الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمقتفي القيام العظيم واتّفق مع السّلطان مسعود على ذلك، ووزر لخليفتين المسترشد والمقتفي.
ولما استوزره المسترشد وشافهه بالولاية قال له: كلّ من ردّت إليه الوزارة شرف بها إلا أنت فإنّ الوزارة شرفت بك. وحمل إليه الدّست الكامل من دار الخليفة، وتقدّم إلى أرباب المناصب بالسّعي بين يديه إلى الديوان، ومكث على ذلك مديدة، ثمّ قبض عليه المسترشد وعزله، ثمّ أعاده إلى أجمل ما كان عليه. فلمّا خرج المسترشد إلى حرب مسعود كما تقدّم شرحه، خرج الوزير معه، فلمّا جرى على المسترشد ما جرى حظي الوزير عند السلطان مسعود وقرّبه وأعلى محلّه واستصحبه إلى بغداد، وقام الوزير بين يديه في خلع الراشد وإجلاس المقتفي القيام الّذي عرفه له مسعود وشكره عليه. وباقي أخباره ترد عند ذكر وزارته للمقتفي.
وزارة الوزير أبي نصر أحمد بن الوزير نظام الملك للمسترشد
كان كريما جميل الصّورة وزر للمسترشد باللَّه فشكرت سيرته، ولمّا عزم المسترشد على عمارة سور بغداد قسّط على الناس خمسة عشر ألف دينار، فقام الوزير أبو نصر بها وأدّاها عن الناس من ماله، ولم تطل أيّامه، فتوفّي في سنة أربع وأربعين وخمسمائة [1] .
وزارة أنوشروان خالد بن محمّد القاشانيّ للمسترشد
كان رجلا من أفاضل الناس، وأعيانهم وأخيارهم، تولّى الوزارة للسّلاطين وللخلفاء، وكان يستقيل من الوزارة فيجاب إلى ذلك، ثم يخطب لها فيجيب كارها هو الّذي صنّف له ابن الحريري المقامات الحريريّة، وإليه أشار في أوّلها بقوله:
[1] تكرر هذا التاريخ لوفاة الوزير أبي نصر في جميع طبعات الفخري. ولعلّ صوابه (سنة أربع وعشرين وخمسمائة) ما دام مقتل المسترشد قد وقع عام/ 529/ هـ. المحقّق.
طلب الأرّجاني الشاعر من الوزير أنوشروان خيمة، فأرسل إليه بدنانير كثيرة وقال له- اشتر بها خيمة، فقال الأرّجاني في ذلك.
للَّه درّ ابن خالد رجلا
…
أحيا لنا الجود بعد ما ذهبا
سألته خيمة ألوذ بها
…
فجاد لي ملء خيمة ذهبا
(منسرح) وكان أنوشروان بن خالد كثير التّواضع مشهورا بذلك، يقوم لكلّ من يدخل عليه، فهجاه ابن الهبّاريّة الشاعر بقوله:
هذا تواضعك المشهور عن ضعة
…
تبدو فمن أجلها بالكبر تتّهم
قعدت عن صلة الراجي وقمت له
…
فذا وثوب على الطّلاب لا لهم
وفيه يقول أيضا يشير إلى كثرة قيامه: (بسيط)
رأيت مشروبه يعبى
…
مزاودا في يد الغلام
فما به حاجة إليه
…
فإنّه دائم القيام
(بسيط) وكان بين أنوشروان بن خالد وبين الوزير الزينبيّ عداوة وتباغض وتنافس على الوزارة، فعزل الوزير الزينبيّ وتولى أنوشروان بن خالد، فتقرّب الناس إليه بثلب الزينبيّ فدخل الحيص بيص [1] الشاعر عليه وأنشده قصيدة أوّلها:
شكرا لدهري بالضّمير وبالفم
…
لمّا أعاض بمنعم عن منعم
(كامل) يشير إلى أنوشروان وإلى الزّينبيّ، فاستحسن النّاس منه ذلك واستدلّوا به على وفاته وحرّيته ثمّ إنّ أنوشروان بن خالد مات، وأعيد الزينبيّ إلى الوزارة، فتقرّب الناس إليه بمسبّة أنوشروان، فدخل عليه الحيص بيص وأنشده:
بقيت ولا زلت بك النّعل إنّني
…
فقدت اصطباري يوم فقد ابن خالد
(طويل) ومات أنوشروان في سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.
انقضت أيّام المسترشد باللَّه ووزرائه.
[1] الحيص بيص: سعد بن محمّد التميميّ. شاعر بغداديّ مشهور. نشأ فقيها، وغلب عليه الأدب والشعر، عمّر اثنين وثمانين عاما، وكانت وفاته/ 574/ هـ.