الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح الحال في ذلك
كان الحلاج- واسمه الحسين بن منصور، ويكنى: أبا الغيث- أصله مجوسيّ من أهل فارس. ونشأ بواسط [1] وقيل: بتستر [2] ، وخالط الصوفيّة وتتلمذ لسهل التّستري، ثمّ قدم بغداد ولقي أبا القاسم الجنيد [3] وكان الحلاج يلبس الصوف والمسوح [4] تارة، والثّياب المصبّغة تارة، والعمامة الكبيرة والدرّاعة تارة والقباء وزيّ الجند تارة. وطاف بالبلاد ثمّ قدم في آخر الأمر بغداد وبنى بها دارا واختلفت آراء الناس واعتقاداتهم فيه، وظهر منه تخليط، وتنقّل من مذهب إلى مذهب، واستغوى العامّة بمخاريق [5] كان يعتملها، منها: أنه كان يحفر في بعض قوارع الطّرقات موضعا ويضع فيه زقّا [6] فيه ماء، ثمّ يحفر في موضع آخر ويضع فيه طعاما، ثم يمرّ بذلك الموضع ومعه أصحابه فيحتاجون هناك إلى ماء يشربونه ويتوضّئون به، فيأتي هو إلى ذلك الموضع الّذي قد حفره وينبش فيه بعكاز، فيخرج الماء فيشربون ويتوضّئون ثم يفعل كذلك في الموضع الآخر عند جوعهم فيخرج الطّعام من بطن الأرض، يوهمهم أنّ ذلك من كرامات الأولياء.
وكذلك كان يصنع بالفواكه، يدّخرها ويحفظها، ويخرجها في غير وقتها. فشغف الناس به، وتكلّم بكلام الصوفيّة، وكان يخلطه بما لا يجوز ذكره من الحلول [7] المحض، وله أشعار، فمنها:
[1] واسط: مدينة بين الكوفة والبصرة، بناها الحجاج بن يوسف الثّقفي وغدت من حواضر العراق.
[2]
تستر: مدينة في خوزستان شمالي الأهواز. اسمها بالإيرانية شوشتر.
[3]
أبو القاسم الجنيد: هو الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي، صوفي عالم بالدين، ضبط التصوف بالقرآن والسنّة، له «دواء الأرواح» وجملة مواعظ. توفي/ 297/ هـ.
[4]
المسوح: أخشن الملابس من ثياب الرهبان والزهّاد.
[5]
المخاريق: هنا، خوارق الأفعال.
[6]
الزّق: وعاء من جلد للماء أو الخمرة.
[7]
الحلول: معتقد لبعض الصوفيّة يقول بحلول الخالق في ذات المخلوق أو بحلول الروح ذاتها في جسد بعد جسد.
حبيبي غير منسوب
…
إلى شيء من الحيف [1]
سقاني مثلما يشر
…
ب فعل الضّيف بالضّيف
فلمّا دارت الكاس
…
دعا بالنّطع [2] والسّيف
كذا من يشرب الراح
…
مع التنين في الصّيف
(هزج) وكثر شغف الناس به وميلهم إليه. وكان يقول لأصحابه: أنتم موسى وعيسى ومحمد وآدم، انتقلت أرواحهم إليكم. فلما نما هذا الفساد منه تقدّم المقتدر إلى وزيره حامد بن العبّاس بإحضاره ومناظرته، فأحضره الوزير وجمع له القضاة والأئمة، ونوظر فاعترف بأشياء أوجبت قتله، فضرب ألف سوط على أن يموت فما مات، فقطعت يداه ورجلاه وحزّ رأسه وأحرقت جثّته، وقال لأصحابه عند قتله لا يهولنكم هذا فإنّي أعود إليكم بعد شهر، قالوا: وأنشد قبل قتله:
طلبت المستقرّ بكلّ أرض
…
فلم أر لي بأرض مستقرّا
أطعت مطامعي فاستعبدتني
…
ولو أني قنعت لكنت حرّا
(وافر) وذلك في سنة تسع وثلاثمائة، وقبره ببغداد بالجانب الغربيّ قريب من مشهد معروف الكرخيّ [3] رضي الله عنه .
وفي تلك الأيّام اقتلع القرامطة الحجر الأسود، ومكث في أيديهم أكثر من عشرين سنة، حتى ردّ على يد الشّريف يحيى بن الحسين بن أحمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام .
[1] الحيف: الظلم والجور.
[2]
النّطع: بساط من جلد تلفّ به جثة المقتول بالسّيف.
[3]
معروف الكرخيّ: هو معروف بن فيروز الكرخي ولد ونشأ في الكرخ من بغداد، اشتهر بالصلاح وقصده الناس للتّبرّك به وفي جملتهم أحمد بن حنبل. توفي سنة/ 200/ هـ.