الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح الآية التي ظهرت في قضيّة يحيى بن عبد الله
حضر رجل من آل الزبير بن العوّام عند الرشيد، وسعى بيحيى، وقال:
إنه بعد الأمان فعل وصنع ودعا الناس إلى نفسه. فأحضره الرشيد من محبسه، وجمع بينه وبين الزّبيريّ، وسأله عن ذلك، فأنكر واقعة الزبيريّ، فقال له يحيى إن كنت صادقا فاحلف فقال الزبيريّ: والله الطالب الغالب- وأراد أن يتمّم اليمين- فقال له يحيى: دع هذه اليمين، فإن الله تعالى إذا مجّده العبد لم يعجّل عقوبته ولكن احلف له بيمين البراءة وهي يمين عظمي، صورتها أن يقول عن نفسه:
بريء من حول الله وقوّته، ودخل في حول نفسه وقوّتها إن كان كذا وكذا. فلما سمع الزّبيريّ هذه اليمين ارتاع لها وقال: ما هذه اليمين الغريبة؟ وامتنع من الحلف بها. فقال له الرشيد: ما معنى امتناعك؟ إنّ كنت صادقا فيما تقول فما خوفك من هذه اليمين؟ فحلف بها، فما خرج من المجلس حتى ضرب برجله ومات وقيل ما انقضى النهار حتّى مات، فحملوه إلى القبر وحطّوه فيه وأرادوا أن يطمّوا القبر بالتّراب، فكانوا كلّما جعلوا التّراب فيه ذهب التراب ولا ينطمّ القبر فعلموا أنّها آية سماويّة، فسقفوا القبر وراحوا. وإلى ذلك أشار أبو فراس بن حمدان [1] في ميميّته بقوله:
يا جاهدا في مساويهم يكتّمها
…
غدر الرّشيد بيحيى كيف ينكتم؟
ذاق الزّبيريّ [2] غبّ الحنث وانكشفت
…
عن ابن فاطمة [3] الأقوال والتّهم
[1] أبو فراس بن حمدان: هو الحارث بن سعيد، ابن عمّ سيف الدولة صاحب حلب. شاعر فارس أسره الرّوم مرّتين فجاد بقصائده المشهورة بالرّوميّات. قتل عام/ 357/ هـ قرب حمص
[2]
قوله ذاق الزبيريّ: إشارة إلى معجزة مصرع الزبيري لدى يمينه الكاذب.
[3]
ابن فاطمة: هو يحيى بن عبد الله بن حسن العلويّ الّذي خرج على الرّشيد.
ومع ظهور مثل هذه الآية العظيمة قتل يحيى في الحبس شرّ قتلة.
وكانت دولة الرشيد من أحسن الدول، وأكثرها وقارا ورونقا وخيرا وأوسعها رقعة مملكة. جبى الرّشيد معظم الدنيا، وكان أحد عمّاله صاحب مصر ولم يجتمع على باب خليفة من العلماء والشّعراء والفقهاء، والقرّاء والقضاة والكتّاب والندماء ما اجتمع على باب الرشيد. وكان يصل كلّ واحد منهم أجزل صلة، ويرفعه إلى أعلى درجة. وكان فاضلا شاعرا، راوية للأخبار والآثار والأشعار صحيح الذوق والتمييز، مهيبا عند الخاصّة والعامّة.
قبض على موسى بن جعفر- عليهما السلام وأحضره في قبّة إلى بغداد فحبسه بدار السنديّ [1] بن شاهك، ثم قتل وأظهر أنه مات حتف أنفه [2] .
[1] السنديّ بن شاهك: أحد موالي الخلافة من الفرس.
[2]
مات حتف أنفه: مات في أجله، ولم يقتل قتلا.