المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌382 - (93) باب: الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد - الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌327 - (39) باب: أي أركان الصلاة أفضل وأن في الليل ساعة يستجاب فيها الدعاء

- ‌328 - (40) باب: فضل آخر الليل ونزول الله سبحانه وتعالى فيه إلى السماء الدنيا، وقوله من يدعوني فأستجيب له

- ‌329 - (41) باب: الترغيب في قيام رمضان وليلة القدر وكيفية القيام

- ‌330 - (42) باب: في كيفية صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل ودعائه

- ‌331 - (43) باب: افتتاح التهجد بركعتين خفيفتين وبالأذكار وفعله في ثوب واحد

- ‌332 - (44) باب: ترتيل القراءة والجهر بها وتطويلها في صلاة الليل

- ‌333 - (45) باب: استغراقِ الليل بالنوم من آثار الشيطان وكون الإنسان أكثر شيء جدلًا

- ‌334 - (46) باب: استحباب صلاة النافلة وقراءة البقرة في بيته وجوازها في المسجد

- ‌335 - (47) باب: أحب العمل إلى اللَّه أدومه وإن قل صلاة كان أو غيرها

- ‌336 - (48) باب: كراهية التعمق في العبادة وأمر من استعجم عليه القرآن أو الذكر أو نعس أن يرقد

- ‌أبواب فضائل القرآن وما يتعلق به

- ‌337 - (49) باب: الأمر بتعاهد القرآن واستذكاره وكراهة قول: نسيت آية كذا وجواز قول أنسيتها

- ‌338 - (50) باب: استحباب تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

- ‌339 - (51) باب: ذكر قراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم: سورة الفتح يوم فتح مكة

- ‌340 - (52) باب: نزول السكينة لقراءة القرآن

- ‌341 - (53) باب: أمْثالِ مَنْ يقرأ القرآنَ ومن لا يقرأ وفضل الماهر بالقرآن والذي يتعب فيه

- ‌342 - (54) باب: استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه

- ‌343 - (55) باب: فضل استماع القرآن وطلب القراءة من حافظ للاستماع، والبكاء عند القراءة والتدبر

- ‌344 - (56) باب: فضل تعلم القرآن وقراءته في الصلاة

- ‌345 - (57) باب: فضل قراءة القرآن وفضل قراءة سورة البقرة وسورة آل عمران

- ‌346 - (58) باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، والحث على قراءة الآيتين من آخرها

- ‌347 - (59) باب: فضل سورة الكهف وآية الكرسيّ

- ‌348 - (60) باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}

- ‌349 - (61) باب: فضل قراءة المعوذتين

- ‌350 - (62) باب: لا حسد إلا في اثنتين ومن يرفع بالقرآن

- ‌351 - (63) باب: نزول القرآن على سبعة أحرف

- ‌352 - (64) باب: الترتيل في القراءة واجتناب الهذ فيها، وإباحة جمع سورتين فأكثر في ركعة

- ‌353 - (65) باب: قراءة ابن مسعود رضي الله عنه

- ‌354 - (66) باب: الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، وتحريها بالصلاة فيها

- ‌356 - (67) باب: أحاديث الركعتين اللتين يصليهما النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد العصر

- ‌357 - (68) باب: الركوع بعد الغروب وقبل المغرب

- ‌358 - (69) باب: صلاة الخوف

- ‌أبواب الجمعة

- ‌359 - (70) باب: ندب غسل يوم الجمعة لحاضرها وتأكيده وجواز الاقتصار على الوضوء

- ‌360 - (71) باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به

- ‌361 - (72) باب: استحباب السواك والطيب يوم الجمعة

- ‌362 - (73) باب: مشروعية الغسل في يوم من أيام الأسبوع سواء لحاضرها أو لغيره

- ‌363 - (74) باب: تفاوت درجات المبكرين إلى الجمعة

- ‌364 - (75) باب الإنصات يوم الجمعة في الخطبة والإنصات السكوت مع الإصغاء

- ‌365 - (76) باب: في الساعة التي يستجاب فيها الدعاء في يوم الجمعة

- ‌366 - (77) باب: فضل يوم الجمعة وهداية هذه الأمة له

- ‌367 - (78) باب: فضل التهجير إلى الجمعة وفضل من أنصت واستمع إلى الخطبة

- ‌368 - (79) باب: وقت صلاة الجمعة حين تزول الشمس

- ‌369 - (80) باب: الخطبتين قبل صلاة الجمعة وما يشترط فيهما من القيام فيهما والجلوس بينهما والدعاء والقراءة

- ‌370 - (81) باب: التغليظ في ترك الجمعة واستحباب كون الصلاة والخطبة قصدًا

- ‌371 - (82) باب: ما يقال في الخطبة من الحمد والثناء على الله تعالى والإتيان بأما بعد ورفع الصوت بها

- ‌372 - (83) باب: من مئنة فقه الرجل طول صلاته وقصر خطبته والإنكار على من أساء الأدب في الخطبة

- ‌373 - (84) باب: قراءة القرآن في الخطبة والإشارة باليد فيها

- ‌374 - (85) باب: ركوع من دخل والإمام يخطب والتعليم في حالة الخطبة

- ‌375 - (86) باب: ما يقرأ به في صلاة الجمعة وفي صبح يومها

- ‌376 - (87) باب: التنفل بعد الجمعة والفصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال

- ‌أبواب العيدين

- ‌377 - (88) باب: الصلاة فيهما قبل الخطبة

- ‌378 - (89) باب: لا أذان ولا إقامة لصلاة العيدين وأن الخطبة بعدها

- ‌379 - (90) باب: خروج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إلى المصلى في العيدين وإقباله على النَّاس في الخطبة وأمرهم بالصدقة والإنكار على من بدأ بالخطبة قبل الصلاة

- ‌380 - (91) باب: الأمر بإخراج العواتق وذوات الخدور إلى العيدين ومجامع الخير والدعوة للمسلمين وأمر الحيض باعتزالهن عن مصلى المسلمين

- ‌381 - (92) باب: لا صلاة في المصلى قبل صلاة العيدين ولا بعدها وبيان ما يقرأ في صلاتهما

- ‌382 - (93) باب: الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد

الفصل: ‌382 - (93) باب: الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد

‌382 - (93) باب: الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد

1952 -

(859)(262) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ قَالتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ. تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتْ بِهِ الأَنْصَارُ، يَوْمَ بُعَاثٍ

ــ

382 -

(93) باب الفرح واللعب بما يجوز في أيام العيد

1952 -

(859)(262)(حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي شيبة) الكُوفيّ (حَدَّثَنَا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي مولاهم الكُوفيّ، ثِقَة، من (9)(عن هشام) بن عروة بن الزُّبير الأسدي المدنِيُّ، ثِقَة، من (5)(عن أَبيه) عروة بن الزُّبير أبي عبد الله المدنِيُّ أحد الفقهاء السبعة، ثِقَة، من (2) روى عنه في (20) بابا (عن عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله تعالى عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان كوفيان (قالت) عائشة (دخل علي) في بيتي والدي (أبو بكر) الصديق رضي الله تعالى عنهما (وعندي) في بيتي (جاريتان) أي شابتان (من جواري الْأَنصار) أي من شواب بنات الْأَنصار إحداهما لحسان بن ثابت كما في الطَّبْرَانِيّ أو كلاهما لعبد الله بن سلام اهـ قسطلا. والجارية هي فتية النساء أي شابتهن سميت بها لخفتها وكثرة جريها في بيت أهلها للخدمة، ثم توسعوا حتَّى سموا كل أمة جارية وإن كانت غير شابة، ولكن المراد هنا معناها الأصلي كما في حديث الصديقة الآتي (وأنا جارية) قال القرطبي: الجارية في النساء كالغلام في الرجال وهما يقالان على من دون البلوغ منهما ولذلك قالت عائشة عن نفسها فاقدروا قدر الجارية العربة أي المحببة عند زوجها (تغنيان) أي ترفعان أصواتهما (بما تقاولت به الْأَنصار) أي بإنسْاد شعر تخاطبت به الْأَنصار بعضهم بعضًا (يوم) وقعة (بعاث) التي كانت بينهم في الجاهلية، والغناء إنشاد الشعر بصوت رقيق فيه تمطيط وهو يجري مجرى الحداء، ويوم بعاث -بضم الموحدة والعين المهملة- كان يومًا معروفًا من أيام الحروب المعروفة بين الأوس والخزرج، وكان الظهور فيه للأوس على الخزرج؛ أي بما تخاطبت به القبيلتان في الحرب من الأشعار التي يفتخرون بها ويهجو بها بعضهم بعضًا وهم أهل قبيلتين الأوس والخزرج وكان بينهما قبل إسلامهم بين المبعث والهجرة ما حكاه الله سبحانه وتعالى في كتابه بقوله واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم الآية، وقوله (يوم بعاث) هو اسم مقتلة عظيمة فيما بينهم،

ص: 411

قَالتْ: وَلَيسَتَا بِمُغَنِّيَتَينِ

ــ

وذلك بين المبعث والهجرة، وكان الظفر فيها للأوس، ويطلق اليوم ويراد به الوقعة، يقال ذكر في أيام العرب كذا أي في وقائعها كما في أساس البلاغة، و (بعاث) اسم حصن للأوس يصرف ولا يصرف، وبعضهم يقول (بغاث) بالغين المعجمة، وهو تصحيف قاله ابن الأثير، وقال المجد: وبعاث بالعين والغين كغراب، ويثلث موضع بقرب المدينة، ويومه معروف اهـ فليحرر.

(قالت) عائشة (وليستا) أي الجاريتان (بمغنيتين) أي ممن يعرف الغناء كما تعرفه المغنيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرز من الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرك النفوس ويبعثها على الهوى والغزل والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور المحرمات لا يختلف في تحريمه لأنه اللهو واللعب المذموم بالاتفاق، فأما ما سلم من تلك المحرمات فيجوز القليل منه في أوقات الفرح كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، ويدل على جواز هذا النوع هذا الحديث وما في معناه على ما يأتي في أبوابه مثل ما جاء في الوليمة، وفي حفر الخندق، وفي حدو الحبشة وسلمة بن الأكوع.

فأما ما ابتدعه الصوفية اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة فمن قبيل ما لا يختلف في تحريمه لكن النفوس الشهوانية والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن ينسب إلى الخير وشُهر بذكره حتَّى عموا عن تحريم ذلك وعن فحشه حتَّى قد ظهرت من كثير منهم عورات المُجَّان والمخانيث والصبيان فيرقصون ويزفنون بحركات مطابقة وتقطيعات متلاحقة في أذكارهم كما يفعل أهل السفه والمجون، وقد انتهى التواقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا إن تلك الأمور من أبواب القرب وصالحات الأعمال وأن ذلك يثمر صفاء الأوقات وسيئات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة وقول أهل البطالة والمخرفة نعوذ بالله من البدع والفتن ونسأله التوبة والمشي على السنن اهـ من المفهم.

