المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌354 - (66) باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وتحريها بالصلاة فيها - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌327 - (39) باب: أي أركان الصلاة أفضل وأن في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء

- ‌328 - (40) باب: فضل آخر الليل ونزول الله سبحانه وتعالى فيه إلى السماء الدنيا، وقوله من يدعوني فأستجيب له

- ‌329 - (41) باب: الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌330 - (42) باب: في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ودعائه

- ‌331 - (43) باب: افتتاح التهجد بركعتين خفيفتين وبالأذكار وفعله في ثوب واحد

- ‌332 - (44) باب: ترتيل القراءة والجهر بها وتطويلها في صلاة الليل

- ‌333 - (45) باب: استغراقِ الليل بالنوم من آثار الشيطان وكون الإنسان أكثر شيء جدلًا

- ‌334 - (46) باب: استحباب صلاة النافلة وقراءة البقرة في بيته وجوازها في المسجد

- ‌335 - (47) باب: أحب العمل إلى اللَّه أدومه وإن قل صلاة كان أو غيرها

- ‌336 - (48) باب: كراهية التعمق في العبادة وأمر من استعجم عليه القرآن أو الذكر أو نعس أن يرقد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق به

- ‌337 - (49) باب: الأمر بتعاهد القرآن واستذكاره وكراهة قول: نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌338 - (50) باب: استحباب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌339 - (51) باب: ذكر قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم: سورة الفتح يوم فتح مكة

- ‌340 - (52) باب: نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌341 - (53) باب: أمْثالِ مَنْ يقرأ القرآنَ ومن لا يقرأ وفضل الماهر بالقرآن والذي يتعب فيه

- ‌342 - (54) باب: استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه

- ‌343 - (55) باب: فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر

- ‌344 - (56) باب: فضل تعلم القرآن وقراءته في الصلاة

- ‌345 - (57) باب: فضل قراءة القرآن وفضل قراءة سورة البقرة وسورة آل عمران

- ‌346 - (58) باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخرها

- ‌347 - (59) باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسيّ

- ‌348 - (60) باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌349 - (61) باب: فضل قراءة المعوذتين

- ‌350 - (62) باب: لا حسد إلا في اثنتين ومن يرفع بالقرآن

- ‌351 - (63) باب: نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌352 - (64) باب: الترتيل في القراءة واجتناب الهذ فيها، وإباحة جمع سورتين فأكثر في ركعة

- ‌353 - (65) باب: قراءة ابن مسعود رضي الله عنه

- ‌354 - (66) باب: الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، وتحريها بالصلاة فيها

- ‌356 - (67) باب: أحاديث الركعتين اللتين يصليهما النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد العصر

- ‌357 - (68) باب: الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌358 - (69) باب: صلاة الخوف

- ‌أبواب الجمعة

- ‌359 - (70) باب: ندب غسل يوم الجمعة لحاضرها وتأكيده وجواز الاقتصار على الوضوء

- ‌360 - (71) باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به

- ‌361 - (72) باب: استحباب السواك والطيب يوم الجمعة

- ‌362 - (73) باب: مشروعية الغسل في يوم من أيام الأسبوع سواء لحاضرها أو لغيره

- ‌363 - (74) باب: تفاوت درجات المبكرين إلى الجمعة

- ‌364 - (75) باب الإنصات يوم الجمعة في الخطبة والإنصات السكوت مع الإصغاء

- ‌365 - (76) باب: في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة

- ‌366 - (77) باب: فضل يوم الجمعة وهداية هذه الأمة له

- ‌367 - (78) باب: فضل التهجير إلى الجمعة وفضل من أنصت واستمع إلى الخطبة

- ‌368 - (79) باب: وقت صلاة الجمعة حين تزول الشمس

- ‌369 - (80) باب: الخطبتين قبل صلاة الجمعة وما يشترط فيهما من القيام فيهما والجلوس بينهما والدعاء والقراءة

- ‌370 - (81) باب: التغليظ في ترك الجمعة واستحباب كون الصلاة والخطبة قصدًا

- ‌371 - (82) باب: ما يقال في الخطبة من الحمد والثناء على الله تعالى والإتيان بأما بعد ورفع الصوت بها

- ‌372 - (83) باب: من مئنة فقه الرجل طول صلاته وقصر خطبته والإنكار على من أساء الأدب في الخطبة

- ‌373 - (84) باب: قراءة القرآن في الخطبة والإشارة باليد فيها

- ‌374 - (85) باب: ركوع من دخل والإمام يخطب والتعليم في حالة الخطبة

- ‌375 - (86) باب: ما يقرأ به في صلاة الجمعة وفي صبح يومها

- ‌376 - (87) باب: التنفل بعد الجمعة والفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال

- ‌أبواب العيدين

- ‌377 - (88) باب: الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌378 - (89) باب: لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين وأن الخطبة بعدها

- ‌379 - (90) باب: خروج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في العيدين وإقباله على النَّاس في الخطبة وأمرهم بالصدقة والإنكار على من بدأ بالخطبة قبل الصلاة

- ‌380 - (91) باب: الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور إلى العيدين ومجامع الخير والدعوة للمسلمين وأمر الحيض باعتزالهن عن مصلى المسلمين

- ‌381 - (92) باب: لا صلاة في المصلى قبل صلاة العيدين ولا بعدها وبيان ما يقرأ في صلاتهما

- ‌382 - (93) باب: الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد

الفصل: ‌354 - (66) باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وتحريها بالصلاة فيها

‌354 - (66) باب: الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، وتحريها بالصلاة فيها

1811 -

(790)(195) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ عَلَي مَالِكٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأعرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ، حَتَّى تَغْرُبَ الشمْسُ. وَعَنِ الصلاةِ بَعْدَ الصبْحِ، حَتى تَطْلُعَ الشَمس

ــ

354 -

(66) باب الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها وتحريها بالصلاة فيها

1811 -

(790)(195)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال: قرأت على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن محمد بن يحيى بن حبان) - بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة- ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني أبي عبد الله المدني، ثقة فيه، من (4) روى عنه في (8) أبواب (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبي داود المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى عن الصلاة) التي لا سبب لها متقدم أو مقارن (بعد) فعل صلاة (العصر حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها (وعن الصلاة) المذكورة (بعد) فعل صلاة (الصبح حتى تطلع الشمس) وترتفع قدر رمح، والمراد بالطلوع هنا ارتفاع الشمس وإشراقها وإضاءتها لا مجرد ظهور قرصها كما في النواوي، يدل عليه ما يأتي من حديث "إذا بدا حاجب الشمس فأخّروا الصلاة حتى تبرز" وحديث النهي حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع. وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وهو مذهب الحنفية أيضًا إلا أنهم رأوا النهي في هاتين الحالتين أخف منه في غيرهما، وذهب آخرون إلى أنه لا كراهة في هاتين الصورتين ومال إليه ابن المنذر وعلى القول بالنهي اتفق على أن النهي فيما بعد العصر متعلق بفعل الصلاة فإن قدمها اتسع النهي وإن أخرها ضاق، وأما الصبح فاختلفوا فيها فقال الشافعي: هو كالذي قبله إنما تحصل الكراهة بعد فعله كما هو مقتضى الأحاديث، وذهب المالكية والحنفية إلى ثبوت الكراهة من طلوع الفجر سوى ركعتي الفجر وهو مشهور مذهب أحمد ووجه عند الشافعية، قال

ص: 212

1812 -

(791)(196) وَحَدثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. جَمِيعًا عَنْ هُشَيمٍ. قَال دَاوُدُ: حَدَّثَنَا هُشَيمٌ. أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ عَنْ قَتَادَةَ. قَال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: سَمِعْتُ غَيرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطابِ

ــ

ابن الصباغ: إنه ظاهر المذهب وقطع به المتولي في التتمة، واستثنى الشافعية من كراهة الصلاة في هذه الأوقات مكة فلا تكره الصلاة فيها في شيء منها لا ركعتا الطواف ولا غيرهما لحديث جبير مرفوعًا "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى آية ساعة شاء من الليل والنهار" رواه أبو داود وغيره، قال ابن حزم: وإسلام جبير متأخر جدًّا، وإنما أسلم يوم الفتح وهذا بلا شك بعد نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الأوقات فوجب استثناء ذلك من النهي، والله تعالى أعلم اهـ قسط. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي فقط اهـ تحفة الأشراف.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

1812 -

(791)(196)(وحدثنا داود بن رشيد) مصغرًا الهاشمي مولاهم أبو الفضل البغدادي، ثقة، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وإسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10) روى عنه في (4) أبواب (جميعًا عن هشيم) بن بشير السلمي أبي معاوية الواسطي، ثقة، من (7) روى عنه في (18) بابا (قال داود: حدثنا هشيم) بصيغة السماع (أخبرنا منصور) بن زاذان الواسطي أبو المغيرة الثقفي، ثقة عابد، من (6) روى عنه في (4) أبواب، وهو الذي روى عن قتادة، ويروي عنه هشيم (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من (4)(قال) قتادة (أخبرنا أبو العالية) الرياحي -بكسر الراء- نسبة إلى بطن من تيم أو إلى محلة لهم بالبصرة، رفيع -مصغرًا- ابن مهران البصري، ثقة إمام مخضرم، من (2) ففي هذا السند تصويح قتادة بالسماع (عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم بصريان واثنان واسطيان وواحد طائفي وواحد بغدادي، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال) ابن عباس:(سمعت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم عدول مرضيون لا شك في صدقهم ودينهم (منهم عمر بن الخطاب) رضي

ص: 213

وَكَانَ أحَبَّهُمْ إِلَيَّ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ الصلاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ، حَتى تَطْلُعَ الشمْسُ. وَبَعْدَ الْعَصْرِ، حَتى تَغْرُبَ الشمْسُ.

1813 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ. ح وَحَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى. حَدَّثَنَا سَعِيدٌ. ح وَحدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَني أَبِي، كُلُّهُمْ

ــ

الله تعالى عنهم أجمعين (وكان) عمر (أحبهم) وأرضاهم (اليّ) أي عندي أي سمعتهم يحدثون (أن رسول الله صلى الله عليه وسأنهى) نهي تحريم (عن الصلاة) التي لا سبب لها (بعد) صلاة (الفجر حتى تطلع الشمس) وترتفع (وبعد) صلاة (العصر حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها، فلو أحرم بما لا سبب له كالنافلة المطلقة لم تنعقد كصوم يوم العيد بخلاف ماله سبب كفرض أو نفل فائتين فلا كراهة فيهما لأنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر سنة الظهر التي فاتته رواه الشيخان، فالسنة الحاضرة والفريضة الفائتة أولى وكذا صلاة جنازة وكسوت وتحية مسجد وسجدة شكر وتلاوة، ومنع أبو حنيفة مطلقًا إلا عصر يومه كان صلى العصر منفردًا وأراد إعادة تلك العصر مع الجماعة فيجوز له إعادتها، والنهي في الحديث متعلق بأداء الصلاة لا بالوقت فتعين تقدير لفظ الصلاة في الموضعين. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [581]، وأبو داود [1276]، والترمذي [183]، والنسائي [1/ 276 و 277]، وابن ماجه [1250].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقال:

1813 -

(00)(00)(وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن شعبة ح وحدثني أبو غسان) مالك بن عبد الواحد (المسمعي) -بكسر الميم الأولى وفتح الثانية بينهما مهملة ساكنة- البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبو محمد البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (11) بابا (حدثنا سعيد) بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري، ثقة مدلس، من (6)(ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (أخبرنا معاذ بن هشام) الدستوائي البصري، صدوق، من (9)(حدثني أبي) هشام بن أبي عبد الله الدستوائي أبو بكر البصري (كلهم) أي كل من شعبة وسعيد بن أبي عروبة وهشام

ص: 214

عَن قَتَادَةَ، بِهذَا الإِسْنَادِ. غَيرَ أن فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ وَهِشَامِ: بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ.

1814 -

(792)(197) وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ؛ أن ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ؛ قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيثِي؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصرِ حَتى تَغرُبَ الشمسُ. وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الفَجْرِ، حَتى تَطْلُعَ الشَمسُ"

ــ

الدستوائي رووا (عن قتادة) بن دعامة البصري، غرضه بسوق هذه الأسانيد الثلاثة بيان متابعة هؤلاء الثلاثة لمنصور بن زاذان (بهذا الإسناد) يعني عن أبي العالية عن ابن عباس (غير أن في حديث سعيد) بن أبي عروبة (وهشام) الدستوائي لفظة (بعد الصبح حتى تشرق الشمس) بدل قول منصور (بعد الفجر حتى تطلع الشمس). وقوله (تشرق) ضبطه النواوي بوجهين بفتح التاء وضم الراء من الشروق وهو الطلوع يقال شرقت الشمس تشرق إذا طلعت على وزن طلعت تطلع وغربت تغرب، وبضم التاء وكسر الراء من الإشراق يقال أشرقت الشمس تشرق إشراقًا إذا ارتفعت وأضاءت ومنه قوله تعالى:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر: 69] والمراد بالشروق هنا الإشراق الذي هو بمعنى الارتفاع والإضاءة لا مجرد الطلوع وقد أطال النواوي الكلام هنا فراجعه.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما فقال:

1814 -

(792)(197)(وحدثني حرملة بن يحيى) التجيبي المصري (أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأموي الأيلي (أن) محمد بن مسلم (بن شهاب) الزهري المدني (أخبره قال) ابن شهاب (أخبرني عطاء بن يزيد الليثي) المدني (أنه سمع) سعد بن مالك الأنصاري (أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه (يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة) صحيحة أو حاصلة (بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها (ولا صلاة) صحيحة أو حاصلة (بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) وترتفع كما في رواية البخاري إلا لسبب أو المراد لا تصلون بعد صلاة

ص: 215

1815 -

(793)(198) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَال: قَرَأتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:"لا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلا عِنْدَ غُرُوبِهَا"

ــ

العصر فيكون نفيًا بمعنى النهي، وإذا كانت غير حاصلة فتحري الوقت لها كلفة لا فائدة فيها. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 95]، والبخاري [586]، والنسائي [1/ 277 و 278]، وابن ماجه [1249].

ثم استدل المؤلف رحمه الله تعالى على كراهة الصلاة عند الطلوع وعند الغروب بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1815 -

(793)(198)(حدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (قال قرأت على مالك) بن أنس المدني (عن نافع) العدوي مولى ابن عمر (عن) عبد الله (ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يتحرى أحدكم) أي لا يقصد أحدكم نفي بمعنى النهي، وفي بعض النسخ (لا يتحر أحدكم) بالجزم على النهي، قال ابن الملك في شرح المشارق: مفعوله محذوف لدلالة المقام عليه أي لا يقصد أحدكم الوقت الذي عند طلوع الشمس بالصلاة (فيصلي) بالرفع عطفًا على لا يتحرى على النفي، وبالنصب في جواب النهي على نسخة لا يتحر، والمعنى لا يقصد أحدكم الوقت الذي عند طلوع الشمس فيصلي (عند طلوع الشمس ولا) يقصد أحدكم الوقت الذي عند غروبها فيصلي (عند غروبها) اهـ ابن الملك، وقال ملا علي في شرح المصابيح: أي لا يقصد أحدكم فعلًا ليكون سببًا لوقوع الصلاة في زمان الكراهة اهـ. والمنهي عنه في هذين الوقتين الفرائض والنوافل جميعًا عند أبي حنيفة وأصحابه، والنوافل فقط عند مالك والشافعي رحمهم الله تعالى لقوله عليه السلام:"من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها" اهـ ابن الملك.

وقيل هذا الحديث مفسر للحديث السابق أي لا تكره الصلاة بعد فعل العصر والفجر إلا لمن قصد بها طلوع الشمس وغروبها، وجزم الجمهور بأن المراد بهذا الحديث نهي مستقل وجعلوا الكراهة مع القصد وعدمه، وقيل في حكمة النهي إن قومًا كانوا يتحرون طلوع الشمس وغروبها فيسجدون لها عبادة من دون الله تعالى فنهى صلى الله عليه وسلم أن يتشبه بهم اهـ قسطلاني، وقوله (لا يتحرى أحدكم) خرج بالقصد عدمه

ص: 216

1816 -

(00)(00) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدثَنَا مُحَمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ بشْرٍ. قَالا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَحَرَّوْا بِصَلاتِكُمْ طُلُوعَ الشمْسِ وَلا غُرُوبَهَا، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بِقَرْنَي شَيطَانِ

ــ

فلو استيقظ من نومه أو ذكر ما نسيه فليس بقاصد وفي الروضة كأصلها: لو دخل المسجد في أوقات الكراهة ليصلي التحية فوجهان أقيسهما الكراهة كما لو أخر الفائتة ليقضيها فيها اهـ. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري والنسائي.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1816 -

(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع ح وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (ومحمد بن بشر) العبدي الكوفي (قالا) هو تحريف من النساخ والصواب (قالوا) كما يدل عليه ما سيأتي في الرواية التالية أي قال كل من وكيع وعبد الله بن نمير ومحمد بن بشر حالة كونهم (جميعا) أي مجتمعين على الرواية عن هشام (حدثنا هشام) بن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذان السندان من خماسياته، غرضه بسوقهما بيان متابعة عروة بن الزبير لنافع في رواية هذا الحديث عن ابن عمر، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) ابن عمر (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحروا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف أي لا تقصدوا (بصلاتكم) بالموحدة، وفي رواية للبخاري لصلاتكم (طلوع الشمس ولا غروبها) أي وقت طلوعها وغروبها، وهذان الوقتان هما المقصودان بالنهي لأنهما الوقتان اللذان يسجد فيهما الكفار للشمس كما قال في الحديث الآخر وما قبل هذين الوقتين إنما نهي عنه لأنه ذريعة ووسيلة إلى إيقاع الصلاة فيهما، ومن هنا أجاز مالك الصلاة على الجنازة ما لم تغرب الشمس، وكرهها عند ذلك (فإنها) أي فإن الشمس (تطلع بقرني شيطان) أي بين قرني رأس شيطان فالباء بمعنى بين كما هو في حديث عمرو بن عبسة الآتي، قال النواوي: قيل المراد بقرني الشيطان حزبه وأتباعه، وقيل قوته وغلبته وانتشار فساده، وقيل القرنان ناحيتا الرأس وأنه على ظاهره وهذا هو الأقوى، قالوا: ومعناه أنه يدني رأسه إلى الشمس في هذه الأوقات ليكون

ص: 217

1817 -

(794)(198) وَحَدثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ. ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي وَابْنُ بشْير. قَالُوا جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هِشَام، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشمسِ، فَأَخِّرُوا الصلاةَ حَتَّى تَبرُزَ. وإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشمْسِ، فَأَخرُوا الصلاةَ حَتَّى تَغِيبَ"

ــ

الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة حينئذ يكون له ولبنيه تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الأماكن التي هي مأوى الشيطان، وفي بعض نسخ مسلم هنا بقرني الشيطان بالألف واللام، وسمي شيطانًا لتمرده وعتوه، وكل مارد عات شيطان، والأظهر أنه مشتق من شطن إذا بعد لبعده من الخير والرحمة، وقيل مشتق من شاط إذا هلك واحترق اهـ نواوي. وشارك المؤلف في هذه الرواية أحمد [2/ 106]، والبخاري [585]، والنسائي [1/ 277].

ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث آخر له أيضًا رضي الله تعالى عنهما فقال:

1817 -

(794)(198)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي وابن بشر قالوا جميعًا حدثنا هشام عن أبيه عن ابن عمر) وهذا السند عين السند الذي قبله فلا حاجة إلى شرحه (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بدا) وظهر وبدا هنا غير مهموز لأنه من البدو بمعنى الظهور لا من البدء بمعنى الابتداء (حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى عند الطلوع، وفي المفهم: وحاجب الشمس هو أول ما يبدو منها في الطلوع وهو أول ما يغيب منها عند الغروب اهـ. قال ابن الملك: أراد به ناحيتها وهو مستعار من حاجب الوجه (فأخروا الصلاة) التي لا سبب لها كالنفل المطلق (حتى تبرز) أي تخرج بارزة بالارتفاع قدر رمح أي إلى أن تطلع وترتفع قدر رمح (وإذا غاب) واستتر (حاجب الشمس) أي طرفها الأسفل عند الغروب وهو الذي كان أعلى عند الطلوع (فأخروا الصلاة) التي لا سبب لها (حتى) أي إلى أن (تغيب) وتغرب بجميع قرصها، زاد البخاري في بدء الخلق من طريق عبدة "فإنها تطلع بين قرني شيطان" وعند مسلم من حديث عمرو بن عبسة "وحينئذ يسجد لها

ص: 218

1818 -

(795)(199) وَحَدثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيد، حَدَّثَنَا لَيثٌ، عَنْ خَيرِ بْنِ نُعَيمٍ الْحَضْرَمِي، عَنِ ابْنِ هُبَيرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيشَانِي، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ؛

ــ

الكفار". وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري [582]، والنسائي [1/ 279].

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث أبي بصرة الغفاري رضي الله تعالى عنهما فقال:

1818 -

(795)(199)(حدثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي (حدثنا ليث) بن سعد الفهمي المصري (عن خير) بالخاء المعجمة (بن نعيم) بن مرة بن كريب (الحضرمي) أبي نعيم المصري قاضيها وقاضي رقة، روى عن عبد الله بن هبيرة السبئي في الصلاة، وعطاء وأبي الزبير، ويروي عنه (م س) والليث بن سعد ويزيد بن أبي حبيب وحيوة بن شريح، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق فقيه، من السادسة، مات سنة (137) سبع وثلاثين ومائة، وليس في مسلم من اسمه خير إلا هذا (عن) عبد الله (بن هبيرة) مصغرًا بن أسد السبئي -بفتح المعجمة والموحدة- أبي هبيرة المصري، روى عن أبي تميم الجيشاني في الصلاة، وقبيصة بن ذؤيب وعبد الرحمن بن غنم وعبيد بن عمير، ويروي عنه (م عم) وخير بن نعيم وحيوة بن شريح وابن لهيعة، وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان، وقال أبو داود: معروف، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الثالثة، مات سنة (126) ست وعشرين ومائة (عن أبي تميم) عبد الله بن مالك بن أبي الأسحم -بمهملتين- (الجيشاني) نسبة إلى جيشان قبيلة باليمن -بمعجمتين مفتوحتين بينهما ياء ساكنة- المصري، هاجر زمن عمر من اليمن، مشهور بكنيته، روى عن أبي بصرة الغفاري في الصلاة، وعلي وأبي ذر، ويروي عنه (م ت س ق) وعبد الله بن هبيرة وكعب بن علقمة، وثقه جماعة، وقال في التقريب: ثقة مخضرم، من الثانية، مات سنة (77) سبع وسبعين (عن أبي بصرة) حميل -بوزن حميد- ابن بصرة بن وقاص بن حاجب من بني حرام بن غفار، ويقال حميل مكبرًا، ويقال جميل بالجيم (الغفاري) المصري له صحبة، ويقال عداده في أهل الحجاز، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي ذر في الفضائل، شهد فتح مصر، وداره بها ودفن في مقبرتها، له (12) اثنا عشر حديثًا، انفرد له (م) بحديث، وليس له عند (م) سواه، ويروي عنه (م دس) وأبو تميم الجيشاني في الصلاة، وقال في التقريب:

ص: 219

قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ. فَقَال: "إِن هَذِهِ الصَّلاةَ عُرِضَتْ عَلَي مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيعُوهَا. فَمَنْ حَافَظَ عَلَيهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَينِ. وَلا صَلاةَ بَعْدَهَا حَتى يَطْلُعَ الشاهِدُ". وَالشَاهِدُ النجْمُ

