الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي رُكْن الذَّبْح وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ وَأَنْوَاعِهِ]
(كِتَابُ الذَّبَائِحِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ)(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي رُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ وَأَنْوَاعِهِ) الذَّكَاة نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيَّةٌ وَاضْطِرَارِيَّةٌ، أَمَّا الِاخْتِيَارِيَّةُ فَرُكْنُهَا الذَّبْحُ فِيمَا يُذْبَحُ مِنْ الشَّاةِ وَالْبَقَرِ، وَالنَّحْرُ فِيمَا يُنْحَرُ وَهُوَ الْإِبِلُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ، وَلَا يَحِلُّ بِدُونِ الذَّبْحِ أَوِالنَّحْرِ، وَالذَّبْحِ هُوَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَمَحَلُّهُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ، وَالنَّحْرُ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَمَحَلُّهُ آخِرُ الْحَلْقِ، وَلَوْ نَحَرَ مَا يُذْبَحُ أَوْ ذَبَحَ مَا يُنْحَرُ يَحِلُّ لِوُجُودِ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ وَفِي غَيْرِهَا الذَّبْحُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ أَسْفَلَهُ وَأَوْسَطَهُ وَأَعْلَاهُ، وَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ قَصَّابٌ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَقَطَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَهُوَ الْحُلْقُومُ، فَإِنْ قَطَعَ الْبَعْضَ، ثُمَّ عَلِمَ فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِالْأَوَّلِ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَمَّا إنْ قَطَعَ الْأَوَّلَ بِتَمَامِهِ أَوْ قَطَعَ شَيْئًا مِنْهُ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَطَعَ الْأَوَّلَ بِتَمَامِهِ كَانَ مَوْتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ أَسْرَعَ مِنْ مَوْتِهَا مِنْ الثَّانِي، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي يَحِلُّ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطَيْنِ.
وَأَمَّا الِاضْطِرَارِيَّةُ فَرُكْنُهَا الْعَقْرُ وَهُوَ الْجُرْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ وَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ، وَكَذَلِكَ مَا نَدَّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الصَّيْدِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْنَسًا، وَسَوَاءٌ نَدَّ الْبَعِيرُ وَالْبَقَرُ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْمِصْرِ فَذَكَاتُهُ الْعَقْرُ، كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا الشَّاةُ إنْ نَدَّتْ فِي الصَّحْرَاءِ فَذَكَاتُهَا الْعَقْرُ، وَإِنْ نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَجُزْ عَقْرُهَا، وَكَذَلِكَ مَا وَقَعَ مِنْهَا فِي قَلِيبٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إخْرَاجِهِ وَلَا مَذْبَحِهِ وَلَا مَنْحَرِهِ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى فِي الْبَعِيرِ إذَا صَالَ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الذَّكَاةَ حَلَّ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ.
(وَأَمَّا شَرَائِطُ الذَّكَاةِ فَأَنْوَاعٌ) : بَعْضُهَا يَعُمُّ الذَّكَاةَ الِاخْتِيَارِيَّةَ وَالِاضْطِرَارِيَّة وَبَعْضُهَا يَخُصُّ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ، أَمَّا الَّذِي يَعُمُّهُمَا فَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ الذَّبْحَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَكَذَا السَّكْرَانُ. (وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْمُرْتَدِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ عَلَى الدَّيْنِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَدُّ غُلَامًا مُرَاهِقًا لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُؤْكَلُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ رِدَّتَهُ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا تَصِحُّ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ، وَكَذَا يَسْتَوِي فِيهِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَغَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى دِينِ نَصَارَى الْعَرَبِ.