قال القاضي: (قولها وليستا بمغنيتين) أي ليس الغناء عادة لهما ولا هما معروفتان به إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة، وهذا لا يهيج الجواري على شر، ولا إنشادهما كذلك من الغناء المختلف فيه، وإنما هو

ص: 412

فَقَال أَبُو بَكْرٍ: أَبِمُزْمُورِ الشَّيطَانِ في بَيتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟

ــ

رفع الصوت بالإنشاد ولهذا قالت: وليستا بمغنيتين، أي ليستا ممن يغني بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل (الغنا رقية الزنا) وليستا أَيضًا ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعةً وكسبًا، والعرب تسمي الإنشاد غناءً وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح، وقد استجازت الصَّحَابَة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاد والترنم، وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه، وهذا ومثله ليس بحرام ولا يحرج الشاهد اهـ منه.

(فقال أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (أ) ترفعان (بمزمور الشيطان) وصوته وتظهرانه (في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والمزمور -بضم الميم الأولى وفتحها والضم أشهر- ولم يذكر القاضي غيره، ويقال أَيضًا مزمار وأصله صوت بصفير، والزمير الصوت، ويطلق على الغناء أَيضًا.

وهذا إنكار منه لما سمع مستصحبًا لما كان مقررًا عنده من تحريم اللهو والغناء جملةً حتَّى ظن أن هذا من قبيل ما ينكر فبادر إلى ذلك قيامًا عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بذلك على ما ظهر له وكأنه ما كان تبين له أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قررهن على ذلك بعد، وعند ذلك قال له النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: دعهما، ثم علل الإباحة بأنه يوم عيد يعني أنَّه يوم سرور وفرح شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا (والمزمور) الصوت، ونسبته إلى الشيطان ذم على ما ظهر لأبي بكر، وفي الإرشاد: أضافها للشيطان لأنها تلهي القلب عن ذكر الله تعالى وهذا من الشيطان اهـ. قال الإِمام: فأما الغناء بآلة مطربة فيمنع، وبغير آلة اختلف النَّاس فيه فمنعه أبو حنيفة وكرهه الشَّافعيّ ومالك وحكى أصحاب الشَّافعيّ عن مالك أن مذهبه الإجازة من غير كراهة.

قال القاضي: المعروف من مذهب مالك المنع لا الإجازة. قلت: ذكر الأئمة هذا الخلاف هكذا مطلقًا ولم يفصلوا موضعه، والتفصيل الذي ذكرناه لا بد من اعتباره، وبما ذكرناه يجتمع شمل مقصود الشرع الكلي ومضمون الأحاديث الواردة في ذلك، وينبغي أن يستثني من الآلات التي ذكر الإِمام الدف فإنَّه قد جاء ذكره في هذا الحديث وفي حديث العرس اهـ من المفهم.

ص: 413

وَذلِكَ في يَوْمِ عِيدٍ. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا. وَهذَا عِيدُنَا".

1953 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَاه يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيبٍ. جَمِيعًا عَنْ أَبِي مُعَاويةَ، عَنْ هِشامٍ، بِهذَا الإِسْنَادِ. وَفِيهِ: جَارِيَتَانِ تَلْعَبَانِ بِدُفٍّ

ــ

(وذلك) المذكور من غناء الجاريتين وإنكار أبي بكر عليهما كان (في يوم عيد) الأضحى كما صرح به في الرواية الآتية بقوله في أيام مني (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (يَا أَبا بكر) دعهما (إن لكل قوم عيدا) أي يوم فرح وسرور (وهذا) اليوم (عيدنا) فلا يمنع فيه إظهار الفرح والسرور، قال النواوي: وفي قوله (أبمزمور الشيطان) الخ، فيه أن مواضع الصالحين وأهل الفضل تنزه عن الهوى واللغو ونحوه وإن يكن فيه إثم، وفيه أن التابع للكبير إذا رأى بحضرته ما يستنكر أو لا يليق بمجلس الكبير ينكره ولا يكون بهذا افتياتًا على الكبير بل هو أدب ورعاية حرمة وإجلال للكبير من أن يتولى ذلك بنفسه وصيانة لمجلسه، وإنما سكت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عنهن لأنه مباح لهن وتَسَجى بثوبه وحول وجهه عن اللهو، ولئلا يستحيين فيقطعن ما هو مباح لهن، وكان هذا من رأفته صلى الله عليه وسلم وحلمه وحسن خلقه اهـ منه. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [6/ 33 و 127] والبخاري [949] والنَّسائيّ [3/ 195].

