الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يديه وسال الدّم عليه فقامت زوجته «نائلة» [1] لتتلقى عنه الضّرب بيدها، فأصاب السّيف أصابعها فأبانها- وهي الأصابع التي كان يعلقها معاوية رضي الله عنه على منبر الشام مع قميص عثمان ليرقّق الناس- فولّت المرأة دهشة. ثمّ قتل عثمان رضي الله عنه واحتزّوا رأسه، فوقع نساؤه عليه وصحن وبكين. فقال بعضهم: دعوه فتركوه. ثم داس رجل من أهل الكوفة يقال له عمير [2] بن ضابىء البرجميّ أضلاعه فكسرها ثم نهبت داره حتى أخذ ما على النّساء. ثمّ حمل في تابوت بعد أيّام ليدفن، فقعد جماعة على الطّريق يريدون رجمه. فأرسل أمير المؤمنين عليّ- عليه السلام إليهم فردّهم عن ذلك، ودفن قريبا من البقيع. ثمّ بعد ذلك اشترى معاوية- رضي الله عنه ما حول قبره ومزجه بمقابر المسلمين وأباح للناس الدفن حوله وكان ذلك سنة خمس وثلاثين من الهجرة، وسمّي يوم قتله يوم الدار. لأنّهم هجموا عليه في داره وقتلوه بها.
مقتل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام
(قال محمّد بن عليّ بن طباطبا صاحب الفخري) : نقل من عدّة جهات، أنّ أمير المؤمنين عليّ- بن أبي طالب- عليه السلام كان يقول دائما: ما يمنع أشقاكم أن يخضب هذه من هذا؟ يعني لحيته بدم رأسه! وكان إذا رأى عبد الرحمن [3] ابن ملجم- لعنه الله- ينشد:
[1] نائلة: بنت الفرافصة الكلبيّة كانت خطيبة وشاعرة وذات رأي. تزوّجها الخليفة عثمان بن عفان وأقامت معه في المدينة، ودافعت عنه سيوف قاتليه حتى قطع بعض من أصابع كفّها.
رفضت الزواج من معاوية الّذي خطبها بعد عثمان ولم تعرف سنة وفاتها على وجه التحديد.
[2]
عمير بن ضابىء: شاعر من أهل الكوفة. اقتصّ لأبيه الّذي مات في سجن عثمان فمثّل بجثته حين قتل في داره. أدرك أمره الحجّاج فقتله وأنهب ماله عام/ 75/ هـ.
[3]
عبد الرحمن بن ملجم: المراديّ الحميري التدؤلي، كان من شيعة عليّ بن أبي طالب. ثم انقلب عليه واتفق مع اثنين هما «البرك» و «عمرو بن بكر» على قتل عليّ ومعاوية وعمرو بن العاص ليلة/ 17/ من رمضان سنة/ 40/ هـ. تمكّن ابن ملجم من جرح عليّ في جبهته ومات متأثرا بجرحه فقتل ابن ملجم قصاصا ومثّل به على غير وصية عليّ رضي الله عنه.
أريد حباءه [1] فيريد قتلي
…
عذيرك [2] من خليلك من مراد
(وافر) وكان يقال له إذا جرى على لفظه مثل هذا: يا أمير المؤمنين: فلم لا تقتله؟ فيقول: كيف أقتل قاتلي؟ وهذا يدلّ على أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بذلك في جملة ما أعلمه به. وممّا يؤكّد هذا ما روي عن أنس بن مالك [3]رضي الله عنه قال: مرض عليّ- عليه السلام فدخلت عليه أعوده وعنده أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما فجلسنا عنده ساعة، فأتى رسول الله- صلوات الله عليه- فنظر في وجهه، فقال له أبو بكر- رضي الله عنه يا نبيّ الله: إنّا نراه مائتا فقال: «لن يموت هذا الآن، ولن يموت حتّى يملأ غيظا ولن يموت إلا مقتولا» . وكان عليّ- عليه السلام دائما يحسن إلى ابن ملجم لعنه الله. قالوا: فلما دخل شهر رمضان من سنة أربعين، كان عليّ- عليه السلام يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين، وليلة عند ابن أخيه عبد الله بن جعفر الطيّار عليهم السلام، فإذا أكل لا يزيد على ثلاث لقم ويقول: إنّما هي ليلة أو ليلتان، ويأتي أمر الله وأنا خميص. فلم يمض إلا ليال قلائل حتّى قتل عليه السلام. وقيل: إنّه قتل في شهر ربيع الآخر. والأوّل أصحّ وهو المعوّل عليه.
وأما كيفيّة قتله- عليه السلام: فهي أنه خرج من داره بالكوفة أوّل الفجر فجعل ينادي: الصلاة يرحمكم الله فضربه ابن ملجم- لعنه الله- بالسيف على أمّ رأسه وقال: الحكم للَّه لا لك يا عليّ، وصاح الناس وهرب ابن ملجم، فقال أمير المؤمنين. لا يفوتكم الرجل، فشد الناس عليه فأخذوه، واستناب عليّ- عليه السلام في صلاة الصبح بعض أصحابه وأدخل داره فقال: أحضروا الرّجل
[1] حباءه: مراعاته وإكرامه.
[2]
عذيرك: بلغت عذرك.
[3]
أنس بن مالك: الخزرجي الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخادمه.
