الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
358 - (69) باب: صلاة الخوف
ــ
358 -
(69) باب صلاة الخوف
أي باب معقود في بيان كيفية الصلاة الواقعة في الخوف الذي هو ضد الأمن فالكيفية بمعنى الصفة والإضافة على معنى في على حد مكسر الليل أو المعنى في بيان كيفية صلاة الشخص الخائف من العدو فالخوف مصدر بمعنى اسم الفاعل وإلا فهي الصلاة المعهودة شرعًا يحضر وقتها والمسلمون متعرضون لحرب العدو، وهي من خصائص هذه الأمة، وشرعت في السنة السادسة من الهجرة اهـ من البيجوري على الغزي. أي هذا باب بيان كيفية الصلاة الواقعة في حالة الخوف من العدو من حيث إنه يغتفر فيها عنده ما لا يغتفر فيها عند غيره من الركوب والمشي والمضاربة والأفعال الكثيرة لضرورة المقاتلة مع الكفار، وقد جاءت في كيفيتها سبعة عشر نوعًا لكن يمكن تداخلها، ومن ثم قال في زاد المعاد: أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر وهؤلاء كما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجهًا من فعله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة، قال في فتح الباري: وهذا هو المعتمد اهـ قسط.
قال القرطبي: وقد اختلف العلماء هل للخوف تأثير في تغيير الصلاة المكتوبة عن أصل شرعيتها المعهودة أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أن للخوف تاثيرًا في تغيير الصلاة على ما سيأتي تفصيل مذاهبهم، وذهب أبو يوسف إلى أنه لا تغيير في الصلاة لأجل الخوف اليوم، وإنما كان التغيير المروي في ذلك والذي عليه القرآن خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم مستدلًا بخصوصية خطابه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102] قال: فإذا لم يكن فيهم لم تكن صلاة الخوف وهذا لا حجة فيه لثلاثة أوجه أحدها أنا قد أمرنا باتباعه والتأسي به فيلزم اتباعه مطلقًا حتى يدل دليل واضح على الخصوص ولا يصلح ما ذكره دليلًا على ذلك، ولو كان مثل ذلك دليلًا على الخصوصية للزم قصر الخطابات على من توجهت له وحينئذ يلزم أن تكون الشريعة قاصرة على من خوطب بها لكن قد تقرر بدليل إجماعي أن حكمه على الواحد حكمه على الجميع وكذلك ما يخاطب هو به كقوله تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} [يونس: 94]{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ} [الأنفال: 64] ونحوه كثير، وثانيها أنه قد قال صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو
1833 -
(803)(207) حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ. أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ. بِإِحْدَى الطَّائِفَتَينِ رَكْعَةً. وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ. ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ. مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ. وَجَاءَ أُولَئِكَ. ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى
ــ
داود والنسائي من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه، وثالثها أن الصحابة رضي الله عنهم اطرحوا توهم الخصوص في هذه الصلاة وعدوه إلى غير النبي صلى الله عليه وسلم وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال فلا يلتفت إلى قول من ادعى الخصوصية اهـ من المفهم.
1833 -
(803)(207)(حدثنا عبد بن حميد) الكسي (أخبرنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (أخبرنا معمر) بن راشد البصري (عن) محمد بن مسلم (الزهري) المدني (عن سالم) بن عبد الله العدوي المدني (عن) عبد الله (بن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد مكي وواحد كسي، وفيه الإخبار والتحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي وولد عن والد (قال) ابن عمر (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) أي صلاة الخائف من العدو، وفي رواية البخاري (قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد) أي جهته بأرض غطفان والنجد كل ما ارتفع من بلاد العرب من تهامة إلى العراق، وكانت الغزوة ذات الرقاع، وأول ما صليت صلاة الخوف فيها سنة أربع أو خمس أو ست أو سبع اهـ إرشاد الساري (بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو) أي مقابلة العدو حراسة لهم عن هجومهم على المصلين (ثم) بعد ما صلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتيها (انصرفوا) وهم في حكم الصلاة أي ذهبوا عند قيامه صلى الله عليه وسلم إلى الثانية منتصبًا أو عند رفعه من السجود (وقاموا) أي وقام هؤلاء المصلون معه صلى الله عليه وسلم الركعة الأولى (في مقام أصحابهم) الذين حرسوا في الركعة الأولى (مقبلين على العدو) ومواجهين لهم للحراسة (وجاء أولئك) الذين حرسوا في الركعة الأولى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم قائم في الركعة الثانية قارئ منتظر لهم (ثم) بعد مجيئهم إليه (صلى بهم) أي بهؤلاء الذين حرسوا في الركعة الأولى (النبي صلى
اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً. ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَضَى هَؤُلاءِ رَكْعَةً. وَهَؤُلاءِ رَكْعَةً.
1834 -
(00)(00) وَحَدَّثَنِيهِ أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ. حَدَّثَنَا فُلَيحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ
ــ
الله عليه وسلم ركعة) ثانية أي قام بهم حتى قرءوا وركع بهم وسجد بهم سجدتين وتشهد بهم (ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم لفراغ صلاته (ثم قضى) أي أتم (هؤلاء) الذين صلوا معه الركعة الأولى (ركعة) باقية لهم بأنفسهم (و) أتم (هؤلاء) الذين صلوا معه الركعة الثانية (ركعة) باقية لهم بأنفسهم، وظاهر هذا أنهم أتموا في حالة واحدة، ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وهذه الكيفية اختارها الحنفية، واختار الشافعية في كيفيتها أن الإمام ينتظر الطائفة الثانية ليسلم بهم كما في حديث صالح بن خوات الآتي قريبًا، وإنما اختار الشافعية هذه الكيفية لسلامتها من كثرة المخالفة ولأنها أحوط لأمر الحرب فإنها أخف على الفريقين، ويكره كون الفرقة المصلية معه والتي في وجه العدو أقل من ثلاثة لقوله تعالى:{وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} مع قوله {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} فذكرهم بلفظ الجمع، وأقله ثلاثة فأقل الطائفة هنا ثلاثة، وهذا النوع حيث يكون العدوفي غير القبلة أوفيها لكن حال دونهم حائل يمنع رؤيتهم لو هجموا اهـ من إرشاد الساري. وهذا الحديث شارك المؤلف في روايته أحمد [2/ 147] ، والبخاري [942] وأبو داود [1243] ، والترمذي [564] ، والنسائي [3/ 171 و 173] ، وابن ماجه [1258].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
1834 -
(00)(00)(وحدثنيه أبو الربيع الزهراني) العتكي البصري، ثقة، من (10)(حدثنا فليح) بالتصغير بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي أبو يحيى المدني، صدوق كثير الخطإ، من (7)(عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه) وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد مكي وواحد بصري، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة فليح لمعمر في الرواية عن الزهري (أنه) أي أن أباه عبد الله بن
كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَوْفِ وَيقُولُ: صَلَّيتُهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بِهَذَا الْمَعْنَى.
1835 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا أبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَال: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ. فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبُوا وَجَاءَ الآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً. ثُمَّ قَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً. قَال: وَقَال ابْنُ عُمَرَ: فَإِذَا
ــ
عمر (كان يحدّث عن) كيفية (صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في) حالة (الخوف ويقول) ابن عمر (صليتها) أي صليت صلاة الخوف (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق فليح (بهذا المعنى) أي بمعنى هذا الحديث الذي رواه معمر عن الزهري.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقال:
1835 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي الكوفي، ثقة، من (9) روى عنه في (9) أبواب (عن سفيان) بن سعيد الثوري، ثقة إمام، من (7) روى عنه في (24) بابا (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش بتحتانية ومعجمة -الأسدي مولاهم المدني، ثقة، من (5)(عن نافع) العدوي مولاهم المدني (عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون واثنان مدنيان وواحد مكي، غرضه بيان متابعة نافع لسالم في رواية هذا الحديث عن ابن عمر (قال) ابن عمر:(صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) أي صلاة الخائف من العدو (في بعض أيامه) أي في بعض أيام غزواته وهي غزوة ذات الرقاع ففرق الناس فرقتين (فقامت طائفة معه) صلى الله عليه وسلم (وطائفة) واقفة (بإزاء العدو) أي بمقابل العدو لحراستهم (فصلى بالدين معه ركعة ثم ذهبوا) أي ذهبت هذه الطائفة المصلية في الركعة الأولى إلى وجه العدو (وجاء الآخرون) الواقفون إزاء العدو (فصلى بهم ركعة) ثانية (ثم قضت) أي أتمت (الطائفتان) بأنفسهم (ركعة ركعة قال) نافع (وقال ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما (فـ) ـهذا إذا لم يشتد الخوف، وأما (إذا
كَانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَصَلِّ رَاكِبًا، أَوْ قَائِمًا. تُومِئُ إِيمَاءً.
1836 -
(804)(208) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا أَبِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيمَانَ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ. قَال: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ. فَصَفَّنَا صَفَّينِ:
ــ
كان) الـ (خوف أكثر من ذلك) أي أشد من ذلك التفريق بحيث لا يحتمل التفريق والصلاة مع الإمام فرقة فرقة بأن التحم القتال (فصل) أيها المقاتل حالة كونك (راكبا) وماشيًا (أو قائما) وقاعدًا ومضطجعًا، وحالة كونك (تومئ) إلى الركوع والسجود أي تشير إليهما (إيماء) أي إشارة وتتمهما كيفما أمكن لك تُصلي. والمراد أنه إذا اشتد الخوف والتحم القتال أو اشتد الخوف ولم يأمنوا أن يدركوهم لو ولوا أو انقسموا فليس لهم تأخير الصلاة عن وقتها بل يصلون ركبانًا ومشاة ولهم ترك الاستقبال إذا كان سبب القتال والإيماء عن الركوع والسجود عند العجز للضرورة ويكون السجود أخفض من الركوع ليتميزا فلوا انحرف عن القبلة لجماح الدابة وطال الزمن بطلت صلاته ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع اختلاف الجهة كالمصلين حول الكعبة ويعذر في العمل الكثير لا في الصياح لعدم الحاجة إليه وحكم الخوف على نفس أو منفعة من سبع أو حية أو حرق أو غرق أو على مال ولو لغيره كما في المجموع فكالخوف في القتال ولا إعادة في الجميع اهـ إرشاد الساري.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث ابن عمر بحديث جابر رضي الله عنهما فقال:
1836 -
(804)(208)(حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي (حدثنا أبي) عبد الله بن نمير (حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان) ميسرة الفزاري أبو محمد الكوفي، صدوق له أوهام، من (5) روى عنه في (7) أبواب (عن عطاء) بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم أبي محمد المكي، ثقة، من (3)(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري أبي عبد الله المدني الصحابي المشهور رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم كوفيون وواحد مدني وواحد مكي، وفيه التحديث والعنعنة (قال) جابر (شهدت) أي حضرت (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) في غزوة جهينة كما سيأتي التصريح في الرواية الآتية (فصفنا) أي فرقنا وجعلنا (صفين
صَفٌّ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَدُوُّ بَينَنَا وَبَينَ الْقِبْلَةِ. فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا. ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ. وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ. فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ. انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ. وَقَامُوا، ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا،
ــ
صف) واحد منهما قائم (خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو) أي الكفار نازل (بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه وسلم تكبيرة الإحرام (وكبرنا جميعًا) أي كبر كل من الصفين معه صلى الله عليه وسلم أي أحرم كلنا معه صلى الله عليه وسلم بعد ما جعلنا صفين (ثم ركع وركعنا جميعًا) أي هوى كل من الصفين معه صلى الله عليه وسلم ركوع الركعة الأولى (ثم رفع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (رأسه من الركوع ورفعنا) رؤوسنا (جميعًا) أي كل من الصفين معه صلى الله عليه وسلم من الركوع (ثم انحدر) أي خر وسقط النبي صلى الله عليه وسلم (بالسجود) أي لسجود الركعة الأولى (و) انحدر وخر معه صلى الله عليه وسلم (الصف الذي يليه) صلى الله عليه وسلم يعني سجد معه صلى الله عليه وسلم الصف المقدم، وهو بالرفع معطوف على فاعل وانحدر من غير تأكيد بضمير رفع منفصل لوجود الفاصل، وأجازوا فيه النصب على أنه مفعول معه انظر المرقاة (وقام الصف المؤخر) أي ثبت قائمًا (في نحو العدو) أي في مقابلته وحراسته، ونحر كل شيء أوله قاله النواوي، وفي بعض النسخ نخت هـ العدو وبالواو بدل الراء وهو غلط نشأ من التباس الخط حتى التبس على ملا علي فقال: وفي نسخة في نحو العدو وسلم من هذا الغلط في جمعه (نحور) لعدم التباس الخط فيه (فلما قضى) وأتم (النبي صلى الله عليه وسلم السجود) أي سجود الركعة الأولى (وقام) هو و (الصف الذي يليه) وهو الساجدون معه (انحدر) وهوى (الصف المؤخر بالسجود) وهم في محلهم (وقاموا ثم) بعد قيامهم (تقدم) إلى جهة الإمام هؤلاء (الصف المؤخر) الساجدون أخيرًا (وتأخر) إلى مكانهم (الصف المقدم) الساجدون أولًا مع الإمام (ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم ركوع الركعة الثانية (وركعنا جميعًا) أي كلا الصفين معه صلى الله
ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ والصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ. فَسَجَدُوا. ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا. قَال جَابِرٌ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلاءِ بِأُمَرَائِهِمْ.
1837 -
(00)(00) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُونُسَ. حَدَّثَنَا زُهَيرٌ. حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيرِ عَنْ جَابِرٍ. قَال: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
عليه وسلم (ثم رفع) النبي صلى الله عليه وسلم (رأسه من الركوع ورفعنا) معاشر الصفين (جميعا) رؤوسنا من الركوع (ثم انحدر) وهوى النبي صلى الله عليه وسلم (بالسجود و) انحدر معه (الصف الذي يليه الذي كان موخرًا في الركعة الأولى وقام الصف الموخر) أي ثبت قائمًا (في نحور العدو) ومقابلتهم (فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم أي أتم (السجود و) أتم (الصف الذي إليه) سجودهم (انحدر) وخر (الصف الموخر بالسجود فسجدوا) أي أتموا سجودهم (ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته (وسلمنا جميعا) أي كلا الصفين معه (قال جابر) بالسند السابق: صنعنا بالنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ (كما يصنع حرسكم) وأعوانكم (هؤلاء بأمرائهم) والحرس خدم السلطان المرتبون لحفظه وحراسته كما في النهاية، ويقال في واحده أيضًا حرسي بفتحتين.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 298] ، والبخاري [4125] ، والنسائي [3/ 175 - 178] ، وابن ماجه [1260].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
1837 -
(00)(00)(حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس) بن قيس التميمي أبو عبد الله الكوفي، ثقة، من (10)(حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج الجعفي أبو خيثمة الكوفي، ثقة، من (7)(حدثنا أبو الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي المكي، صدوق، من (4)(عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني رضي الله عنه، وهذا السند من رباعياته رجاله اثنان منهم كوفيان وواحد مدني وواحد مكي، غرضه بسوقه بيان متابعة أبي الزبير لعطاء بن أبي رباح في رواية هذا الحديث عن جابر، وكرر المتن لما بين الروايتين من المخالفة (قال) جابر (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قاتلنا
قَوْمًا مِنْ جُهَينَةَ. فَقَاتَلُونَا قِتَالًا شَدِيدًا. فَلَمَّا صَلَّينَا الظُّهْرَ قَال الْمُشْرِكُونَ: لَوْ مِلْنَا عَلَيهِمْ مَيلَةً لاقْتَطَعْنَاهُمْ. فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ. فَذَكَرَ ذلِكَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال وَقَالُوا: إِنَّهُ سَتَأْتِيهِمْ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيهِمْ مِنَ الأَوْلادِ. فَلَمَّا حَضَرَتِ الْعَصْرُ، قَال: صَفَّنَا صَفَّينِ. وَالْمُشْرِكُونَ بَينَنَا وَبَينَ الْقِبْلَةِ. قَال فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا. وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا. ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ. فَلَمَّا قَامُوا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي
ــ
(قومًا من جهينة) قبيلة معروفة قرب المدينة المنورة (فقاتلونا) أي فقاتل أولئك القوم المسلمين (قتالًا شديدًا فلما صلينا الظهر قال المشركون) بعضهم لبعض (لو ملنا) أي حملنا (عليهم) أي على المسلمين (ميلة) أي حملة واحدة أي لو حملنا عليهم حملة واحدة وهجمناهم كما قال تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيكُمْ مَيلَةً وَاحِدَةً} ففي أنوار التنزيل: تمنوا أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم فيشتدون عليكم شدة واحدة وهو بيان ما لأجله أمروا بأخذ السلاح اهـ. والشدة بالفتح الحملة في الحرب كما في القاموس (لاقتطعناهم) أي لأصبناهم منفردين واستأصلناهم (فأخبر جبريل) الأمين عليه السلام (رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) التشاور الذي تشاوروا عليه (فذكر ذلك) التشاور الذي أخبره جبريل عليه السلام (لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال) جابر (وقالوا) أي وقال المشركون أيضًا فهو معطوف على قوله قال المشركون (إنه) أي إن الشأن والحال (ستأتيهم) أي ستأتي المسلمين (صلاة هي أحب إليهم) أي عندهم (من الأولاد) أي من أولادهم، قال القاضي: كذا للأكثر، وعند بعضهم من الأولى، والصواب الأول، وعند ابن أبي شيبة هي أحب إليهم من أبنائهم زاد الدارقطني: ومن أنفسهم اهـ أبي (فلما حضرت العصر) أي دخل وقتها (قال) جابر (صفنا) أي فرقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلنا (صفين والمشركون بيننا وبين القبلة قال) جابر رضي الله عنه (فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرام صلاة العصر (وكبرنا) معه صلى الله عليه وسلم (وركع) رسول الله صلى الله عليه وسلم ركوع الركعة الأولى (فركعنا) معه (ثم سجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم سجود الركعة الأولى (وسجد معه) صلى الله عليه وسلم (الصف الأول فلما قاموا) أي فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم والساجدون معه (سجد الصف الثاني) الذين كانوا في الحراسة في
ثُمَّ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الصَّفُّ الثَّانِي. فَقَامُوا مَقَامَ الأَوَّلِ. فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا. وَرَكَعَ فَرَكَعْنَا. ثُمَّ سَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الأَوَّلُ. وَقَامَ الثَّانِي. فَلَمَّا سَجَدَ الصَّفُّ الثَّانِي، ثُمَّ جَلَسُوا جَمِيعًا، سَلَّمَ عَلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال أَبُو الزُّبَيرِ: ثُمَّ خَصَّ جَابِرٌ أَنْ قَال: كَمَا يُصَلِّي أُمَرَاؤُكُمْ هَؤُلاءِ.
