الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الكلام على الدولة العباسية]
ذكر انتقال الملك من بني أميّة إلى بني العبّاس
لا بدّ قبل الخوض في ذلك من مقدّمة، يشرح فيها ابتداء أمر أبى مسلم الخراساني فإنّه رجل الدّولة وصاحب الدّعوة، وعلى يده كان الفتح.
شرح ابتداء أمر أبي مسلم الخراسانيّ ونسبه
أمّا نسبه: ففيه اختلاف كثير لا فائدة في استقصاء القول فيه، فقيل: هو حرّ من ولد بزرجمهر، وإنّه ولد بأصفهان ونشأ بالكوفة، فاتّصل بإبراهيم الإمام ابن محمّد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس، فغيّر اسمه وكنّاه بأبي مسلم وثقّفه وفقّهه حتى كان منه ما كان. وقيل: هو عبد، تنقّل في الرقّ حتّى إبراهيم الإمام، فلما رآه أعجبه سمته وعقله، فابتاعه من مولاه وثقّفه وفهّمه، وصار يرسله إلى شيعته وأصحاب دعوته بخراسان وما زال على ذلك حتى كان من الأمر ما كان.
وأمّا هو: فإنه لمّا قويت شوكته، ادّعى أنّه ابن سليط بن عبد الله بن العبّاس ثم ترسّل أبو مسلم لإبراهيم الإمام إلى خراسان ودعا إليه سرّا. وما زال على ذلك حتّى ظهرت الدعوة وتمّ الأمر.
مقدّمة أخرى قبل الخوض فيها
قال الله تعالى: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ 3: 140 [1] .
وعزّى بعض الحكماء بعض الملوك عن مملكة خرجت عنه فقال: لو بقيت لغيرك لما وصلت إليك.
واعلم- علمت الخير- أنّ هذه دولة من كبار الدّول، ساست العالم سياسة ممزوجة بالدّين والملك، فكان أخيار الناس وصلحاؤهم يطيعونها تدينا، والباقون يطيعونها رهبة أو رغبة، ثمّ مكثت فيها الخلافة والملك حدود ستمائة سنة، ثم
[1] سورة آل عمران، الآية/ 140/.
طرأت عليها دول كدولة بني بويه [1] ، وكانت عظمتها كما علمت، وفيها كبشهم وفحلهم عضد الدولة فناخسرو وكدولة بني سلجوق [2] وفيها مثل طغرلبك. وكالدّولة الخوارزمشاهية [3] وفيها مثل علاء الدين، وجريدة عسكره مشتملة على أربعمائة ألف مقاتل. وكدولة الفاطميّين بمصر، وقد وجّهوا عسكرا صحبة عبد من عبيدهم اسمه جوهر [4] لم ير عسكر أكثف منه، حتّى قال فيه شاعرهم وهو محمّد بن هانئ [5] المغربيّ:
فلا عسكر من قبل عسكر جوهر
…
تخبّ المطايا فيه عشرا وتوضع
(طويل) وكخوارج خرجوا في أثنائها بجموع كثيرة، وحشود عظيمة. كلّ ذلك ولم يزل مملكهم، ولم تقو دولة على إزالة ملكهم ومحو أثرهم، بل كان الملك من هؤلاء المذكورين يجمع ويحتشد ويجرّ العساكر العظيمة، حتى يصل إلى بغداد، فإذا وصل التمس الحضور بين يدي الخليفة، فإذا حضر قبّل الأرض بين يديه، وكان قصارى ما يتمنّاه أن يوليه الخليفة ويعقد له لواء ويخلع عليه. فإذا فعل
[1] بنو بويه: أسرة فارسية حكمت في أصفهان وشيراز وكرمان وبغداد. أسّسها أبو شجاع بويه وأولاده الثلاثة عماد الدولة وركن الدولة ومعزّ الدولة الّذي دخل بغداد في عهد الخليفة المستكفي وخلعه سنة/ 334/ هـ. قضى على دولتهم طغرلبك السلجوقي عام/ 447/ هـ.