روى عنه الكثير من أحاديثه. لازم صحبة رسول الله إلى أن قبض فرحل إلى دمشق ثمّ إلى البصرة ومات فيها حوالي/ 93/ هـ.
عندي، فلما حضر عنده قال له: يا عدوّ الله، ألم أحسن إليك؟ قال: بلى، قال فما حملك على هذا؟ قال: شحذته أربعين صباحا، وسألت الله أن يقتل به شرّ خلقه، فقال أمير المؤمنين «لا أراك إلا مقتولا به، ولا أراك إلا من شرّ خلق الله» ثم قال عليه السلام: «النّفس بالنّفس إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي. يا بني عبد المطّلب: لا تجمّعوا من كل صوب تقولون: قتل أمير المؤمنين. ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي» ثم التفت إلى ابنه الحسن- عليه السلام وقال: «انظر يا حسن إذا أنا متّ من ضربتي هذه فاضربه ضربة بضربة، ولا تمثّلن بالرّجل، فإنّي سمعت رسول الله- صلوات الله عليه- يقول: «إياكم والمثلة [1] ولو بالكلب العقور [2] » . ثمّ وصّى بنيه بتقوى الله تعالى وبإقامة الصلاة لوقتها. وإيتاء الزكاة عند محلّها، وحسن الوضوء، وغفر الذنب وكظم الغيظ، وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقّه في الدين، والتثبّت للأمر والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش. ثم كتب وصيّته ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتّى قبض- صلوات الله عليه وسلامه- فلما قبض بعث الحسن- عليه السلام إلى ابن ملجم فأحضره، فقال للحسن: هل لك في أمر؟ إنّي والله قد أعطيت الله عهدا ألا أعاهد عهدا إلا وفيت به. وإني عاهدت الله عند الحطيم [3] أن أقتل عليّا ومعاوية أو أموت دونهما. فخلّ بيني وبين معاوية حتّى أمضي وأقتله ولك عهد الله على أنّي إن لم أقتله أو قتلته وسلمت، أن أجيء إليك حتّى أضع يدي في يدك» فقال الحسن: لا والله حتّى تذوق النار. ثم قدّمه فقتله، وأخذه الناس فأدرجوه [4] في بواري [5] وأحرقوه بالنار.
[1] المثلة: التنكيل والتعذيب في إنفاذ القتل.
[2]
العقور: صفة للكلب الهائج المؤذي، العضّاض.
[3]
الحطيم: موقع بجوار الكعبة.
[4]
أدرجوه: لفّوه.
[5]
البوارئ: الأستار، قد تكون من عيدان وقصب.
وأما مدفن أمير المؤمنين عليه السلام: فإنه دفن ليلا بالغريّ [1] ، ثم عفا قبره إلى أن ظهر حيث مشهده الآن (صلوات الله عليه وسلامه) .
وأمّا السّبب الّذي حمل ابن ملجم- لعنه الله- على قتله، فهو أن ابن ملجم كان أحد الخوارج، فاجتمع برجلين من الخوارج، وتذاكروا من قتل أمير المؤمنين عليه السلام منهم بالنّهروان. وقالوا: ما في الحياة بعد أصحابنا نفع، وتواعدوا على أن يقتل كلّ واحد منهم واحدا من ثلاثة: عليّ بن أبي طالب، ومعاوية وعمرو ابن العاص رضي الله عنهم فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليّا، وقال الآخر: أنا أكفيكم معاوية وقال الآخر: أنا أكفيكم عمرا. فأما ابن ملجم لعنه الله: فإنّه رأى امرأة جميلة من بنات الخوارج فهويها فخطبها فقالت له: أريد كذا وكذا، وأريد أن تقتل عليّ بن أبي طالب، فقال لها: ما جئت إلا لقتله، والتزم لها أن يقتله، ثم قتله وقتل بعده. وأما الآخر فإنّه مضى إلى معاوية فقعد له حتّى خرج فضربه بالسيف على فخذه فلم يصنع طائلا. وتطبّب لها معاوية فبرئ وقتل الرجل، وقيل، لم يقتله. وأما الآخر فمضى إلى مصر لقتل عمرو بن العاص فقعد له، فاتفق أنّ عمرا انحرف مزاجه في تلك الليلة، فلم يخرج في صبيحتها إلى الصلاة واستناب بعض أصحابه فلما طلع أعتقده الرجل عمرا فضربه فقتله، فقبضوه وأحضروه إلى عمرو، فلما رأى الناس يسلّمون عليه بالإمارة قال من هذا؟ قالوا: الأمير عمرو ابن العاص، قال: فمن قتلت، قالوا: نائبة. وكان اسمه خارجة فقال الرجل لعمرو ابن العاص: أما والله يا فاسق ما أردت غيرك! فقال عمرو: أردتني وأراد الله خارجة. ثم قدّمه عمرو فقتله. ولما بلغ عائشة رضي الله عنها قتل عليّ عليه السلام قالت:
فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى
…
كما قرّ عينا بالإياب المسافر [2]
(طويل)
[1] الغريّ: موقع قريب من الحيرة بظاهر الكوفة.
[2]
أرادت عائشة رضي الله عنها أن تقول: إنه استراح بالموت كما يستريح المسافر بوصوله إلى حيث يستقر.