ــ

صحابي، سكن مصر، ومات بها، وليس في مسلم من اسمه حميل إلا هذا الصحابي الجليل، وهذا السند من سداسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي، وفيه التحديث والعنعنة (قال) أبو بصرة:(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر) أي صلاتها بموضع يسمى (بالمخمص) هو بضم الميم الأولى وخاء معجمة مفتوحة ثم بميم مشددة مفتوحة آخره صاد مهملة على وزن محمد، موضع معروف بالحجاز كذا في النواوي، وقال ملا علي: بضم الميم الأولى وفتح الخاء المعجمة والميم جميعًا، وقيل بفتح الميم وسكون الخاء وكسر الميم بعدها في آخرها صاد مهملة على وزن مجلس، اسم طريق اهـ. وقال المجد في القاموس: والمخمص كمنزل اسم طريق اهـ. وقال السيد مرتضى عند شرح قوله كمنزل: ضبطه الصاغاني كمقعد اهـ (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن هذه الصلاة) التي تصلونها في هذا الوقت يعني العصر (عرضت) أي فرضت (على من كان قبلكم) من الأمم (فضيعوها) أي تركوا ملازمتها لكونها في وقت الاشتغال اهـ من المبارق (فمن حافظ) منكم (عليها) أي على أدائها في وقتها المحدد لها (كان له أجره مرتين) أي أجر من جهة امتثاله أمر الله وأجر آخر من جهة محافظة ما ضيعوها اهـ من المبارق، قال القرطبي: وهذا يشعر بتأكدها على غيرها، وذلك مما يدل على أنها الصلاة الوسطى كما تقدم في مبحثها (ولا صلاة) صحيحة (بعدها) أي بعد فعلها (حتى يطلع) ويظهر (الشاهد) أي النجم والمراد به غروب الشمس، وسُمي النجم شاهدًا لأنه يشهد بمغيب الشمس ودخول الليل، والصلاة المنفية بعد العصر هي النافلة التي لا سبب لها لأنها هي المكروهة، وأما التي لها سبب والفوائت فغير مكروهة ما لم تتغير الشمس اهـ من المبارق. قوله (والشاهد النجم) كلام مدرج من الراوي أو ممن دونه تفسيرًا للشاهد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 397]، والنسائي [1/ 259 - 260].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث أبي بصرة رضي الله عنه فقال:

ص: 220

1819 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِي زُهَيرُ بْنُ حَرْب. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ. قَال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيب عَنْ خَيرِ بْنِ نُعَيم الْحَضْرَمِي، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ هُبَيرَةَ السَّبَئِي، وَكَانَ ثِقَةً، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيشَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ، قَال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ. بِمِثْلِهِ.

1820 -

(796)(200) وَحَدثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُلَيٍّ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ

ــ

1819 -

(00)(00)(وحدثني زهير بن حرب) بن شداد الحرشي النسائي (حدثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد الزهري المدني (حدثنا أبي) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن) محمد (بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني، صدوق، من (5)(قال حدثني يزيد بن أبي حبيب) اسمه سويد الأزدي المصري، ثقة فقيه، من (5)(عن خير بن نعيم الحضرمي) المصري (عن عبد الله بن هبيرة السبئي) المصري، قال خير بن نعيم (وكان) عبد الله بن هبيرة (ثقة عن أبي تميم الجيشاني) عبد الله بن مالك المصري، ثقة مخضرم، من (2)(عن أبي بصرة الغفاري) حميل بن بصرة المصري رضي الله عنه، وهذا السند من تساعياته، غرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن أبي حبيب لليث بن سعد في رواية هذا الحديث عن خير بن نعيم (قال) أبو بصرة (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر) وساق يزيد بن أبي حبيب (بمثله) أي بمثل ما ساق ليث بن سعد عن خير بن نعيم.

ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما فقال:

1820 -

(796)(200)(وحدثنا يحيى بن يحيى) بن بكير التميمي النيسابوري (حدثنا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي المصري (عن موسى بن عُلي) بضم العين وفتح اللام وتشديد الياء مصغرًا، ابن رباح بالموحدة اللخمي أبي عبد الرحمن المصري، صدوق، من (7)(عن أبيه) علي بن رباح بن قصير ضد الطويل اللخمي أبي عبد الله المصري، ثقة، من (3) روى عنه في (4) أبواب (قال) علي بن رباح (سمعت عقبة بن

ص: 221

عَامِرٍ الْجُهَنِي يَقُولُ: ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَانا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِن. أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيِهن مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشمْسُ بَازِغَة حَتى تَرتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ

ــ

عامر الجهني) أبا حماد المصري الصحابي المشهور رضي الله عنه وهذا السند من خماسياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم مصريون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري حالة كون عقبة (يقول: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن) صلاة الجنازة (أو نقبر فيهن موتانا) أي أن ندفن، يقال قبرته من باب نصر إذا دفنته، والمراد به صلاة الجنازة اهـ ابن الملك، قال القرطبي: رويت هذا اللفظ بأو التي لأحد الشيئين، ورويته أيضًا بالواو الجامعة وهو الأظهر ويكون مورد النهي الصلاة على الجنازة والدفن لأنه إنما يكون إثر الصلاة عليها، وأما رواية أو ففيها إشكال إلا إن قلنا إن أو تكون بمعنى الواو كما قاله الكوفي، وقد اختلف في الصلاة عليها في هذه الأوقات المذكورة في هذا الحديث فأجاز الشافعي الصلاة عليها ودفنها في هذه الأوقات، وكره الجمهور الصلاة عليها حينئذ، وعن مالك في ذلك خلاف يذكر في الجنائز إن شاء الله تعالى، والمعنى نهانا أن نصلي فيهن صلاة الجنازة ونقبر فيهن موتانا، وذكر الدفن خرج مخرج الغالب، قال ابن الملك: المذهب عندنا أن هذه الأوقات الثلاثة يحرم فيها الفرائض والنوافل وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة إلا إذا حضرت أو تليت آية السجدة حينئذ فإنهما لا يكرهان لكن الأولى تأخيرهما إلى خروج الأوقات المذكورة اهـ.

قال النواوي: قال بعضهم: إن المراد بالقبر صلاة الجنازة، وهذا القول ضعيف لأن صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالإجماع، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الإجماع بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الأوقات كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر وهي صلاة المنافقين كما سبق في الحديث الصحيح "قام فنقرها أربعًا" فأما إذا وقع الدفن في هذه الأوقات بلا تعمد فلا يكره اهـ منه.

وقوله (حين تطلع الشمس) الخ بيان للساعات الثلاث أي الأول من الساعات الثلاث وقت طلوع الشمس وشروقها في الأفق الشرقي، حالة كونها (بازغة) أي طالعة بارزة حال مؤكدة لمعنى العامل من البزوغ وهو الطلوع (حتى ترتفع) الشمس في السماء قدر رمح في رأي العين وإلا فالمسافة بعيدة (و) الثاني منها (حين يقوم) ويقف (قائم

ص: 222

الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ. وَحِينَ تَضَيَّفُ الشمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتى تَغْرُبَ.

1821 -

(797)(201) حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَر الْمَعْقِرِيُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمد

ــ

الظهيرة) أي ظل واقف وقت الظهيرة أي وقت الاستواء أي وقت بلوغ الشمس وسط السماء حين لا يبقى للقائم في الظهيرة وهو حر نصف النهار ظل في المشرق ولا في المغرب، وعبارة العون هنا: أي حين قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت، والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسط السماء أبطات حركة الظل إلى أن تزول فيحسب الناظر المتأمل أنها قد وقفت وهي سائرة لكن سيرًا لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال وبعده فيقال لذلك الوقوف المشاهد قائم الظهيرة قاله في النهاية اهـ منه (حتى تميل الشمس، و) الثالث منها (حين تضيف) بحذف إحدى التاءين أي حين تتضيف (الشمس) وتميل وتجنح (للغروب) يقال ضاف الشيء يضيف بمعنى يميل (حتى تغرب) وتغيب بجميع قرصها، قال القرطبي (قوله حين يقوم قائم الظهيرة) الظهيرة شدة الحر وقائمها قائم الظل الذي لا يزيد ولا ينقص في رأي العين وذلك يكون منتصف النهار حين استواء الشمس، وقد اختلف في الصلاة في ذلك الوقت على ما يأتي في حديث عمرو بن عبسة، وقوله (وحين تضيف الشمس للغروب) أي تميل للغروب يقال ضافت تضيف من باب باع إذا مالت، وأصل الإضافة الإسناد والإمالة كما قال امرؤ القيس:

فلما دخلناه أضفنا ظهورنا

إلى كل حاري جديد مشطب

المشطب الذي فيه خطوط، وطرائق كمدارج النمل، ومنه ضفت فلانًا إذا نزلت به وأضفته أنزلته اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 152]، وأبو داود [3192]، والترمذي [1030]، والنسائي [1/ 275 و 276].

