُ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ مَشَايِخِ خُرَاسَانَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْطُ الدِّيَاسِ وَالْحَصَادِ وَالتَّذْرِيَةِ عَلَى الْعَامِلِ مُفْسِدٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي الْكُبْرَى وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَمُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُمَا قَالَا: هَذَا كُلُّهُ يَكُونُ عَلَى الْعَامِلِ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي دِيَارِنَا وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَفْتَى عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَقُولُ: فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَمِنْهَا شَرْطُ التِّبْنِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَشْتَرِطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ عَلَى الْمُزَارِعِ عَمَلًا يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ بَعْدَ مُدَّةِ الْمُزَارَعَةِ كَبِنَاءِ الْحَائِطِ وَالشُّرْفَةِ وَاسْتِحْدَاثِ حَفْرِ النَّهْرِ وَرَفْعِ الْمُسَنَّاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَأَمَّا الْكِرَابُ فَإِنْ شَرَطَاهُ فِي الْعَقْدِ مُطْلَقًا عَنْ صِفَةِ التَّثْنِيَةِ قَالَ عَامَّتُهُمْ: لَا تَفْسُدُ الْمُزَارَعَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ شَرَطَاهُ مَعَ التَّثْنِيَةِ فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ لِأَنَّ التَّثْنِيَةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً لِلزِّرَاعَةِ وَمَرَّةً بَعْدَ الْحَصَادِ لِيَرُدَّ الْأَرْضَ عَلَى صَاحِبِهَا مَكْرُوبَةً وَهَذَا شَرْطٌ مُفْسِدٌ لَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ الْكِرَابَ بَعْدَ الْحَصَادِ لَيْسَ مِنْ عَمَل هَذِهِ السَّنَةِ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عِبَارَةً عَنْ الْكِرَابِ مَرَّتَيْنِ قَبْلَ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهُ عَمَلٌ يَبْقَى أَثَرُهُ وَمَنْفَعَتُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْمُدَّةِ فَكَانَ مُفْسِدًا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا تَبْقَى مَنْفَعَتُهُ لَا تَفْسُدُ.
(وَأَمَّا)(أَحْكَامُهَا) مِنْهَا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ عَمَلِ الْمُزَارَعَةِ مِمَّا يَحْتَاجُ الزَّرْعُ إلَيْهِ لِإِصْلَاحِهِ فَعَلَى الْمُزَارِعِ وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّرْعِ مِنْ السِّرْقِينِ وَقَلْعِ الْحَشَاوَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا وَكَذَلِكَ الْحَصَادُ وَالْحَمْلُ إلَى الْبَيْدَرِ وَالدِّيَاسِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا أَنَّهَا إذَا لَمْ تُخْرِجْ الْأَرْضُ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا أَجْرَ الْعَمَلِ وَلَا أَجْرَ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ أَوْ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَإِنْ هَلَكَ الْخَارِجُ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ بِأَنْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا شَيْءَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ غَيْرُ لَازِمِ فِي جَانِبِ صَاحِبِ الْبَذْرِ وَلَازِمٌ فِي جَانِبِ صَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ امْتَنَعَ بَعْدَمَا عُقِدَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ وَقَالَ: لَا أُرِيدُ زِرَاعَةَ الْأَرْضِ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ.
وَلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ أَلْقَى الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ تَصِيرُ لَازِمَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْفَسْخَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا بِعُذْرٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْأَرْضِ وَدَفَعَهُ إلَى الْمُزَارِعِ فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُبْطِلَ الْمُزَارَعَةَ فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْبَذْرَ إلَى الْمُزَارِعِ فَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُبْطِلَهَا وَلَيْسَ لِلْمُزَارِعِ أَنْ يُبْطِلَهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَمِنْهَا وِلَايَةُ جَبْرِ الْمُزَارِعِ عَلَى الْكِرَابِ وَعَدَمِهَا وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ شَرَطَا الْكِرَابَ فِي الْعَقْدِ أَوْ سَكَتَا عَنْ شَرْطِهِ فَإِنْ شَرَطَاهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكَتَا عَنْهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا تُخْرِجُ الزَّرْعَ بِدُونِ الْكِرَابِ زَرْعًا مُعْتَادًا يُقْصَدُ مِثْلُهُ فِي عُرْفِ النَّاسِ لَا يُجْبَرُ الْمُزَارِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُخْرِجُ أَصْلًا أَوْ تُخْرِجُ شَيْئًا قَلِيلًا لَا يُقْصَدُ مِثْلُهُ بِالْعَمَلِ يُجْبَرُ عَلَى الْكِرَابِ وَعَلَى هَذَا إذَا امْتَنَعَ الْمُزَارِعُ عَنْ السَّقْيِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مِمَّا تَكْتَفِي بِمَاءِ السَّمَاءِ وَتُخْرِجُ زَرْعًا مُعْتَادًا بِدُونِهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى السَّقْيِ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا تَكْتَفِي بِمَاءِ السَّمَاءِ يُجْبَرُ وَمِنْهَا جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْخَارِجِ وَالْحَطِّ عَنْهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا احْتَمَلَ إنْشَاءَ الْعَقْدِ عَلَيْهِ احْتَمَلَ الزِّيَادَةَ وَمَا لَا فَلَا وَالْحَطُّ جَائِزٌ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا وَالزِّيَادَةُ أَوْ الْحَطُّ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُزَارِعِ
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ الْمُزَارِعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَبَعْدَمَا اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ وَالْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ.