الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)}.
قوله تعالى في هذه الآية عن إبليس: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61)} يدل فيه إنكار إبليس للسجود بهمزة الإنكار على إبائه وإستكباره عن السجود لمخلوق من طين، وصرح بهذا الإباء والاستكبار في مواضع أخر، فصرح بهما معًا "في البقرة" في قوله:{إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)} وصرح بإبائه "في الحجر" بقوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)} وباستكباره "في ص" بقوله: {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)} وبين سبب استكباره بقوله: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12)} كما تقدم إيضاحه في "البقرة".
وقوله: {طِينًا (61)} حال، أي: لمن خلقته في حال كونه طينًا. وتجويز الزمخشري كونه حالًا من نفس الموصول غير ظاهر عندي. وقيل: منصوب بنزع الخافض، أي: من طين. وقيل: تمييز، وهو أضعفها. والعلم عند الله تعالى.
•
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن إبليس اللعين قال له: {أَرَأَيْتَكَ} أي: أخبرني هذا الذي كرمته علي فأمرتني بالسجود له وهو آدم، أي: لم كرمته علي وأنا خير منه! والكاف في {أَرَأَيْتَكَ} حرف خطاب، وهذا مفعول به لأرأيت، والمعنى: أخبرني؛ وقيل: إن الكاف مفعول به، و {هَذَا} مبتدأ، وهو قول ضعيف.
وقوله: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} قال ابن عباس: لأستولين
عليهم، وقاله الفراء. وقال مجاهد: لأحتوينهم. وقال ابن زيد: لأضلنهم.
قال القرطبي: والمعنى متقارب، أي: لأستأصلنهم بالإغواء والإضلال، ولأجتاحنهم.
قال مقيده -عفا الله عنه-: الذي يظهر لي في معنى الآية: أن المراد بقوله: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} أي: لأقودنهم إلى ما أشاء، من قول العرب: احتنكت الفرس: إذا جعلت الرسن في حنكه لتقوده حيث شئت. تقول العرب: حنكت الفرس أحنكه من باب ضرب ونصر واحتنكته: إذا جعلت فيه الرسن؛ لأن الرسن يكون على حنكه. وقول العرب: احتنك الجراد الأرض، أي: أكل ما عليها من هذا القبيل؛ لأنه يأكل بأفواهه، والحنك حول الفم. هذا هو أصل الاستعمال في الظاهر، فالاشتقاق في المادة من الحنك، وإن كان يستعمل في الإسلاك مطلقًا والاستئصال، كقول الراجز:
أشكر إليك سنة قد أجحفت
…
جهدًا إلى جهد بنا وأضفت
• واحتنكت أموالنا واجتلفت*
وهذا الذي ذكر جل وعلا عن إبليس في هذه الآية من قوله: {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ. .} الآية، بينه أيضًا في مواضع أخر من كتابه، كقوله:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)} وقوله: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)} إلى غير ذلك من الآيات كما تقدم إيضاحه "في سورة النساء" وغيرها.