[2]
دولة بني سلجوق: هي الدولة التي قضت على البويهيين وخلفتهم في التنفّذ في بغداد/ 447- 656/ هـ حين قضى عليها جنكيزخان وخلفاؤه ومنهم هوركو. تفرعت أسرة السلاجقة ما بين سورة والعراق ورومية وخلفها الأتابكة.
[3]
الخوارزمشاهيّة: دولة تنفذت على بخارى وسمرقند إلى أن غزاها جنكيزخان وتيمور لنك، وتقع أراضيها اليوم في أوزبكستان من دويلات الاتحاد السوفياتي السابق. كان استمرارها/ 1097- 1231/ م.
[4]
جوهر: هو المعروف بجوهر الصقليّ فتح مصر للمعزّ الفاطمي، وأنشأ مدينة القاهرة وبنى الأزهر عام/ 359/ هـ توفي عام/ 381/ هـ.
[5]
محمّد بن هانئ المغربيّ: أصله من الأندلس ولد بإشبيليّة. لقب بمتنبي المغرب، مدح المعزّ الفاطمي، ومات مقتولا في برقة عام/ 362/ هـ.
الخليفة ذلك قبل الملك الأرض بين يديه، ومشى في ركابه راجلا، والغاشية [1] تحت إبطه، كما فعل مسعود السّلطان مع المسترشد فإنّ المسترشد وقعت بينه وبين مسعود منابذة أدّت إلى محاربة، فخرج المسترشد بعسكر كثيف وصحبته جميع أرباب الدّولة، فالتقى هو والسلطان مسعود [2] بظاهر مراغة فاقتتلوا ساعة، ثمّ انكشف الغبار وقد انهزم أصحاب المسترشد، واستولى عسكر مسعود، فانجلى الغبار والخليفة ثابت على ظهر فرسه، وفي يده المصحف وحواليه القرّاء والقضاة والوزراء لم ينهزم أحد منهم، وإنّما انهزم المقاتلون. فلما نظر السّلطان مسعود إليهم، أرسل من قاد دابّة الخليفة وأدخله إلى خيمة قد نصبت له وأخذ أرباب دولته فحبسهم في قلعة قريبة من تلك النواحي، ثم غنموا جميع ما كان في عسكر الخليفة. وبعد أيّام اجتمع السلطان بالخليفة وعاتبه على فعله، ثم تقرّر بينهم أمر الصلح فاصطلحا، وركب الخليفة إلى مخيم عظيم ضربه لأجله السّلطان. فلما ركب الخليفة أخذ السّلطان مسعود الغاشية ومشى في ركابه، ثم جرى من قتل المسترشد ما نذكره بعد هذا.
فهذه الدول جميعها طرأت على دولة بني العبّاس، ولم تقو نفس أحد على إزالة ملكهم ومحو آثارهم. وكانت لهم في نفوس الناس منزلة لا تدانيها منزلة أحد آخر من العالم، حتى إنّ السلطان «هولاكو» لما فتح بغداد، وأراد قتل الخليفة أبي أحمد عبد الله المستعصم- ألقوا إلى سمعه أنه متى قتل الخليفة اختلّ نظام العالم واحتجبت الشّمس وامتنع القطر والنبات. فاستشعر لذلك، ثمّ سأل بعض العلماء في حقيقة الحال عن ذلك فذكر ذلك العالم له الحقّ في هذا، وقال: إنّ عليّ ابن أبي طالب كان خيرا من هذا الخليفة بإجماع العالم، ثم قتل ولم تجر هذه المحذورات، وكذلك الحسين. وكذلك أجداد هذا الخليفة، قتلوا وجرى عليهم كلّ مكروه، وما احتجبت الشمس ولا امتنع القطر فحين سمع زال ما كان قد حصل في
[1] الغاشية: الزوّار والحاشية.
[2]
مسعود: هو مسعود بن محمد السلجوقي خلع الخليفة العباسي المسترشد/ 529/ هـ وعبث بالحكم في بغداد حتى تولى المقتفي/ 530/ هـ.