الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأمر له بعشرة آلاف درهم ووقع في رقعته:
أعجلتنا فأتاك عاجل برّنا
…
قلّا ولو أنظرتنا لم يقلل
فخذ القليل وكن كأنّك لم تسل
…
ونكون نحن كأننا لم نسأل
(كامل) وكان الحسن بن سهل أعظم الناس منزلة عند المأمون، وكان المأمون شديد المحبة لمفاوضته، فكان إذا حضر عنده طاوله في الحديث، وكلّما أراد الانصراف منعه فانقطع زمان الحسن بذلك وثقلت الملازمة، فصار يتراخى عن الحضور بمجلس المأمون ويستخلف أحد كتّابه كأحمد بن أبي خالد وأحمد بن أبي يوسف وغيرهما، ثم عرضت له سوداء [1] كان أصلها جزعه على أخيه، فانقطع بداره ليتطبّب واحتجب عن الناس إلا أنّه بقي أعلى الخلق مكانة، واستوزر المأمون أحمد ابن أبي خالد، فكان أحمد في كلّ وقت يقصد خدمة الحسن بن سهل، وإذا حضر الحسن دار المأمون كان أعلى الناس مكانة، ولما انقطع الحسن بن سهل بمنزله هجاه بعض الشّعراء بقوله:
تولّت [2] دولة الحسن بن سهل
…
ولم أبلل [3] لهاني من نداها
فلا تجزع على ما فات منها
…
وأبكى الله عيني من بكاها
(وافر) ومات الحسن بن سهل في سنة ستّ وثلاثين ومائتين في أيّام المتوكّل.
وزارة أحمد بن أبي خالد الأحول للمأمون
هو من الموالي، كان أحمد جليل القدر من عقلاء الرجال، وكان كاتبا سديدا فصيحا لبيبا، بصيرا بالأمور، قال له المأمون: إن الحسن بن سهل قد لزم منزله، وإنّني أريد أن أستوزرك، فتنصّل [4] أحمد من الوزارة، وقال: يا أمير
[1] السّوداء: هنا، الحزن والكآبة الملازمان كمرض.
[2]
تولّت: ذهبت.
[3]
لم أبلل لهاتي: لم أرطّب حلقي، كناية عن عدم الفائدة.
[4]
تنصّل: استعفى وحاول الخلاص.
المؤمنين، أعفني من التسمّي بالوزارة، وطالبني بالواجب فيها، واجعل بيني وبين العامّة منزلة يرجوني لها صديقي، ويخافني لها عدوّي، فما بعد الغايات إلا الآفات فاستحسن المأمون جوابه وقال لا بدّ من ذلك، واستوزره.
كان المأمون لما ولّى طاهر بن الحسين خراسان، استشار فيه أحمد بن أبي خالد فصوّب أحمد الرأي في تولية طاهر، فقال المأمون لأحمد: إنّي أخاف أن يغدر ويخلع ويفارق الطاعة، فقال أحمد: الدّرك في ذلك عليّ، فولّاه المأمون، فلمّا كان بعد مدة أنكر المأمون عليه أمورا، وكتب إليه يتهدّده فيه، فكتب طاهر جوابا أغلظ فيه للمأمون ثمّ قطع اسمه من الخطبة ثلاث جمع، فبلغ ذلك المأمون، فقال لأحمد بن أبي خالد، أنت الّذي أشار بتولية طاهر وضمنت ما يصدر منه، وقد ترى ما صدر منه من قطع الخطبة ومفارقة الطاعة، فو الله لئن لم تتلطف لهذا الأمر وتصلحه كما أفسدته، ضربت عنقك! فقال أحمد: يا أمير المؤمنين طب نفسا فبعد أيّام يأتيك البريد بهلاكه، ثمّ إنّ أحمد بن خالد أهدى لطاهر هدايا فيها كوامخ مسمومة، وكان طاهر يحبّ الكامخ [1] ، فأكل منها فمات من ساعته، وقيل: إن أحمد بن أبي خالد لما تولّى طاهر خراسان حسب هذا الحساب، فوهبه خادما وناوله سمّا، وقال له: متى قطع خطبة المأمون فاجعل له هذا السمّ في بعض ما يحبّ من المآكل، فلما قطع طاهر خطبة المأمون جعل الخادم له السمّ في كامخ، فأكل منه فمات في ساعته، ووصل الخبر على البريد بموته إلى المأمون بعد أيام فكان ذلك مما عظم به أمر أحمد بن أبي خالد.
ومات أحمد حتف أنفه سنة عشر ومائتين.
[1] الكامخ: هو المخلّل المشهّي للطعام، أو هو دقيق وملح ولبن ينشّف في الشمس كإدام يؤتدم به وتسمية العامّة: شنكليش.