الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقيل لي: على من سلّمت؟ قلت: على أمير المؤمنين هارون الرّشيد، فقال:
وعليك السّلام يا يعقوب ورحمة الله وبركاته، أعزز عليّ بما نالك فجعلت المهديّ في حلّ ودعوت للرّشيد وشكرته على خلاصي. ثمّ قال: ماذا تريد يا يعقوب؟ قلت يا أمير المؤمنين، ما بقي في مستمع ولا بلاغ، وأريد المجاورة بمكّة، فأمر لي بما يصلحني. ثم توجّه يعقوب إلى مكّة وجاور بها، ولم تطل أيّامه حتّى مات هناك سنة ستّ وثمانين ومائة.
وزارة الفيض بن أبي صالح للمهديّ
هو من أهل نيسابور، وكانوا نصارى، فانتقلوا إلى بني العبّاس وأسلموا.
وتربّى الفيض في الدولة العبّاسيّة وتأدّب وبرع، وكان سخيّا مفضالا متخرّقا في ماله جوادا عزيز النّفس، كبير الهمّة كثير الكبر والتّيه، حتّى قال فيه بعض الشّعراء:
أبا جعفر جئناك نسأل نائلا [1]
…
فأعوزنا من دون نائلك البشر
فما برقت بالوعد منك غمامة
…
يرجّى بها من سيب نائلك القطر
فلو كنت تعطينا المنى وزيادة
…
لنغصّها منك التجبّر والكبر
(طويل) قالوا: كان يحيى بن خالد بن برمك إذا استعظم أحد كرمه وجوده قال: لو رأيتم الفيض لصغر عندكم أمري. وفي الفيض يقول أبو الأسود الحماني الشاعر يمدحه:
ولائمة لأمتك يا فيض في النّدى
…
فقلت لها: لن يقدح اللّوم في البحر
أرادت لتثني [2] الفيض عن سنن النّدى [3]
…
ومن ذا الّذي يثني السّحاب عن القطر؟
[1] نائلا: عطاء.
[2]
تثني: تمنع وتكفّ.
[3]
سنن النّدى: طرائق الكرم ومناهجه.
مواقع جود الفيض في كلّ بلدة
…
مواقع ماء المزن [1] في البلد القفر
كأنّ وفود الفيض لمّا تحمّلوا
…
إلى الفيض وافوا عنده ليلة القدر
(طويل) قالوا: كان الفيض بن أبي صالح متوجّها في بعض الأيّام إلى بعض أغراضه فصادفه صديق له، فسأله الفيض إلى أين يذهب، فقال: إنّ وكيل السيدة أمّ جعفر زبيدة قد حبس فلانا على بقيّة ضمان، مبلغها مائة ألف دينار، وفلان- يعني المحبوس- صديقي وصديقك أيضا وأنا متوجّه إلى الوكيل المذكور لأشفع فيه فهل لك أن تصل جناحي وتساعدني على هذه المكرمة؟ فقال الفيض: إي والله.
ثمّ مضى معه فحضر عند وكيل أمّ زبيدة. وشفعا في الرّجل المحبوس، فقال الوكيل: الأمر في هذا إليها، وما أستطيع أن أفرج عنه إلا بقولها، ولكنّي أخاطبها وأحسن لها الإفراج عنه. ثمّ كتب إليها شيئا، فخرج الجواب أنّه لا بدّ من استيفاء هذا المال، ولا سبيل إلى قبول شفاعة في هذا الباب فاعتذر الوكيل إليهما وأراهما الخطّ، فقال الرجل للفيض: قم حتّى نمضي فقد فعلنا ما يجب علينا، فقال الفيض:
لا والله، ما فعلنا ما يجب علينا، فكأنّنا ما جئنا هنا إلا لنؤكّد حبس صاحبنا. قال الرجل فما تصنع؟ قال الفيض: حيث قد تعذر علينا خلاصه من هذه الجهة، نؤدّي عنه هذا المال من خاصّنا ونخرجه أنت نصفه، وأنا نصفه. فأجاب الرّجل إلى ذلك فقالا للوكيل: كم لك عليه؟ قال: مائة ألف دينار قالا: هي علينا وهذا خطنا بها، فادفع إلينا صاحبنا، قال: هذا أيضا لا أقدر أن أفعله، حتى أعلمها بالحال، قالا:
فأعلمها. فكتب إليها الوكيل يخبرها بما قال الفيض وبصورة الحال، فخرج الخادم وقال: لا يكون الفيض أكرم منّا، قد وهبناه المائة الألف فادفع إليهم صاحبهم، فأخذاه وخرجا. وكان الفيض قد وصف للمهديّ لمّا عزم على القبض على يعقوب
[1] المزن: السّحاب الممطر.