الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزارة الحسن بن مخلد للمعتمد
وزر له لمّا مات عبيد الله بن يحيى، استوزر المعتمد الحسن بن مخلد [1] ، وكان كاتبا لأخيه الموفّق، فاجتمعت له وزارة المعتمد، وكتابة الموفّق، كان الحسن بن مخلد من دير قنّى، ويقال: إنّ أباه كان معبرانيا، فخرج من ابنه ما خرج، وكان الحسن أحد كتّاب الدّنيا، قالوا: كان له دفتر صغير يعمله بيده، فيه أصول أموال الممالك ومحمولاتها بتواريخها، فلا ينام كلّ ليلة حتّى يقرأه، ويتحقّق ما فيه، بحيث لو سئل الغد عن شيء كان منه، أجاب من خاطره بغير توقف ولا مراجعة دستور، قال الحسن بن مخلد: كنت مرّة واقفا بين يدي الموفّق بن المتوكّل فرأيته يلمس ثوبه بيده، وقال لي: يا حسن، قد أعجبني هذا الثوب، كم عندنا في الخزائن منه. فأخرجت في الحال من خفّي دستورا فيه جمل ما في الخزائن من الأمتعة والثياب مفصّلة، فوجدت فيها من جنس ذلك الثوب ستّة آلاف ثوب، فقال لي: يا حسن، نحن عراة، اكتب إلى البلاد في استعمال ثلاثين ألف ثوب من جنسه وحملها في أسرع مدّة.
ثمّ عزله المعتمد واستوزر سليمان بن وهب، وقد سبق وصف طرف من حاله وشرعت من تلك الأيام دولة بني وهب نتبع.
وزارة أبي الصّقر إسماعيل بن بلبل
استوزره الموفّق لأخيه المعتمد. وكان أبو الصّفر كريما مطعاما متجمّلا، بلغ من الوزارة مبلغا عظيما، وجمع له السيف والقلم، فنظر في أمر العساكر أيضا وسمّي الوزير الشّكور، كان في صباه على طريقة غير مرضية، فبلغ ما بلغ، ومدحه الشّعراء كالبحتريّ، وابن الروميّ، وغيرهما، وهجوه، وكان أبو الصّقر ينتسب إلى بني شيبان ورأيت نسبه مرفوعا إلى شيبان بخطّ بعض النسّاب، وقوم
[1] الحسن بن مخلد: جاء في الأعلام للزركلي ما خلاصته أنه وزير من الكتّاب، له علم بالأدب استوزره المعتمد سنة/ 263/ هـ ثم عزله وأعاده وعزله سنة/ 265/ هـ. طلبه أحمد بن طولون إلى مصر فحمل إليه فحبسه بأنطاكيّة فمات فيها/ 269/ هـ.
غمزوه وقالوا: هو دعيّ وكان ابن الروميّ قد مدحه بقصيدة نونيّة طويلة أوّلها:
أجنت لك الوصل أغصان وكثبان
…
فيهنّ نوعان: تفّاح ورمّان
غصون بان عليها الدّهر فاكهة
…
وما الفواكه ممّا يحمل البان
(بسيط) فسمّى الناس هذه القصيدة: دار البطّيخ لكثرة ما فيها من ذكر الفواكه.
وكان الموضع الّذي تباع فيه الفواكه يسمّى: دار البطّيخ، ومن جملة هذه القصيدة:
قالوا: أبو الصّقر من شيبان قلت لهم
…
كلّا لعمري ولكن منه شيبان
كم من أب قد علا بابن له شرفا
…
كما علا برسول الله عدنان
فلمّا سمع أبو الصّقر قوله، «قالوا: أبو الصقر من شيبان، قلت لهم:
كلّا» ظنّ أنّ ابن الروميّ قد هجاه بها باطلا، وأنّه عرّض بأنه دعيّ، واشتبه على أبي صقر الأمر فاستكتم ظنّه وأعرض عنه، وتوصّل ابن الرومي إلى إفهامه صورة الحال، فلم يقبل في ذلك قول قائل. وقيل له: يا سبحان الله-! فانظر إلى البيت الثاني وحسن معناه، فإنّه معنى مخترع، ما مدح أحد بمثله قبلك، فلم يصغ وجزم بأنّ ابن الروميّ هجاه وأفحش في هجائه، فممّا هجاه به قوله:
عجب النّاس من أبي الصّقر إذ
…
ولّي بعد الإجارة الدّيوانا
إنّ للحظ كيمياء إذا ما
…
مسّ كلبا أصاره إنسانا
(خفيف) وقوله:
مهلا أبا الصّقر فكم طائر
…
خرّ صريعا بعد تحليق
زوّجت نعمى لم تكن كفأها
…
فصانها الله بتطليق
لا قدّست نعمى تسربلتها
…
كم حجّة فيها لزنديق
(سريع)
ما بال فرخ أبوه بلبل ربح [1]
…
يكنى أبا الصّقر يا أهل الدواوين
عرّوه من كنية ليست تليق به
…
يدعى أبا الصّقر من كان ابن شاهين
(بسيط)
[1] الرّبح: الفرخ الصغير، أو الصغير من كلّ دابّة.