1838 -
(805)(209) حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ. حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ،
ــ
الركعة الأولى (ثم) بعد فراغهم من السجود (تأخر الصف الأول) عن مقامهم (وتقدم الصف الثاني) إلى جهة الإِمام (فقاموا مقام) الصف (الأول فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لركوع الركعة الثانية (وكبرنا) معه (وركع) رسول الله صلى الله عليه وسلم (فركعنا) عقبه (ثم سجد) رسول الله صلى الله عليه وسلم سجود الركعة الثانية (وسجد معه) صلى الله عليه وسلم (الصف الأول) الذي تقدم إليه (وقام) الصف (الثاني) في الحراسة (فلما سجد الصف الثاني) أي فرغوا من سجودهم (ثم جلسوا) كلهم (جميعا) وتشهدوا (سلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليم الفراغ من الصلاة (قال أبو الزبير) المكي (ثم خص جابر) أي أجمل جابر ما فصله أولًا عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (أن قال) صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في ذلك اليوم (كما يصلي أمراؤكم هؤلاء) بكم عند الخوف أو المعنى خص أي بين جابر ومثل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بـ (أن قال) صلى بنا صلاة الخوف (كما يصلي) بكم (أمراؤكم هؤلاء) الذين يقودون بكم.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثانيًا لحديث ابن عمر بحديث سهل بن أبي حثمة رضي الله تعالى عنهما فقال:
1838 -
(805)(209)(حدثنا عبيد الله بن معاذ) التميمي (العنبري) البصري (حدثنا أبي) معاذ بن معاذ العنبري البصري (حدثنا شعبة) بن الحجاج العتكي البصري (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي أبي محمد المدني، ثقة جليل، من (6) روى عنه في (5) أبواب (عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر
عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ. فَصَفَّهُمْ خَلْفَهُ صَفَّينِ. فَصَلَّى بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً. ثُمَّ قَامَ. فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً، ثُمَّ تَقَدَّمُوا وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ. فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً. ثُمَّ قَعَدَ حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا رَكْعَةً. ثُمَّ سَلَّمَ
ــ
الصديق التيمي المدني، ثقة، من (3) روى عنه في (5) أبواب (عن صالح بن خوات) بفتح المعجمة وتشديد الواو (ابن جبير) بن النعمان الأنصاري المدني، روى عن أبيه في الصلاة وعمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، وخاله وسهل بن أبي حثمة، ويروي عنه (ع) والقاسم بن محمد ويزيد بن رومان، وثقه النسائي، وقال ابن سعد: قليل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من الرابعة (عن سهل بن أبي حثمة) عبد الله بن ساعدة بن عامر الأنصاري الخزرجي الصحابي الصغير رضي الله عنه، يقال قُبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنوات، أبي يحيى المدني، له (25) خمسة وعشرون حديثًا، اتفقا على ثلاثة، ولد سنة ثلاث من الهجرة ومات في خلافة معاوية، يروي عنه صالح بن خوات بن جبير في الصلاة، و (ع) وعروة بن الزبير والزهري ونافع بن جبير وغيرهم. وهذا السند من سباعياته رجاله أربعة منهم مدنيون وثلاثة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم) أي فرق الأصحاب (خلفه) وجعلهم (صفين فصلى بـ) الصف (الذين يلونه ركعة ثم قام) إلى الثانية (فلم يزل) النبي صلى الله عليه وسلم (قائما) في الثانية ثابتًا فيها (حتى صلى) أي أتم (الذين خلفهم) لأنفسهم (ركعة) باقية لهم (ثم) جاء الذين خلفهم و (تقدموا) إلى الإمام (وتأخر الذين كانوا قدامهم) وذهبوا إلى العدو (فصلى بهم) أي بالذين جاءوا (ركعة) باقية له (ثم قعد) النبي صلى الله عليه وسلم في جلوس التشهد (حتى صلى) هؤلاء (الذين تخلفوا) أي قاموا خلفهم أولًا وجاءوا الآن (ركعة) باقية لهم (ثم سلم) بهم وبهذا التأويل والتقدير الذي قدرناه صحت هذه الرواية وتكون موافقة لما بعدها ففيها حذف وتقديم وتأخير ولم أر من ذكرها وصححها من الشراح والله سبحانه وتعالى أعلم.
