الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقيد بمشيئة الله تعالى؛ كما نص على ذلك بقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ .. } الآية.
فهذه الآية الكريمة مقيدة لما ورد من الآيات والأحاديث. وقد تقرر في الأصول أن المقيد يقضي على المطلق، ولاسيما إذا اتحد الحكم والسبب كما هنا. وأشار له في "مراقي السعود" بقوله:
وحمل مطلق على ذاك وجب
…
إن فيهما اتحد حكم والسبب
•
قوله تعالى: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا}
.
الظاهر أن الخطاب في هذه الآية الكريمة. متوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليشرع لأمته على لسانه إخلاص التوحيد في العبادة له جل وعلا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم معلوم أنه لا يجعل مع الله إلهًا آخر، وأنه لا يقعد مذمومًا مخذولًا.
ومن الآيات الدالة دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وسلم يوجه إليه الخطاب، والمراد بذلك التشريع لأمته لا نفس خطابه هو صلى الله عليه وسلم = قوله تعالى:{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} لأن معنى قوله: {{إِمَّا يَبْلُغَنَّ .. } الآية: أي: إن يبلغ عندك والدك أو أحدهما الكبر فلا تقل لهما أف. ومعلوم أن والديه قد ماتا قبل ذلك بزمن طويل، فلا وجه لاشتراط بلوغهما أو أحدهما الكبر بعد أن ماتا منذ زمن طويل، إلا أن المراد التشريع لغيره صلى الله عليه وسلم. ومن أساليب اللغة العربية خطابهم إنسانًا والمراد بالخطاب غيره. ومن الأمثلة السائرة في ذلك قول
الراجز، وهو سهل بن مالك الفزاري:
إياك أعني واسمعي يا جاره
وسبب هذا المثل: أنه زار حارثة بن لأم الطائي فوجده غائبًا؛ فأنزلته أخته وأكرمته، وكانت جميلة، فأعجبه جمالها، فقال مخاطبًا لأخرى غيرها ليسمعها هي:
يا أخت خير البدو والحضاره
…
كيف ترين في فتى فزاره
أصبح يهوى حرة معطاره
…
إياك أعني واسمعي يا جاره
ففهمت المرأة مراده، وأجابته بقولها:
إني أقول يا فتى فزاره
…
لا أبتغي الزوج ولا الدعاره
ولا فراق أهل هذه المحاره
…
فارحل إلى أهلك باستحاره
والظاهر أن قولها: "باستحارة" أن أصله استفعال من المحاورة بمعنى رجع الكلام بينهما، أي: ارحل إلى أهلك بالمحاورة التي وقعت بيني وبينك، وهي كلامك وجوابي له، ولا تحصل مني على غير ذلك! والهاء في "الاستحاره" عوض من العين الساقطة بالإعلال، كما هو معروف في فن الصرف.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن الخطاب في قوله: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} ونحو ذلك من الآيات = متوجه إلى المكلف.
ومن أساليب اللغة العربية: إفراد الخطاب مع قصد التعميم، كقول طرفة بن العبد في معلقته:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا
…
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقال الفراء، والكسائي، والزمخشري: ومعنى قوله: {فَتَقْعُدَ} أي: تصير. وجعل الفراء منه قول الراجز:
لا يقنع الجارية الخضاب
…
ولا الوشاحان ولا الجلباب
من دون أن تلتقى الأركاب
…
ويقعد الأير له لعاب
أي: يصير له لعاب.
وحكى الكسائي: قعد لا يسأل حاجة إلا قضاها؛ بمعنى صار. قاله أبو حيان في البحر.
ثم قال أيضًا: والقعود هنا عبارة عن المكث، أي؛ فتمكث في الناس مذمومًا مخذولًا، كما تقول لمن سأل عن حال شخص: هو قاعد في أسوأ حال. ومعناه ماكث ومقيم، سواء كان قائمًا أم جالسًا. وقد يراد القعود حقيقة؛ لأن من شأن المذموم المخذول أن يقعد حائرًا متفكرًا، وعبر بغالب حاله وهو القعود. وقيل: معنى: {فَتَقْعُدَ} فتعجز. والعرب تقول: ما أقعدك عن المكارم اهـ محل الغرض من كلام أبي حيان.
والمذموم هنا: هو من يلحقه الذم من الله ومن العقلاء من الناس، حيث أشرك بالله ما لا ينفع ولا يضر، ولا يقدر على شيء.
والمخذول: هو الذي لا يضره من كان يؤمل منه النصر، ومنه قوله:
إن المرء ميتًا بانقضاء حياته
…
ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا