الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفهوم مخالفتها-: أن غير المسلمين ليسوا كذلك. وهذا المفهوم من هذه الآية صرح به جل وعلا في مواضع أخر، كقوله:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} وقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} وقوله جل وعلا: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)} وقوله: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا} في الموضعين.
•
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه يأمر خلقه بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وأنه ينهاهم عن الفحشاء والمنكر والبغي، لأجل أن يتعظوا بأوامره ونواهيه، فيمتثلوا أمره، ويجتنبوا نهيه. وحذف مفعول {يَأْمُرُ، وَيَنْهَى} لقصد التعميم.
ومن الآيات التي أمر فيها بالعدل قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} .
ومن الآيات التي أمر فيها بالإحسان قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} وقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} وقوله: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي
الْأَرْضِ} وقوله: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وقوله: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} .
ومن الآيات التي أمر فيها بإيتاء ذي القربى قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)} وقوله: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26)} وقوله: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} الآية، وقوله:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)} إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الآيات التي نهى فيها عن الفحشاء والمنكر والبغي قوله: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} الآية، وقوله:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} الآية، وقوله:{وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)} والمنكر وإن لم يصرح باسمه في هذه الآيات، فهو داخل فيها.
ومن الآيات التي جمع فيها بين الأمر بالعدل والتفضل بالإحسان قوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } فهذا عدل، ثم دعا إلى الإحسان بقوله:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} وقوله {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} فهذا عدل. ثم دعا إلى الإحسان بقوله: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} .
وقوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فهذا عدل. ثم دعا إلى الإحسان بقوله: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} وقوله: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} الآية؛ فهذا عدل،
ثم دعا إلى الإحسان بقوله: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وقوله: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} فهذا عدل، ثم دعا إلى الإحسان بقوله:{إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)} إلى ذلك من الآيات.
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن العدل في اللغة: القسط والإنصاف، وعدم الجور؛ وأصله التوسط بين المرتبتين؛ أي: الإفراط والتفريط، فمن جانب الإفراط والتفريط فقد عدل. والإحسان مصدر أحسن، وهي تستعمل متعدية بالحرف نحو: أحسن إلى والديك؛ ومنه قوله تعالى عن يوسف: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} الآية. وتستعمل متعدية بنفسها؛ كقولك: أحسن العامل عمله، أي: أجاده وجاء به حسنًا، والله جل وعلا يأمر بالإحسان بمعنييه المذكورين، فهما داخلان في الآية الكريمة؛ لأن الإحسان إلى عباد الله لوجه الله عمل أحسن فيه صاحبه.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان في حديث جبريل بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وقد قدمنا إيضاح ذلك (في سورة هود).
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن أقوال المفسرين في الآية الكريمة راجعة في الجملة إلى ما ذكرنا: كقول ابن عباس؛ العدل: لا إله إلا الله، والإحسان: أداء الفرائض؛ لأن عبادة الخالق دون المخلوق هي عين الإنصاف والقسط، وتجنب التفريط والإفراط، ومن أدى فرائض الله على الوجه الأكمل فقد أحسن، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي حلف لا يزيد على الواجبات:"أفلح إن صدق" وكقول
سفيان: العدل: استواء العلانية والسريرة. والإحسان: أن تكون السريرة أفضل من العلانية، وكقول على رضي الله عنه: العدل: الإنصاف، والإحسان: التفضل إلى غير ذلك من أقوال السلف. والعلم عند الله تعالى.
وقوله: {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} الوعظ: الكلام الذي تلين له القلوب.
تنبيه
فإن قيل: يكثر في القرآن إطلاق الوعظ على الأوامر والنواهي، كقوله هنا:{يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} مع أنه ما ذكر إلا الأمر والنهي في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ -إلى قوله- وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} الآية، وكقوله في (سورة البقرة) بعد أن ذكر أحكام الطلاق والرجعة:{ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وقوله (في الطلاق) في نحو ذلك أيضًا: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وقوله في النهي عن مثل قذف عائشة: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} الآية. مع أن المعروف عند الناس: أن الوعظ يكون بالترغيب والترهيب ونحو ذلك، لا بالأمر والنهي.
فالجواب: أن ضابط الوعظ: هو الكلام الذي تلين له القلوب، وأعظم ما تلين له قلوب العقلاء أوامر ربهم ونواهيه، فإنهم إذا سمعوا الأمر خافوا من سخط الله في عدم امتثاله، وطمعوا فيما عند الله من الثواب في امتثاله، وإذا سمعوا النهي خافوا من سخط الله في عدم اجتنابه، وطمعوا فيما عنده من الثواب في