فَإِنْ انْتَقَلَ الْكِتَابِيُّ إلَى دِينِ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْكَفَرَةِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَلَوْ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ مِنْ الْكَفَرَةِ إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى حَالِهِ وَدِينِهِ وَقْتَ ذَبْحِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ، وَهَذَا أَصْلُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلَّةٍ مِنْ الْكُفْرِ إلَى مِلَّةٍ يُقِرُّ بِهَا يُجْعَلُ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمِلَّةِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْمَوْلُودُ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِ كِتَابِيٍّ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ أَيُّهُمَا كَانَ الْكِتَابِيُّ الْأَبُ أَوْ الْأُمُّ عِنْدَنَا، فَأَمَّا الصَّابِئُونَ فَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا تُؤْكَلُ، ثُمَّ إنَّمَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ إذَا لَمْ يُشْهَدْ ذَبْحُهُ، وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ شُهِدَ وَسُمِعَ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ شَيْءٌ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ كَمَا بِالْمُسْلِمِ، وَلَوْ سُمِعَ مِنْهُ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ عَنَى بِاَللَّهِ عز وجل الْمَسِيحَ عليه السلام قَالُوا تُؤْكَلُ إلَّا إذَا نَصَّ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَا يَحِلُّ، فَأَمَّا إذَا سُمِعَ مِنْهُ أَنَّهُ سَمَّى الْمَسِيحَ عليه السلام وَحْدَهُ أَوْ سَمَّى اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَسَمَّى الْمَسِيحَ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ.
(وَمِنْهَا) التَّسْمِيَةُ حَالَةَ الذَّكَاةِ عِنْدَنَا أَيُّ اسْمٍ كَانَ، وَسَوَاءٌ قَرَنَ بِالِاسْمِ الصِّفَةَ بِأَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَعْظَمُ، اللَّهُ أَجَلُّ، اللَّهُ الرَّحْمَنُ، اللَّهُ الرَّحِيمُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقْرُنْ بِأَنْ قَالَ: اللَّهُ، أَوْ الرَّحْمَنُ، أَوْ الرَّحِيمُ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَا التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّسْبِيحُ وَسَوَاءٌ كَانَ جَاهِلًا بِالتَّسْمِيَةِ الْمَعْهُودَةِ أَوْ عَالِمًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ أَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَسَوَاءٌ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ يُحْسِنُهَا، كَذَا رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَمَّى عَلَى الذَّبِيحَةِ بِالرُّومِيَّةِ
أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَوْ لَا يُحْسِنُهَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّسْمِيَةِ. وَمِنْ شَرَائِطِ التَّسْمِيَةِ أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ مِنْ الذَّابِحِ حَتَّى لَوْ سَمَّى غَيْرُهُ وَالذَّابِحُ سَاكِتٌ وَهُوَ ذَاكِرٌ غَيْرُ نَاسٍ لَا يَحِلُّ. (وَمِنْهَا) أَنْ يُرِيدَ بِهَا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهَا التَّسْمِيَةَ لِافْتِتَاحِ الْعَمَلِ لَا يَحِلُّ، وَعَلَى هَذَا إذَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّسْمِيَةَ بَلْ أَرَادَ بِهِ الْحَمْدَ عَلَى سَبِيلِ الشُّكْرِ لَا يَحِلُّ، وَكَذَا لَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ أَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ وَصْفَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالتَّنَزُّهِ عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدِثِ لَا غَيْرُ لَا يَحِلُّ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ يُرِيدُ بِهِ التَّحْمِيدَ عَلَى الْعُطَاسِ فَذَبَحَ لَا يَحِلُّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. (وَمِنْهَا) تَجْرِيدُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْمَ النَّبِيِّ. (وَمِنْهَا) أَنْ يَقْصِدَ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعْظِيمَهُ عَلَى الْخُلُوصِ لَا يَشُوبُهُ مَعْنَى الدُّعَاءِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَسْمِيَةً؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَالدُّعَاءُ لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّعْظِيمُ الْمَحْضُ، وَأَمَّا وَقْتُ التَّسْمِيَةِ فَوَقْتُهَا عَلَى الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ وَقْتَ الذَّبْحِ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ إلَّا بِزَمَانٍ قَلِيلٍ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، وَأَمَّا وَقْتُ الِاضْطِرَارِيَّةِ فَوَقْتُهَا وَقْتُ الرَّمْيِ وَالْإِرْسَالِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى الْمُذَكَّى وَهُوَ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا، وَهَذَا فِي الذَّكَاةِ الِاضْطِرَارِيَّةِ دُونَ الِاخْتِيَارِيَّةِ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَحَلِّ الذَّكَاةِ: (فَمِنْهَا) تَعْيِينُ الْمَحَلِّ بِالتَّسْمِيَةِ فِي الذَّكَاةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا ذَبَحَ وَسَمَّى، ثُمَّ ذَبَحَ أُخْرَى يَظُنُّ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الْأُولَى تُجْزِئُ عَنْهُمَا لَمْ تُؤْكَلْ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجَدِّدَ لِكُلِّ ذَبِيحَةٍ تَسْمِيَةً عَلَى حِدَةٍ. (وَمِنْهَا) قِيَامُ أَصْلِ الْحَيَاةِ فِي الْمُسْتَأْنَسِ وَقْتَ الذَّبْحِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُكْتَفَى بِقِيَامِ أَصْلِهَا بَلْ تُعْتَبَرُ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
الْمُتَرَدِّيَةُ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالشَّاةُ الْمَرِيضَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَشْقُوقَةُ الْبَطْنِ إذَا ذُبِحَتْ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّتْ بِالذَّبْحِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَيَاةُ فِيهَا مُسْتَقِرَّةً تَحِلُّ بِالذَّبْحِ سَوَاءٌ عَاشَ أَوْ لَا يَعِيشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَأَمَّا خُرُوجُ الدَّمِ بَعْدَ الذَّبْحِ فِيمَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّبْحِ فَهَلْ هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الْحِلِّ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا التَّحَرُّكُ، وَإِمَّا خُرُوجُ الدَّمِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَا تَحِلُّ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَإِنْ ذَبَحَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ، وَلَمْ تَتَحَرَّكَ وَخُرُوجُهُ مِثْلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ أُكِلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ نَأْخُذُ. رَجُلٌ ذَبَحَ شَاةً مَرِيضَةً فَلَمْ يَتَحَرَّكْ مِنْهَا إلَّا فُوهَا إنْ فَتَحَتْ فَاهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ ضَمَّتْهُ أُكِلَتْ، وَإِنْ فَتَحَتْ عَيْنَهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ غَمَّضَتْهَا أُكِلَتْ، وَإِنْ مَدَّتْ رِجْلَيْهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَبَضَتْهُمَا أُكِلَتْ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ شَعْرُهَا لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ قَامَ أُكِلَتْ، هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا حَيَّةٌ وَقْتَ الذَّبْحِ لِتَكُونَ هَذِهِ عَلَامَةَ الْحَيَاةِ فِيهَا، أَمَّا إذَا عُلِمَتْ حَيَاتُهَا يَقِينًا وَقْتَ الذَّبْحِ أُكِلَتْ بِكُلِّ حَالٍ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
(وَأَمَّا)(حُكْمُهَا) فَطَهَارَةُ الْمَذْبُوحِ وَحِلُّ أَكْلِهِ مِنْ الْمَأْكُولِ وَطَهَارَةُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ لِلِانْتِفَاعِ لَا بِجِهَةِ الْأَكْلِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَالْخُنْثَى وَالْمُخَنَّثُ تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُمَا، هَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ. لَا يُكْرَهُ ذَبْحُ الْأَبْرَصِ، وَخُبْزُهُ وَطَبْخُهُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى، كَذَا فِي الْغَرَائِبِ.
الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ وَالْكِتَابِيَّةُ فِي الذَّبْحِ كَالرَّجُلِ وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْأَخْرَسِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كِتَابِيًّا، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَحِلُّ مَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ سَوَاءٌ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَكَذَا لَا يَحِلُّ مَا ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ مِنْ الصَّيْدِ سَوَاءٌ كَانَ الذَّابِحُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا ذَبَحَ الْمُحْرِمُ غَيْرَ الصَّيْدِ أَوْ ذُبِحَ فِي الْحَرَمِ غَيْرُ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَشْرُوعٌ، كَذَا فِي الْكَافِي.
نَصْرَانِيٌّ ذَبَحَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ، كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
مُسْلِمٌ ذَبَحَ شَاةَ الْمَجُوسِيِّ لِبَيْتِ نَارِهِمْ أَوْ الْكَافِرِ لِآلِهَتِهِمْ تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى - وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى.