1839 -
(00)(00) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى. قَال: قَرَأْتُ
ــ
ورواية أبي داود بسندها (حدثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري، أن سهل بن أبي حثمة الأنصاري حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام وطائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائمًا ثبت قائمًا وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم فكانوا وجاه العدو، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبروا وراء الإمام فيركع بهم ويسجد بهم، ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون) قال أبو داود: وأما رواية يحيى بن سعيد عن القاسم نحو رواية يزيد بن رومان الآتية إلا أنه خالفه في السلام، ففي رواية يحيى الأنصاري يسلم الإمام قبل إتمام الطائفة الثانية صلاتهم، وفي رواية يزيد بن رومان يسلم الإمام بالطائفة الثانية بعد انتظار إتمامها جلوسًا كما سيأتي في المتن.
ورواية عبيد الله بن معاذ العنبري التي نحن فيها نحو رواية يحيى بن سعيد الأنصاري، قال صاحب العون: وقول أبي داود (نحو رواية يحيى) يحتمل معنيين الأول أن رواية عبيد الله من طريق شعبة عن عبد الرحمن عن القاسم نحو رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم لكن رواية عبد الرحمن عن القاسم فيها اختصار وهو عدم الذكر لإتمام الطائفة الأولى ركعتهم الأخرى وانتظار الإمام لهم قائمًا، ورواية يحيى الأنصاري عن القاسم مشتملة على هذه الزيادة فتحمل رواية عبد الرحمن على رواية يحيى بتقدير هذه الزيادة فيها كما قدرناها في حلنا آنفًا، والمعنى الثاني أن رواية عبيد الله أيضًا نحو رواية يحيى بن سعيد بتقدير هذه الزيادة وهو ذكر إتمام الطائفة الأولى ركعتهم الآخرة، ولم يسق أبو داود رواية عبيد الله بن معاذ هذه وإنما ساق رواية يحيى بن سعيد ورواية يزيد بن رومان اهـ بتصرف. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 448] ، والبخاري [4131] ، وأبو داود [1237 - 1239] ، والترمذي [565] ، والنسائي [3/ 170 - 171] ، وابن ماجه [1259].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه فقال:
1839 -
(00)(00)(حدثنا يحيى بن يحيى) التميمي النيسابوري (قال قرأت
عَلَى مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ، صَلَاةَ الْخَوْفِ؛ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ وجَاهَ الْعَدُوِّ
ــ
على مالك) بن أنس الأصبحي المدني (عن يزيد بن رومان) القرشي الأسدي مولاهم مولى الزبير بن العوام أبي روح المدني، روى عن صالح بن خوات في الصلاة، وعروة بن الزبير في العتق والبر والزهد، ويروي عنه (ع) ومالك وعبيد الله بن عمر ومعاوية بن أبي مزرد وأبو حازم بن دينار وهشام بن عروة وجماعة، وثقه ابن سعد والنسائي، وقال في التقريب: ثقة، من الخامسة، مات سنة (130) ثلاثين ومائة (عن صالح بن خوات) -بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو- الأنصاري المدني، تابعي ثقة، وأبوه صحابي جليل (عمن صلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم) غزوة (ذات الرقاع صلاة الخوف) قيل هو سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله كلهم مدنيون إلا يحيى بن يحيى فإنه نيسابوري، وغرضه بسوقه بيان متابعة يزيد بن رومان للقاسم بن محمد في رواية هذا الحديث عن صالح بن خوات، وكرر متن الحديث لما بين الروايتين من المخالفة، وقال الحافظ: والراجح أن الصحابي المبهم أبو صالح خوات بن جبير كما جزم به النواوي في تهذيبه، وقال: إنه محقق من رواية مسلم وغيره، وذلك لأن أبا أويس رواه عن يزيد شيخ مالك فقال: عن صالح، عن أبيه أخرجه ابن منده، ويحتمل أن صالحًا سمعه من أبيه ومن سهل فأبهمه تارة وعينه أخرى لكن قوله (يوم ذات الرقاع) يعين أن المبهم هو أبوه إذ ليس في رواية صالح عن سهل أنه صلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده أن سهلًا لم يكن في سن من يخرج في تلك الغزوة لصغره لكن لا يلزم أن لا يرويها فروايته إياها مرسل صحابي فبهذا يقوى تفسير الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بخوات بن جبير وعلى هذا فغرضه بسوقه هذا الحديث الاستشهاد اهـ من عون المعبود. وسميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء وإعواز النعال فكانوا يلفون عليها الخرق، وقيل: لأنهم رقعوا راياتهم، وقيل: لأن هناك جبلًا يقال له الرقاع لبياض وسواد وحمرة كانت فيه (أن طائفة صفت معه) صلى الله عليه وسلم والطائفة الفرقة، والقطعة من الشيء تقع على القليل والكثير (وطائفة) صفت (وجاه العدو) بكسر الواو وضمها يقال وجَاهُهُ ووُجَاهُهُ وتُجَاهُهُ أي قبالته
فَصَلَّى بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً. ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وجَاهَ الْعَدُوِّ. وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ. ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا. وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ. ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ.
