المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وزارة عون الدين أبي المظفر يحيى بن هبيرة للمقتفي - الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية

[ابن الطقطقي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌الفصل الأول في الأمور السّلطانيّة والسّياسات الملكيّة

- ‌فصل من الدّعاء مختصر

- ‌الدولة الأولى: دولة الأربعة وهم المعروفون بالخلفاء الراشدين

- ‌شرح كيفية الحال في ذلك على سبيل الاختصار

- ‌شرح كيفية ذلك

- ‌شرح مبدإ الحال في انتقال الملك من الأكاسرة إلى العرب

- ‌شرح الحال في تحيّز الجيش إلى العراق واستخلاص الملك من الفرس

- ‌ذكر طرف مستملحة وقعت حينئذ

- ‌ذكر ما آلت إليه حال يزدجرد

- ‌شرح كيفيّة تدوين الدّواوين

- ‌شرح مبدإ وقعة الجمل وكيفية الحال في ذلك

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك

- ‌حديث الخوارج وما كان منهم وما آلت بهم الحال إليه

- ‌كرامة لأمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه

- ‌وفاة الأربعة

- ‌وفاة أبي بكر- رضي الله عنه

- ‌مقتل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه

- ‌ذكر الشّورى وصفة الحال في ذلك

- ‌مقتل عثمان بن عفّان

- ‌مقتل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام

- ‌الدولة الثانية: الدولة الأموية وهي التي تسلّمت الملك من الدولة الأولى

- ‌ذكر شيء من سيرة معاوية، ووصف طرف من حاله

- ‌كلام في معنى البريد

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه يزيد

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك على وجه الاختصار

- ‌شرح كيفية وقعة الحرّة

- ‌شرح كيفيّة غزو الكعبة

- ‌ثم ملك بعده ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية

- ‌شرح كيفية ذلك على وجه الاختصار

- ‌ثمّ ملك ابنه عبد الملك بن مروان

- ‌ثمّ ملك ابنه الوليد

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه سليمان بن عبد الملك

- ‌ثمّ ملك بعده عمر بن عبد العزيز بن مروان

- ‌ثمّ ملك بعده يزيد بن عبد الملك

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه هشام بن عبد الملك

- ‌شرح مقتل زيد بن عليّ بن الحسين إمام الزيديّة رضي الله عنه

- ‌ثمّ ملك بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك

- ‌ثمّ ملك بعده يزيد بن الوليد بن عبد الملك

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان

- ‌ثمّ ملك بعده مروان بن محمّد بن مروان

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك على سبيل الاختصار

- ‌[الكلام على الدولة العباسية]

- ‌ذكر انتقال الملك من بني أميّة إلى بني العبّاس

- ‌شرح ابتداء أمر أبي مسلم الخراسانيّ ونسبه

- ‌مقدّمة أخرى قبل الخوض فيها

- ‌وها هنا موضع حكاية

- ‌شرح ابتداء الدولة العباسيّة

- ‌شرح كيفيّة الوقعة بالزّاب وخذلان مروان وانهزامه

- ‌شرح مقتل مروان الحمار [3]

- ‌وهي التي تسلمت الملك من الدولة الأموية

- ‌أول خليفة ملك منهم: السفّاح

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌ذكر شيء من سيرته ومقتله

- ‌ذكر وزارة خالد بن برمك وشيء من سيرته

- ‌ثمّ ملك بعد أخوه أبو جعفر المنصور

- ‌شرح كيفيّة الحال في بناء بغداد

- ‌ذكر السّبب في فعل المنصور ما فعل ببني الحسن عليهم السلام

- ‌شرح خروج النّفس الزكيّة

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك على سبيل الاختصار

- ‌شرح الحال في ذلك

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك على سبيل الاختصار

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك

- ‌شرح كيفيّة خلع عيسى بن موسى

- ‌شرح السّبب في بنائها

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أبي أيّوب الموريانيّ للمنصور

- ‌مكرمة

- ‌ذكر القبض على أبي أيّوب سليمان الموريانيّ

- ‌وزارة الربيع بن يونس للمنصور

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه محمّد المهديّ

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أبي عبيد الله معاوية بن يسار للمهديّ

- ‌وزارة أبي عبيد الله يعقوب بن داود للمهديّ

- ‌شرح السّبب في القبض عليه وكيفيّة ما جرى

- ‌وزارة الفيض بن أبي صالح للمهديّ

- ‌انقضت أيّام المهديّ ووزرائه ثمّ ملك بعده ابنه موسى الهادي

- ‌شرح كيفيّة الوقعة بفخّ

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة إبراهيم بن ذكوان الحرّانيّ للهادي

- ‌خلافة هارون الرّشيد

- ‌شرح كيفيّة الحال في خروج يحيى بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عليّ- بن أبي طالب عليه السلام

- ‌شرح الآية التي ظهرت في قضيّة يحيى بن عبد الله

- ‌شرح كيفيّة الحال في ذلك

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌شرح أحوال الدّولة البرمكيّة وذكر مبدئها ومآلها

- ‌ذكر وزارة يحيى بن خالد للرّشيد

- ‌سيرة ولده الفضل بن يحيى

- ‌سيرة جعفر بن يحيى البرمكيّ

- ‌أمارة تدلّ على انحراف دولتهم

- ‌شرح السّبب في نكبة البرامكة وكيفيّة الحال في ذلك

- ‌شرح مقتل جعفر بن يحيى والقبض على أهله

- ‌وزارة أبي العبّاس الفضل بن الرّبيع

- ‌ثمّ ملك الأمين: محمّد بن زبيدة

- ‌شرح الفتنة بين الأمين والمأمون

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه عبد الله المأمون

- ‌شرح الحال في ذلك

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌وزارة ذي الرّئاستين الفضل بن سهل للمأمون

- ‌وزارة أخيه الحسن بن سهل للمأمون

- ‌وزارة أحمد بن أبي خالد الأحول للمأمون

- ‌وزارة أحمد بن يوسف بن القاسم للمأمون

- ‌وزارة أبي عباد ثابت بن يحيى بن يسار الرازيّ للمأمون

- ‌وزارة أبي عبد الله محمّد يزداد بن سويد للمأمون وهو آخر وزرائه

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه المعتصم أبو إسحاق محمّد

- ‌شرح الحال في ذلك

- ‌شرح السّبب في بناء سامرّا وكيفيّة الحال في ذلك

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أحمد بن عمّار بن شاذي للمعتصم

- ‌وزارة محمّد بن عبد الملك الزيّات للمعتصم

- ‌ثمّ ملك بعده هارون الواثق بويع سنة سبع وعشرين ومائتين

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه جعفر المتوكّل

- ‌شرح مقتله على سبيل الاختصار

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أبي جعفر محمّد بن الفضل الجرجرائي للمتوكّل

- ‌وزارة عبيد الله بن يحيى بن خاقان

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه محمّد المنتصر

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أحمد بن الخصيب للمنتصر

- ‌ثمّ ملك بعده المستعين وهو أحمد بن المعتصم

- ‌شرح الحال في ذلك

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أبي صالح بن محمّد بن يزداد

- ‌ثمّ ملك بعده المعتزّ باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌وزارة الإسكافيّ للمعتزّ

- ‌وزارة أبي موسى عيسى بن فرخان شاه للمعتزّ

- ‌وزارة أبي جعفر أحمد بن إسرائيل الأنباريّ للمعتزّ

- ‌ثمّ ملك بعده المهتدي باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة سليمان بن وهب بن سعيد للمهتدي

- ‌ثمّ ملك بعده المعتمد على الله

- ‌شرح حال صاحب الزنج ونسبه وما آل أمره عليه

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أبي الحسن عبيد الله بن يحيى بن خاقان للمعتمد

- ‌وزارة الحسن بن مخلد للمعتمد

- ‌وزارة أبي الصّقر إسماعيل بن بلبل

- ‌وزارة أحمد بن صالح بن شيرزاد القطربّلي للمعتمد

- ‌وزارة عبيد الله بن سليمان بن وهب للمعتمد

- ‌ثمّ ملك بعده المعتضد ابن أخيه

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌وزارة القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه المكتفي باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة العبّاس بن الحسن

- ‌ثمّ ملك بعده المقتدر باللَّه

- ‌شرح الحال في ذلك

- ‌شرح حال الدّولة العلويّة وابتدائها وانتهائها على سبيل الاختصار

- ‌شرح ابتداء هذه الدّولة

- ‌شرح انتهائها

- ‌رجعنا إلى تتمة خلافة المقتدر

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة ابن الفرات

- ‌وزارة الخاقانيّ

- ‌وزارة عليّ بن عيسى للمقتدر

- ‌وزارة حامد بن العبّاس

- ‌وزارة أبي القاسم عبيد الله بن محمّد بن عبيد الله ابن يحيى بن خاقان

- ‌وزارة أبي العبّاس أحمد بن عبيد الله بن أحمد ابن الخصيب للمقتدر

- ‌وزارة أبي عليّ محمّد بن عليّ بن مقلة للمقتدر

- ‌وزارة أبي القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد للمقتدر

- ‌وزارة أبي القاسم عبيد الله بن محمّد الكلوذانيّ للمقتدر

- ‌وزارة الحسين بن القاسم بن عبيد الله ابن سليمان بن وهب للمقتدر

- ‌وزارة أبي الفضل جعفر بن الفرات

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه القاهر

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌شرح حال دولة آل بويه وابتدائها وانتهائها

- ‌ثمّ ملك بعد القاهر ابن أخيه الراضي باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة عبد الرحمن بن عيسى بن الجرّاح

- ‌وزارة أبي جعفر بن محمّد بن القاسم الكرخيّ للرّاضي باللَّه

- ‌وزارة سليمان بن الحسن بن مخلد للراضي باللَّه

- ‌وزارة أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات للراضي باللَّه

- ‌ثمّ ملك بعده أخوه المتّقي باللَّه أبو إسحاق إبراهيم بن المقتدر باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌وزارة أبي عبد الله البريديّ للمتّقي

- ‌وزارة أبي إسحاق محمّد بن إبراهيم الإسكافيّ المعروف بالقراريطي للمتّقي

- ‌وزارة البريديّ مرّة ثانية

- ‌وزارة أبي العبّاس أحمد بن عبيد الله الأصفهانيّ للمتقي

- ‌وزارة أبي الحسن عليّ بن أبي عليّ بن مقلة للمتّقي

- ‌ثمّ ملك بعده أبو القاسم عبد الله المستكفي ابن المكتفي بن المعتضد

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌ثمّ ملك بعده المطيع للَّه أبو القاسم الفضل بن المقتدر

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه عبد الكريم أبو بكر الطّائع لأمر الله

- ‌ثمّ ملك بعده القادر أبو العبّاس أحمد ابن إسحاق بن المقتدر

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه أبو جعفر عبد الله القائم بأمر الله

- ‌شرح حال الدّولة السلجوقيّة وابتدائها وانتهائها

- ‌ذكر ابتداء حالهم

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌وزارة ابن جهير

- ‌وزارة رئيس الرّؤساء عليّ بن الحسين بن أحمد ابن محمّد عمر بن المسلمة

- ‌ثمّ ملك بعده ابن ابنه المقتدي بأمر الله

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة ابنه عميد الدّولة محمّد بن محمّد ابن محمّد بن جهير للمقتدي

- ‌وزارة أبي شجاع ظهير الدين محمّد بن الحسين الهمذانيّ للمقتدي

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه المستظهر باللَّه أبو العبّاس أحمد

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة أبي المعالي هبة الله بن محمّد ابن المطّلب للمستظهر

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه المسترشد أبو منصور الفضل بن المستظهر باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة الشريف أبي القاسم عليّ بن طراد الزّينبيّ

- ‌وزارة الوزير أبي نصر أحمد بن الوزير نظام الملك للمسترشد

- ‌وزارة أنوشروان خالد بن محمّد القاشانيّ للمسترشد

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه الرّاشد باللَّه أبو جعفر منصور بن المسترشد

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌ثمّ ملك بعده عمّه المقتفي لأمر الله أبو عبد الله محمّد بن المستظهر

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة نظام الدّين أبي نصر المظفّر بن محمّد ابن جهير البغداديّ للمقتفي

- ‌وزارة مؤتمن الدّولة أبي القاسم عليّ ابن صدقة للمقتفي

- ‌وزارة عون الدّين أبي المظفّر يحيى بن هبيرة للمقتفي

- ‌ثمّ ملك بعده المستنجد باللَّه المظفّر يوسف

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة ولده محمّد بن يحيى بن هبيرة

- ‌وزارة شرف الدّين أبي جعفر محمّد بن أبي الفتح بن البلديّ للمستنجد باللَّه

- ‌ثمّ ملك بعده ولده المستضيء أبو محمّد الحسن بن المستنجد باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة ظهير الدّين أبي بكر منصور بن أبي القاسم نصر بن العطّار

- ‌ثمّ ملك بعده ابنه الإمام الناصر لدين الله أبو العبّاس أحمد بن المستضيء بأمر الله

- ‌شرح حال الوزارة في أيّامه

- ‌وزارة جلال الدين أبي المظفّر عبيد الله

- ‌وزارة معزّ الدين سعيد بن عليّ بن جديدة الأنصاريّ

- ‌وزارة مؤيّد الدين أبي المظفّر محمّد ابن أحمد بن القصّاب

- ‌وزارة السيّد نصير الدين ناصر بن مهديّ العلويّ الرازيّ للناصر

- ‌وزارة مؤيّد الدين محمّد بن عبد الكريم برز [2] القمّي للناصر

- ‌ثمّ ملك بعده ولده أبو نصر محمّد الظاهر بأمر الله ابن الناصر لدين الله

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌ثمّ ملك بعده ولده أبو جعفر المنصور المستنصر باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌وزارة نصير الدّين أبي الأزهر أحمد ابن محمّد بن الناقد

- ‌ثمّ ملك بعده ولده أبو أحمد عبد الله المستعصم باللَّه

- ‌شرح حال الوزارة في أيامه

- ‌وزارة مؤيّد الدين أبي طالب محمد بن أحمد بن العلقميّ

الفصل: ‌وزارة عون الدين أبي المظفر يحيى بن هبيرة للمقتفي

‌وزارة عون الدّين أبي المظفّر يحيى بن هبيرة للمقتفي

أوّل منشئه من قرية تعرف بالدّور من أعمال دجيل [1] ، تعرف اليوم بدور الوزير نسبة إلى ابن هبيرة، وكان أبوه أكّارا [2] بالقرية المذكورة، وكان يحثّ ولده على تحصيل الأدب وإدراك الفوائد، وكان يردّده صغيرا إلى بغداد ويحضره إلى مجالس الصّدور وصدور المجالس، وكان هو كما قيل:

ولها من نفسها طرب ومات أبوه وهو صبيّ، فتفرّد بالاشتغال، وتقلّبت به تصاريف الأمور، ومرّت عليه شدائد، وكابد من الفقر أهوالا، وتنقل في الخدمات، فكان لا ينتقل من خدمة إلا إلى أكبر منها، وما زال ينتقل من خدمة إلى أخرى أرفع منها حتّى تقلّد الوزارة للمقتفي فمكث فيها مدّة، ومشاهرته في كلّ سنة مائة ألف دينار، وكان كريما جوادا سمحا لا يخرج من السّنة وفي خزانته منها درهم واحد، وكان المقتفي والمستنجد يقولان: ما وزر لبني العبّاس كيحيى بن هبيرة في جميع أحواله، وكانت له في قمع الدّولة السّلجوقية يد قويّة وحيل مرضية، وكان وقورا حليما متواضعا، لمّا تولّى الوزارة دخل الديوان وعليه الخلع، فرأى غلاما من غلمان الديوان واقفا عن بعد فاستدناه وتبسّم في وجهه، وأمر له بذهب وكسوة، ثم قال: لا إله إلا الله أذكر مرّة، وقد دخلت هذا الديوان وجلست في بعض المجالس، فجاء هذا الغلام وجذبني بيدي وقال: قم فليس هذا مكانك، وقد رأيته الساعة واقفا، وأثر الخوف ظاهر عليه، فأحببت أن أؤانسه وأزيل رعبه، ورأى يوما في الديوان جنديّا فقال لحاجبه: أعط هذا الجندي عشرين دينارا وكرّ [3] حنطة، وقل له: لا يدخل الديوان ولا يرينا وجهه، فتغامز الناس وتشوّفوا إلى معرفة السبب في ذلك وفطن الوزير لذلك، فقال لهم: كان هذا الجنديّ شحنة في قريتنا، فقتل شخص من أهل

[1] دجيل: إقليم بالأهواز فيه نهر بهذا الاسم.

[2]

الأكّار: الحرّاث أو الفلّاح.

[3]

الكرّ: مكيال يعادل أربعين إردبا. والإردب أربعة وعشرون صاعا أو كأسا كبيرة.

ص: 299

القرية فجاء هذا الشّحنة [1] وأخذ جماعة من أهل القرية وأخذني معهم مكتوفا في عرض الفرس، وبالغ في أذاي وضربي، ثمّ أخذ من كلّ واحد منهم شيئا وأطلقهم وبقيت أنا معه، فقال لي: أعطني شيئا أخلصك، فقلت: والله ما أملك شيئا، فأعاد عليّ الضرب والإهانة، ثمّ قال لي: اذهب إلى لعنة الله، ثم أطلقني، فأنا لا أحبّ أن أرى صورة وجهه.