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

1953 -

(00)(00)(وحدثناه يحيى بن يحيى) النَّيسَابُورِيّ (وأبو كُريب) محمَّد بن العلاء الهمداني الكُوفيّ (جميعًا) أي كلاهما رويا (عن أبي معاوية) محمَّد بن خازم التَّمِيمِيّ الكُوفيّ (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن أَبيه عن عائشة، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة أبي معاوية لأبي أسامة في رواية هذا الحديث عن هشام (وفيه) أي وفي حديث أبي معاوية (جاريتان تلعبان بدف) بدل رواية أبي أسامة تغنيان بما تقاولت به الْأَنصار، والدف بضم الدال وفتحها والضم أشهر وأفصح، قال في المنجد: الدف آلة الطرب وجمعه دفوف اهـ وفي الأبي: والدف هو المدور المغشى من جهة واحدة المسمى بالغربال. [قلت] في الغريبين الدف الجنب، ومنه دفتا المصحف شبهتا بجنبين، وسمي به الشكل المعروف لأنه متخذ من جلد الجنب اهـ. [قلت] وأما إن غطي من الجهتين فيسمى

ص: 414

1954 -

(00)(00) حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيلِيُّ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي عَمْرٌو؛ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيهَا. وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ في أَيَّامِ مِنًى. تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ. وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسَجًّى بِثَوْبِهِ

ــ

دربكة فهي حرام عند جماهير الشافعية والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

1954 -

(00)(00)(وحدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم التَّمِيمِيّ السعدي مولاهم أبو جعفر (الأيلي) نزيل مصر، ثِقَة، من (10)(حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري (أخبرني عمرو) بن الحارث بن يعقوب الأَنْصَارِيّ أبو أمية المصري، ثِقَة، من (7)(أن) محمَّد (بن شهاب) الزُّهْرِيّ (حدثه) أي حدث عمرًا (عن عروة عن عائشة) رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، غرضه بسوقه بيان متابعة ابن شهاب لهشام بن عروة في رواية هذا الحديث عن عروة بن الزُّبير (أن أَبا بكر) الصديق (دخل عليها وعندها) في بيتها (جاريتان) أي من جواري الْأَنصار (في أيام) عيد الأضحى في (منى) قال النواوي: يعني الثلاثة بعد يوم النحر وهي أيام التشريق أضيف إلى المكان بحسب الزمان ففيه أن هذه الأيام داخلة في أيام العيد وحكمه جار عليها في كثير من الأحكام لجواز التضحية فيها وتحريم الصوم واستحباب التكبير وغير ذلك (تغنيان) أي ترفعان أصواتهما بأشعار يوم بعاث (وتضربان) الدف، فيه أن ضرب دف العرب مباح في السرور الظاهر وهو العيد والعرس والختان (ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى) أي مغط وجهه (بثوبه) وتسجية رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه بثوبه إعراض عنهما، وقالت في الحديث الآخر: إن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كان على الفراش مضطجعًا وإنه حول وجهه عند غناء الجاريتين وكأنه أعرض عن ذلك الغناء لأنه من قبيل اللغو الذي يعرض عنه، وأما لعب الحبشة في المسجد فكان لعبًا بالحراب والدرق تواثبًا ورقصًا بهما وهو من باب التدريب على الحرب والتمرين والتنشيط عليه وهو من قبيل المندوب ولذلك أباحه النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد اهـ من المفهم.

ص: 415

فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ. فَكَشَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ. وَقَال: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" وَقَالتْ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ. وَأَنَا جَارِيَةٌ. فَاقْدِرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْعَرِبَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ

ــ

(فانتهرهما أبو بكر) أي زجرهما عن الغناء بكلام غليظ بحضرته صلى الله عليه وسلم (فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه) أي أزال الثوب عن وجهه الشريف كما هو الظاهر من لفظ البُخَارِيّ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (دعهما) أي دع الجاريتين واتركهما على غنائهما (يَا أَبا بكر فإنَّها) أي فإن هذه الأيام (أيام عيد) فيجوز فيها إظهار السرور بالغناء وضرب الدفوف (وقالت) عائشة بالسند السابق، وهذا حديث آخر، وقد جمعه مع السابق بعض الرواة وأفردهما آخرون (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه) عن أعين النَّاس (وأنا) أي والحال أني (أنظر إلى الحبشة وهم) أي والحال أن الحبشة (يلعبون) في المسجد بالدرق والحراب (وأنا جارية) صغيرة أحب النظر على اللعب، قال النواوي: معناه أنها تحب اللهو والتفرج والنظر إلى اللعب حبًّا بليغًا وتحرص على إدامته ما أمكنها ولا تمل ذلك إلَّا بعد زمن طويل، وفيه دليل على جواز نظر النساء إلى الأجانب من الرجال على مثل هذه الحال التي قد أمنت المفاسد والفتن فيها، وإنكار عمر عليهم تمسك منه بالصورة الظاهرة كما قلنا في حق أبي بكر رضي الله عنهما، وفيه أبواب من الفقه لا تخفى اهـ من المفهم.

(فاقدروا) بضم الدال وكسرها من القدر بمعنى التقدير أي قدروا حالي في الرغبة في اللهو (قدر) حال (الجارية) أي الشابة (العربة) -بفتح العين وكسر الراء- أي المشتهية للعب الحريصة عليه المحبة للنظر إليه (الحديثة السنن) أي القليلة السنن الصغيرة العمر أي قيسوا حالي بحالها في حداثة سنها وحرصها على اللهو ومع ذلك كنت أنا هي التي تمل وتنصرف عن النظر إليه والشعبي صلى الله عليه وسلم لا يمسه شيء من الضمير والإعياء رفقًا بها وحفظًا لقلبها.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثالثًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

ص: 416

1955 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ. قَال: قَالتْ عَائِشَةُ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ َعَلَى بَابِ حُجْرَتِي. وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ. في مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ. لِكَي أَنْظُرَ إلى لَعِبِهِمْ. ثُمّ يَقُومُ مِنْ أَجْلِي. حَتَّى أَكُونَ أَنَا الّتِي أَنْصَرِفُ. فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، حَرِيصةً عَلَى اللَّهْو

