الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبَانَةً فَيُؤْكَلُ كُلُّهُ، وَإِنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ طُولًا يُؤْكَلُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الصَّيْدِ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ، وَإِنْ قَطَعَ الثُّلُثَ مِنْهُ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ فَأَبَانَهُ، فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ الثُّلُثَانِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ، وَلَا يُؤْكَلُ الثُّلُثُ الَّذِي مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ، وَإِنْ قَطَعَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ مَا بَيْنَ النِّصْفِ إلَى الْعُنُقِ مَذْبَحٌ؛ لِأَنَّ الْأَوْدَاجَ تَكُونُ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ أَمَّا إذَا أَبَانَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الْعَجُزَ لَمْ تَتِمَّ الذَّكَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ الْأَوْدَاجَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَبَانَ الثُّلُثَ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ فَيَتِمُّ فِعْلُ الذَّكَاةِ، فَيُؤْكَلُ؛ وَلِهَذَا لَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ يَتِمُّ فِعْلُ الذَّكَاةِ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ فَيُؤْكَلُ كُلُّهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
قَالَ: وَلَوْ ضَرَبَ صَيْدًا، وَسَمَّى فَأَبَانَ طَائِفَةٌ مِنْ الرَّأْسِ إنْ كَانَ الْمُبَانُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ لَا يُؤْكَلُ الْمُبَانُ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الصَّيْدِ حَيًّا بَعْدَ قَطْعِ هَذَا الْمِقْدَارِ، وَإِنْ كَانَ الْمُبَانُ نِصْفَ الرَّأْسِ، أَوْ أَكْثَرَ يُؤْكَلُ الْكُلُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً وَقَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْأَوْدَاجَ إلَّا أَنَّ الْحَيَاةَ بَاقِيَةٌ فِيهَا، فَقَطَعَ إنْسَانٌ بِضْعَةً مِنْهَا تَحِلُّ تِلْكَ الْبِضْعَةُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ كَلْبًا مُعَلَّمًا لِغَيْرِهِ أَوْ بَازِيًا مُعَلَّمًا لِغَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَ هِرَّةَ غَيْرِهِ وَكُلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ.
وَهِبَةُ الْمُعَلَّمِ مِنْ الْكِلَابِ وَوَصِيَّتُهُ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
مَنْ تَقَبَّلَ بَعْضَ الْمَفَازَةِ مِنْ السُّلْطَانِ فَاصْطَادَ فِيهِ غَيْرُهُ كَانَ الصَّيْدُ لِمَنْ أَخَذَهُ، وَلَا يَصِحُّ التَّقَبُّلُ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
قَالَ: وَأَكْرَهُ تَعْلِيمَ الْبَازِي بِالطَّيْرِ الْحَيِّ يَأْخُذُهُ فَيَعْبَثُ بِهِ قَالَ: وَيَعْلَمُ بِالْمَذْبُوحِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ.
وَإِنْ اشْتَرَكَ الْحَلَالُ وَالْمُحْرِمُ فِي رَمْيِ الصَّيْدِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
مُسْلِمٌ عَجَزَ عَنْ مَدِّ قَوْسِهِ بِنَفْسِهِ فَأَعَانَهُ عَلَى مَدِّهِ مَجُوسِيٌّ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِاجْتِمَاعِ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَلَّلِ فَيَحْرُمُ كَمَا لَوْ أَخَذَ مَجُوسِيٌّ بِيَدِ الْمُسْلِمِ فَذَبَحَ، وَالسِّكِّينُ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَهَلْ يَحِلُّ إرْسَالُ الصَّيْدِ حَكَى أُسْتَاذُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِرْسَالُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا إذَا أَرْسَلَهُ مُبِيحًا لِمَنْ أَخَذَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
[كِتَابُ الرَّهْنِ وَفِيهِ اثْنَا عَشَرَ بَابًا]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِير الرَّهْن وَرُكْنه وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ]
[الْفَصْل الْأَوَّل فِي تَفْسِير الرَّهْن وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ]
(كِتَابُ الرَّهْنِ، وَفِيهِ اثْنَا عَشَرَ بَابًا)(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ، وَمَا يَقَعُ بِهِ الرَّهْنُ، وَمَا لَا يَقَعُ، وَمَا يَجُوزُ الِارْتِهَانُ بِهِ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَمَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَرَهْنُ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ)(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الرَّهْنِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ) أَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَجَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ حَتَّى لَا يَصِحَّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَأَمَّا بِدَيْنٍ مَعْدُومٍ فَلَا يَصِحُّ؛ إذْ حُكْمُهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ كَذَا فِي الْكَافِي
وَأَمَّا رُكْنُ عَقْدِ الرَّهْنِ فَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ
بِمَا لَكَ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ يَقُولَ: هَذَا الشَّيْءُ رَهْنٌ بِدَيْنِكَ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، وَيَقُولَ الْمُرْتَهِنُ: ارْتَهَنْتُ أَوْ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَأَمَّا لَفْظَةُ الرَّهْنِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ فَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ ثَوْبًا، وَقَالَ لَهُ: أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ، فَالثَّوْبُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْعَقْدِ، وَالْعِبْرَةُ فِي بَابِ الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا شَرَائِطُهُ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرَّهْنِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، وَلَا مُضَافًا إلَى وَقْتٍ، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَعَقْلُهُمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ حَتَّى يَجُوزَ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا السَّفَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الرَّهْنِ فَيَجُوزُ الرَّهْنُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ.
وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَرْهُونِ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا قَابِلًا لِلْبَيْعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ مَالًا مُطْلَقًا مُتَقَوِّمًا مَمْلُوكًا مَعْلُومًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ عِنْدَ الْعَقْدِ.
وَلَا رَهْنُ مَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَا يُثْمِرُ نَخِيلُهُ أَوْ مَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ السَّنَةَ، أَوْ مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا رَهْنُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِانْعِدَامِ مَالِيَّتِهِمَا، وَلَا رَهْنُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ
وَلَا رَهْنُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا، وَلَا رَهْنُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ وَالْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُونَ أَمْوَالًا مُطْلَقَةً.
وَلَا رَهْنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَاقِدَانِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا لِانْعِدَامِ مَالِيَّةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءُ الدَّيْنِ وَالِارْتِهَانُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ إيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْخَمْرِ وَاسْتِيفَاؤُهُ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا كَانَتْ الْخَمْرُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا لَمْ يَصِحَّ كَانَتْ الْخَمْرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ، وَخَمْرُ الذِّمِّيِّ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْغَصْبِ، وَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا وَالْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى أَحَدٍ، وَأَمَّا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ رَهْنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَارْتِهَانُهُمَا مِنْهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ وَالشَّاةِ عِنْدَنَا. وَلَا رَهْنُ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ فِي أَنْفُسِهَا فَأَمَّا كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لِلرَّاهِنِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجُوزَ.
ارْتِهَانُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يَرْهَنُ مَالَ الصَّبِيِّ بِدَيْنِهِ وَبِدَيْنِ نَفْسِهِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يَفْتِكَهُ الْأَبُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا رَهَنَ بِهِ فَضَمِنَ الْأَبُ قَدْرَ مَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ نَفْسِهِ بِمَالِ وَلَدِهِ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْوَلَدُ، وَالرَّهْنُ قَائِمٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الْأَبُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّ الرَّهْنِ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَوْ قَضَى الْوَلَدُ دَيْنَ أَبِيهِ وَأَفْتَكَ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا، وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا قَضَى عَلَى أَبِيهِ، وَكَذَا حُكْمُ الْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا حُكْمُ الْأَبِ.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ رَهْنُ مَالِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا شَرْطُ جَوَازِهِ فَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَرْهُونُ مَقْسُومًا مَحُوزًا فَارِغًا عَنْ الشُّغْلِ، وَأَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى لَوْ رَهَنَ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا كَالرَّهْنِ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
قَالَ
مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الرَّهْنِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِالْقَبْضِ، وَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطَ اللُّزُومِ لَا شَرْطَ الْجَوَازِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبْضُ الرَّهْنِ يَثْبُتُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَأَمَّا بَيَانُ شَرْطِ صِحَّةِ الْقَبْضِ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا أَنْ يَأْذَنَ الرَّاهِنُ، وَالْإِذْنُ نَوْعَانِ نَصٌّ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَى النَّصِّ، وَدَلَالَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ يَقُولَ: أَذِنْتُ لَهُ بِالْقَبْضِ أَوْ رَضِيتُ بِهِ أَوْ اقْبِضْ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، فَيَجُوزُ قَبْضُهُ سَوَاءٌ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَأَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ فَيَسْكُتَ، وَلَا يَنْهَاهُ فَيَصِحَّ اسْتِحْسَانًا.
وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الرَّهْنُ كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الشَّجَرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهِ إلَّا بِالْفَصْلِ وَالْقَبْضِ فَفَصْلٌ وَقَبْضٌ فَإِنْ قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْفَصْلُ وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ قَبَضَ بِإِذْنِهِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَائِزٌ، وَمِنْهَا الْحِيَازَةُ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ قَبْضُ الْمُشَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مُشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا، وَسَوَاءٌ رَهَنَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ، وَسَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ فَارِغًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ فَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِهِ بِأَنْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَ الدَّارَ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ لَمْ يَجُزْ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مُنْفَصِلًا مُتَمَيِّزًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ، وَمِنْهَا أَهْلِيَّةُ الْقَبْضِ وَهِيَ الْعَقْلُ.
وَأَمَّا بَيَانُ أَنْوَاعِ الْقَبْضِ فَهُوَ نَوْعَانِ نَوْعٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَنَوْعٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ أَمَّا الْقَبْضُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْقَبْضُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْقَابِضِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَبْضِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَجُوزُ قَبْضُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ، وَكَذَا قَبْضُ الْعَدْلِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَبْضِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَنُوبُ ذَلِكَ عَنْ قَبْضِ الرَّهْنِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَبْضَيْنِ إذَا تَجَانَسَا نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى، وَمِنْهَا دَوَامُ الْقَبْضِ عِنْدَنَا وَالشِّيَاعُ يَمْنَعُ دَوَامَ الْحَبْسِ فَيَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الشُّيُوعُ مُقَارَنًا أَوْ طَارِئًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمِلْكُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ إلَى وَقْتِ إيفَاءِ الدَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ دَيْنُهُ فَمَا فَضَلَ يَكُونُ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ، وَلَوْ مَاتَ وَأَفْلَسَ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَنُقْصَانُ الرَّهْنِ إنْ