الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هنيئا لأصحاب السّيوف بطالة
…
تقضى بها أوقاتهم في التنعم
فكم فيهم من وادع العيش لم يهج
…
لحرب ولم ينهد لقرن [1] مصمّم
يروح ويغدو عاقدا في نجاده
…
حساما سليم الحدّ لم يتثلم
ولكن ذوو الأقلام في كلّ ساعة
…
سيوفهم ليست تجفّ من الدم
(طويل) وفيها يقول بعض الشعراء، حين قتل المتوكل وزيره محمد بن عبد الملك الزيات:
يكاد القلب من جزع يطير
…
إذا ما قيل: قد قتل الوزير
أمير المؤمنين قتلت شخصا
…
عليه رحاكم كانت تدور [2]
فمهلا يا بني العبّاس مهلا
…
لقد كويت بغدركم الصّدور
(وافر) إلا أنّها كانت دولة كثيرة المحاسن جمّة والمكارم. أسواق العلوم فيها قائمة وبضائع الآداب فيها نافقة، وشعائر الدين فيها معظّمة، والخيرات فيها دارّة [3] ، والدّنيا عامرة، والحرمات مرعيّة، والثغور محصّنة، وما زالت على ذلك حتى كانت أواخرها فانتشر الجبر [4] واضطرب الأمر، وانتقلت الدولة. وسيرد ذلك في موضعه مشروحا إن شاء الله تعالى. وهذا أوان الشروع في ذكر خليفة خليفة.
أول خليفة ملك منهم: السفّاح
هو أبو العبّاس عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بويع في سنة مائة واثنتين وثلاثين.
[1] القرن: النّدّ المماثل. ينهد: يبرز متصدّيا.
[2]
رحاكم كانت تدور: كناية عن خدمة الوزير للخليفة وإخلاصه في مهمّته.
[3]
دارّة: كثيرة الدّرّ أي الفوائد، استعارة من درّ الضرع باللبن.
[4]
الجبر: الإكراه والتعسّف، الظّلم.
كان كريما حليما وقورا عاقلا كاملا، كثير الحياء حسن الأخلاق. ولما بويع واستوسق [1] له الأمر تتبّع بقايا بني أمية ورجالهم، فوضع السّيف فيهم.
وفي بعض أيّامه كان جالسا في مجلس الخلافة، وعنده سليمان بن هشام بن عبد الملك وقد أكرمه السفاح، فدخل عليه سديف الشاعر فأنشده:
لا يغرنك ما ترى من رجال
…
إنّ تحت الضّلوع داء دويّا [2]
فضع السّيف وارفع السّوط حتّى
…
لا ترى فوق ظهرها أمويا
(خفيف) فالتفت سليمان وقال: قتلتني يا شيخ! ودخل السفّاح وأخذ سليمان فقتل.
ودخل عليه شاعر آخر وقد قدّم الطعام، وعنده نحو سبعين رجلا من بني أميّة.
فأنشده:
أصبح الملك ثابت الآساس
…
بالبهاليل [3] من بني العبّاس
طلبوا وتر [4] هاشم فشفوها
…
بعد ميل من الزّمان وياس
لا تقيلنّ عبد شمس عثارا
…
واقطعن كلّ رقلة [5] وغراس
ذلّها أظهر التودّد منها
…
وبها منكم كحزّ المواسي [6]
ولقد غاظني وغاظ سوائي [7]
…
قربهم من نمارق وكراسي
أنزلوها بحيث أنزلها الله
…
بدار الهوان والإنعاس
واذكروا مصرع الحسين وزيد
…
وقتيلا بجانب المهراس
والقتيل الّذي بحرّان أضحى
…
ثاويا بين غربة وتناس
(خفيف)
[1] استوسق: اجتمع وانقاد.
[2]
الداء الدويّ: الوبيل، المعلّ للصحّة.
[3]
البهاليل: جمع بهلول، وهو السيّد الجامع لكلّ خير.
[4]
الوتر: الثأر.
[5]
الرّقلة: النخلة الطويلة.
[6]
المواسي: جمع موسى وهو ما يحزّ به ويجرح.
[7]
سوائي: غيري، وأصلها: سواي.