ــ

1955 -

(00)(00)(وحدثني أبو الطاهر) أَحْمد بن عمرو بن سرح الأموي المصري، ثِقَة، من (10)(أخبرنا) عبد الله (بن وهب) بن مسلم القُرشيّ المصري (أخبرني يونس) بن يزيد الأيلي (عن) محمَّد (بن شهاب) المدنِيُّ (عن عروة بن الزُّبير) المدنِيُّ الأسدي (قال) عروة (قالت عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان مصريان وواحد أيلي، غرضه بسوقه بيان متابعة يونس بن يزيد لعمرو بن الحارث في رواية هذا الحديث عن ابن شهاب، وفائدتها بيان كثرة طرقه، وفيه التحديث إفرادًا والإخبار إفرادًا وجمعًا والعنعنة والقول (والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة) أي والحال أن الحبشة هم جنس من السودان أولاد حام بن نوح عليه السلام (يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع حربة وهو الرمح الصغير، وجملة قوله (يسترني بردائه) حال من فاعل يقوم أي يقوم على باب حجرتي حالة كونه يسترني بردائه عن النَّاس (لكي أنظر إلى لعبهم) لا إلى ذواتهم (ثم يقوم من أجلي) أي من أَجل نظري إلى الحبشة (حتَّى أكون أنا) هي (التي أنصرف) وأذهب (فاقدرو) ني أي قيسوني (قدر الجارية) أي قياس الجارية (الحديثة السن) أي القريبة السن حالة كونها (حريصة) أي مقبلة (على اللهو) كثيرة الرغبة والطمع فيه.

قال النواوي: ففي هذا الحديث جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر، وفيه جواز نظر النساء إلى لعب الرجال من غير نظر إلى نفس أبدانهم، وأما نظر المرأة إلى وجه الرَّجل الأجنبي فإن كان بشهوة فحرام بالاتفاق وإن كان بغير شهوة ولا مخافة فتنة ففي جوازه وجهان لأصحابنا أصحهما تحريمه لقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ

ص: 417

1956 -

(00)(00) حَدَّثَني هَارُونُ بْنُ سعيدٍ الأَيلِيُّ ويونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى (وَاللَّفْظُ لِهَارُونَ) قَالا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنَا عَمْروٌ؛ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمنِ حَدّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ

ــ

أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 30] ولقوله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة وأم حبيبة: "احتجبا عنه" أي عن ابن أم مكتوم، فقالتا: إنه أعمى لا يبصرنا، فقال صلى الله عليه وسلم:"أعمياوان أنتما أليس تبصرانه" وهو حديث حسن رواه التِّرْمِذِيّ وغيره وقال: هو حديث حسن، وعلى هذا أجابوا عن حديث عائشة بجوابين.

وأقواهما أنَّه ليس فيه أنها نظرت إلى وجوههم وأبدانهم وإنما نظرت لعبهم وحرابهم ولا يلزم من ذلك تعمد النظر إلى البدن وإن وقع النظر بلا قصد صرفته في الحال، والثاني لعل هذا كان قبل نزول الآية في تحريم النظر أو أنها كانت صغيرة قبل بلوغها فلم تكن مكلفة على قول من يقول: إن للصغير المراهق النظر والله أعلم. وفي الحديث أَيضًا بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرأفة والرحمة وحسن الخلق والمعاشرة بالمعروف مع الأهل والأزواج وغيرهم.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة رابعًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

1956 -

(00)(00)(حدثني هارون بن سعيد) بن الهيثم (الأيلي) المصري أبو جعفر التَّمِيمِيّ (ويونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة بن حفص الصدفي أبو موسى المصري، ثِقَة، من (10) (واللفظ) الآتي (لهارون قالا: حَدَّثَنَا) عبد الله (بن وهب) المصري، ثِقَة، من (9)(أخبرنا عمرو) بن الحارث الأَنْصَارِيّ أبو أمية المصري، ثِقَة، من (7)(أن محمَّد بن عبد الرَّحْمَن) بن نوفل بن الأسود الأسدي أَبا الأسود المدنِيُّ يتيم عروة، ثِقَة، من (6) روى عنه في (6) أبواب (حدثه) أي حدث لعمرو بن الحارث (عن عروة) بن الزُّبير المدنِيُّ (عن عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة مصريون، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار والعنعنة والمقارنة، وغرضه بيان متابعة محمَّد بن عبد الرَّحْمَن لابن شهاب في رواية هذا الحديث عن عروة (قالت) عائشة (دخل) علي (رسول الله صلى الله عليه

ص: 418

وَسَلَّمَ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ. فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ. وَحَوَّلَ وَجْهَهُ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي. وَقَال: مِزْمَارُ الشَّيطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَقْبَلَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَال: "دَعْهُمَا" فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا

ــ

وسلم) يوم عيد (وعندي جاريتان) أي دون البلوغ من جواري الْأَنصار إحداهما لحسان بن ثابت أو كلاهما لعبد الله بن سلام، اسم إحداهما حمامة واسم الأخرى زينب كما في الإرشاد (تغنيان) أي ترفعان أصواتهما (بغناء) أي بأشعار تقاولت به الْأَنصار يوم وقعة (بعاث) من فخر وهجاء، وبعاث اسم حصن وقع الحرب عنده بين الأوس والخزرج وكان به مقتلة عظيمة وكان النصر للأوس على الخزرج واستمرت المقتلة مائةً وعشرين سنة حتَّى جاء الإِسلام فألف الله بين قلوبهم ببركة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وقوله (فاضطجع على الفراش) معطوف على دخل (وحوّل وجهه) عن جهتهما إلى الجهة الأخرى للإعراض عن ذلك لأن مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء إليه لكن عدم إنكاره يدل على تسويغ مثله على الوجه الذي أقره إذ أنَّه صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل، والأصل التنَزه عن اللعب واللهوفيقتصر على ما ورد فيه النص وقتًا وكيفيةً اهـ قسط (فدخل) علينا (أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (فانتهرني) أبو بكر أي زجرني لتقديرها لها على الغناء، ولفظ البُخَارِيّ عن الزُّهْرِيّ (فانتهرهما) أي الجاريتين لفعلهما ذلك، والظاهر على طريق الجمع أنَّه شرّك بينهن في الزجر (وقال) أبو بكر (مزمار) -بكسر الميم وسكون الزاي- مشتق من الزمير وهو الصوت الذي له صفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى الغناء، والكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري أي أمزمار (الشيطان) وصوته يفعل (عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا من الصديق رضي الله عنه إنكار لما سمع معتمدًا على ما تقرر عنده من تحريم اللهو والغناء مطلقًا ولم يعلم أنَّه صلى الله عليه وسلم أقرهن على هذا القدر اليسير لكونه دخل فوجده مضطجعًا فظنه نائمًا فتوجه له الإنكار (فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) له يَا أَبا بكر (دعهما) أي دع الجاريتين واتركهما على غنائهما، وزاد في رواية هشام إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا، فعرّفه صلى الله عليه وسلم الحال مقرونًا ببيان الحكمة بأنه يوم عيد أي يوم سرور شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا كما لا ينكر في الأعراس، قالت عائشة (فلما غفل) أبو بكر عني بمحادثة الرسول صلى الله عليه وسلم (غمزتهما) أي أشرت إليهما بالعين أو الحاجب أن

ص: 419

فَخَرَجَتَا. وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ. فَإِمَّا سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِمَّا قَال: "تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ. خَدِّي عَلَى خَدِّهِ. وَهُوَ يَقُولُ: "دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ" حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَال: "حَسْبُكِ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ. قَال: "فَاذْهَبِي".

1957 -

(00)(00) حَدَّثَنَا زُهَيرُ بْنُ حَرْبٍ. حَدَّثنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ

ــ

اخرجا (فخرجتا) بفاء العطف (و) قالت عائشة (كان) اليوم (يوم عيد) وهذا حديث آخر قد جمعه مع السابق بعض الرواة وأفردهما آخرون اهـ من الإرشاد (يلعب) فيه (السودان بالدرق) بفتحتين جمع درقة الترس من جلود ليس فيه خشب (والحراب) جمع حربة، قالت عائشة (فإما سألت) أنا (رسول الله صلى الله عليه وسلم أن انظر إلى لعبهم (وإما قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لي أ (تشتهين) وتحبين (تنظرين) أي أن تنظري إلى لعبهم (فقلت) له صلى الله عليه وسلم (نعم) أشتهي (فأقامني وراءه) حالة كوني (خدي على خده) صلى الله عليه وسلم متلاصقين (وهو) أي والحال أنَّه صلى الله عليه وسلم (يقول) للسودان آذنًا لهم ومنشطًا (دونكم) اسم فعل أمر مبني على الفتح، بمعنى الزموا هذا اللعب الذي أنتم فيه، والكاف ضمير لجماعة المخاطبين في محل نصب مفعول به، وهو هنا يدل على الإغراء، وهو تنبيه المخاطب على أمر محمود ليلزمه (يا بني أرفدة) -بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء وقد تفتح وبالدال المهملة- وهو جد الحبشة الأكبر، وزاد الزُّهْرِيّ عن عروة: فزجرهم عمر، فقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:"أمنًا بني أرفدة"، وقوله (حتَّى إذا مللت) بكسر اللام الأولى غاية لقوله أقامني وراءه أي فأقامني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه حتَّى إذا مللت وكسلت من النظر إليهم (قال) صلى الله عليه وسلم أ (حسبك) أي أما يكفيك هذا القدر من النظر بتقدير همزة الاستفهام (قلت) له (نعم) حسبي (قال) لي إذن (فاذهبي) وارجعي إلى البيت. وشارك المؤلف في الرواية البُخَارِيّ [950] فقط، والحديث استدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التدريب للحرب والتنشيط له اهـ قسط.

ثم ذكر المؤلف المتابعة خامسًا في حديث عائشة رضي الله عنها فقال:

1957 -

(00)(00)(حَدَّثَنَا زهير بن حرب) الحرشي أبو خيثمة النَّسائيّ (حدثنا - جرير) بن عبد الحميد بن قرط الضَّبِّيّ الكُوفيّ، ثِقَة، من (8)(عن هشام) بن عروة (عن

ص: 420

أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ. قَالتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ في يَوْمِ عِيدٍ في الْمَسْجِدِ. فَدَعَانِي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَوَضَعْتُ رَأْسِي. َعَلَى مَنْكِبِهِ. فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ. حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيهِمْ.