1840 -
(806)(210) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا عَفَّانُ. حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ، قَال: كُنَّا إِذَا أَتَينَا عَلَى شَجَرَةٍ
ــ
وهو ظرف متعلق بمحذوف (فصلى بالذين معه ركعة ثم) قام بهم و (ثبت قائمًا وأتموا) صلاتهم (لأنفسهم) منفردين (ثم انصرفوا) أي ذهبوا إلى نحو العدو (فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى) التي كانت تجاه العدو وأحرموا (فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت) النبي صلى الله عليه وسلم ودام (جالسا) للتشهد لم يخرج من صلاته (وأتموا) أي أتم هؤلاء الصف الأخير صلاتهم (لأنفسهم ثم سلم بهم) النبي صلى الله عليه وسلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 448] ، والبخاري [4129]، قال أبو داود: وحديث يزيد بن رومان أحب ما سمعت إلي في صلاة الخوف اهـ.
ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى ثالثًا لحديث ابن عمر بحديث آخر لجابر رضي الله تعالى عنهما فقال:
1840 -
(806)(210)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي (حدثنا عفان) بن مسلم بن عبد الله الأنصاري مولاهم أبو عثمان البصري، ثقة، من (10) قال العجلي: ثقة ثبت، من كبار العاشرة (حدثنا أبان بن يزيد) العطار أبو يزيد البصري، ثقة، من (7)(حدثنا يحيى بن أبي كثير) صالح بن المتوكل الطائي اليمامي، ثقة، من (5)(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري المدني، وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان واثنان بصريان وواحد يمامي وواحد كوفي وفيه التحديث والعنعنة (قال) جابر (أقبلنا) أي خرجنا (مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للجهاد (حتى إذا كنا بذات الرقاع) أي بموضع يُسمى ذات الرقاع (قال) جابر و (كنا) في عادتنا معاشر الصحابة (إذا أتينا) ووقفنا (على شجرة
ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قَال: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيفُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُعَلَّقٌ بشَجَرَةٍ. فَأَخَذَ سَيفَ نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَرَطَهُ. فَقَال لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَخَافُنِي؟ قَال: "لا" قَال: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَال: "اللهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ" قَال: فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَغْمَدَ السَّيفَ وَعَلَّقَهُ
ــ
ظليلة) أي ذات ظل كثير (تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليستريح تحتها وطلبنا لأنفسنا غيرها، وجملة القول الثاني معترضة بين إذا الأولى وجوابها وهو قوله (قال: فجاء رجل) ولفظة (قال) مؤكدة لقال الأولى، والفاء في قوله (فجاء) زائدة في جواب إذا، والتقدير: قال جابر: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع جاء رجل بدوي (من المشركين) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منفرد تحت شجرة ظليلة (وسيف رسول الله) أي والحال أن سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق) بغلافها (بشجرة) أي بغصن شجرة هو تحتها (فأخذ) الأعرابي (سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه) أي اخترط الأعرابي سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سله وأخرجه من غمده، وهو افتعل من الخرط يقال خرطت العود أخرطه خرطًا من باب نصر قشرته اهـ أبي (فقال) الأعرابي (لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتخافني) يا محمد (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا) أخافك (قال) الأعرابي (فمن يمنعك) أي يحفظك (مني) أي من قتلي إياك لأنك وحيد عن الغوث (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله يمنعني) أي يحفظني (منك) أي من إذايتك وقتلك، قوله (الله يمنعني منك) قال الأبي: وإنما أطنب صلى الله عليه وسلم في الجواب وكان يكفيه أن يقول: الله، لا سيما ومن مقامات الإيجاز الحذف لأنه صلى الله عليه وسلم في مقام الأمن والطمأنينة والثقة في غايةٍ بعصمة ربه عز وجل له قال تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ولما علم من عظيم شجاعته صلى الله عليه وسلم بحيث لا تقلق نفسه بخطور المخوف ولو عظم فبسط كلامه صلى الله عليه وسلم بسط أمر لا يرتاع إذا جاءه مخوف هائل اهـ منه (قال) جابر (فتهدده) أي تهدد ذلك الأعرابي (أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أي خوفوه بالقتل يقال: تهدده إذا توعده وهدده إذا خوفه (فأغمد) الأعرابي (السيف) أي أدخله في غمده وغلافه (وعلقه) أي علق السيف على الشجرة وذهب ولم
قَال: فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ. فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَينِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَينِ. قَال: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ. وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ.
