الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمة الثانية: هي التفكر في آياته والاتعاظ بها، كما قال هنا:{وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع أيضًا، كقوله:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} وقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} وقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} إلى غير ذلك من الآيات.
•
أنكر الله جلا وعلا علي الذين يعملون السيئات من الكفر والمعاصي، ومع ذلك يأمنون عذاب الله ولا يخافون أخذه الأليم، وبطشه الشديد، وهو قادر علي أن يخسف بهم الأرض، ويهلكهم بأنواع العذاب. والخسف: بلع الأرض المخسوف به وقعودها به إلى أسفل، كما فعل الله بقارون، قال الله تعالى فيه:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} الآية. وبين هذا المعني في مواضع كثيرة؛ كقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} الآية، وقوله:{أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68)} وقوله: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)} وقد قدمنا طرفًا من هذا في أول "سورة الأعراف".
واختلف العلماء في إعراب {السَّيِّئَاتِ} في هذه الآية الكريمة، فقال بعض العلماء: نعت لمصدر محذوف؛ أي: مكروا المكرات السيئات، أي: القبيحات قبحًا شديدًا؛ كما ذكر الله عنهم في قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} الآية.
وقال بعض العلماء: مفعول به لـ {مَكَرُوا} على تضمين {مَكَرُوا} معني فعلوا، وهذا أقرب أوجه الإعراب عندي، وقيل: مفعول به لـ "أمن" أي: أأمن الماكرون السيئات؛ أي: العقوبات الشديدة التي تسوءهم عند نزولها بهم. ذكر الوجه الأول الزمخشري، والأخيرين ابن عطية. وذكر الجميع أبو حيان في "البحر المحيط".
تنبيه
كل ما جاء في القرآن من همزة استفهام بعدها واو للعطف أو فاؤه؛ كقوله: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} الخ، فيه وجهان معروفان عند علماء العربية:
أحدهما: أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة ما بعدها علي محذوف دل المقام عليه؛ كقولك مثلًا: أنمهلكم فنضرب عنكم الذكر صفحًا؟! أعموا فلم يروا إلى ما بين أيديهم؟! ألم تأتكم آياتي فلم تكن تتلي عليكم؟! وهكذا -وإلى هذا الوجه أشار ابن مالك في الخلاصة بقوله:
وحذف متبوع بدا هنا استبح
…
وعطفك الفعل علي الفعل يصح
ومحل الشاهد في الشطر الأول دون الثاني.
الوجه الثاني: أن الفاء والواو كلتاهما عاطفة للجملة المصدرة بهمزة الاستفهام علي ما قبلها؛ إلا أن همزة الاستفهام تزحلقت عن محلها فتقدمت علي الفاء والواو، وهي متأخرة عنهما في المعني، وإنما تقدمت لفظًا عن محلها معني؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام.