الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
369 - (80) باب: الخطبتين قبل صلاة الجمعة وما يشترط فيهما من القيام فيهما والجلوس بينهما والدعاء والقراءة
1885 -
(826)(230) وَحَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَاريرِي وأبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِي، جَمِيعًا عَنْ خَالِدٍ. قَال أَبُو كَامِلٍ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ. حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَائِمًا
ــ
369 -
(80) باب الخطبتين قبل صلاة الجمعة وما يشترط فيهما من القيام فيهما والجلوس بينهما والدعاء والقراءة
1885 -
(826)(230)(وحدثنا عبيد الله بن عمر) بن ميسرة الجشمي مولاهم أبو شعيب (القواريري) البصري، ثقة ثبت، من (10) روى عنه في (10) أبواب (وأبو كامل) فضيل بن حسين (الجحدري) البصري، ثقة، من (10) روى عنه في (8) أبواب (جميعًا عن خالد) بن الحارث (قال أبو كامل: حدثنا خالد بن الحارث) بن عبيد الهجيمي أبو عثمان البصري، ثقة، من (8) روى عنه في (12) بابا (حدثنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عثمان المدني (عن نافع) العدوي مولاهم أبي عبد الله المدني (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد مكي، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (قال) ابن عمر:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة) خطبتين حالة كونه (قائما) فيهما فيه أن القيام حال الخطبة مشروع، قال ابن المنذر: وهو الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار اهـ واختلف في وجوبه فذهب الجمهور إلى الوجوب، ونقل عن أبي حنيفة أن القيام سنة وليس بواجب قاله الشوكاني، وأخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال: لم يكن أبو بكر وعمر يقعدان على المنبر، وأول من جلس على المنبر معاوية بن أبي سفيان، وروى ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال: إنما خطب معاوية قاعدًا حيث أكثر شحم بطنه ولحمه، وقال الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمَّد، حدثني صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أْنهم كانوا يخطبون يوم الجمعة خطبتين قيامًا يفصلون بينهما بالجلوس حتى جلس معاوية في الخطبة الأولى فخطب جالسًا وخطب في الثانية
ثُمّ يَجْلِسُ. ثُمّ يَقُومُ. قَال: كَمَا يَفْعَلُونَ الْيَوْمَ.
1886 -
(827)(231) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَحَسَنُ بْنُ
ــ
قائمًا. (قلت) إن الثابت بمجرده لا يفيد الوجوب اهـ من العون (ثم) بعد الخطبة الأولى (يجلس) جلسة خفيفة (ثم يقوم) فيخطب خطبة ثانية (قال) ابن عمر بالسند السابق يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبتين يوم الجمعة (كما يفعلون) بالتحتانية أي كما يفعل الأمراء (اليوم) في خطبهم من القيام فيهما والجلوس بينهما، وبالفوقانية أي يفعل كما تفعلون اليوم أيها الناس في خطبكم.
قال النواوي: فيه دليل لمذهب الشافعي والأكثرين أن خطبة الجمعة لا تصح من القادر على القيام إلا قائمًا في الخطبتين، ولا تصح حتى يجلس بينهما وأن الجمعة لا تصح إلا بخطبتين، قال القاضي: ذهب عامة العلماء إلى اشتراط الخطبتين لصحة الجمعة، وعن الحسن البصري وأهل الظاهر في رواية ابن الماجشون عن مالك أنها تصح بلا خطبة، وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على أن الخطبة لا تكون إلا قائمًا لمن أطاقه، وقال أبو حنيفة: تصح قاعدًا وليس القيام بواجب، وقال مالك: هو واجب ولو ترك أساء وصحت الجمعة، وقال أبو حنيفة ومالك والجمهور: الجلوس بين الخطبتين سنة ليس بواجب ولا شرط، ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط لصحة الخطبة، قال الطحاوي: لم يقل هذا غير الشافعي، دليل الشافعي أنه ثبت هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" انتهى كلامه، وقال الرافعي: واظب النبي صلى الله عليه وسلم على الجلوس بينهما اهـ واستشكل ابن المنذر البخاري الجلوس بين الخطبتين، وقال: إن استفيد من فعله فالفعل بمجرده عند الشافعي لا يقتضي الوجوب ولو اقتضاه لوجب الجلوس الأول قبل الخطبة الأولى، ولو وجب لم يدل على إبطال الجمعة بتركه اهـ من العون. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته البخاري [920] ، وأبو داود [1092] ، والترمذي [506] ، والنسائي [3/ 109] ، وابن ماجه [1103].