1841 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا يَحْيَى، (يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ)، حَدَّثَنَا مُعَاويَةُ، (وَهُوَ ابْنُ سَلَّامٍ). أَخْبَرَنِي
ــ
يعاقبه النبي صلى الله عليه وسلم (قال) جابر (فنودي بالصلاة) أي أُذن لها، وفيه مشروعية الأذان في السفر (فصلى) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بطائفة ركعتين ثم تأخروا) وذهبوا إلى جهة العدو (وصلى) مرة ثانية (بالطائفة الأخرى) التي كانت وجاه العدو بعد ما ذهبت المصلية معه وجاءت الأخرى (ركعتين قال) جابر (فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوبع ركعات) ركعتان فريضة وركعتان نافلة (وللقوم) أي ولكل من الصفين (ركعتان) ركعتان. قال النواوي: معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين وسلم وسلموا وبالثانية كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم متنفلًا في الثانية وهم مفترضون. واستدل به الشافعي على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل اهـ وتبعه ابن حجر، ونحن معاشر الأحناف لا نسلم ذلك فنقول كما في المرقاة لا ينبغي أن يحمل الحديث على المختلف في جوازه ويترك ظاهره المتفق على صحته، وقد قيل إن هذا كان قبل آية القصر أو في موضع الإقامة فقوله في الحديث وللقوم ركعتان يعني مع الإمام، وقول النواوي: وسلم وسلموا غير مُسلّم بل كل من الطائفتين أتموا صلاتهم أربعًا إلا أن إحدى الطائفتين أتموها بصفة اللاحق والأخرى بصفة المسبوق على ما ذكر في كتب فقه الأحناف، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [3/ 364] ، والبخاري [4136] تعليقًا والله أعلم.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر هذا رضي الله عنه فقال:
1841 -
(00)(00)(وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن مهران (الدارمي) أبو محمد السمرقندي، ثقة متقن، من (11) روى عنه في (14) بابًا (أخبرنا يحيى يعني ابن حسان) بن حيان بتحتانية التنيسي البكري أبو زكرياء البصري، ثقة، من (9) روى عنه في (6) أبواب (حدثنا معاوية وهو ابن سلّام) بتشديد اللام، بن أبي سلام ممطور الحبشي أبو سلام الدمشقي، ثقة، من (7) روى عنه في (4) أبواب (أخبرني
يَحْيَى. أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ؛ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْخَوْفِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِإِحْدَى الطَّائِفَتَينِ رَكْعَتَينِ ثُمَّ صَلَّى بِالطَّائِفَةِ الأُخْرَى رَكْعَتَينِ. فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ. وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَينِ
ــ
يحيى) بن أبي كثير الطائي اليمامي (أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن) الزهري المدني (أن جابرًا) ابن عبد الله الأنصاري المدني (أخبره) وهذا السند من سداسياته رجاله اثنان منهم مدنيان وواحد يمامي وواحد شامي وواحد بصري وواحد سمرقندي، وغرضه بسوقه بيان متابعة ابن سلام لأبان بن يزيد في الرواية عن يحيى بن أبي كثير (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف) في غزوة ذات الرقاع (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوبع ركعات وصلى بكل طائفة ركعتين).
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب أربعة أحاديث الأول حديث ابن عمر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث جابر الأول ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والثالث حديث سهل بن أبي حثمة ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة، والرابع حديث جابر الثاني ذكره للاستشهاد وذكر فيه متابعة واحدة والله سبحانه وتعالى أعلم.
إلى هنا وصلت في كتابة هذا الشرح قبيل المغرب من يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك من شهور سنة 29/ 9 / 1422 هـ ألف وأربعمائة واثنين وعشرين من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية.
* * *