ومن أفكاره اللطيفة، أنّ الوزراء كانوا قبله يلقّبون ألقابا من جملتها: سيّد الوزراء، فتقدّم هو إلى الكتّاب ألا يكتبوا هذا اللقب في ألقابه، وقال إنّني افتكرت في هذا فرأيت الله تعالى قد سمّى هارون وزيرا، حتّى قال (عزّ من قائل) حكاية عن موسى- عليه السلام: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً من أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ به أَزْرِي [2] 20: 29- 31 وسمعت عن (النبيّ عليه السلام أنه قال: «لي وزيران من أهل السّماء: جبرائيل ومكيائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر» وقال عليه السلام: «إنّ الله تعالى اختار لي أصحابا فجعلهم وزراء وأنصارا» وحدّث عنه بعض مجالسيه قال: كنّا يوما عنده فدخل الحاجب وقال:

يا مولانا بالباب رجل سواديّ، يذكر أنّه فلان بن فلان، ومعه شملة مكوّرة، وهو يطلب الحضور بين يديك فعرفه الوزير وقال له: أدخله، وقال: فدخل شيخ طويل من أهل السّواد عليه ثياب غليظة من القطن وعمامة فوط ملونة، وفي رجله جمجمان [3] فسلّم على الوزير وقال: يا سيّدي أم الصّغيرات- يعني زوجته- لمّا علمت أني أجيء إلى بغداد قالت لي: سلّم على الشّيخ يحيى بن هبيرة واستوحش له [4] ، وقد خبزت لك هذا الخبز على اسمك، فتبسّم الوزير وهش به وقال: جزاها الله خيرا وحلّ تلك الشّملة فإذا فيها خبز شعير مشطور بكامخ التوت، فأخذ الوزير منه رغيفين وقال: هذا نصيبي من هذه الهديّة، وفرّق الباقي على

[1] الشّحنة: هنا، ضابط الأمن في البلد، ما يعرف لدى عوام اليوم بالبوليس.

[2]

سورة طه، الآيات/ 29- 30- 31/.

[3]

جمجمان: نعلان خشبيّان.

[4]

استوحش له: أظهر اشتياقك ووحشتك لبعده عنك.

ص: 300

الصّدور [1] الحاضرين، وسأل الرّجل عن حوائجه وحوائج زوجته فقضاها، وقال للحاضرين: هذا كان جاري في قريتي وشريكي في زريع [2] وأعرف منه الأمانة.

ومن حيله أنّه كان ببعض بلاد العجم رجل كلّما أقيمت الخطبة يوم الجمعة في الجامع يقوم ويذمّ الخليفة، ويدعو للسّلطان، فاتّصل ذلك بالوزير ابن هبيرة، فأحضر شخصا من أهل بغداد وأمره أن يسافر إلى تلك البلدة، وأعطاه عشرة دنانير ذهبا وقارورة [3] فيها خطر [4]، وقال له: إذا دخلت ذلك البلد، وحضرت يوم الجمعة في الجامع، ورأيت الرّجل الّذي يسبّ الخليفة فانهض إليه، وأنت على زيّ التّجار وأمن على كلامه، وأظهر البكاء عند مسبّة الخليفة، وقل: إي والله، فعل الله به وصنع وهل غرّبني عن عيالي ووطني وأفقرني غيره، ثمّ افعل في الجمعة الثانية كذلك، وقل له: قد حلفت أني أملأ فمك دنانير، وضع هذه الدنانير حشو فمه وأخرج عنه وبادر إلى استعمال هذا الخطر على وجهك ولحيتك، فإنه يحدث في الوجه سمرة، وفي شيب للحية سوادا، وغيّر زيّك حتّى لا تعرف فتهلك، ففعل الرّجل ذلك، وكانت الدّنانير مسمومة، فلما راح ذلك الرّجل إلى بيته ما زال يتقلقل حتّى مات من يومه، واستعمل الرّجل المنفّذ الصّبغ، فأخفى نفسه ورجع إلى بغداد ومن حيله أنّه كان يكتب إلى ملوك الأطراف ملطفات [5] صغارا في رقّ خفيف ويشقّ في جلد ساق الرّكابي بمقدار ما يدخلها فيه ثم يتركه حتى يلتحم ويسيّره إلى حيث أراد، ومن قوّة جأشه وثباته، أنه كان يوما جالسا بالديوان وبين يديه الأمراء والصّدور والأكابر، فسقطت من السقف حيّة كبيرة، فوقعت على كتف الوزير وسرحت من كتفه إلى حجره، فنفر كلّ من كان هناك من أرباب الدولة عن مستقرّه وانزعجوا عن مراتبهم، والوزير جالس لم يتحرّك عن مكانه ولا تغيّر عن

[1] الصّدور: هنا، السادة والأعيان. الحشم.

[2]

الزّريع: الزرع المسقي بالمطر.

[3]

القارورة: إناء يجعل فيه العطر أو الشراب كالقنّينة.

[4]

الخطر: نبت يختضب به. الخضاب أو الصّبغ.

[5]

ملطفات: ملصقات رقيقة.

ص: 301