ثم استشهد المؤلف لحديث ابن عمر بحديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنهما فقال:
1886 -
(827)(231)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (وحسن بن
الربيعِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ (قَال يَحْيَى: أَخْبَرَنَا. وَقَال الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ) عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ قَال: كَانَتْ لِلنبِي صلى الله عليه وسلم خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَينَهُمَا. يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ويذَكِّرُ الناسَ
ــ
الربيع) البجلي أبو علي الكوفي، ثقة، من (10)(وأبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة حافظ متقن، من (10) (قال يحيى) بن يحيى (أخبرنا) أبو الأحوص (وقال الآخران: حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي الكوفي، ثقة، من (7)(عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي أبي المغيرة الكوفي، وثقه النسائي وابن نمير، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: صدوق، من (4) روى عنه في (14) بابا (عن جابر بن سمرة) بن جنادة السوائي الكوفي، الصحابي ابن الصحابي رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من رباعياته، ومن لطائفه أن رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة والقول (قال) جابر:(كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان) يوم الجمعة (يجلس بينهما) جلسة خفيفة على المنبر للفصل بينهما كالفصل بين السجدتين (يقرأ القرآن) فيهما (ويذكّر الناس) أي يعظ فيهما بذكر الوعد والوعيد. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [5/ 101] ، وأبو داود [1101] ، والترمذي [507] ، والنسائي [3/ 110] ، وابن ماجه [1105].
قال النواوي: في هذا الحديث دليل للشافعي على أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقرآن، قال الشافعي: لا تصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما والوعظ وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما على الأصح، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح، وقال مالك وأبو حنيفة والجمهور: يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في رواية عنه: يكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، وهذا ضعيف لأنه لا يسمى خطبة ولا يحصل به مقصودها مع مخالفته ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ منه.
وفي العون: (قلت)(وقوله يذكر الناس) فيه دليل صريح على أن الخطبة وعظ وتذكير للناس، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإِسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو
1887 -
(828)(232) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا أَبُو خَيثَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ
ــ
يخطب أن يصلي ركعتين، ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس، وكان يدعو الرجل في خطبته: تعال اجلس يا فلان، وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فلا بد للخطيب أن يقرأ القرآن ويعظ به ويأمر وينهى ويبين الأحكام المحتاج إليها فإن كان السامعون أعاجم يترجم بلسانهم، فإن أثر التذكير والوعظ في غير بلاد العرب لا يحصل ولا يفيد إلا بالترجمة بلسانهم، وحديث جابر هذا هو أدل دليل على جواز ذلك وقال الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} الآية، قال في جامع البيان: أي ليُبَينَ لهم ما أمروا به فيفهموه بلا كلفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وإن بعث إلى الأحمر والأسود بصرائح الدلائل لكن الأولى أن يكون بلغة من هو يهم حتى يفهموا ثم ينقلوه ويترجموه. انتهى (فإن قلت) إن كانت الترجمة تجوز في الخطبة فتجوز قراءة ترجمة القرآن أيضًا في الصلاة، فإن صلى واحد وقرأ ترجمة سورة الفاتحة مثلًا مكان الفاتحة صحت صلاته.
[قلت] كلا ولا يجوز ذلك في الصلاة قط، والقياس على الخطبة قياس مع الفارق لأن الخطبة ليس فيها ألفاظ مخصوصة وأذكار معينة بل إنما هي التذكير كما مر، والصلاة ليست بتذكير بل إنما هي ذكر وبين الذكر والتذكير فرق واضح، ولابد في الصلاة من قراءة القرآن للإمام والمأموم والمنفرد لقوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} فلفظ اقرءوا صيغة أمر يدل على الوجوب، ولا يمتثل الأمر إلا بقراءة القرآن بالنظم العربي كما أنزل عليه ووصل إلينا بالنقل المتواتر لأن من يقرأ ترجمة القرآن في الصلاة لا يطلق عليه قراءة القرآن بل هو خالف الأمر المأمور به، فكيف يجوز قراءة ترجمة القرآن في الصلاة؟ ! بل هو ممنوع، وأما الخطبة فهي تذكير فلا بد للخطيب أن يفهم معاني القرآن بعد قراءته ويذكر السامعين بلسانهم وإلا فيفوت مقصود الخطبة كذا في غاية المقصود ملخصًا اهـ من العون.
