الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن السدي رحمه الله: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ} أي: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينكرونها، أي يكذبونه وينكرون صدقه.
وقد بين جل وعلا: أن بعثه نبيه صلى الله عليه وسلم فيهم من منن الله عليهم، كما قال تعالى:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} الآية. وبين في موضع آخر: أنهم قابلوا هذه النعمة بالكفران. وذلك في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28)} . وقيل: يعرفون نعمة الله في الشدة، ثم ينكرونها في الرخاء. وقد تقدمت الآيات الدالة على ذلك، كقوله:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)} ونحوها من الآيات - إلى غير ذلك من الأقوال في الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} قال بعض العلماء: معناه أنهم كلهم كافرون، أطلق الأكثر وأراد الكل. قاله القرطبي والشوكاني.
وقال الشوكاني: أو أراد بالأكثر العقلاء دون الأطفال ونحوهم، أو أراد كفر الجحود، ولم يكن كفر كلهم كذلك، بل كان كفر بعضهم كفر جهل.
•
قوله تعالى: {ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا}
لم يبين تعالى في هذه الآية الكريمة متعلق الإذن في قوله: {لَا يُؤْذَنُ} ولكنه بين في (المرسلات) أن متعلق الإذن الاعتذار، أي: لا يؤذن لهم في الاعتذار؛ لأنهم ليسِ لهم عذر يصح قبوله، وذلك في قوله:{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)} .
فإن قيل: ما وجعه الجمع بين نفي اعتذارهم المذكور هنا، وبين ما جاء في القرآن من اعتذارهم، كقوله تعالى عنهم:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)} وقوله: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} وقوله: {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا} ونحو ذلك من الآيات.
فالجواب: من أوجه.
منها: أنهم يعتذرون حتى إذا قيل لهم: { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108)} انقطع نطقهم ولم يبق إلا الزفير والشهيق، كما قال تعالى:{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)} .
ومنها: أن نفي اعتذارهم يراد به اعتذار فيه فائدة. أما الاعتذار الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم، يصدق عليه في لغة العرب: أنه ليس بشيء، ولذا صرح تعالى بأن المنافقين بكم في قوله:{صُمٌّ بُكْمٌ} مع قوله عنهم: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} أي: لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم، وقال عنهم أيضًا:{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} فهذا الذي ذكره جل وعلا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم، مع تصريحه بأنهم بكم - يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء، كما هو واضح.
وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي:
وإن كلام المرء في غير كنهه
…
لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها
وقد بينا هذا في كتابنا [دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب] في مواضع منه.
والترتيب بـ {ثُمَّ} في قوله في هذه الآية الكريمة: {ثُمَّ لَا