1958 -

(00)(00) وَحَدَّثَنَا يَحْيى بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا يَحْيى بْنُ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيرٍ. حَدَّثَنَا محمَّدُ بْنُ بِشْرٍ. كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، بِهذا الإِسْنَادِ. وَلَمْ يَذْكُرَا: في الْمَسْجِدِ

ــ

أَبيه) عروة بن الزُّبير المدنِيُّ (عن عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد كُوفِيّ وواحد نسائي، غرضه بيان متابعة هشام بن عروة لمحمد بن عبد الرَّحْمَن في رواية هذا الحديث عن عروة (قالت) عائشة (جاء حبش) هم والحبشة جنس من السودان حالة كونهم (يزفنون) -بفتح الياء وإسكان الزاي وكسر الفاء- معناه يرقصون ويتواثبون ويترامون بسلاحهم ورماحهم (في يوم عيد) الفطر (في المسجد) النبوي (فدعاني النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه) صلى الله عليه وسلم ليسترني عن النَّاس (فجعلت) أي شرعت (انظر إلى لعبهم) لا إلى ذواتهم (حتَّى كنت أنا) هي (التي أنصرف) أرجع (عن النظر إليهم) باختياري لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم وقهره وإجباره.

ثم ذكر المؤلف المتابعة سادسًا في حديثها رضي الله عنها فقال:

1958 -

(00)(00)(وحدثنا يحيى بن يحيى) التَّمِيمِيّ النَّيسَابُورِيّ (أخبرنا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة) خالد بن ميمون الهمداني أبو سعيد الكُوفيّ، ثِقَة، من (9)(ح وحدثنا) محمَّد بن عبد الله (بن نمير) الهمداني الكُوفيّ (حَدَّثَنَا محمَّد بن بشر) العبدي الكُوفيّ (كلاهما) أي كل من يحيى بن زكريا ومحمَّد بن بشر رويا (عن هشام) بن عروة (بهذا الإسناد) يعني عن عروة عن عائشة نحو ما روى جرير عن هشام (و) لكن (لم يذكرا) أي لم يذكر ابن زكريا وابن بشر لفظة (في لمسجد) غرضه بسوقهما بيان متابعتهما لجرير بن عبد الحميد في الرواية عن هشام.

ثم ذكر المؤلف المتابعة سابعًا في حديثها رضي الله عنها فقال:

ص: 421

1959 -

(00)(00) وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ وَعُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ (وَاللَّفْظُ لِعُقْبَةَ) قَال: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ. قَال: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ. أَخْبَرَنِي عُبَيدُ بْنُ عُمَيرٍ. أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ؛ أَنَّهَا قَالتْ، لِلَعَّابِينَ: وَدِدْتُ أَنيِّ أَرَاهُمْ. قَالتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وَقُمْتُ عَلَى الْبَابِ أَنْظُرُ بَينَ أُذُنَيهِ وَعَاتِقِهِ. وَهُمْ يَلْعَبُونَ في الْمَسْجِدِ. قَال عَطَاءٌ: فُرْسٌ أَوْ حَبَشٌ

ــ

1959 -

(00)(00)(وحدثني إبراهيم بن دينار) البغدادي أبو إسحاق التمار لم يرو عنه غير مسلم من الجماعة، ثِقَة ثبت، من (10) روى عنه في (7) أبواب (وعقبة بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف على صيغة اسم المفعول (العمِّيُّ) بفتح العين وتشديد الميم أبو عبد الملك البَصْرِيّ، ثِقَة، من (11) روى عنه في (9) أبواب (وعبد بن حميد) الكسي (كلهم) أي كل من الثلاثة رووا (عن أبي عاصم) النَّبِيل البَصْرِيّ الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشَّيبانِيّ، ثِقَة ثبت، من (9) روى عنه في (12) بابا (واللفظ) الآتي (لعقبة) بن مكرم (قال) عقبة (حَدَّثَنَا أبو عاصم) بصيغة السماع (عن) عبد الملك (بن جريج) الأُموي المكيّ، ثِقَة، من (6)(قال) ابن جريج (أخبرني عطاء) بن أبي رباح أسلم القُرشيّ مولاهم أبو محمَّد اليماني المكيّ، ثِقَة، من (3)(أخبرني عبيد بن عمير) -بالتصغير فيهما- ابن قتادة الليثيّ أبو عاصم المكيّ، ثِقَة مخضرم، من الثَّانية، روى عنه في (7)(أخبرتني عائشة) أم المُؤْمنين رضي الله عنها. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مكيون واثنان بصريان أو بصري وبغدادي أو بصري وكسي وواحد مدني، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والإخبار إفرادًا والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي عطاء عن عبيد بن عمير، غرضه بسوق هذا السند بيان متابعة عبيد بن عمير لعروة بن الزُّبير في رواية هذا الحديث عن عائشة (أنها قالت لـ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الحبش الـ (لعابين) في المسجد (وددت) أي أحببت يَا رسول الله (أني أراهم) وأنظرهم (قالت) عائشة (فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب حجرتي ليسترني (وقمت) أنا (على الباب) أي على باب حجرتي لـ (انظر) إلى لعابهم (بين أذنيه) صلى الله عليه وسلم (وعاتقه وهم) أي والحال أن اللعابين (يلعبون) بالحراب (في المسجد) النبوي (قال عطاء) بن أبي رباح هم (فرس أو حبش) قال النواوي: هكذا في كل النسخ،

ص: 422

قَال: وَقَال لِي ابْنُ عَتِيقٍ: بَلْ حَبَشٌ.

