الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزارة أحمد بن الخصيب للمنتصر
كان أحمد مقصّرا في صناعته، مطعونا عليه في عقله، وكانت فيه مروءة وحدّة [1] وطيش، فمن احتمله بلغ منه ما أراد، فعرض له رجل من أرباب الحوائج وألحّ عليه حتّى ضايقه، وضغط رجله بالرّكاب، فاحتدّ أحمد وأخرج رجله من الرّكاب وركله بها في صدره، فقال فيه بعض الشّعراء:
قل للخليفة يا ابن عمّ محمّد
…
أشكل وزيرك إنه ركال [2]
قد نال من أعراضنا بلسانه
…
ولرجله عند الصّدور مجال
(كامل) ومات المنتصر وأحمد بن الخصيب وزيره.
انقضت أيّام المنتصر.
ثمّ ملك بعده المستعين وهو أحمد بن المعتصم
لما مات المنتصر اجتمع الأمراء وأكابر المماليك، وقالوا: متى ولّينا أحدا من ولد المتوكل طالبنا بدمه وأهلكنا، فأجمعوا على مبايعة المستعين وقالوا هو ابن مولانا المعتصم فإذا ما بايعناه لم تخرج الخلافة من ولد المعتصم، فبايعوه في سنة ثمان وأربعين ومائتين وكانت تلك أيّام فتن وحروب وخروج خوارج، فممّن خرج فيها قتيل شاهي أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام .
شرح الحال في ذلك
كان يحيى بن عمر قتيل شاهي [3] ، قدم من خراسان في أيّام المتوكّل، وهو في ضائقة وعليه دين، فكلّم بعض أكابر أصحاب المتوكّل في ذلك، فأغلظ له
[1] الجدّة: في الطبع، شدّة العصبيّة والنزق.
[2]
أشكل: أربط بالشّكال، أي بالحبل، ركّال: رفّاس.
[3]
شاهي: قرية قريبة من الكوفة كما ذكر.
وحبسه بسامرّا، ثمّ كفله أهله فأطلق، وانحدر إلى بغداد فأقام بها مدّة على حال غير مرضية من الفقر، وكان- رضي الله عنه دينا خيّرا أعمالا حسن السّيرة، فرجع إلى سامرّا مرّة ثانية، وكلّم بعض أمراء المتوكّل في حاله، فأغلظ له وقال، لأيّ حال يعطى مثلك؟ فرجع إلى بغداد وانحدر منها إلى الكوفة، ودعا الناس إلى الرضا من آل محمد، فتبعه ناس من أهل الكوفة من ذوي البصائر في التشيّع، وناس من الأعراب ووثب في الكوفة وأخذ ما في بيت المال ففرّقه على أصحابه، وأخرج من في السّجون، وطرد عن الكوفة عاملها وكثرت جموعه فأرسل إليه أمير بغداد- وهو محمّد بن عبد الله بن طاهر- عسكرا فالتقوا بشاهي وهي قرية قريبة من الكوفة- وكانت الغلبة لعسكر ابن طاهر، وانكشف الغبار ويحيى بن عمر قتيل فحمل رأسه إلى محمّد بن عبد الله بن طاهر ببغداد، فجلس محمّد بن عبد الله بن طاهر للهناء بذلك، فدخل عليه الناس أفواجا يهنئونه، وفي جملتهم رجل من ولد جعفر بن أبي طالب- عليهم السلام فقال له أيّها الأمير: إنّك لتهنّأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيّا لعزّي به، فأطرق محمّد بن عبد الله ساعة، ثم نهض وصرف الناس، ورثاه الشّعراء، فممّن رثاه ابن الروميّ [1] بجيميّته التي أوّلها:
أمامك فانظر أيّ نهجيك تنهج
…
طريقان شتّى: مستقيم وأعوج
ومنها:
سلام وريحان وروح ورحمة
…
عليك وممدود من الظلّ سجسج [2]
ولا برح القاع الّذي أنت جاره
…
يرفّ عليه الأقحوان المفلّج [3]
[1] ابن الروميّ: أبو الحسن، عليّ بن العبّاس بن جريج، ولد ونشأ وتخرّج ببغداد، أبدع في شعره وأفحش في هجائه كان قليل النّقلة والسفر، كثير التشاؤم، دسّ له السمّ القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد فتوفي عام/ 283/ هـ.
[2]
سجسج: مبسوط، رحب.
[3]
المفلّج: المتباعد في تويجاته كالأسنان المتباعدة، وصف به الأقحوان وهو زهر بريّ أبيض مفلّج التّويجات.