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث عمرو بن عبسة رضي الله عنهم فقال:

1821 -

(797)(201)(حدثني أحمد بن جعفر المعقري) -بفتح الميم وكسر القاف بينهما عين ساكنة- نسبة إلى معقر ناحية باليمن ثم المكي، مقبول، من (11) مات سنة (255)(حدثنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي -بالجيم المضمومة والشين المعجمة- الأموي مولاهم أبو محمد اليمامي، ثقة، من (9) روى عنه في (8) أبواب

ص: 223

حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ. حَدَّثَنَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو عَمَّارٍ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ- قَال عِكْرِمَةُ: وَلَقِيَ شَدَّادٌ أَبَا أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ. وَصَحِبَ أَنَسًا إِلَى الشَّامِ. وَأَثْنَى عَلَيهِ فَضلًا وَخَيرًا- عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَال: قَال عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ السُّلَمِي: كُنْتُ، وَأَنَا فِي الْجَاهِلِيةِ، أَظُن أَن النَّاسَ عَلَى ضَلالةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيسُوا

ــ

(حدثنا عكرمة بن عمار) العجلي الحنفي أبو عمار اليمامي، صدوق، من (5) روى عنه في (9) أبواب (حدثنا شداد بن عبد الله) القرشي الأموي مولى معاوية (أبو عمار) الدمشقي، ثقة، من (4) روى عنه في (5) أبواب (ويحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5) روى عنه في (16) بابا كلاهما رويا (عن أبي أمامة) صُدي بن عجلان بن والبة الباهلي الصحابي المشهور رضي الله عنه روى عنه في (3) أبواب، قال النضر بن محمد:(قال عكرمة) بن عمار في الثناء على شيخه شداد (ولقي) شيخي (شداد) بن عبد الله شيخه (أبا أمامة) صُدي بن عجلان (و) لقي أيضًا (واثلة) بن الأسقع الليثي الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه (وصحب) شداد أيضًا (أنسًا) ابن مالك البصري رضي الله عنه في سفره (إلى الشام وأثنى) عكرمة (عليه) أي على شيخه شداد أي ذكر فيه (فضلا) أي مزية ومنقبة في حسبه (وخيرا) أي صلاحًا في دينه، وقوله ثانيًا (عن أبي أمامة) كرره تأكيدًا لما ذكره لطول الفاصل بينه وبين ما بعده (قال) أبو أمامة (قال عمرو بن عبسة) بموحدة ومهملتين مفتوحات بن عامر بن خالد (السلمي) أبو نجيح الشامي الصحابي المشهور رضي الله عنه له (48) ثمانية وأربعون حديثًا، انفرد له (م) بحديث واحد، يروي عنه (م عم) وأبو أمامة وشرحبيل بن السمط، قال الواقدي: أسلم بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه حتى مضت بدر وأحد وخندق وحديبية وخيبر ثم قدم المدينة، قال أبو سعيد: يقولون إنه رابع أو خامس في الإسلام، وكان قبل الإسلام يعتزل عبادة الأصنام ويراها باطلًا وضلالًا، وكان يرعى فتظله غمامة ذكره في التهذيب، روى عنه أبو أمامة في الصلاة، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم شاميون واثنان يماميان وواحد مكي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة ورواية صحابي عن صحابي (كنت وأنا) أي والحال أني (في) زمن (الجاهلية) أي في زمن أهل الجهالة بالله تعالى، وجملة قوله (أظن أن الناس على ضلالة) وغواية خبر كان أي كنت ظانًا كون الناس على ضلالة في عبادتهم الأصنام، والحال أني في جهالة (و) أظن (أنهم ليسوا

ص: 224

عَلَى شَيءٍ. وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأوثَانَ. فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا. فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي. فَقَدِمْتُ عَلَيهِ. فَإِذَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَخْفِيًا، جُرَءَاءُ عَلَيهِ قَوْمُهُ. فَتَلَطَّفْتُ حَتى دَخَلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّةَ. فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَال: "أَنَا نَبِيٌّ" قُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟

ــ

على شيء) من الحق والدين، قال القرطبي:(قوله أظن أن الناس على ضلالة) أي أعلم وأتيقن، فإن الظن قد يطلق على اليقين كما في قوله تعالى {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الكهف: 53] اهـ من المفهم، وقال الأبي: الأظهر من هذا الكلام أنه قد اهتدى في نفسه فالظن بمعنى العلم وهو في ذلك كقس بن ساعدة أو كأحد من الأربعة الذي خلصوا نجيًّا من قريش الذي قدمنا حديثهم في الكلام على حديث ورقة بن نوفل من كتاب الإيمان، وكان شيخنا يحمل الظن على بابه ويقول: لا مانع من حمله عليه اهـ منه، وجملة قوله (وهم) أي والحال أنهم (يعبدون الأوثان) حال من اسم ليس، والأوثان جمع وثن وهو كل ما عبد من دون الله سواء كان من حجر أو شجر وسواء كان على صورة آدمي أم لا (فسمعت) من الناس (برجل) أي بظهور رجل (بمكة يُخبر أخبارا) حقة عن الله بتوحيده وبرسالته وببطلان الشرك مع الله تعالى (فقعدت على راحلتي) أي ناقتي أي ركبتها إلى مكة (فقدمت) إلى مكة واطلعت (عليه فإذا) هو (رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفيًا) من الناس أي مستترًا منهم خوفًا من إذايتهم وهو حال من رسول الله، وكذا جملة قوله (جرءاء عليه قومه) حال منه أي يجترءون عليه من الجرأة وهو شدة الإقدام على إذايته، وهو مرفوع على أنه خبر مقدم وقومه مبتدأ مؤخر على مذهب البصريين، قال النواوي: كذا هو في جميع الأصول بضم الجيم بوزن برءاء كعلماء جمع جريء بالهمز من الجرأة أي متسلطون عليه غير هائبين له، وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين حراء بالحاء المهملة المكسورة ومعناه غضاب ذوو غم من شأنه قد قيل حيرهم حتى أثر في أجسادهم من قولهم حرى جسمه يحري من باب رمى يرمي إذا نقص من ألم أر غيره والصحيح أنه بالجيم اهـ، وقوله (فتلطفت) أي طلبت الدخول عليه بلطف ورفق (حتى دخلت عليه) وهو (بمكة) معطوف على قوله (فقدمت عليه) عطفًا تفسيريًّا (فقلت له ما أنت) أي ما حالك وشأنك، قال النواوي: لم يقل من أنت لأنه لم يسئله عن ذاته وإنما سأله عن صفاته والصفات مما لا يعقل اهـ وفي بعض الأصول (من أنت) لأنه سؤال عمن يعقل (قال) لي ذلك الرجل (أنا نبي) من أنبياء الله تعالى (قلت) له (وما نبي؟ ) أي وما معنى

ص: 225

قَال: "أَرْسَلَنِيَ اللهُ" فَقُلْتُ: وَبِأَي شَيءِ أَرْسَلَكَ؟ قَال: "ارْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لا يُشْرَكُ بِهِ شَيءٌ" قُلْتُ لَهُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَي هَذَا؟ قَال: "حُرٌّ وَعَبْدٌ"، (قَال: وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ وَبِلالٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ)،

ــ

قولك أنا نبي (قال) ذلك الرجل معناه أنا رسول (أرسلني الله) تعالى إلى كافة الخلق، وفي المفهم قوله (وما نبي) سؤال عن النبوة وهي من جنس ما لا يعقل لأنها معنى من المعاني اهـ (فقلت) له (وبأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام) أي بالأمر بصلة الأرحام والنهي عن قطيعتها، قال النواوي: يدل على تأكد صلتها لأنه قرنها بالتوحيد، قال الأبي: قد صح أن جواباته صلى الله عليه وسلم تكون بحسب السائل وبحسب الزمان والحال، فتخصيص الرحم بالذكر يحتمل لمراعاة حال العرب فيها أو أن غيرها من الفرائض لم يكن فرض اهـ منه (وكسر الأوثان) والأصنام وإعدامها (وأن يوحد الله) تعالى أي يفرد بالعبادة حال كونه (لا يشرك به شيء) من المخلوقات (قلت له) صلى الله عليه وسلم (فمن معك على هذا) التوحيد (قال) النبي صلى الله عليه وسلم معي على هذا التوحيد (حر وعبد، قال) عمرو بن عبسة (ومعه) صلى الله عليه وسلم (يومئذ) أي يوم إذ قدمت عليه (أبو بكر وبلال) حال كونهما (ممن آمن به) صلى الله عليه وسلم يعني الحر أبو بكر والعبد بلال، ولم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا لصغره فإنه أسلم وهو ابن سبع سنين، وقيل ابن عشر ولا خديجة رضي الله تعالى عنها لأنه فهم عنه أنه إنما سأله عن الرجال فأجابه حسب ذلك.

ويشكل هذا الحديث بحديث سعد بن أبي وقاص فإنه قال: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام وظاهره وأن أبا بكر وبلالًا أسلما في اليوم الذي أسلم فيه سعد، وأنه أقام سبعة أيام لم يسلم معهم أعني الثلاثة أحد، وحينئذ يلزم أن يكون مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم جاءه عمرو بن عبسة أبو بكر وسعد وبلال لكن سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم أعني عن سعد فلم يذكره إما ذهولًا عنه وإما لأن سعدًا لم يكن حاضرًا إذ ذلك بمكة وإما لأمر آخر والله أعلم اهـ من المفهم.

قال النواوي: يحتج به من يقول إن أبا بكر أول من آمن، قال الأبي: جمع بين أحاديث أول من آمن فمن قال: أبو بكر يعني من الرجال، ومن قال: بلال يعني من

ص: 226

فَقُلْتُ: إِني مُتَّبِعُكَ. قَال: "إِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ يَوْمَكَ هَذا. أَلا تَرَى حَالِي وَحَال الناسِ؟ وَلَكنِ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ. فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهَرْتُ فَأْتِنِي" قَال: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي. وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. وَكُنْتُ فِي أَهْلِي. فَجَعَلْتُ أَتَخَبَّرُ الأَخْبَارَ وَأَسْأَلُ النَّاسَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ. حَتَّى قَدِمَ عَلَيَّ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ هذَا الرجُلُ

ــ

الموالي، ومن قال: خديجة يعني من النساء، ومن قال: على يعني من الصغار، وفي الجمع بذلك نظر اهـ (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (إني متبعك) أي أصحبك وأكون معك في موضعك هذا (قال) له النبي صلى الله عليه وسلم (إنك) يا عمرو (لا تستطيع) ولا تقدر (ذلك) أي صحبتك معي في هذه البلدة (يومك هذا) أي في وقتك هذا الحاضر لم يرد رده عن الإسلام، وإنما رده عن إظهار اتباعه خوفًا عليه لغربته في قريش وأمره أن يدوم على الإسلام ويرجع إلى بلده حتى يسمع أنه قد ظهر، قال النواوي: وفيه معجزة إذ وقع الظهور كما ذكر (ألا ترى) وتبصر يا عمرو (حالي وحال الناس) من ضيقي وكربتي منهم وإنكارهم علي رسالتي وما جئت به من التوحيد (ولكن ارجع) الآن (إلى أهلك) وقومك واعبد ربك على حالك (فإذا سمعت بي) أي بخبري بأني (قد ظهرت) وغلبت وعلوت عليهم، وهذا من إخباره صلى الله عليه وسلم بالغيب فهو داخل في باب دلالات نبوته فإنه أخبر عن غيب وقع على نحو ما أخبر عنه، وهذا معنى قوله تعالى {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الفتح: 28] أي ليعليه (فأتني) أي فاحضر إلي في أي مكان كنت فيه (قال) عمرو (فذهبت) من مكة ورجعت (إلى أهلي وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة) مهاجرًا إليها (وكنت) مواطنًا (في أهلي فجعلت) أي شرعت (أتخبر) أي أستخبر (الأخبار) عن حاله صلى الله عليه وسلم (وأسال الناس) عنها (حين قدم المدينة) وهاجر إليها وكنت مواظبًا على الاستخبار عن حاله (حتى قدم) ومر (علي نفر) ورهط (من أهل يثرب) وقوله (من أهل المدينة) بدل مما قبله بدل كل من كل، ويثرب اسم للناحية التي منها المدينة، وقيل لناحية منها، وقيل هي المدينة، روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يقال للمدينة يثرب وسماها طيبة وطابة كأنه كره الثرب لأنه فساد في كلام العرب كذا في تاج العروس، وما في سورة الأحزاب فحكاية مقالة المنافقين، ولعل ما هنا كان قبل وصول خبر النهي إليه (فقلت) لأولئك النفر (ما فعل هذا الرجل

ص: 227

الَّذِي قَدِمَ الْمَدِينَةَ؟ فَقَالُوا: الناسُ إِلَيهِ سِرَاعٌ. وَقَدْ أَرَادَ قَوْمُهُ قَتْلَهُ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذَلِكَ. فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ. فَدَخَلْتُ عَلَيهِ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَتَعْرِفُنِي؟ قَال: "نَعَمْ. أَنْتَ الذِي لَقِيتَنِي بِمَكَّةَ؟ " قَال: فَقُلْتُ: بَلَى. فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ! أَخْبِرْنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وَأَجْهَلُهُ. أَخْبِرْنِي عَنِ الصلاةِ؟ قَال: "صَلِّ صَلاةَ الصُبْحِ. ثُم أَقْصِرْ عَنِ الصلاةِ حَتى تَطْلُعَ الشمْسُ حَتى تَرْتَفِعَ فَإِنهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَينَ قَرْنَي شَيطَانٍ

ــ

الذي قدم المدينة فقالوا) أي قال النفر (الناس) الذين في المدينة ومن حولها (إليه) أي إلى الدخول في دينه، وهو متعلق بقوله (سراع) جمع سريع أي مسرعون (وقد أراد قومه) من أهل مكة (قتله) قبل خروجه من مكة (فلم يستطيعوا) أي لم يقدروا (ذلك) أي قتله ولم يتمكنوا منه، قال عمرو بن عبسة (فقدمت المدينة) وكان قدومه إلى المدينة على ما ذكر في أسد الغابة بعد مضي بدر وأحد وخندق بل بعد خيبر وقبل الفتح كما في الإصابة (فدخلت عليه) صلى الله عليه وسلم (فقلت: يا رسول الله أتعرفني قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) أعرفك (أنت الذي لقيتني بمكة قال) عمرو (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (بلى) أي نعم، أنا الذي لقيتك في مكة، وبلى هنا بمعنى نعم لعدم تقدم النفي، قال النواوي: فيه صحة الجواب ببلى وإن لم يتقدم نفي وصحة الإقرار بها وهو الصحيح من مذهبنا، وشرط بعض أصحابنا أن يتقدمها النفي اهـ. قال الأبي: وهو الصحيح عند النحاة وأنه لا يجاب بها إلا بعد النفي، والنفي هنا مقدر أي أولست بالذي لقيتني اهـ قال عمرو (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (يا نبي الله أخبرني عما علمك الله) سبحانه وتعالى (وأجهله) من أمور الدين (أخبرني) أولًا (عن الصلاة) أي عن وقتها الجائزة فيه بدليل الجواب قاله ملا علي، وقال القرطبي: سؤال عن تعيين الوقت الذي يجوز التنفل فيه من الوقت الذي لا يجوز، وإنما قلنا ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم فهم عنه ذلك فأجابه به ولو كان سؤاله عن غير ذلك لما كان جوابه مطابقًا للسؤال اهـ من المفهم (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم له (صل صلاة الصبح) أي فرضها (ثم) بعد الفراغ منها (أقصر) أي اكفف (عن الصلاة) التي لا سبب لها (حتى تطلع الشمس) بازغة (حتى ترتفع) قدر رمح فالغاية الثانية بدل من الغاية الأولى، وفي بعض النسخ (حين تطلع حتى ترتفع) قاله ابن الملك (فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان) قيل تنكيره للتحقير، وفي بعض النسخ بين قرني الشيطان يعني إنه يدني رأسه إلى الشمس في

