الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من المؤمنين أهلكتم ذلك المؤمن بغير ذنب، فأجابوه عن هذا بقولهم:{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} الآية.
ونظير ذلك قوله: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} .
•
قوله تعالى: {يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)}
.
هذا العذاب الذي صرح هنا بأنه آت قوم لوط لا محالة، وأنه لا مرد له بينه في مواضع متعددة، كقوله في هذه السورة الكريمة:{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)} وقوله في الحجر: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75)} وقوله: {وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} الآية، وقوله:{ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (173)} ، وقوله:{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)} إلى غير ذلك من الآيات.
•
قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)}
.
ذكر الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن لوطًا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما جاءته رسل ربه من الملائكة حصلت له بسبب مجيئهم مساءة عظيمة ضاق صدره بها، وأشار في مواضع متعددة إلى أن سبب مساءته وكونه ضاق بهم ذرعًا، وقال: هذا
يوم عصيب أنَّه ظن أنهم ضيوف من بني آدم كما ظنه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وظن أن قومه ينتهكون حرمة ضيوفه فيفعلون بهم فاحشة اللواط؛ لأنهم إن علموا بقدوم ضيف فرحوا واستبشروا به ليفعلوا به الفاحشة المذكورة، فمن ذلك قوله هنا:{وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79)} .
وقوله: {يُهْرَعُونَ} أي يسرعون ويهرولون من فرحهم بذلك، ومنه قول مهلهل:
فجاءوا يهرعون وهم أسارى
…
تقودهم على رغم الأنوف
وقوله: {وَلَا تُخْزُونِ} أي لا تهينون ولا تذلون بانتهاك حرمة ضيفي، والاسم منه: الخزي -بكسر الخاء وإسكان الزاي-؛ ومنه قول حسان في عتبة بنُ أبي وقاص:
فأخزاك ربي يا عتيب بنُ مالك
…
ولقاك قبل الموت إحدى الصواعق
وقال بعض العلماء: قوله: {وَلَا تُخْزُونِ} من الخزاية، وهي الخجل والاستحياء من الفضيحة؛ أي لا تفعلوا بضيفي ما يكون سببًا في خجلي واستحيائي، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورًا وحشيًا
تطارده الكلاب في جانب حبل من الرمل:
حتَّى إذا دومت في الأرض راجعة
…
كبر ولو شاء نجى نفسه الهرب
خزاية أدركته بعد جولته
…
من جانب الحبل مخلوطًا بها الغضب
يعني أن هذا الثور لو شاء نجا من الكلاب بالهرب، ولكنه استحيا وأنف الهروب فكر راجعًا إليها، ومنه قوله الآخر:
أجاعلة أم الثوير خزاية
…
عليّ فراري أن لقيت بني عبس
والفعل منه: خزي يخزى، كرضي يرضى. ومنه قول الشاعر:
من البيض لا تخزى إذا الريح ألصقت
…
بها مرطها أو زايل الحَلْي جيدها
وقول الآخر:
وأني لا أخزى إذا قيل: مملق
…
سخي وأخزى أن يقال: بخيل
وقوله: {لَعَمُركَ} معناه أقسم بحياتك. والله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلَّا نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك من التشريف له - صلى الله عليه وسلم - ما لا يخفى.
ولا يجوز لمخلوق أن يحلف بغير الله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت".
وقوله: {لَعَمْرُكَ} مبتدأ خبره محذوف، أي لعمرك قسمي. وسمع عن العرب تقديم الراء على اللام في لعمرك فتقول فيها: رعملك، ومنه قول الشاعر:
رعملك إن الطائر الواقع الذي
…
تعرض لي من طائر لصدوق
وقوله: {لَفِي سَكْرَتِهِمْ} أي عماهم وجهلهم وضلالهم، والعمه: عمى القلب، فمعنى:{يَعْمَهُونَ (72)} يترددون متحيرين لا يعرفون حقًا من باطل، ولا نافعًا من ضار، ولا حسنًا من قبيح.
واختلف العلماء في المراد بقول لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِى} في الموضعين على أقوال:
أحدها: أنَّه أراد المدافعة عن ضيفه فقط، ولم يرد إمضاء ما قال، وبهذا قال عكرمة، وأَبو عبيدة.
الثاني: أن المراد بناته لصلبه، وأن المعنى: دعوا فاحشة اللواط، وأزوجكم بناتي. وعلى هذا فتزويج الكافر المسلمة كان جائزًا في شرعه، كما كانت بنات نبينا - صلى الله عليه وسلم - تحت الكفار في أول الإسلام كما هو معروف. وقد أرسلت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقدها الذي زفتها به أمها خديجة بنت خويلد رضي الله عنها إلى زوجها أبي العاص بنُ الربيع، أرسلته إليه في فداء زوجها أبي العاص المذكور لما أسره المسلمون كافرًا يوم بدر، والقصة مشهورة، وقد عقدها الشيخ أحمد البدوي الشنقيطي في مغازيه بقوله في غزوة بدر:
وابن الربيع صهر هادي الملة
…
إذ في فداه زينب أرسلت
بعقدها الذي به أهدتها
…
له خديجة وزففتها
سرحه بعقدها وعدا
…
إليه أن يردها له غدًا. الخ
القول الثالث: أن المراد بالبنات: جميع نساء قومه؛ لأن نبي القوم أب ديني لهم، كما يدل له قوله تعالى في نبينا - صلى الله عليه وسلم -: {النَّبِيُّ