الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
•
قوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ}
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه خلق الإنسان من نطفة، وهي مني الرجل ومني المرأة، بدليل قوله تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} أي: أخلاط من ماء الرجل، وماء المرأة.
وقال صاحب الدر المنثور بعد ذكر بعض الروايات في تفسير الأمشاج بالأخلاط: من ماء الرجل وماء المرأة. وأخرج الطستي عن ابن عباس: أن نافع بن الأزرق قال: أخبرني عن قوله: {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} قال: اختلاط ماء الرجل وماء المرأة إذا وقع في الرحم. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت أبا ذؤيب وهو يقول:
كأن الريش والفوقين منه
…
خلال النصل خالطه مشيج
ونسب في اللسان هذا البيت لزهير بن حرام الهذلي، وأنشده هكذا:
كأن النصل والفوقين منها
…
خلال الريش سيط به مشيج
قال: ورواه المبرد:
كأن المتن والشرجين منه
…
خلاف النصل سيط به مشيج
قال: ورواه أبو عبيدة:
كأن الريش والفوقين منها
…
خلال النصل سيط به المشيج
ومعنى "سيط به المشيج": خلط به الخلط.
إذا عرفت معنى ذلك، فاعلم أنه تعالى بين أن ذلك الماء
الذي هو النطفة، منه ما هو خارج من الصلب، أي: وهو ماء الرجل، ومنه ما هو خارج من الترائب، وهو ماء المرأة، وذلك في قوله جل وعلا:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} لأن المراد بالصلب صلب الرجل وهو ظهره، والمراد بالترائب ترائب المرأة، وهي موضع القلادة منها؛ ومنه قول امرئ القيس:
مهفهفة بيضاء غير مفاضة
…
ترائبها مصقولة كالسجنجل
واستشهد ابن عباس لنافع بن الأزرق على أن الترائب موضع القلادة بقول المخبل، أو ابن أبي ربيعة:
والزعفران على ترائبها
…
شرقًا به اللبات والنحر
فقوله هنا: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)} يدل على أن الأمشاج هي الأخلاط المذكورة. وأمر الإنسان بأن ينظر مم خلق في قوله: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} تنبيه له على حقارة ما خلق منه؛ ليعرف قدره، ويترك التكبر والعتو، ويدل لذلك قوله:{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20)} الآية.
وبين جل وعلا حقارته بقوله: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)} والتعبير عن النطفة بما الموصولة في قوله: {مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)} فيه غاية تحقير ذلك الأصل الذي خلق منه الإنسان. وفي ذلك أعظم ردع، وأبلغ زجر عن التكبر والتعاظم.
وقوله جل وعلا: {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)} أظهر القولين
فيه: أنه ذم للإنسان المذكور. والمعنى: خلقناه ليعبدنا ويخضع لنا ويطيع؛ ففاجأ بالخصومة والتكذيب، كما تدل عليه "إذا" الفجائية. ويوضح هذا المعنى قوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} مع قوله جلا وعلا: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} وقوله: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)} وقوله: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67)} إلى غير ذلك من الآيات. وسيأتي إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح لهذا المبحث في "سورة الطارق".
تنبيه
اختلف علماء العربية في "إذا" الفجائية؛ فقال بعضهم: هي حرف. وممن قال به الأخفش.
قال ابن هشام في "المغني": ويرجح هذا القول قولهم: خرجت فإذا إن زيدًا بالباب (بكسر إن) لأن "إن" المكسورة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وقال بعضهم: هي ظرف مكان. وممن قال به المبرد. وقال بعضهم: هي ظرف زمان. وممن قال به الزجاج.
والخصيم صيغة مبالغة، أي: شديد الخصومة، وقيل: الخصيم المخاصم؛ وإتيان الفعيل بمعنى المفاعل كثير في كلام العرب، كالقعيد بمعنى المقاعد، والجليس بمعنى المجالس، والأكيل بمعنى المؤاكل، ونحو ذلك.