ص: 228

وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ. ثُم صَلِّ. فَإِن الصلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ. حَتى يَسْتَقِل الظِّلُّ بِالرُمْحِ

ــ

هذه الأوقات حبًّا منه أن يعبدوا بجهته فيكون الساجد لها من الكفار كالساجدين له في الصورة فنهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ذلك الوقت تحرزًا عن شبه الكفرة كما في المبارق (وحينئذ) أي وحين إذ تطلع بين قرني شيطان (يسجد لها الكفار) أي الذين يعبدونها، وهذا الوقت واللذان بعده هو موضع الترجمة من الحديث والله أعلم (ثم) بعدما طلعت الشمس وارتفعت (صل) أي صلاة شئت لأنه خرج وقت الكراهة (فإن الصلاة مشهودة) يشهدها الملائكة (محضورة) يحضرها أهل الطاعات اهـ مبارق، أي من سكان السماء والأرض، فمحضورة ليس تفسير مشهودة فالتأسيس أولى من التأكيد اهـ مرقاة، وعبارة العون مع أبي داود (مشهودة مكتوبة) أي تشهدها الملائكة ويحضرونها وتكتب أجرها وذلك أقرب إلى القبول وحصول الرحمة (حتى يستقل الظل بالرمح) أي حتى يرتفع الظل مع الرمح ولم يبق على الأرض منه شيء وذلك يكون في وقت الاستواء، وتخصيص الرمح بالذكر لأن العرب أهل بادية إذا أرادوا أن يعلموا نصف النهار ركزوا رماحهم في الأرض ثم نظروا إلى ظلها اهـ من المرقاة، وعبارة القرطبي:(قوله حتى يستقل الظل بالرمح) أي حتى يكون ظله قليلًا كأنه قال حتى يقل ظل الرمح، والباء زائدة كقوله تعالى:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25] وقد رواه أبو داود فقال (حتى يعدل الرمح ظله) قال النواوي: معناه أنه يقوم مقابله في الشمال ليس مائلًا إلى المشرق ولا إلى المغرب وهذا حالة الاستواء اهـ والمراد أنه يكون الظل في جانب الرمح ولم يبق على الأرض من ظله شيء وهذا يكون في بعض أيام السنة ويقدر في سائر الأيام عليه، وقال الخطابي: وهو إذا قامت الشمس قبل أن تزول وإذا تناهى قصر الظل فهو وقت اعتداله فإذا أخذ في الزيادة فهو وقت الزوال اهـ من العون، وقد روى الخشنى: لفظ كتاب مسلم (حتى يستقل ظل الرمح) أي يقوم ولا تظهر زيادته، وفيه حجة لمن منع الصلاة حينئذ وهم أهل الرأي، وقد روي عن مالك، ومشهور مذهبه ومذهب جمهور العلماء جواز الصلاة حينئذ وحجتهم عمل المسلمين في جميع الأقطار على جواز التنفل يوم الجمعة إلى صعود الإمام على المنبر عند الزوال، والظاهر حمل النهي على منع التنفل في هذه الأوقات الثلاثة إلا في يوم الجمعة جمعًا بين الأحاديث والإجماع المحلي اهـ من المفهم باختصار.

ص: 229

ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصلاةِ. فَإنَّ، حِينَئِذٍ، تُسْجَرُ جَهَنَّمُ. فَإِذَا اقْبَلَ الْفَيءُ فَصَلِّ. فَإِنَّ الصلاة مشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ. ثم أَقْصِرْ عَنِ الصلاةِ. حَتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. فَإِنهَا تَغْرُبُ بَينَ قَرْنَي شَيطَانٍ. وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفارُ". قَال فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، فَالْوُضُوءُ؟ حَدثْنِي عَنْهُ. قَال: "مَا مِنْكُمْ رَجْل يُقَرِّبُ وَضُوءَهُ فَيَتَمَضْمَضُ ويسْتَنْشِقُ

ــ

(ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ) اسم إن محذوف في أكثر النسخ وهو ضمير الشأن وفي بعضها (فإنه) والظرف متعلق بقوله (تسجر جهنم) أي فإن الشأن والحال توقد جهنم حينئذ أي حين إذ يستقل الظل أي توقد إيقادًا بليغًا كأنه أراد الإبراد بالظهر كما مر في بابه، وضبطه ابن الملك بالتشديد وملا علي به وبالتخفيف، وبكليهما جاء القرآن قال تعالى:{ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 72] وقال: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور: 6] وقال: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير: 6] ولكون إطلاق الشارح التخفيف اقتصرنا عليه وسجر النار تهييجها (فإذا أقبل) وجاء (الفيء) أي الظل بعد الزوال أي أخذ الظل في الازدياد بالزوال (فصل) أي صلاة شئت (فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر) أي إلى أن تصلي العصر (ثم أقصر عن الصلاة) من الإقصار وهو الكف عن الشيء مع القدرة عليه أي أمسك نفسك عنها (حتى تغرب الشمس) بجميع قرصها (فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ) أي حين إذ غربت الشمس (يسجد لها الكفار) قال الخطابي: وذكر تسجير جهنم وكون الشمس بين قرني شيطان وما أشبه ذلك من الأشياء التي تذكر على سبيل التعليل لتحريم شيء أو لنهي عن شيء من الأمور التي لا تدرك معانيها من طريق الحس والعيان وإنما يجب علينا الإيمان بها اهـ قوله (حتى تصلي العصر) قال في النيل: فيه دليل على أن وقت النهي لا يدخل بدخول وقت العصر ولا بصلاة غير المصلي، وإنما يكره لكل إنسان بعد صلاة نفسه حتى لو أخرها عن أول الوقت لم يكره التنفل قبلها اهـ منه. أقلت، : هذا هو الظاهر من الحديث وحمله الآخرون على وقت الغروب وعلى وقت الطلوع اهـ عون.

(قال) عمرو بن عبسة (فقلت: يا نبي الله فالوضوء) قال في المرقاة: بالرفع، وقيل بالنصب (حدثني عنه) أي أخبرني عن فضله (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالي (ما منكم) أيها المؤمنون (رجل يُقرّب) بضم الياء وتشديد الراء المكسورة من التقريب (وضوءه) بفتح الواو أي ماء يتوضأ به (فيتمضمض) منه فمه (ويستنشق) منه

ص: 230

فَيَنْتَثِرُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجهِهِ وَفِيهِ وَخَيَاشِيمِهِ. ثُم إِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ كَمَا أمَرَهُ اللهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُم يَغْسِلُ يَدَيهِ إِلَى الْمِرْفَقَينِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ إِلا خَرَّتْ خَطَايَا رَأسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الْمَاءِ. ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيهِ إِلَى الْكَعْبَينِ إِلَّا خَرَّتْ خَطَايَا رِجْلَيهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الْمَاءِ. فَإِنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ، وَمَجَّدَهُ بَالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ، إِلا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيئَتِهِ يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"

ــ

أنفه (فينتثر) أي فيخرج ما في أنفه من الماء والمخاط (إلا خرت) أي سقطت منه (خطايا وجهه) أي ذنوب عملها بوجهه (وفيه) أي وخطايا فمه (وخياشيمه) جمع خيشوم وهو أقصى الأنف وقيل الخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ، وقيل غير ذلك أي وخطايا أنفه، والمراد بالخطايا الصغائر كما سبق في كتاب الطهارة (ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله) تعالى به بإسباغ غسل وجهه (إلا خرت) أي سقطت (خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء) فيه إشارة إلى سرعة انمحاء الخطايا مع ماء الوضوء كما مر في باب الوضوء (ثم يغسل يديه إلى المرفقين) أي معهما (إلا خرت) وسقطت (خطايا يديه من أنامله مع الماء ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين) أي معهما (إلا خرت) وسقطت (خطايا رجليه من أنامله مع الماء) قال القرطبي: رواية أكثرهم (خرت) بالخاء المعجمة أي سقطت وهو كناية عن مغفرة الذنوب، وعند أبي جعفر (جرت) بالجيم في الأولى، وقد رويناه بالجيم في جميعها ومعناه صحيح كما قال خرجت خطاياه مع الماء (فإن هو) أي ذلك الرجل المتوضئ (قام فصلى) ركعتين سنة وضوء أو غيرهما (فحمد الله) أي وصفه بالكمالات (وأثنى عليه) أي ذكره بتنْزيهه من النقائص (ومجده) أي عظمه (بالذي) أي بذكر الكمال الذي (هو) أي ذلك الكمال إله) تعالى (أهل) أي لائق به تعالى (وفرغ) بالتشديد (قلبه لله) أي مما يشغله عن الصلاة كما قال: لا يحدث فيها نفسه (إلا انصرف) ورجع (من خطيئته كهيئته) أي على هيئته (يوم ولدته أمه) أي لا يبقى عليه شيء من ذنبه لا كبيرة ولا صغيرة، وهذا المعنى ما يدل عليه ظاهر الحديث وقد بينا هذا المعنى في الطهارة فراجعه اهـ من المفهم، وقوله (إلا انصرف من خطيئته) قال ابن الملك: جزاء الشرط محذوف يعني فإن قام فصلى فما يكون على حال من الأحوال إلا على حال انصرافه من خطيئته

ص: 231

فَحَدَّثَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبَا أُمَامَةَ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال لَهُ أَبُو أُمَامَةَ: يَا عَمْرَو بْنَ عَبَسَةَ، انْظُرْ مَا تَقُولُ، فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَال عَمْرو: يَا أَبَا أُمَامَةَ، لَقَدْ كَبِرَتْ سِنِّي، وَرَقَّ عَظْمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ، وَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ. لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلا مَرَّة، أَوْ مَرَّتَينِ، أَوْ ثَلاثا، (حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ)، مَا حَدَّثْتُ بِهِ أَبَدًا، وَلَكني سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ

ــ

ونقائه منها اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [4/ 112]، وأبو داود [1277]، والنسائي [1/ 279 - 280]، وابن ماجه [1251].

قال عبد الله بن شداد: (فحدّث عمرو بن عبسة بهذا الحديث) المذكور (أبا أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له) أي لعمرو (أبو أمامة: يا عمرو بن عبسة انظر) وفكر (ما تقول) وتحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمل فيه هل هو معقول أم لا قبل أن تحدّث للناس هل (في مقام واحد) وشغل قليل (يعطى هذا الرجل) الذي توضأ وصلى هذا الأجر الجزيل الذي هو خروجه عن خطيئته كيوم ولدته أمه (فقال عمرو) بن عبسة لأبي أمامة (يا أبا أمامة) والله (لقد كبرت سني) وطال عمري (ورق عظمي) وضعف جسمي (واقترب أجلي) أي قرب أجل موتي لكبر سني (وما بي حاجة) ولا لي غرض في (أن أكذب على الله) سبحانه وتعالى (ولا) أن أكذب (على رسول الله) صلى الله عليه وسلم كحب الشهرة والمحمدة و (لو) لا أني (لم أسمعه) أي لم أسمع هذا الحديث (من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة) واحدة (أو مرتين أو ثلاثا) أو أكثر منها فذكر ما فوقها (حتى عد) وذكر من الأعداد (سبع مرات) لي (ما حدثت به) أي بهذا الحديث أحدًا من الناس (أبدا) أي زمنًا من الأزمنة الباقية من عمري (ولكني) أي ولكن أنا (سمعته) أي سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثر من ذلك) العدد المذكور من السبع أو الثلاث فأنا واثق بهذا الحديث متقن حافظ به والله سبحانه وتعالى أعلم، قال النواوي: قد يستشكل كلام عمرو بن عبسة هذا من حيث إن ظاهره أنه لا يرى التحديث إلا بما سمعه أكثر من سبع مرات، ومعلوم أن من سمع مرة واحدة جاز له الرواية بل تجب عليه إذا تعين لها، وجوابه أن معناه لو لم أتحققه وأجزم به لما حدّثت به، وذكر المرات بيانًا لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط والله أعلم اهـ.

ص: 232

1822 -

(798)(202) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ. حَدَّثَنَا بَهْزٌ. حَدَّثَنَا وُهَيبٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنهَا قَالتْ: وَهِمَ عُمَرُ. إِنمَا نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَمْسِ وَغُرُوبُهَا.

1823 -

(00)(00) وَحَدثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ. حَدَّثنَا

ــ

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث عائشة رضي الله عنهم فقال:

1822 -

(798)(202)(حدثنا محمد بن حاتم) بن ميمون السمين أبو عبد الله البغدادي، صدوق، من (10)(حدثنا بهز) بن أسد العمي أبو الأسود البصري، ثقة، من (9)(حدثنا وهيب) بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (7)(حدثنا عبد الله بن طاوس) بن كيسان اليماني، ثقة، من (16) عن أبيه) طاوس بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي، اسمه ذكوان، ولقبه طاوس، ثقة فاضل، من (3) روى عنه في (7) أبواب (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم يمانيان واثنان بصريان وواحد مدني وواحد بغدادي، وفيه التحديث والعنعنة ورواية ولد عن والد (أنها قالت: وهم عمر) بن الخطاب رضي الله عنه أي أخطا في نهيه عن الصلاة بعد العصر مطلقًا، ومستندها في توهيم عمر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد العصر حيث قالت (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى) أي يقصد بالصلاة (طلوع الشمس) أي وقت طلوعها (وغروبها) لا عن فعل الصلاة بعد العصر، وما رواه عمر رواه أبو هريرة وأبو سعيد وغيرهما رضي الله عنهم، قال النواوي: ويجمع بين الروايتين بأن رواية التحري محمولة على تأخير الفرض إلى هذا الوقت ورواية النهي مطلقًا محمولة على النوافل التي لا سبب لها اهـ، قال في النهاية: والتحري هو القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشيء بالفعل أو القول اهـ. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته النسائي أخرجه في كتاب الصلاة كما في التحفة.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقال:

1823 -

(00)(00)(وحدثنا حسن) بن علي (الحلواني) المكي (حدثنا

ص: 233

عَبْدُ الرَّزَّاقِ. حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أنَّهَا قَالتْ: لَمْ يَدَعْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَتَينِ بَعْدَ الْعَصْرِ. قَال: فَقَالتْ عَائِشَةُ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تَتَحَرَّوْا طُلُوعَ الشمْسِ وَلا غُرُوبَهَا. فَتُصَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ"

ــ

عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، ثقة، من (9)(حدثنا معمر) بن راشد الأزدي البصري، ثقة، من (7)(عن) عبد الله (بن طاوس) اليماني، وهذا السند أيضًا من سداسياته، غرضه بيان متابعة معمر لوهيب في رواية هذا الحديث عن ابن طاوس (عن أبيه عن عائشة) رضي الله تعالى عنها (أنها قالت: لم يدع) أي لم يترك (رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر) اللتين هما قضاء عن الركعتين اللتين شغل عنهما بعد الظهر (قال) طاوس (فقالت عائشة) أيضًا (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تتحروا) أي لا تقصدوا (طلوع الشمس) أي وقت طلوعها (ولا فروبها) بالصلاة عندهما (فتصلوا عند ذلك) أي عند الطلوع والغروب فتشبهوا الكفار العابدين لها الساجدين عند ذلك لها.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب تسعة أحاديث الأول حديث أبي هريرة ذكره للاستدلال به على الجزء الأول من الترجمة، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث أبي سعيد ذكلره للاستشهاد به أيضًا، والرابع حديث ابن عمر ذكره للاستدلال به على الجزء الأخير من الترجمة وذكر فيه متابعة واحدة، والخامس حديث ابن عمر الثاني ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة، والسادس حديث أبي بصرة الغفاري ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة وذكر فيه متابعة واحدة، والسابع حديث عقبة بن عامر ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر، والثامن حديث عمرو بن عبسة ذكره للاستشهاد به لحديث أبي هريرة، والتاسع حديث عائشة ذكره للاستشهاد به لحديث ابن عمر الأول وذكر فيه متابعة واحدة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

ص: 234