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لجابر بن سمرة رضي الله عنهم فقال:
1887 -
(828)(232) وحدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (أخبرنا أبو خيثمة) زهير بن معاوية الجعفي الكوفي (عن سماك) بن حرب بن أوس الذهلي الكوفي
قَال: أَنْبَأَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ؛ أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا. ثُمّ يَجْلِسُ. ثُم يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِمًا. فَمَنْ نَبأَكَ أَنهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِسًا فَقَدْ كَذَبَ. فَقَدْ، وَاللهِ، صَلَّيتُ مَعَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَي صَلاةٍ.
1888 -
(829)(233) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أبي شَيبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ. كِلاهُمَا عَنْ جَرِير. قَال عُثْمَانُ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَينِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ
ــ
(قال) سماك (أنبأني) أي أخبرني (جابر بن سمرة) رضي الله عنهما، وهذا السند من رباعياته رجاله كلهم كوفيون إلا يحيى بن يحيى، وفيه التحديث والإخبار والإنباء والعنعنة (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما) في الخطبة الأولى (ثم يجلس) بعدها (ثم) بعد جلوسه (يقوم فيخطب) الخطبة الثانية (قائما) فيها، ثم قال جابر لسماك (فمن نبأك) أي فمن أخبرك يا سماك (أنه) صلى الله عليه وسلم (كان يخطب جالسًا فقد كذب) على الرسول صلى الله عليه وسلم بما لم يفعله فليتب إلى الله تعالى (فقد والله صليت) أي هو الله قد صليت (معه) صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن قد مختصة بالفعل وهي معه كالجزء فلا تفصل منه بشيء اللهم بالقسم، نص عليه ابن هشام في المغني (أكثر من ألفي) بصيغة التثنية (صلاة) مفروضة ما بين جمعة وغيرها، قال القرطبي: ظاهر هذا الكلام أنه أراد ألفي صلاة جمعة وهو محال لأن هذا القدر من الجمع إنما يكون في نيف وأربعين سنة، ولم يصل النبي صلى الله عليه وسلم هذا المقدار من الجمع فيتعين أن يراد به الصلوات المفروضات أو قصد به الإغياء والتكثير والله أعلم اهـ مفهم. وهذا الحديث مما انفرد به الإِمام مسلم رحمه الله تعالى.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهم فقال:
1888 -
(829)(233)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي أخو أبي بكر، أسن منه بسنتين (وإسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (كلاهما) رويا (عن جرير) بن عبد الحميد الضبي الكوفي (قال عثمان: حدثنا جربر عن حصين بن عبد الرحمن) السلمي الكوفي (عن سالم بن أبي الجعد) رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، من (3) (عن
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَن النبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْطبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجمعَةِ. فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ الناسُ إِلَيهَا. حَتى لَمْ يَبْقَ إلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. فَأُنْزِلَتْ هذِهِ الآيَةُ التِي في الْجُمُعَةِ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]
ــ
جابر بن عبد الله) بن عمرو الأنصاري السلمي أبي عبد الله المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم كوفيون إلا جابر بن عبد الله أو إسحاق بن إبراهيم، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب) حالة كونه (قائمًا يوم الجمعة) هكذا سنة الخطبة ليكون أبلغ في الإسماع كالمؤذن إلا أن تدعوه ضرورة من ضعف أو غيره (فجاءت عير) أي إبل حاملة الطعام والتجارة، وهي المسماة في الرواية الأخرى بسويقة تصغير سوق (من الشام فانفتل) أي انصرف (الناس) من عند النبي صلى الله عليه وسلم وذهبوا مقبلين (إليها) أي إلى تلك العير (حتى لم يبق) عند النبي صلى الله عليه وسلم (إلا اثنا عشر رجلًا) فيه رد على من يقول: إن الخطبة لا تقام إلا على أربعين فصاعدًا وحكي ذلك عن الشافعي، وقد تمسك بهذا الحديث طائفة من أهل العلم على أن أقل ما تنعقد به الجمعة اثنا عشر، ولا حجة فيه على ذلك لأنه صلى الله عليه وسلم إنما عقدها وشرع فيها بأكثر من هذا العدد ثم عرض لهم أن تفرقوا ولم يبق منهم غير ذلك العدد، وقد روي في بعض روايات هذا الحديث أنه بقي معه أربعون رجلًا والأول أصح وأشهر اهـ من المفهم.
(فأنزلت هذه الآية النبي في) سورة (الجمعة) وهي قوله تعالى ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً}) أي عيرًا تحمل تجارة أو ميرة ({أَوْ}) سمعوا ({لَهْوًا}) أي طبلًا كانوا يضربونه عند قدوم العير ({انْفَضُّوا}) أي تفرقوا من عندك ذاهبين ({إِلَيهَا}) أي إلى تلك العير المفهومة من التجارة أو اللهو ({وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) تخطب، فهذا ذم لمن ترك الجمعة بعد الشروع فيها، ونهي للمسلمين أن يتفرقوا عن إمامهم، وقد استدل به على اشتراط الخطبة في الجمعة وفيه بعد، وأحسن متمسك فيه قوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه أحمد والبخاري من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قوله (فجاءت عير من الشام) العير بالكسر الإبل تحمل الميرة ثم غلب على كل قافلة كذا في المصباح، والميرة الطعام أعني الذخيرة، قوله (فانفتل الناس إليها) أي انصرفوا، قوله (انفضوا) أي تفرقوا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
متوجهين (إليها) وإفراد التجارة برد الكناية لأنها المقصودة كما في أنوار التنزيل، ثم إن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم هذه إنما كانت بعد الصلاة كخطبة العيد كما في مراسيل أبي داود فإن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ما كانوا يدعون الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم ظنوا أنه لا شيء في الانفضاض عن الخطبة بعد انقضاء الصلاة وبعد هذه القضية كان يخطب قبل الصلاة اهـ من بعض الهوامش. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث البخاري في الصلاة والبيوع والتفسير، والترمذي في التفسير، والنسائي [3/ 110].
فقد اختلف العلماء في العدد المشروط في وجوب الجمعة، وفي العدد الذي تصح ببقائهم إذا تفرقوا عن الإِمام بعد شروعه فيها على أقوال كثيرة فلنرسم فيه مسئلتين: - المسألة الأولى: اختلف هل يشترط في وجوب الجمعة عدد أم لا؟ فذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى اشتراطه، وذهب داود إلى أنه لا يشترط ذلك في وجوبها وتلزم المنفرد وهي ظهر ذلك اليوم عنده لكل أحد، قال القاضي عياض: وهو خلاف الإجماع، واختلف المشترطون هل هو مختص بعدد محصور أم لا؟ فعدم الحصر هو مذهب مالك فإنه لم يشترط في ذلك حدًّا محدودًا، وإنما قال: يكونون: بحيث يمكنهم الثواء في بلدهم وتتقرى بهم قرية، وفسره بعض أصحابنا بنصب الأسواق فيها حكاه عياض، والمشترطون للعدد اختلفوا في تعيينه فمن قائل: مائتان، ومن قائل: خمسون قاله عمر بن عبد العزيز، ومن قائل: أربعون قاله الشافعي، ومن قائل: ثلاثون بيتًا قاله مطرف وعبد الملك ومالك، ومن قائل: اثنا عشر، ومن قائل: أربعة قاله أبو حنيفة لكن إذا كانوا في مصر وقال غيره: ثلاثة، وقيل: واحد مع الإِمام وهذه أقوال متكافئة وليس على شيء منها دليل فالأصل ما صار إليه مالك من عدم التحديد والتمسك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم والعمل المتصل في ذلك فإنهم كانوا يجمعون في الأمصار الكبار والقرى الصغار كجواثا وغيرها.
وأما المسألة الثانية: فقد اختلفوا فيما إذا كمل ما تنعقد به الجمعة ثم تفرقوا عن الإِمام، فقيل: إنها تجزئ وإن بقي وحده قاله أبو ثور وحكي عن الشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنان وهو قول الثوري والشافعي، وقيل: إذا بقي معه اثنا عشر رجلًا تمسكًا بهذا الحديث وحكاه أبو يعلى العبدي عن أصحاب مالك وبه قال إسحاق، ثم اختلفوا
1889 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ حُصَينِ، بِهذَا الإِسْنَادِ. قَال: وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ. وَلَمْ يَقُلْ: "قَائِمًا".
1895 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا رِفَاعَةُ بْنُ الْهَيثَمِ الْوَاسِطِيُّ. حَدَّثَنَا خَالِدٌ (يَعْنِي الطَّحَّانَ) عَنْ
ــ
في الحال التي يتفرقون عنها فقال أبو حنيفة: إن عقد بهم ركعة وسجدة ثم تفرقوا عنه أجزأه أن يتمها جمعة وإن كان قيل ذلك استقبل ظهرًا، وقال مالك والمزني: إن صلى بهم ركعة بسجدتيها أتمها جمعة وإلا لم تجزه، وقال زفر: متى تفرقوا قبل الجلوس للتشهد لم تصح جمعة وإن جلس وتفرقوا عنه قبل السلام صحت وقال ابن القاسم وسحنون: إن تفرقوا عنه قبل سلامه لم تجزئ الجمعة، وللشافعي قول ثالث: إنها لا تجزئه حتى يبقى معه أربعون رجلًا إلى تمام الصلاة، والأصح من هذه الأقوال ما يعضده هذا الحديث وهو قول إسحاق وأصحابنا والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
1889 -
(00)(00)(وحدثناه) أي حدثنا الحديث المذكور يعني حديث جابر بن عبد الله (أبو بكر) عبد الله بن محمَّد (بن أبي شيبة) إبراهيم بن عثمان الكوفي (حدثنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي الكوفي، ثقة ثقة، من (8)(عن حصين) بن عبد الرحمن التميمي الكوفي (بهذا الإسناد) يعني عن سالم بن أبي الجعد عن جابر، غرضه بيان متابعة عبد الله بن إدريس لجرير بن عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن حصين، ولكن (قال) عبد الله بن إدريس في روايته لفظة (ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ولم يقل) عبد الله لفظة (قائما) وهذا بيان لمحل المخالفة بين المُتابع والمُتابَع.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
1890 -
(00)(00)(وحدثنا رفاعة بن الهيثم) بن الحكم (الواسطي) أبو سعيد، روى عن خالد الطحان في الصلاة، ويروي عنه (م) وعبد الله بن محمَّد بن شيرويه وهو مقل، وقال في التقريب: مقبول، من العاشرة (حدثنا خالد) بن عبد الله بن عبد الرحمن المزني مولاهم أبو الهيثم الواسطي (يعني الطحان) لقبه، ثقة، عن (8) (عن
حُصَينٍ، عَنْ سَالِمٍ وَأَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كُنا مَعَ النبِيّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الجمعةِ. فَقَدِمَتْ سُوَيقَةٌ. قَال: فَخَرَجَ الناسُ إِلَيهَا. فَلَمْ يَبْقَ إلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلا. أَنَا فِيهِمْ. قَال: فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] إلى آخرِ الآيَةِ.
1891 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ. أَخْبَرَنَا هُشيمٌ. أَخْبَرَنَا حُصَينٌ،
ــ
حصين) بن عبد الرحمن التميمي الكوفي (عن سالم) بن أبي الجعد (وأبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي كلاهما (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني، وهذا السند من خماسياته رجاله اثنان منهم كوفيان واثنان واسطيان وواحد مدني أو ثلاثة واسطيون وواحد كوفي وواحد مدني، غرضه بيان متابعة خالد الطحان لجرير بن عبد الحميد، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) جابر:(كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقدمت سويقة) من الشام إي إبل حاملة الطعام، تصغير سوق؛ وهي العير المذكورة في الرواية السابقة وهي الإبل التي تحمل الطعام أو التجارة، ولا تسمى عيرًا إلا إذا كانت هكذا، وسميت سوقًا لأن البضائع تساق إليها أو لقيام الناس فيها على ساقهم (قال) جابر (فخرج الناس) الذين صلوا الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد ذاهبين (إليها) أي إلى تلك السويقة (فلم يبق) مع النبي صلى الله عليه وسلم (إلا اثنا عشر رجلًا أنا فيهم) أي أنا واحد منهم (قال) جابر (فأنزل الله) تعالى بسبب انفضاضهم قوله جل ذكره ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) في الخطبة وحدك (إلى آخر الآية) يعني قوله تعالى:{قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيرٌ مِنَ اللَّهْو وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيرُ الرَّازِقِينَ} .
