الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
335 - (47) باب: أحب العمل إلى اللَّه أدومه وإن قل صلاة كان أو غيرها
1718 -
(747)(156) وَحدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، يَعْنِي الثَّقَفِيَّ، حدَّثنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنهَا قَالتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَصِيرٌ. وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيلِ فَيُصَلَّي فِيهِ. فَجَعَلَ الناسُ يُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ. ويبْسُطُهُ بِالنهَارِ. فَثَابُوا ذَاتَ لَيلَةٍ. فَقَال: "يَا أَيهَا النَّاسُ" عَلَيكُمْ مِنَ الأعمَالِ مَا تُطِيقُونَ. فَإِنَّ اللهَ
ــ
335 -
(47) باب أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل صلاةً كان أو غيرها
1718 -
(747)(156)(وحدثنا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (يعني الثقفي) البصري (حَدَّثَنَا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني (عن سعيد بن أبي سعيد) كيسان المقبري المدني (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون واثنان بصريان (أنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصير) أي نسيج من خوص النخل في المسجد (وكان) صلى الله عليه وسلم (يحجره) - بتشديد الجيم المكسورة - من التحجير أي يتخذه حجرة وسترة له عن الناس (من الليل) أي في الليل (فيصلي) صلاة الليل (فيه) أي في الحصير الَّذي اتخذه حجرة (فجعل الناس) وشرعوا (يصلون) مقتدين (بصلاته وببسطه) أي يفرش ذلك الحصير (بالنهار) أي في النهار في المسجد ليصلوا عليه (فثابوا) أي اجتمعوا عليه وكثروا (ذات ليلة) أي ليلة من تلك الليالي (فقال: يا أيها الناس عليكم) أي الزموا (من الأعمال) التي تقربكم إلى الله سبحانه صلاةً كانت أو غيرها (ما تطيقون) أي قدرًا تقدرون الدوام عليه بلا ضرر، ولا تحملوا أنفسكم أورادًا كثيرةً ووظائف من العبادات لا تقدرون على مداومتها فتتركون اهـ من المبارق، وهذا حض على التخفيف في أعمال النوافل، ويتضمن الزجر عن التشديد والغلوفيها وسبب ذلك أن التخفيف يكون معه الدوام والنشاط فيكثر الثواب لتكرار العمل وفراغ القلب بخلاف الشاق منها فإنه يكون معه التشويش والانقطاع غالبًا اهـ من المفهم (فإن الله) سبحانه
لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. وَإِن أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيهِ وَإِنْ قَلَّ". وَكَانَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
ــ
وتعالى (لا يمل) بفتح الميم أي لا يقطع الإقبال عليكم بالإحسان (حتَّى تملوا) في عبادته وتقطعوا عملها وتتركوه، وفي رواية (لا يسأم حتَّى تسأموا) وهما بمعنى، والملل هو استثقال النفس من الشيء ونفورها عنه بعد محبته، وإطلاقه على الله تعالى من باب المشاكلة كما في قوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} كذا في المرقاة.
قال القرطبي: قوله (إن الله لا يمل حتَّى تملوا) ظاهره محال على الله تعالى فإن الملال فتور عن تعب وألم عن مشقة وكل ذلك على الله تعالى محال، وإنما أطلق هنا على الله تعالى على جهة المقابلة اللفظية مجازًا كما قال {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} [آل عمران: 54] وقال {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوأ عَلَيهِ} [البقرة: 194] ووجه مجازه أنَّه تعالى لما كان يقطع ثواب عمل من مل العمل وقطعه عبر عن ذلك بالملل من باب تسمية الشيء باسم سببه اهـ من المفهم. قال القسطلاني: والمعنى والله أعلم اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم فإن الله تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول ولا ينقص ثواب أعمالكم ما بقي لكم نشاط فإذا فترتم فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم بها على كلال وفتور كانت معاملة الله معكم حينئذ معاملة الملول. قال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله تعالى على طريق الازدواج والمشاكلة والعرب تذكر إحدى اللفظتين موافقةً للأخرى ديان خالفتهما معنى، وقيل معناه أن الله لا يمل من الثواب ما لم تملوا من العمل، ومعنى تمل تترك لأنه من مل شيئًا إذا تركه وأعرض عنه اهـ. ومذهب السلف الأسلم أن يقال إن الملل صفة منفية عنه تعالى نعتقد نفيها عنه لا نكيفها ولا نمثلها ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (وإن أحب الأعمال إلى الله) أي عند الله سبحانه وتعالى أي أكثرها أجرًا وثوابًا عند الله تعالى (ما دووم عليه) -بضم الدال وبواوين أولاهما ساكنة ثانيتهما مكسورة- أي ما داوم وواظب عليه صاحبه (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه لأن تارك العمل بعد الشروع كالمعرض بعد الوصل، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع، والمراد بالمواظبة العرفية وإلا فحقيقة الدوام شمول جميع الأزمنة وهو غير مقدور عليه اهـ من المبارق (وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم أي أهله وأزواجه، قال النواوي: والظاهر أن المراد بالآل هنا أهل بيته وخواصه صلى الله عليه وسلم من أزواجه وقرابته
إِذَا عَمِلُوا عَمَلًا أَثْبَتُوهُ.
1719 -
(00)(00) حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ يُحدَّثُ عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَال: "أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ".
1720 -
(748)(157) وَحَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ وَإسْحَاقُ بْنُ
ــ
ونحوهم (إذا عملوا عملا) صالحًا (أثبتوه) أي لازموه وداوموا عليه، وإنما كان القليل الدائم خيرًا من الكثير المنقطع لأن بدوام القليل تدوم الطاعة والذكر والمراقبة والنية والإخلاص والإقبال على الخالق سبحانه وتعالى، ويثمر القليل بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرةً. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 212] والبخاري [43 و 6464] وأبو داود [1368].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:
1719 -
(00)(00)(حَدَّثَنَا محمد بن المثنى) العنزي البصري (حَدَّثَنَا محمد بن جعفر) الهذلي البصري (حَدَّثَنَا شعبة) بن الحجاج البصري (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (أنَّه سمع أبا سلمة) بن عبد الرحمن (يحدث عن عائشة) رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة سعد بن إبراهيم لسعيد بن أبي سعيد في رواية هذا الحديث عن أبي سلمة، وكرر المتن لما في هذه الرواية من المخالفة في سوق الحديث وبالاختصار (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل) أي أي عمل من الأعمال الصالحة (أحب إلى الله) أي أكثر أجرًا عند الله تعالى (قال) صلى الله عليه وسلم أحب العمل عند الله تعالى (أدومه) أي أكثره تتابعًا ومواظبةً (وإن قل) ذلك العمل المداوم عليه لأن القليل الدائم لا ينقطع أجره بخلاف الكثير المنقطع فإنه ينقطع أجره.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث آخر لها فقال:
1720 -
(748)(157)(وحدثنا زهير بن حرب) الحرشي النسائي (وإسحاق بن
إِبْرَاهِيمَ. قَال زُهَيرٌ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ. قَال: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَال: قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، كَيفَ كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيئًا مِنَ الأيَّامِ؟ قَالتْ: لا. كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً. وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَطِيعُ؟
ــ
إبراهيم) الحنظلي المروزي (قال زهير: حَدَّثَنَا جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي، من (8)(عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي، من (5)(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي من (3)(عن علقمة) بن قيس بن عبد الله بن علقمة النخعي أبي شبل الكوفي، ثقة مخضرم، من (2)(قال) علقمة (سألت أم المومنين عائشة) الصديقة رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد إما مروزي أو نسائي (قال) علقمة (قلت) لها (يا أم المومنين كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبادة ربه (هل كان) صلى الله عليه وسلم (يخص شيئًا) أي بعضًا (من الأيام) كالجمعة والخميس والاثنين ببعض من الأعمال (قالت) عائشة (لا) يخص شيئًا من الأيام ببعض من الأعمال، وجواب عائشة بنفي ذلك خرج على غير الصيام لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يخص الاثنين والخميس بالصيام فتعين صرف نفسها إلى غير ذلك والله أعلم (كان عمله) صلى الله عليه وسلم (ديمة) أي يدوم عليه ولا يقطعه أي دائمًا غير مقطوع، قال في النهاية: الديمة بكسر الدال وسكون الياء المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر، وأصله دِوْمَة بالواو فانقلبت ياء لكسر ما قبلها (وأيكم يستطيع) ويقدر (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع) من الأعمال، وهذا يدل على شدة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه من كثرة التكاليف والاجتهاد في الوفاء بها وذلك أنَّه كلف بتكاليف خاصة به كما خص به من الواجبات زيادةً على ما ساوى فيه جميع المكلفين، ثم إنه قد كلف مراعاة مصالح أهل بيته ومصالح الخلق كلهم خاصةً وعامةً الدينية والدنيوية هذا بالنظر إلى ظاهر أمره، وأما بالنظر إلى خواص باطنه مما لا يدرك ولا يمكن وصفه فغاية العبارة عنه قوله:"إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية" رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان والعبادات والمشقات ليست له راحة، وقال في لفظ آخر: "إني
1721 -
(00)(00) وَحدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ. أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ". قَال: وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ
ــ
أخشاكم لله وأعلمكم بحدوده" رواه أحمد من حديث عائشة رضي الله عنها، وقد كان تتفطر قدماه من القيام، ويجهد نفسه من الجوع، ويربط على بطنه بالحجر والحجرين، وكان ينتهي من إجهاد نفسه إلى أن يرق عليه وليه ويرحمه الناظر إليه اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [6/ 43 و 55] والبخاري [6466]، وأبو داود [1370] والترمذي [2856].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة هذا فقال:
1721 -
(00)(00)(وحدثنا) محمد بن عبد الله (بن نمير) الكوفي (حَدَّثَنَا أبي) عبد الله بن نمير الكوفي (حَدَّثَنَا سعد بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري المدني أخو يحيى بن سعيد، صدوق سيئ الحفظ، من (4) له أفراد، مات سنة (141) روى عنه في (5) أبواب (أخبرني القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3)(عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته، غرضه بيان متابعة القاسم بن محمد لعلقمة بن قيس في رواية هذا الحديث عن عائشة (قالت) عائشة (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الأعمال) وأكثرها أجرأ وأدومها ثوابًا (إلى الله تعالى) أي عنده سبحانه (أدومها) أي أكثرها مداومةً ومواظبةً عليها (وإن قل) قدره (قال) القاسم بالسند السابق (وكانت عائشة) رضي الله عنها (إذا عملت العمل) من العبادة (لزمته) أي واظبته ودامت عليه.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب حديثان كلاهما لعائشة رضي الله عنها الأول للاستدلال وذكر فيه متابعةً واحدةً، والثاني للاستشهاد وذكر فيه أيضًا متابعةً واحدةً، والله سبحانه وتعالى أعلم.
***