وَفِي الْمُشْكِلِ ذَبَحَ عِنْدَ مَرْأَى الضَّيْفِ تَعْظِيمًا لَهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا
وَكَذَا عِنْدَ قُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ غَيْرِهِ تَعْظِيمًا، فَأَمَّا إذَا ذَبَحَ عِنْدَ غَيْبَةِ الضَّيْفِ لِأَجْلِ الضِّيَافَةِ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
وَفِي التَّجْرِيدِ الْمُسْلِمُ إذَا ذَبَحَ فَأَمَرَّ الْمَجُوسِيُّ بِالسِّكِّينِ بَعْدَ الذَّبْحِ لَمْ يَحْرُمْ، وَلَوْ ذَبَحَ الْمَجُوسِيُّ وَأَمَرَّ الْمُسْلِمُ بَعْدَهُ لَمْ يَحِلَّ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَالْعُرُوقُ الَّتِي تُقْطَعُ فِي الذَّكَاةِ أَرْبَعَةٌ: الْحُلْقُومُ وَهُوَ مَجْرَى النَّفَسِ، وَالْمَرِيءُ وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَالْوَدَجَانِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي جَانِبَيْ الرَّقَبَةِ يَجْرِي فِيهَا الدَّمُ، فَإِنْ قُطِعَ كُلُّ الْأَرْبَعَةِ حَلَّتْ الذَّبِيحَةُ، وَإِنْ قُطِعَ أَكْثَرُهَا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَأَحَدِ الْوَدَجَيْنِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ، كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا قَطَعَ نِصْفَ الْحُلْقُومِ وَنِصْفَ الْأَوْدَاجِ وَنِصْفَ الْمَرِيءِ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَطْعِ الْكُلِّ أَوْ الْأَكْثَرِ وَلَيْسَ لِلنِّصْفِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَالْأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ وَدَجَيْنِ يَحِلُّ وَمَا لَا فَلَا، قَالَ مَشَايِخُنَا: وَهُوَ أَصَحُّ الْجَوَابَاتِ، وَإِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا، فَإِنْ قَطَعَ الْأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ حَلَّتْ، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَطْعِ الْأَكْثَرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا تَحِلُّ، وَيُكْرَهُ هَذَا الْفِعْلُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ، وَفِيهِ زِيَادَةُ إيلَامٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
شَاةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَشْرَفَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ قَالُوا يُكْرَهُ ذَبْحُهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ الْوَلَدِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ عِنْدَهُ الْجَنِينَ لَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ الْأُمِّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
مَنْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يُؤْكَلْ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا تَمَّ خَلْقُهُ أُكِلَ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
الْجَنِينُ إذَا خَرَجَ حَيًّا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْوَقْتِ مِقْدَارُ مَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ فَمَاتَ يُؤْكَلُ، وَهَذَا التَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
رَجُلٌ شَقَّ بَطْنَ شَاةٍ فَأَخْرَجَ الْوَلَدَ حَيًّا وَذَبَحَ ثُمَّ ذَبَحَ الشَّاةَ قَالُوا: إنْ كَانَتْ الشَّاةُ لَا تَعِيشُ مِنْ ذَلِكَ لَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ يَكُونُ بِالْأَوَّلِ وَذَلِكَ لَيْسَ بِذَكَاةٍ، وَإِنْ كَانَتْ تَعِيشُ مِنْ ذَلِكَ حَلَّتْ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ هُوَ الثَّانِي، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَرْجِ بَقَرَةٍ وَذَبَحَ وَلَدَهَا فِي بَطْنِهَا حِينَ عَسُرَتْ الْوِلَادَةُ عَلَيْهَا، إنْ مِنْ مَذْبَحٍ حَلَّ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الذَّبْحُ مِنْ الْمَذْبَحِ حَلَّ، وَإِنْ أَمْكَنَ لَا، كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
سِنَّوْرٌ قَطَعَ رَأْسَ دَجَاجَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ بِالذَّبْحِ، وَإِنْ كَانَ يَتَحَرَّكُ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَالْآلَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ قَاطِعَةٌ وَفَاسِخَةٌ وَالْقَاطِعَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حَادَّةٌ وَكَلِيلَةٌ، فَالْحَادَّةُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ حَدِيدًا كَانَ أَوْ غَيْرَ حَدِيدٍ، كَمَا لَوْ ذَبَحَ بِاللِّيطَةِ أَوْ بِالْمَرْوَةِ أَوْ بِشَقَّةِ الْعَصَا أَوْ بِالْعَظْمِ، وَالْكَلِيلَةُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا وَيُكْرَهُ، وَلَوْ ذَبَحَ بِسِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ مَنْزُوعٍ يَحِلُّ وَيُكْرَهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَأَمَّا الْآلَةُ الَّتِي تُفْسَخُ فَالظُّفْرُ الْقَائِمُ وَالسِّنُّ الْقَائِمُ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ذَبَحَ كَانَتْ مَيْتَةً، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَالسُّنَّةُ فِي الْبَعِيرِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُنْحَرَ قَائِمًا مَعْقُولَ الْيَدِ الْيُسْرَى، فَإِنْ أَضْجَعَهُ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ، وَالسُّنَّةُ فِي الشَّاةِ وَالْبَقَرِ أَنْ يُذْبَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَضْجَعًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ لِقَطْعِ الْعُرُوقِ وَيُسْتَقْبَلُ الْقِبْلَةُ فِي الْجَمِيعِ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ بِالنَّهَارِ وَيُسْتَحَبُّ فِي الذَّبْحِ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِآلَةٍ حَادَّةٍ مِنْ الْحَدِيدِ كَالسِّكِّينِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ بِغَيْرِ الْحَدِيدِ وَبِالْكَلِيلِ مِنْ الْحَدِيدِ، وَمِنْهَا التَّرْفِيقُ فِي قَطْعِ الْأَوْدَاجِ، وَيُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ الذَّبْحُ مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ، وَيُكْرَهُ الذَّبْحُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا، وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ كُلِّهَا وَيُكْرَهُ قَطْعُ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَيُسْتَحَبُّ الِاكْتِفَاءُ بِقَطْعِ الْأَوْدَاجِ وَلَا يُبَايَنُ الرَّأْسُ وَلَوْ فَعَلَ يُكْرَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الذَّبْحِ أَوْ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ: لَا تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ، وَيُكْرَهُ لَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ أَنْ يَنْخَعَهَا وَهُوَ أَنْ يَنْحَرَهَا حَتَّى يَبْلُغَ النُّخَاعَ وَأَنْ يَسْلُخَهَا قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ، فَإِنْ نَخَعَ أَوْ سَلَخَ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا، وَيُكْرَهُ جَرُّهَا بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُضْجِعَهَا وَيَحُدَّ الشَّفْرَةَ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَهَذَا كُلُّهُ
لَا تَحْرُمُ بِهِ الذَّبِيحَةُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَلَوْ ذَبَحَ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ النَّحْرُ أَوْ نَحَرَ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الذَّبْحُ جَازَ وَلَكِنْ تَرَكَ السُّنَّةَ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ ضَرَبَ عُنُقَ جَزُورٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ وَأَبَانَهَا وَسَمَّى، فَإِنْ كَانَ ضَرَبَهَا مِنْ قِبَلِ الْحُلْقُومِ تُؤْكَلُ وَقَدْ أَسَاءَ، فَإِنْ ضَرَبَ عَلَى التَّأَنِّي وَالتَّوَقُّفِ لَا تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَ الذَّكَاةِ فَكَانَتْ مَيْتَةً، وَإِنْ قَطَعَ الْعُرُوقَ قَبْلَ مَوْتِهَا تُؤْكَلُ لِوُجُودِ فِعْلِ الذَّكَاةِ وَهِيَ حَيَّةٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي أَلَمِهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَإِنْ أَمْضَى فِعْلَهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ تُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَوْتَهَا بِالذَّكَاةِ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَإِذَا ذَبَحَهَا بِغَيْرِ تَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ حَلَّتْ وَلَكِنْ يُكْرَهُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
أَشْرَفَ ثَوْرُهُ عَلَى الْهَلَاكِ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا مَا يَجْرَحُ مَذْبَحَهُ، وَلَوْ طَلَبَ آلَةَ الذَّبْحِ لَا يُدْرِكُ ذَكَاتَهُ فَجَرَحَ مَذْبَحَهُ لَا يَحِلُّ إلَّا إذَا قَطَعَ الْعُرُوقَ، قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ يَحِلُّ إنْ جَرَحَهُ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَكُرِهَ النَّخْعُ وَهُوَ أَنْ يَبْلُغَ بِالسِّكِّينِ النُّخَاعَ وَتُؤْكَلُ الذَّبِيحَةُ، وَالنُّخَاعُ عِرْقٌ أَبْيَضُ فِي عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَذْبَحُهُ، وَقِيلَ: أَنْ يَكْسِرَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ تَعْذِيبُ الْحَيَوَانِ بِلَا ضَرُورَةٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا فِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الذَّكَاةِ مَكْرُوهٌ، كَذَا فِي الْكَافِي.
