الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح حال الوزارة في أيّامه
استوزر ابن مقلة وزير أخيه، وهي الوزارة الثانية، وقد تقدّم شرح طرف من سيرته فلا حاجة إلى إعادته. ثم استوزر محمّد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب، ولم يتمكن من الوزارة ولا طالت أيّامه، ثم قبض عليه ونكبه، واتفق أن عرض له قولنج فمات بعقب ذلك. انقضت أيام القاهر ووزرائه.
في تلك الأيام نبعت الدّولة البويهيّة.
شرح حال دولة آل بويه وابتدائها وانتهائها
أمّا نسبهم فيرتفع من بويه إلى واحد واحد من ملوك الفرس حتّى يتّصل بيهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل- عليه السلام وكذلك إلى آدم أبي البشر، وليسوا من الدّيلم، وإنّما سمّوا بالدّيلم، لأنهم سكنوا بلاد الدّيلم [1] .
أما ابتداؤها: فإنّها دولة نبعت بما لم يكن في حساب الناس، ولم يخطر بعضه ببال أحد، فدوّخت الأمم وأذلّت العالم واستولت على الخلافة، فعزلت الخلفاء وولّتهم، واستوزرت الوزراء وصرفتهم، وانقادت لأحكامها أمور بلاد العجم وأمور العراق، وأطاعتهم رجال الدولة بالاتّفاق. هذا بعد الضّيق والفقر، والذلّ والمسكنة ومعاناة الحاجة والاضطهاد، فإنّ جدّهم أبا شجاع بويه وأباه وجدّه، كانوا كآحاد الرعيّة الفقراء ببلاد الدّيلم، وكان بويه صيّاد السّمك، وقد كان معزّ الدولة بعد تملكه البلاد يعترف بنعمة الله تعالى، ويقول: كنت أحتطب الحطب على رأسي.
فكان من مبدإ دولتهم ما حدّث به شهريار بن رستم الدّيلميّ قال: كان أبو شجاع بويه في مبدإ أمره صديقا لي، فدخلت عليه يوما وقد ماتت زوجته أمّ أولاده الثلاثة الذين تملكوا البلاد، وهم: عماد الدولة أبو الحسن عليّ، وركن الدولة أبو عليّ الحسن ومعزّ الدولة أبو الحسين أحمد- وقد اشتدّ حزن أبي شجاع بويه على زوجته فعزيته وسكّنت قلقه، ونقلته إلى منزلي وأحضرت له طعاما وجمعت إليه
[1] الدّيلم: منطقة جبليّة في إقليم جيلان جنوبيّ بحر قزوين.
أولاده الثلاثة فبينما هم عندي إذ مرّ بالباب شخص يقول: المنجّم المعزّم مفسّر المنامات، كاتب الرّقى [1] والطّلسمات.. فاستدعاه أبو شجاع بويه وقال له: قد رأيت البارحة رؤيا ففسّرها لي، ثم قصّ عليه الرؤيا، فقال المنجّم، هذا منام عظيم لا أفسّره إلا بخلعة وفرس، فقال له بويه: والله ما أملك إلا الثياب التي على جسدي، وإن أعطيتك إياها بقيت عريانا، قال المنجّم: فعشرة دنانير، فقال له بويه: والله ما أملك دينارين فكيف عشرة؟ ثم إنّه أعطاه شيئا يسيرا، فقال المنجّم: اعلم أنه يكون لك ثلاثة أولاد يملكون الأرض ومن عليها ويعلو ذكرهم في الآفاق، ويولد لهم جماعة ملوك، فقال له بويه: أما تستحي؟ أتسخر بنا؟ أنا رجل فقير مضطر، وأولادي هؤلاء فقراء مساكين فمن أين هم والملك؟ فقال له المنجّم:
فأخبرني عن وقت ولادة واحد واحد من أولادك فأخبره بويه بذلك، فجعل ينظر في اصطرلابه [2] وتقاويمه، ثمّ نهض المنجّم وقبّل يد عماد الدّولة أبي الحسن عليّ وقال: هذا والله الّذي يملك البلاد، ثمّ يملك هذا من بعده وقبض على يد أخيه أبي عليّ الحسن، فاغتاظ منه أبو شجاع بويه وقال لأولاده: اصفعوه فقد أفرط بالسخرية بنا، فصفعوه ونحن نضحك منه، فقال المنجّم: لا بأس بهذا إذا ذكرتم لي هذا الحال عند ولايتكم، فأعطاه أبو شجاع عشرة دراهم وانصرف.
وأما ترقي أولاد أبي شجاع بويه: فإنّهم دخلوا في زيّ الأجناد وانضافوا إلى العساكر، وما زالوا ينتقلون في خدمة ملوك العجم من واحد إلى واحد، ومن حال إلى حال، حتّى ارتفع حال عماد الدّولة وتولّى الكرخ [3]- ولاه إياه مرداويج [4]- ثمّ تنقل منها إلى غيرها، حتّى تملك قطعة من أعمال فارس، ثمّ عرضت مملكته حتى كتب إلى الراضي الخليفة يسأله أن يقاطعه على أعمال فارس في كلّ سنة بعد النفقات والإطلاقات بما يحمله إلى دار الخلافة، وهو ثمانمائة ألف ألف
[1] الرّقى: التعاويذ والمسطورات يتقى بها من حسد أو مرض، ومثلها الطلسمات لأنها مما لا يفهم
[2]
الأصطرلاب: آلة فلكيّة قديمة لقياس ارتفاع الكواكب.
[3]
الكرخ: حي قديم في ظاهر بغداد، والصواب هنا: الكرج وهو من أقاليم القفقاس على البحر الأسود وحدود ما بين تركيا وروسيا اليوم، منطقة جورجيا.
[4]
مداويج: هو مرداويج بن زيار مؤسّس دولة حكمت طبرستان ما بين قزوين والرّيّ وجرجان خلعه أخوه وشمكير ثم قابوس بن وشمكير، وتبعت دولتهم الغزنويين حتى قضى عليها ملك شاه السلجوقي. اغتيل مرداويج عام/ 323/ هـ.