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
1891 -
(00)(00)(وحدثنا إسماعيل بن سالم) الصائغ بمكة البغدادي ثم المكي، ثقة، من (10)(أخبرنا هشيم) بن بشير السلمي الواسطي، ثقة، من (7)(أخبرنا حصين) بن عبد الرحمن الكوفي، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة هشيم لجرير بن
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَسَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال جَابِرٌ: بَينَا النبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَائِم يَوْمَ الْجُمُعَةِ. إِذْ قَدِمَتْ عِيرٌ إِلَى الْمَدِينَةِ. فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إلا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا. فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. قَال: وَنَزَلَتْ هذِهِ الآيَةُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا} [الجمعة: 11].
1892 -
(830)(234) وَحَدَّثَنَا محمدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ. قَالا: حَدَّثَنَا محمدُ بْنُ جَعْفَرٍ. حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيدَةَ،
ــ
عبد الحميد في رواية هذا الحديث عن حصين، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (عن أبي سفيان) طلحة بن نافع الواسطي (وسالم بن أبي الجعد) الكوفي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنهما:(قال جابر: بينا) زيدت فيها الألف فلازمت الإضافة إلى الجملة وهي هنا قوله (النبي صلى الله عليه وسلم قائم يوم الجمعة) وإذ في قوله (إذ قدمت عير إلى المدينة) فجائية رابطة لجواب بينا وجملة (فابتدرها) أي تسابق إليها (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معطوفة على جملة قدمت، والمعنى بينا أوقات قيام النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة خطيبًا فاجأهم قدوم عير من الشام إلى المدينة فابتدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها (حتى لم يبق معه) صلى الله عليه وسلم في المسجد (إلا اثنا عشر رجلًا فيهم) أي في جملة الباقين (أبو بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب، ففيه فضلهما وفضل من بقي فيها حيث لم يستفزهم ذلك اهـ أبي (قال) جابر (ونزلت) بسبب ذلك الانفضاض (هذه الآية) يعني قوله تعالى ({وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا}) الآية.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى رابعًا لحديث ابن عمر بحديث كعب بن عجرة رضي الله عنهم لقال:
1892 -
(830)(234)(وحدثنا محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (و) محمَّد (بن بشار) العبدي البصري (قالا: حدثنا محمَّد بن جعفر) الهذلي البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله الهمداني الكوفي، ثقة، من (5)(عن أبي عبيدة) مصغرًا عامر
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ؛ قَال: دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمنِ ابْنُ أُمّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا. فَقَال: انْظُرُوا إلى هذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا. وَقَال اللهُ تَعَالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]
ــ
ابن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي، ثقة، من كبار (3)(عن كعب بن عجرة) بن أمية الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من سباعياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وثلاثة بصريون وواحد مدني، وفيه التحديث والعنعنة والمقارنة، وفيه رواية تابعي عن تابعي (قال) أبو عبيدة (دخل) كعب بن عجرة (المسجد) النبوي (وعبد الرحمن بن أم الحكم) بفتحتين، قال الطيبي: أظنه من بني أمية قلت أو من أتباعهم اهـ ملا علي؛ أي والحال أن عبد الرحمن (يخطب قاعدًا فقال) كعب بن عجرة لمن عنده (انظروا) أيها الناس (إلى هذا الخبيث) الذي لا يراعي السنة حيث (يخطب قاعدًا و) قد (قال الله تعالى {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}) وجه استدلاله بالآية أن الله سبحانه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم يخطب قائمًا والاقتداء به واجب، وقد قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} مع قوله تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} وقوله {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} مع قوله صلى الله عليه وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" وهذا الكلام من كعب يتضمن إنكار المنكر والإنكار على ولاة الأمور إذا خالفوا السنة اهـ نواوي، ويدل أيضًا على خلاف قول أبي حنيفة حيث رأى أن الخطيب إن شاء قام، وإن شاء قعد في خطبته اهـ مفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [2/ 102].
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب خمسة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال، والثاني حديث جابر بن سمرة الأول ذكره للاستشهاد، والثالث حديث جابر بن سمرة الثاني ذكره للاستشهاد، والرابع حديث جابر بن عبد الله ذكره للاستشهاد أيضًا وذكر فيه ثلاث متابعات، والخامس حديث كعب بن عجرة ذكره للاستشهاد أيضًا والله سبحانه وتعالى أعلم.
***