قَالَ الْبَقَّالِيُّ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ يَعْنِي بِدُونِ الْوَاوِ وَمَعَ الْوَاوِ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْمَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم مَوْصُولًا بِغَيْرِ وَاوٍ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَنْصِبَ مُحَمَّدًا أَوْ يَخْفِضَهُ أَوْ يَرْفَعَهُ، وَفِي كُلِّهَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً، وَإِنْ ذَكَرَ مَعَ الْوَاوِ إنَّ خَفَضَهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذَابِحًا بِهِمَا وَإِنْ رَفَعَهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ ذَكَرَ اسْمًا آخَرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّ بِغَيْرِ الْهَاءِ، إنْ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ يَحِلُّ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَحْذِفُ حَرْفًا تَرْخِيمًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ يَحِلُّ وَيُكْرَهُ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
قَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَذَبَحَ النِّصْفَ مِنْ الْوَدَجَيْنِ وَالْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَطَعَ الْبَاقِيَ لَا يَحِلُّ، وَتَجْرِيدُ التَّسْمِيَةِ فَرِيضَةٌ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّه عَلَى مُحَمَّد، أَوْ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَى مُحَمَّد بِدُونِ الْوَاوِ حَلَّ الذَّبِيحُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَفِي الْبَقَّالِيِّ حَلَّ الذَّبِيحُ إنْ وَافَقَ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبْحَ، قِيلَ: إنْ أَرَادَ بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الِاشْتِرَاكَ فِي التَّسْمِيَةِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِذِكْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَحِلُّ الذَّبِيحُ وَيُكْرَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ تَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا تَحِلُّ وَالْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةَ سَوَاءٌ، كَذَا فِي الْكَافِي. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ: وَالصَّبِيُّ كَالْكَبِيرِ فِي النِّسْيَانِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ قَالَ الْقَصَّابُ: تَرَكْتُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَمْ يَحِلَّ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ أُكِلَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً وَأَخَذَ السِّكِّينَ وَسَمَّى، ثُمَّ تَرَكَهَا وَذَبَحَ شَاةً أُخْرَى وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا عَلَيْهَا، لَا تَحِلُّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَأَخَذَ السِّكِّينَ وَسَمَّى، ثُمَّ أَلْقَى تِلْكَ السِّكِّينَ وَأَخَذَ أُخْرَى وَذَبَحَ بِهَا حَلَّتْ، وَإِنْ أَخَذَ سَهْمًا وَسَمَّى ثُمَّ وَضَعَ ذَلِكَ السَّهْمَ وَأَخَذَ آخَرَ وَرَمَى لَمْ يَحِلَّ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَإِذَا أَضْجَعَ شَاةً لِيَذْبَحَهَا وَسَمَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ كَلَّمَ إنْسَانًا أَوْ شَرِبَ مَاءً أَوْ حَدَّدَ سِكِّينًا أَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ لَمْ يَكْثُرْ حَلَّتْ بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ، وَإِنْ طَالَ الْحَدِيثُ وَكَثُرَ الْعَمَلُ كُرِهَ أَكْلُهَا وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرٌ بَلْ يُنْظَرُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ إنْ اسْتَكْثَرَهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ كَثِيرًا أَوْ إنْ كَانَ يُعَدُّ قَلِيلًا فَهُوَ قَلِيلٌ، ثُمَّ ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ لَفْظَةَ الْكَرَاهَةِ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهَا، وَفِي أَضَاحِي الزَّعْفَرَانِيِّ إذَا حَدَّدَ الشَّفْرَةَ تَنْقَطِعُ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَمَا