الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكبائر الرجل الصغير صغائر
…
وصغائر الرجل الكبير كبائر
تنبيه
هذه الآية الكريمة أوضحت غاية الإيضاح براءة نبينا صلى الله عليه وسلم من مقاربة الركون إلى الكفار، فضلًا عن نفس الركون؛ لأن {وَلَوْلَا} حرف امتناع لوجود، فمقاربة الركون منعتها {وَلَوْلَا} الامتناعية لوجود التثبيت من الله جل وعلا لأكرم خلقه صلى الله عليه وسلم، فصح يقينًا انتفاء مقاربة الركون فضلًا عن الركون نفسه، وهذه الآية تبين ما قبلها، وأنه لم يقارب الركون إليهم ألبتة؛ لأن قوله:{لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا} أي: قاربت تركن إليهم هو عين الممنوع بـ {وَلَوْلَا} الامتناعية كما ترى. ومعنى {تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} : تميل إليهم.
•
قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ
.. } الآية.
قد بينا "في سورة النساء": أن هذه الآية الكريمة من الآيات التي أشارت لأوقات الصلاة؛ لأن قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي: لزوالها على التحقيق، فيتناول وقت الظهر والعصر؛ بدليل الغاية في قوله:{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} أي: ظلامه، وذلك يشمل وقت المغرب والعشاء. وقوله:{قُرْآنَ الْفَجْرِ} أي: صلاة الصبح، كما تقدم إيضاحه وأشرنا للآيات المشيرة لأوقات الصلوات؛ كقوله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ .. } الآية، وقوله:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) .. } الآية. وأتممنا بيان ذلك من السنة في الكلام على قوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} فراجعه هناك إن شئت. والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}
الحق في لغة العرب: الثابت الذي ليس بزائل ولا مضمحل، والباطل: هو الذاهب المضمحل. والمراد بالحق في هذه الآية: هو ما في هذا القرآن العظيم والسنة النبوية من دين الإسلام، والمراد بالباطل فيها: الشرك بالله، والمعاصي المخالفة لدين الإسلام.
وقد بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الإسلام جاء ثابتًا راسخًا، وأن الشرك بالله زهق؛ أي: ذهب واضمحل وزال. تقول العرب: زهقت نفسه: إذا خرجت وزالت من جسده.
ثم بين جل وعلا أن الباطل كان زهوقًا، أي: مضمحلًا غير ثابت في كل وقت. وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع. وذكر أن الحق يزيل الباطل ويذهبه؛ كقوله: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)} وقوله: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ .. } الآية.
وقال صاحب الدر المنثور في الكلام على هذه الآية الكريمة: أَخرج ابنُ أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ستوِن وثلثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)} .
وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو يعلى، وابن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنمًا؛ فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت لوجهها، وقال:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} .
وأخرج الطبراني في الصغير، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وعلى الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا؛ فشد لهم إبليس أقدامها بالرصاص؛ فجاء ومعه قضيب فجعل يهوي إلى كل صنمِ منها فيخر لوجهه فيقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} حتى مر عليها كلها.
وقال القرطبي في تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية دليل على كسر نصب المشركين وجميع الأوثان إذا غلب عليهم. ويدخل بالمعنى كسر آلة الباطل كله، وما لا يصلح إلا لمعصية الله كالطنابير والعيدان والمزامير التي لا معنى لها إلا اللهو بها عن ذكر الله.
قال ابن المنذر: وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من المدر والخشب وشبهها، وكل ما يتخذه الناس مما لا منفعة فيه إلا اللهو المنهي عنه، ولا يجوز بيع شيء منه إلا الأصنام التي تكون من الذهب والفضة والحديد والرصاص إذا غيرت عما هي عليه وصارت نقدًا أو قطعًا فيجوز بيعها والشراء بها.
قال المهلب: وما كسر من آلات الباطل وكان في حبسها بعد كسرها منفعة فصاحبها أولى بها مكسورة؛ إلا أن يرى الإمام حرقها بالنار على معنى التشديد والعقوبة في المال. وقد تقدم حرق ابن عمر رضي الله عنه. وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق دور من تخلف عن صلاة الجماعة. وهذا أصل في العقوبة في المال؛ مع قوله صلى الله عليه وسلم في الناقة التي لعنتها صاحبتها "دعوها فإنها ملعونة" فأزال ملكها عنها تأديبًا لصاحبتها، وعقوبة لها فيما دعت عليه بما دعت به. وقد