الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: بمعنى صير كما تقدم في الحجر؛ كقوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} قال في الخلاصة:
…
...
…
... والتي كصيرا
…
أيضًا بها انصب مبتدا وخبرا
الثالث: بمعنى خلق كقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أي: خلق الظلمات والنور.
الرابع: بمعنى شرع، كقوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني
…
ثوبي فأنهض نهض الشارب السكر
قال في الخلاصة:
كأنشأ السائق يحدو وطفق
…
كذا جعلت وأخذت وعلق
وقوله في هذه الآية الكريمة: {سُبْحَانَهُ} أي: تنزيهًا له جل وعلا عما لا يليق بكماله وجلاله، وهو ما ادعوا له من البنات سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرا!.
•
.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه لو عاجل الخلق بالعقوبة لأهلك جميع من في الأرض، ولكنه حليم لا يعجل بالعقوبة؛ لأن العجلة من شأن من يخاف فوات الفرصة، ورب السموات والأرض لا يفوته شيء أراده. وذكر هذا المعنى في غير هذا الموضع، كقوله في "آخر سورة فاطر": {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ
بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} الآية، وقوله:{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} الآية، وأشار بقوله:{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} إلى أنه تعالى يمهل ولا يهمل. وبين ذلك في غير هذا الموضع، كقوله:{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)} وقوله: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} .
وبين هنا: أن الإنسان إذا جاء أجله لا يستأخر عنه، كما أنه لا يتقدم عن وقت أجله. وأوضح ذلك في مواضع أخر، كقوله:{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} الآية، وقوله:{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
واعلم أن قوله تعالى: {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} فيه وجهان للعلماء:
أحدهما: أنه خاص بالكفار؛ لأن الذنب ذنبهم، والله يقول:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ومن قال هذا القول قال: {مِنْ دَابَّةٍ} أي: كافرة، ويروي عن ابن عباس. وقيل: المعنى أنه لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء.
وجمهور العلماء، منهم ابن مسعود، وأبو الأحوص، وأبو هريرة وغيرهم -كما نقله عنهم ابن كثير وغيره- على أن الآية عامة، حتى إن ذنوب بني آدم لتهلك الجعل في جحره، والحباري في وكرها، ونحو ذلك، لولا أن الله حليم لا يعجل بالعقوبة، ولا يؤاخذهم بظلمهم.
قال مقيده -عفا الله عنه-: وهذا القول هو الصحيح، لما تقرر في الأصول من: أن النكرة في سياق النفي إذا زيدت قبلها لفظة "من" تكون نصًا صريحًا في العموم. وعليه فقوله: {مِنْ دَابَّةٍ} يشمل كل ما يطلق عليه اسم الدابة نصًا.
وقال القرطبي في تفسيره: فإن قيل: فكيف يعم الهلاك مع أن فيهم مؤمنًا ليس بظالم؟
قيل: يجعل هلاك الظالم انتقامًا وجزاء، وهلاك المؤمن معوضًا بثواب الآخرة.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد الله بقوم عذابًا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بعثوا على أعمالهم" اهـ. محل الغرض منه بلفظه. والأحاديث بمثله كثيرة معروفة.
وإذا ثبت في الأحاديث الصحيحة: أن العذاب إذا نزل بقوم عم الصالح والطالح، فلا إشكال في شمول الهلاك للحيوانات التي لا تعقل. وإذا أراد الله إهلاك قوم أمر نبيهم ومن آمن منهم أن يخرجوا عنهم؛ لأن الهلاك إذا نزل عم.
تنبيه
قوله: {مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} الضمير في {عَلَيْها} راجع إلى غير مذكور، وهو الأرض؛ لأن قوله:{مِنْ دَابَّةٍ} يدل عليه؛ لأن من المعلوم: أن الدواب إنما تدب على الأرض. ونظيره قوله تعالى: {مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} وقوله: {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)}
أي: الشمس ولم يجر لها ذكر، ورجوع الضمير إلى غير مذكور يدل عليه المقام كثير في كلام العرب، ومنه قول حميد بن ثور:
وصهباء منها كالسفينة نضجت
…
به الحمل حتى زاد شهرًا عديدها
فقوله: "صهباء منها" أي: من الإبل، وتدل له قرينة "كالسفينة" مع أن الإبل لم يجر لها ذكر، ومنه أيضًا قول حاتم الطائي:
أماري ما يغني الثراء عن الفتي
…
إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
فقوله: "حشرجت وضاق بها" يعني النفس، ولم يجر لها ذكر؛ كما تدل له قرينة "وضاق بها الصدر" ومنه أيضًا قول لبيد في معلقته:
حتى إذا ألقت يدًا في كافر
…
وأجن عورات الثغور ظلامها
فقوله: "ألقت" أي: الشمس، ولم يجر لها ذكر، ولكن يدل له قوله:
• وأجن عورات الثغور ظلامها*
لأن قوله: "ألقت يدًا في كافر" أي: دخلت في الظلام.
ومنه أيضًا قول طرفة في معلقته:
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي
…
ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
فقوله: "أفديك منها" أي: الفلاة، ولم يجر لها ذكر، ولكن قرينة سياق الكلام تدل عليها.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {يُؤَاخِذُ} الظاهر أن