1960 -

(860)(263) وَحَدَّثَنِي محمدُ بْنُ رَافِعٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ (قَال عَبْدٌ: أَخْبَرَنَا. وَقَال ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ). أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ. قَال: بَينَمَا الْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِرَابِهِمْ

ــ

ومعناه أن عطاء شك هل قال عبيد بن عمير هم فرس أو حبش بمعنى هل هم من الفرس أم من الحبشة (قال) عطاء (و) لكن (قال لي ابن عتيق) الصواب ابن عمير يعني عبيد بن عمير (بل حبش) بالجزم بلا شك، قال القاضي عياض: قوله (وقال لي ابن أبي عتيق) هكذا هو عند شيوخنا، وعند الباجي (وقال لي ابن عمير قال) وفي نسخة أخرى (قال لي ابن أبي عتيق) قال صاحب المشارق والمطالع: الصحيح ابن عمير وهو عبيد بن عمير المذكور في السند وهو الصواب اهـ منه، وأما ابن عتيق فهو عبد الله بن أبي عتيق محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصديق التَّيميّ، روى عن عائشة في الحج، ويروي عنه سالم بن عبد الله بن عمر ونافع مولاه صدوق، من الثالثة.

والفرس بضم الفاء وسكون الراء، وكذا الفارس جنس من النَّاس من أولاد سام بن نوح ويسمى الآن بالإيران أرضهم أربعة آلاف فرسخ، وأرض العرب أَلْف فرسخ كما بسطت الكلام فيه وفي نظائره في حدائق الروح والريحان، والحبش وكذا الحبشة -بفتحتين فيهما- جنس من السودان، والجمع حبشان كحمل وحملان اهـ من المختار.

ثم استشهد المؤلف رحمه الله تعالى لحديث عائشة بحديث أبي هريرة رضي الله عنهما فقال:

1960 -

(860)(263)(وحدثني محمَّد بن رافع) القشيري النَّيسَابُورِيّ، ثِقَة، من (11) (وعبد بن حميد) الكسي (قال عبد) بن حميد (أخبرنا) عبد الرَّزّاق (وقال ابن رافع: حَدَّثَنَا عبد الرَّزّاق) بن همام الصَّنْعانِيّ (أخبرنا معمر) بن راشد الأَزدِيّ البَصْرِيّ (عن الزُّهْرِيّ) المدني (عن) سعيد (بن المسيّب) المخزومي المدنِيُّ (عن أبي هريرة) رضي الله عنه. وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وواحد بصري وواحد صنعاني وواحد نيسابوري أو كسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (قال) أبو هريرة: (بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بحرابهم

ص: 423

إِذْ دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَأَهْوَى إِلَى الْحَصْبَاءِ يَحْصِبُهُمْ بِهَا. فَقَال لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعْهُمْ. يَا عُمَرُ! "

ــ

إذ دخل عمر بن الخطاب) المسجد النبوي وإذ فجائية رابطة لجواب بينما أي بينما أوقات لعب الحبشة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجأهم دخول عمر بن الخطاب (فأهوى) عمر بن الخطاب أي مد يده (إلى الحصباء) أي إلى الحصى الصغار فأخذها بكفه حالة كونه يريد أن (يحصبهم) أي يرميهم (بها) أي بالحصباء ليزجرهم عن لعبهم (فقال له) أي لعمر (رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهم) أي اتركهم (يَا عمر) يلعبون.

والحديث أقوى دليل على جواز ذلك، وكذا قوله في حديث عائشة لأبي بكر: دعهما يَا أَبا بكر وإنما أنكر عمر رضي الله عنه مخافة أن يكون ذلك مما لا يباح في المسجد، ولعله لم يعلم أنَّه صلى الله عليه وسلم رأى لعبهم والله أعلم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أَحْمد [2/ 308] والبخاري [2901].

ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب إلَّا حديثين الأول حديث عائشة رضي الله عنه ذكره للاستدلال به على الترجمة وذكر فيه سبع متابعات، والثاني حديث أبي هريرة رضي الله عنه ذكره للاستشهاد به لحديث عائشة.

وهذا آخر ما أردنا إيراده وشرحه في هذا المجلد السادس (1)، وجملة ما اشتمل عليه هذا المجلد من الأحاديث الغير المكررة من الأصول والشواهد (263) مائتان وثلاثة وستون حديثًا، وجملة ما فيه من الأبواب (93) ثلاث وتسعون.

قال مؤلفه: وهذا آخر ما أكرمني الله به من هذا المجلد بإتمامه مع كثرة العوائق والمعائق في أوائل ليلة الخميس الليلة العاشرة من شهر ذي القعدة من شهور سنة (10/ 11 / 1422) أَلْف وأربعمائة واثنتين وعشرين سنةً من الهجرة المصطفية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية بعد ما وفقني بابتدائه في تاريخ (13/ 4 / 1422) من الهجرة النبوية في اليوم الثالث عشر من شهر الرَّبيع الثاني من شهور سنة أَلْف وأربعمائة واثنتين وعشرين سنةً من الهجرة النبوية، وكانت مدة اعتنائي به مع كثرة العوائق والموانع سبعة أشهر وثلاثة أيام.

ص: 424

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحمد لله الذي تتم به الصالحات، والصلاة السلام على سيد البريات، سيدنا محمَّد وآله وجميع الصحابات، وكل من تبعهم بإحسان إلى يوم القيامات.

***

تم الجزء العاشر من الكوكب الوهاج والروض البهاج ويليه المجلد الحادي عشر وأوله أبواب الاستسقاء

***

ــ

(1)

وهذا حسب تقسيم المؤلف حفظه الله لنسخته الخطية في (16) مجلدًا، ثم ارتأى حفظه الله بعد دفعه للطباعة أن يكون في (26) مجلدًا.

ص: 425