الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبنيًا للمفعول = فالمعنى: أن يلقيه ذلك الكتاب يوم القيامة؛ فحذف الفاعل فبنى الفعل للمفعول. وقراءة من قرأ {يَخرُجْ} بفتح الياء وضم الراء، مضارع خرج مبنيًا للفاعل، فالفاعل ضمير يعود إلى الطائر بمعنى العمل.
وقوله: {كِتَابًا} حال من ضمير الفاعل؛ أي: ويوم القيامة يخرج هو، أي: العمل المعبر عنه بالطائر في حال كونه كتابًا يلقاه منشورا. وكذلك على قراءة {يخرج} بضم الياء وفتح الراء مبنيًا للمفعول، فالضمير النائب عن الفاعل راجع أيضًا إلى الطائر الذي هو العمل، أي: يخرج له هو، أي: طائره بمعنى عمله، في حال كونه كتابًا.
وعلى قراءة: {يخرج} بضم الياء وكسر الراء مبنيًا للفاعل، فالفاعل ضمير يعود إلى الله تعالى، وقوله:{كِتَابًا} مفعول به؛ أي: ويوم القيامة يخرج هو، أي: يخرج الله له كتابًا يلقاه منشورا.
وعلى قراءة الجمهور منهم السبعة: فالنون في: {وَنُخْرِجُ} نون العظمة لمطابقة قوله: {أَلْزَمْنَاهُ} و {كِتَابًا} مفعول به لنخرج كما هو واضح. والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من اهتدى فعمل بما يرضي الله جل وعلا، أن اهتداءه ذلك إنما هو لنفسه؛ لأنه هو الذي ترجع إليه فائدة ذلك الاهتداء، وثمرته في الدنيا والآخرة.
وأن من ضل عن طريق الصواب فعمل بما يسخط ربه جل وعلا، أن ضلاله ذلك إنما هو على نفسه؛ لأنه هو الذي يجني ثمرة عواقبه السيئة الوخيمة، فيخلد به في النار.
وبين هذا المعنى في مواضع كثيرة؛ كقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا .. } الآية، وقوله:{مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44)} وقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} وقوله: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108)} والآيات بمثل هذا كثيرة جدًا. وقد قدمنا طرفًا منها في سورة "النحل".
• قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لا تحمل نفس ذنب أخرى؛ بل لا تحمل نفس إلا ذنبها. فقوله: {وَلَا تَزِرُ} أي: لا تحمل، من وزر يزر إذا حمل. ومنه سمى وزير السلطان؛ لأنه يحمل أعباء تدبير شئون الدولة. والوزر: الإثم؛ يقال: وزر يزر وزرًا، إذا أثم. والوزر أيضًا: الثقل المثقل، أي: لا تحمل نفس وازرة، أي: آثمة وزر نفس أخرى؛ أي: إثمها، أو حملها الثقيل؛ بل لا تحمل إلا وزر نفسها.
وهذا المعنى جاء في آيات أخرى؛ كقوله: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} وقوله: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ .. } الآية، وقوله: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ
مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)} إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا في سورة "النحل" بإيضاح: أن هذه الآيات لا يعارضها قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ .. } الآية، ولا قوله:{لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآية؛ لأن المراد بذلك أنهم حملوا أوزار ضلالهم في أنفسهم، وأوزار إضلالهم غيرهم؛ لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئًا - كما تقدم مستوفى.
تنبيه
يرد على هذه الآية الكريمة سؤالان:
الأول: ما ثبت في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما من "أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه" فيقال: ما وجه تعذيبه ببكاء غيره، إذ مؤاخذته ببكاء غيره قد يظن من لا يعلم أنها من أخذ الإنسان بذنب غيره؟.
السؤال الثاني: إيجاب دية الخطأ على العاقلة، فيقال: ما وجه إلزام العاقلة الدية بجناية إنسان آخر؟
والجواب عن الأول: هو أن العلماء حملوه على أحد أمرين: الأول: أن يكون الميت أوصى بالنوح عليه، كما قال طرفة بن العبد في معلقته:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله
…
وشقي علي الجيب يا ابنة معبد
لأنه إذ كان أوصى بأن يناح عليه: فتعذيبه بسبب إيصائه بالمنكر، وذلك من فعله لا فعل غيره.
الثاني: أن يهمل نهيهم عن النوح عليه قبل موته، مع أنه يعلم أنهم سينوحون عليه؛ لأن إهماله نهيهم تفريط منه، ومخالفة لقوله تعالى:{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} فتعذيبه إذًا بسبب تفريطه، وتركه ما أمر الله به من قوله:{قُوا أَنْفُسَكُمْ} الآية - وهذا ظاهر كما ترى.
وعن الثاني: بأن إيجاب الدية على العاقلة ليس من تحميلهم وزر القاتل، ولكنها مواساة محضة أوجبها الله على عاقلة الجاني؛ لأن الجاني لم يقصد سوءًا، ولا إثم عليه البتة، فأوجب الله في جنايته خطأ الدية بخطاب الوضع، وأوجب المواساة فيها على العاقلة، ولا إشكال في إيجاب الله على بعض خلقه؛ كما أوجب أخذ الزكاة من مال الأغنياء وردها إلى الفقراء.
واعتقد من أوجب الدية على أهل ديوان القاتل خطأ كأبي حنيفة وغيره = أنها باعتبار النصرة فأوجبها على أهل الديوان. ويؤيد هذا القول ما ذكره القرطبي في تفسيره قال: "وأجمع أهل السير والعلم: أن الدية كانت في الجاهلية تحملها العاقلة، فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، وكانوا يتعاقلون بالنصرة، ثم جاء الإسلام فجرى الأمر على ذلك، حتى جعل عمر الديوان، واتفق الفقهاء على رواية ذلك والقول به. وأجمعوا أنه لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ديوان، وأن عمر جعل الديوان، وجمع بين الناس، وجعل أهل كل ناحية يدًا، وجعل عليهم قتال