الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جملة فما الظن بتفاصيله:
وكان ما كان مما لست أذكره
…
فظنّ ظنا ولا تسأل عن الخبر
وأمر السلطان بخروج الخليفة وولده ونسائه إليه فخرجوا، فحضر الخليفة بين يدي الدركاه، فيقال إنه عوتب ووبّخ بما معناه نسبة العجز والتفريط والغفول إليه، ثم أوصل إلى الياسا وولده الأكبر والأوسط أما بناته فأسرن، ثم استشهد المستعصم في رابع صفر سنة ست وخمسين وستمائة.
شرح حال الوزارة في أيامه
لما بويع بالخلافة أقر وزير أبيه، وهو نصير الدين بن الناقد على وزارته إلى أن توفي، فلما توفي استوزر مؤيد الدين محمد بن العلقميّ.
وزارة مؤيّد الدين أبي طالب محمد بن أحمد بن العلقميّ
هو أسديّ، أصلهم من النيل، وقيل لجده العلقميّ، لأنه حفر النهر المسمى بالعلقمي، وهو الّذي برز الأمر الشريف السلطاني بحفره، وسمي القازاني، اشتغل في صباه بالأدب ففاق فيه، وكتب خطا مليحا، وترسّل ترسلا فصيحا، وضبط ضبطا صحيحا، وكان رجلا فاضلا كاملا لبيبا، كريما وقورا، محبا للرئاسة كثير التجمل رئيسا متمسكا بقوانين الرئاسة، خبيرا بأدوات السياسة، لبيق [1] الأعطاف [2] بآلات الوزارة، وكان يحبّ أهل الأدب ويقرب أهل العلم، اقتنى كتبا كثيرة نفيسة.
حدثني ولده شرف الدين أبو القاسم علي- رحمه الله قال: اشتملت خزانة والدي على عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب، وصنف الناس له الكتب، فممن صنف له الصّغاني [3] اللغوي، صنف له «العباب» ، وهو كتاب عظيم كبير في لغة العرب، وصنف له عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد كتاب شرح نهج
[1] لبيق: لائق
[2]
العطاف: الأكتاف.
[3]
الصغاني: الحسن أبو الفضل الصغاني، لغويّ ومحدث، وفقيه حنفي، ولد في لاهور وتعلم في غزنة وأقام في بغداد: التكملة لصحاح الجوهري، والعباب الزاخر، توفي عام/ 650/ هـ
البلاغة يشتمل على عشرين مجلدا، فأثابهما وأحسن جائزتهما، وكان ممدحا، مدحه الشعراء وانتجعه الفضلاء، فممن مدحه كمال الدين بن البوقيّ بقصيدة من جملتها:
مؤيّد الدين أبو طالب
…
محمد بن العلقميّ الوزير
(سريع) وهذا بيت حسن جمع فيه بين لقبه وكنيته واسم أبيه وصنعته وكان مؤيد الدين الوزير عفيفا عن أموال الديوان وأموال الرعية، متنزها مترفعا قيل إن بدر الدين صاحب الموصل أهدى إليه هدية تشتمل على كتب وثياب ولطائف قيمتها عشرة آلاف دينار، فلما وصلت إلى الوزير حملها إلى خدمة الخليفة وقال: إن صاحب الموصل قد أهدى لي هذا واستحييت منه أن أرده إليه، وقد حملته وأنا أسأل قبوله فقبل، ثم إنه أهدى إلى بدر الدين عوض هديته شيئا من لطائف بغداد قيمته اثنا عشر ألف دينار، والتمس منه ألا يهدي إليه شيئا بعد ذلك.
وكان خواصّ الخليفة جميعهم يكرهونه ويحسدونه، وكان الخليفة يعتقد فيه ويحبه وكثروا عليه عنده، فكفّ يده عن أكثر الأمور ونسبه الناس إلى أنه خامر [1] وليس ذلك بصحيح، ومن أقوى الأدلة على عدم مخامرته سلامته في هذه الدولة، فإن السلطان هولاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة سلم البلد إلى الوزير، وأحسن إليه وحكّمه، فلو كان قد خامر على الخليفة لما وقع الوثوق إليه.
حدّثني كمال الدين أحمد بن الضحاك- هو ابن أخت الوزير مؤيد الدين بن العلقميّ- قال لما نزل السلطان هولاكو على بغداد أرسل يطلب أن يخرج الوزير إليه قال: فبعث الخليفة فطلب الوزير فحضر عنده وأنا معه، وقال له الخليفة: قد أنفذ السلطان يطلبك وينبغي أن تخرج إليه، فجزع الوزير من ذلك، وقال يا مولانا:
إذا خرجت فمن يدبر البلد، ومن يتولى المهام؟ فقال الخليفة: لا بد أن تخرج، قال: فقال: السمع والطاعة، ثم مضى إلى داره وتهيأ للخروج ثم خرج، فلما حضر بين يدي السلطان وسمع كلامه وقع بموقع الاستحسان، وكان الّذي تولى تربيته في الحضرة السلطانية الوزير السعيد نصير الدين محمد الطوسيّ- قدس الله
[1] خامر: تآمر وخان.
روحه- فلما فتحت بغداد سلمت إليه وإلى علي بهدار الشّحنة [1] ، فمكث الوزير شهورا، ثم مرض ومات- رحمه الله في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة.
انقضت دولة بني العباس ووزرائهم، وبذلك انقضى الكتاب والحمد للَّه وحده وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين وسلامه.
فرغ من تأليفه واستنساخه مؤلفه في مدة أولها جمادى الآخرة من سنة أحدى وسبعمائة، وآخرها خامس شوال من السنة المذكورة بالموصل الحدباء، وهذا خطّ يده تجاوز الله عنه.
تم الكتاب