الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى غير ذلك من الآيات.
وعبر تعالى عن المراد قبل وقوعه باسم الشيء؛ لأن تحقق وقوعه كالوقوع بالفعل، فلا تنافي الآية إطلاق الشيء على خصوص الموجود دون المعدوم؛ لأنه لما سبق في علم الله أنه يوجد ذلك الشيء، وأنه يقول له: كن فيكون = كان تحقق وقوعه بمنزلة وقوعه. أو لأنه أطلق عليه اسم الشيء باعتبار وجوده المتوقع، كتسمية العصير خمرًا في قوله:{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} نظرًا إلى ما يؤول إليه في ثاني حال. وقرأ هذا الحرف ابن عامر والكسائي {فَيَكوُنُ} بفتح النون منصوبًا بالعطف على قوله: أن نقول. وقيل: منصوب بان المضمرة بعد الفاء في جواب الأمر. وقرأ الباقون بالرفع علي أنه خبر مبتدأ محذوف، أي فهو يكون.
ولقد أجاد من قال:
إذا ما أراد الله أمرًا فإنما
…
يقول له كن قوله فيكون
واللام في قوله: {لِشَيءٍ} وقوله: {لَهُ} للتبليغ. قاله أبو حيان.
•
قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ}
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لم يرسل قبله صلى الله عليه وسلم من الرسل إلا رجالًا، أي: لا ملائكة. وذلك أن الكفار استغربوا جدًا بعث الله رسلًا من البشر، وقالوا: الله أعظم من أن يرسل بشرًا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فلو كان مرسلًا أحدًا حقًا لأرسل ملائكة كما بينه تعالى في آيات كثيرة، كقوله: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى
رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ} وقوله: {بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} الآية، وقوله:{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} وقوله: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94)} وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ} الآية، وقوله:{أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ} الآية، وقوله:{فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24)} وقوله: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34)} وقوله: {قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد بين الله جل وعلا في آيات كثيرة: أن الله ما أرسل لبني آدم إلا رسلًا من البشر، وهم رجال يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويتزوجون، ونحو ذلك من صفات البشر، كقوله هنا:{وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)} وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)} وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} وقوله: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} الآية. . إلى غير ذلك من الآيات.
وقرأ جمهور القراء هذا الحرف "يوحى إليهم" بالياء المثناة التحتية، وفتح الحاء مبنيًا للمفعول. وقرأه حفص عن عاصم:{نُوحِي إِلَيْهِمْ} بالنون، وكسر الحاء مبنيًا للفاعل، وكذلك قوله في آخر سورة يوسف:"إلا رجالًا يوحي إليهم من أهل القري" وأول الأنبياء: "إلا رجالًا يوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر" الآية. كل هذه المواضع قرأ فيها حفص وحده بالنون وكسر الحاء، والباقون بالياء التحتية، وفتح الحاء أيضًا، وأما الثانية في سورة الأنبياء وهي قوله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا} الآية، فقد قرأه بالنون وكسر الحاء حمزة والكسائي وحفص، والباقون بالياء التحتية وفتح الحاء أيضًا.
وحصر الرسل في الرجال في الآيات المذكورة لا ينافي أن من الملائكة رسلًا، كما قال تعالى:{اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} الآية؛ لأن الملائكة يرسلون إلى الرسل، والرسل ترسل إلى الناس. والذي أنكره الكفار هو إرسال الرسل إلى الناس، وهو الذي حصر الله فيه الرسل في الرجال من الناس، فلا ينافي إرسال الملائكة للرسل بالوحي، ولقبض الأرواح، وتسخير الرياح والسحاب، وكتب أعمال بني آدم، وغير ذلك، كما قال تعالى:{فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)} .
تنبيه
يفهم من هذه الآيات أن الله لم يرسل امرأة قط؛ لقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} ويفهم من قوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