الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
363 - (74) باب: تفاوت درجات المبكرين إلى الجمعة
1855 -
(814)(218) وَحَدَّثَنَا قُتَيبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ. فِيمَا قُرِئَ عَلَيهِ، عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ. فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً
ــ
363 -
(74) باب تفاوت درجات المبكرين إلى الجمعة
1855 -
(814)(218)(وحدثنا قتيبة بن سعيد) بن جميل الثقفي البلخي (عن مالك بن أنس) الأصبحي المدني (فيما قُرئ عليه) وأنا أسمع وهو بمنزلة أخبرنا مالك (عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر) بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي أبي عبد الله المدني، ثقة، من (6)(عن أبي صالح) ذكوان (السمان) القيسي مولاهم مولى جويرية بنت الحارث امرأة من قيس المدني، ثقة ثبت، من (3)(عن أبي هريرة) رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا قتيبة بن سعيد فإنه بلخي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة) أي غسلًا كغسل الجنابة فهو منصوب على المصدرية، والتشبيه لبيان صفة الغسل لا لبيان الوجوب ولا حقيقة غسل الجنابة بالمواقعة فإن الغسل لحضور الجمعة لا لليوم وهو ظاهر، وإن خفي على من قال: ويستحب له مواقعة زوجته ليلة الجمعة ليكون أغض على بصره اهـ والمعنى من اغتسل يوم الجمعة غسلًا كغسل الجنابة في شروطه وآدابه وهيئاته (ثم راح) أي مضى وذهب إلى صلاة الجمعة فالمراد بالرواح هنا الذهاب أول النهار لكون التبكير إليها مطلوبًا لا الرواح المتعارف الذي هو الذهاب آخر النهار الذي هو نقيض الغدو، قال تعالى:{غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} فليس هذا هو المراد هنا، وقال الأزهري: الرواح في لغة العرب الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث اهـ (فكأنما قرب) أي تصدق (بدنة) والبدنة هنا هي الإبل خاصة لوقوعها في مقابلة البقرة، سميت بذلك لعظم بدنها، وفي غير هذا الموضع تشملها ويقعان على الذكر والأنثى والهاء فيهما للوحدة كقحمة وشعيرة ونحوهما من أفراد الجنس (ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة) أي تصدق بها سميت بقرة لأنها تبقر الأرض أي تشقها بالحراثة أو بقرنها من البقر وهو الشق ومنه قولهم بقر بطنه، ومنه
وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيضَةً. فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ"
ــ
محمد الباقر لأنه بقر العلم ودخل فيه مدخلًا بليغًا ووصل منه غاية مرضية (ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب) أي تصدق (كبشًا) أي فحلًا (أقرن) أي ذا قرن، والكبش ذكر الضأن، وصفه بالأقرن لأنه أكمل وأحسن صورة ولأن قرنه ينتفع به، والمعنى فكأنما تصدق ذكرًا من الضأن ذا قرن وما كان بلا قرن يقال له أجم (ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة) أي تصدق بها، قال القسطلاني: والدجاجة بتثليث الدال، وفتحها هو الفصيح، وتطلق على الذكر والأنثى والهاء فيها للوحدة كسابقه (ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب) أي تصدق (بيضة) من الدجاج، والهاء فيها أيضًا للوحدة (فهذا خرج الإمام) إلى المسجد وجلس على المنبر (حضرت) بفتح الضاد وكسرها لغتان مشهورتان، والفتح أفصح وأشهر وبه جاء القرآن في قوله تعالى:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} (الملائكة) الذي يكتبون مراتب المبكرين على الأبواب وجلسوا في المسجد حالة كونهم (يستمعون الذكر) أي الخطبة فلا يكتبون أجر من جاء في ذلك الوقت لأن التبكير انتهى زمنه بخروج الإمام وجلوسه على المنبر، وفي الآخر زيادة (وطووا الصحف) قال القاضي: قالوا وهو يدل على أنهم ليسوا الحفظة والله أعلم. قال الكرماني: فإن قلت القربان إنما هو في النعم لا في الدجاجة والبيضة (قلت) معنى قرب ها هنا تصدق متقربًا إلى الله تعالى بها، وقال العيني: وفيه إطلاق القربان على الدجاجة والبيضة لأن المراد من التقرب ها هنا التصدق، ويجوز التصدق بالدجاجة والبيضة ونحوهما اهـ. قال الأبي: وهذه كلها ضرب مثل لمقادير الأجور لا أنه تشبيه حقيقة حتى لا يكون أجر هذا قدر أجر هذا اهـ منه.
قال النواوي: مذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي حسين وإمام الحرمين أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، والرواح عندهم بعد زوال الشمس وادعوا أن هذا معناه في اللغة، ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها من أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره كما مر عن الأزهري لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى كأنما قرب بدنة ثم من جاء في الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وفي رواية النسائي السادسة (فإذا أخرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدًا)، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلًا بعد الزوال وهو بعد انقضاء السادسة فدل على أنه لا شيء من الهدي والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، وكذا ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها بالاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ، ويحرم التخلف بعد النداء انتهى كلام النواوي.
[قلت]: المراد بالساعات هنا أجزاء من الزمان يوزع على مراتب المبكرين عادة الأول فالأول إلى الزوال لا الساعات الفلكية ولا الرملية ولا المائية، وفي الغالب إنما يبكر من بكر بعد ما ارتفع النهار كما هو عادة السلف من الأصحاب والتابعين ومن بعدهم.
وأما فقه الحديث ففيه الحث على التبكير إلى الجمعة، وأن مراتب الناس في الفضيلة فيها وفي غيرها بحسب أعمالهم وهو من باب قول الله تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} وفيه أن القربان والصدقة يقع على القليل والكثير وقد جاء في رواية النسائي بعد الكبش بطة ثم دجاجة ثم بيضة، وفي رواية بعد الكبش دجاجة ثم عصفور ثم بيضة، وفيه أن التضحية بالإبل أفضل من البقرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الإبل وجعل البقرة في الدرجة الثانية، وقد أجمع العلماء على أن الإبل أفضل من البقرة في الهدايا واختلفوا في الأضحية فمذهب الشافعي وأبي حنيفة والجمهور أن الإبل أفضل ثم البقر ثم الغنم كما في الهدايا، ومذهب مالك أن أفضل الأضحية الغنم ثم البقر ثم الإبل قالوا لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وحجة الجمهور ظاهر هذا الحديث والقياس على الهدايا، وأما تضحيته صلى الله عليه وسلم فلا يلزم منها ترجيح الغنم لأنه محمول على أنه صلى الله عليه وسلم لم يتمكن في ذلك الوقت إلا من الغنم، أو فعله لبيان الجواز، وقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر اهـ من النواوي. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [2/ 460] ، والبخاري [881] ، وأبو داود [351] ، والترمذي [499] ، والنسائي [3/ 97 - 99] ، وابن ماجه [1092]. ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديث أبي هريرة رضي الله عنه.