الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعض العلماء الأساطير: الترهات والأباطيل. وأوضح هذا المعنى في آيات أخر، كقوله:{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)} وقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (31)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله: {مَاذَا} يحتمل أن تكون "ذا" موصولة و"ما" مبتدأ، وجملة {أَنْزَلَ} صلة الموصول، والموصول وصلته خبر المبتدأ، ويحتمل أن يكِون مجموعهما اسمًا واحدًا في محل نصب، على أنه مفعول {أَنْزَلَ} كما أشار له في الخلاصة بقوله:
ومثل ماذا بعد ما استفهام
…
أو من إذا لم تلغ في الكلام
وبين جل وعلا كذب الكفار في دعواهم أن القرآن أساطير الأولين بقوله: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ} الآية، وبقوله هنا:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .
•
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن أولئك الكفار الذين يصرفون الناس عن القرآن بدعواهم أنه أساطير الأولين، تحملوا أوزارهم -أي: ذنوبهم- كاملة، وبعض أوزار أتباعهم الذين اتبعوهم في الضلال، كما يدل عليه حرف التبعيض الذي هو "من" في قوله:{وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} الآية.
وقال القرطبي: "من " لبيان الجنس، فهم يحملون مثل أوزار
من أضلوهم كاملة.
وأوضح تعالى هذا المعنى في قوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)} واللام في قوله: {لِيَحْمِلُوا} تتعلق بمحذوف دل المقام عليه، أي: قدرنا عليهم أن يقولوا في القرآن: أساطير الأولين، ليحملوا أوزارهم.
تنبيه
فإن قيل: ما وجه تحملهم بعض أوزار غيرهم المنصوص عليه بقوله: {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية، وقوله:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} مع أن الله يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ويقول جل وعلا: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} ويقول: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} إلى غير ذلك من الآيات.
فالجواب -والله تعالى أعلم-: أن رؤساء الضلال وقادته تحملوا وزرين:
أحدهما: وزر ضلالهم في أنفسهم.
والثاني: وزر إضلالهم غيرهم؛ لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص من ذلك من أوزارهم شيئًا، وإنما أخذ بعمل غيره؛ لأنه هو الذي سنه وتسبب فيه، فعوقب عليه من هذه الجهة؛ لأنه من فعله، فصار غير مناف لقوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ
…
} الآية.
وقال مسلم بن الحجاج رحمه الله في صحيحه: حدثني زهير
ابن حرب، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن موسى ابن عبد الله بن يزيد، وأبي الضحى، عن عبد الرحمن بن هلال العبسي عن جرير بن عبد الله قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليهم الصوف؛ فرأى سوء حالهم، قد أصابتهم حاجة، فحث الناس على الصدقة، فأبطئوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه، قال: ثم إن رجلًا من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من سن في الإسلام سنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء" اه.
أخرج مسلم في صحيحه هذا الحديث عن جرير بن عبد الله من طرق متعددة، وأخرجه نحوه أيضًا من حديث أبي هريرة بلفظ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا" اه.
قال مقيده -عفا الله عنه-: هذه النصوص الصحيحة تدل على رفع الإشكال بين الآيات، كما تدل على أن جميع حسنات هذه الأمة في صحيفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فله مثل أجور جميعهم؛ لأنه صلوات الله وسلامه هو الذي سن لهم السنن الحسنة جميعها في الإسلام، نرجو الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وأن يصلي ويسلم عليه أتم
صلاة وأزكى سلام.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يدل على أن الكافر غير معذور بعد إبلاغ الرسل المؤيد بالمعجزات، الذي لا لبس معه في الحق، ولو كان يظن أن كفره هدى؛ لأنه ما منعه من معرفة الحق مع ظهوره إلا شدة التعصب للكفر، كما قدمنا الآيات الدالة على ذلك في الأعراف؛ كقوله:{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)} وقوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} وقوله: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)} وحملهم أوزارهم هو اكتسابهم الإثم الذي هو سبب ترديهم في النار -أعاذنا الله والمسلمين منها؟ .
وقال بعض العلماء: معنى حملهم أوزارهم: أن الواحد منهم عند خروجه من قبره يوم القيامة يستقبله شيء كأقبح صورة وأنتنها ريحًا؛ فيقول: من أنت؟ فيقول: أو ما تعرفني! فيقول: لا والله، إلا أن الله قبح وجهك! وأنتن ريحك! فيقول: أنا عملك الخبيث، كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه فطالما ركبتني في الدنيا! هلم أركبك اليوم؛ فيركب على ظهره. اه.
وقوله: {أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)} {سَاءَ} : فعل جامد؛ لإنشاء الذم بمعنى بئس و{مَا} : فيها الوجهان المشار إليهما بقوله في الخلاصة:
وما مميز وقيل: فاعل
…
في نحو نعم ما يقول الفاضل