الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح حال الوزارة في أيّامه
لمّا بويع بالخلافة أقرّ جعفر بن محمود الإسكافيّ على وزارته، ثم عزله واستوزر سليمان بن وهب.
وزارة سليمان بن وهب بن سعيد للمهتدي
هم من قرية من أعمال واسط، وكانت لهم كفاية، وكانوا نصارى ثمّ أسلموا وخدموا في الدّواوين حتّى آلت بهم الحال إلى ما آلت.
كان أبو أيّوب سليمان بن وهب أحد كتّاب الدّنيا ورؤسائها فضلا وأدبا وكتابة في الدّرج والدّستور، وأحد عقلاء العالم وذوي الرأي منهم.
حدّث ابنه عبيد الله قال: حدّثني أبي قال: كان مبدأ سعادتي أنّي كنت وأنا صبيّ بين يدي محمّد بن يزداد وزير المأمون، وكنّا جماعة من الصّبيان بين يديه، إذا راح في الليل إلى داره وبات واحد منّا في دار المأمون بالنّوبة، لمهم عساه يعرض في الليل قال: فكانت ليلة نوبتي، فخرج خادم وقال: ها هنا أحد من نوّاب محمّد بن يزداد؟ فقال الحاجب له: نعم، ها هو ذا، فأدخلني إلى المأمون، فقال لي: اعمل نسخة في المعنى الفلاني، ووسع بين سطورها وأحضرها لأصلح منها ما أريد إصلاحه، قال: فخرجت سريعا وكتبت الكتاب بغير نسخة، وبيّضته وأحضرته إليه، فلما رآني قال: كتبت النّسخة؟ قلت: بل كتبت الكتاب، فقال:
بيّضته؟ قلت: نعم، فزاد في نظره إليّ كالمتعجّب مني، فلمّا قرأه تبيّنت الاستحسان على وجهه، ورفع رأسه إليّ وقال: ما أحسن ما كتبت يا صبيّ! ولكن أريد أن تقدّم هذا السطر وتؤخّر هذا السطر، وخطّ عليهما بقلمه، فأخذت الكتاب وخرجت وجلست ناحية ثم محوت السّطرين وعملت ما أراد، وجئته بالكتاب، وكان قد ظنّ أنّي أبطله وأكتب غيره، فلما قرأه لم يعرف موضع المحو فاستحسنه وقال: يا صبيّ: لا أدري من أيّ شيء أعجب-! أمن جودة محوك أم من سرعة فهمك، أم من حسن خطّك، أم من سرعتك! بارك الله فيك! فقبّلت يده وخرجت،
وكان ذلك أوّل علوّ منزلتي، وصار المأمون لا يجري مهمّ إلا قال: هاتوا سليمان ابن وهب، ولما جرت له هذه القضيّة كتب إليه بعض الشّعراء:
أبوك كلّفك الشّأو البعيد كما
…
قدما تكلّفه وهب أبو حسن
فلست تحمد إن أدركت غايته
…
ولست تعذر مسبوقا فلا تهن
(بسيط) حدّث أحمد بن المدبر قال: كنّا في حبس الواثق أنا وسليمان بن وهب وأحمد بن إسرائيل، مطالبين بالأموال، فقال لنا سليمان بن وهب يوما: قد رأيت في المنام كأنّ قائلا يقول لي: يموت الواثق بعد شهر، فاستغاث أحمد بن إسرائيل وقال له: والله لا تزال حتّى تسفك دماؤنا! وخاف أشدّ خوف أن يشيع هذا الحديث عنّا، قال ابن المدبر: فعددت من ذلك اليوم ثلاثين يوما، فلمّا كان يوم ثلاثين قال لي أحمد بن إسرائيل: أين مصداق القول وصحّة المنام؟ وكان قد حصر التاريخ وحسب ونحن لا نعلم، فقال له سليمان بن وهب: الرؤيا تصدق وتكذب، فلما كانت العشاء الآخرة إذ طرق علينا الباب طرقا شديدا وصائح يصيح: البشارة البشارة، مات الواثق، فاخرجوا أين شئتم، فضحك أحمد بن إسرائيل وقال: قوموا فقد تحقّقت الرؤيا وجاء الفرج فقال سليمان بن وهب: كيف نقدر أن نمشي مشاة ومنازلنا بعيدة، ولكن نبعث فنحضر دوابّ نركبها، فاغتاظ أحمد بن إسرائيل وقويت السوداء عليه، وكان شكس الأخلاق وقال له: ويحك يا سليمان! تنتظر مجيء فرسك حتّى يتولّى خليفة آخر فيقال له: في الحبس جماعة من الكتّاب، فيقول: يتركون على حالهم حتى ننظر في أمورهم، فنلبث في الحبوس زيادة على هذا، ويكون سبب ذلك توجّهك راكبا إلى منزلك يا فاعل يا صانع! فضحكنا وخرجنا مشاة في الليل، واجمع رأينا على أن نستتر عند بعض أصحابنا حتّى تتحقّق الأخبار فو الله لقد رأينا في طريقنا رجلين يقول أحدهما للآخر: إنّ هذا الخليفة الجديد قد عرف أحوال المحبّسين من الكتّاب وأصحاب الجرائم فقال: لا يفرج عن أحد حتّى انظر في حاله، فتخفّينا إلى أن أمّننا الله تعالى في أسرع وقت وله الحمد، ومن شعره: