الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
371 - (82) باب: ما يقال في الخطبة من الحمد والثناء على الله تعالى والإتيان بأما بعد ورفع الصوت بها
1896 -
(833)(237) وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحمدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرتْ عَينَاهُ، وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ. حَتى كَأَنهُ مُنْذِرُ جَيشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ وَمسَّاكُمْ
ــ
371 -
(82) باب ما يقال في الخطبة من الحمد والثناء على الله تعالى والإتيان بأما بعد ورفع الصوت بها
1896 -
(833)(237)(وحدثني محمَّد بن المثنى) العنزي البصري (حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) الثقفي البصري (عن جعفر) الصادق (بن محمَّد) الباقر الهاشمي المدني، صدوق، من (6)(عن أبيه) محمَّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني، ثقة، من (4)(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري المدني رضي الله عنه، وهذا السند من خماسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون واثنان بصريان، وفيه التحديث إفرادًا وجمعًا والعنعنة ورواية ولد عن والده (قال) جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب) وذكر الناس بالوعد والوعيد والأمر والنهي (احمرت عيناه) أي اشتدت حمرتهما على ما كانت في العادة لأن باب أفعل الخماسي بناؤه لمبالغة معنى ثلاثيه كما بيناه في مناهل الرجال (وعلا صوته) أي ارتفع صوته (واشتد غضبه) لتغافلهم عن الله تعالى، قال النواوي: ولعل اشتداد غضبه كان عند إنذاره أمرًا عظيمًا وتحذيره خطبًا جسيمًا اهـ وفي المرقاة، قوله (احمرت عيناه) لما ينزل عليه من بوارق أنوار الجلال الصمدانية ولوامع أضواء الكمال الرحمانية وشهود أحوال الأمة المرحومة وتقصير أكثرهم في امتثال الأمور المعلومة من الدين اهـ، قال القاضي عياض: وهذا حكم المنذر المخوف، ويعني بشدة الغضب أن صفته صفة الغضبان، ويحتمل أنه لنهي خولف فيه شرعه، وهكذا تكون صفة الواعظ مطابقة للذي هو يتكلم فيه حتى لا يأمر بشيء وضده ظاهر عليه (حتى كأنه) صلى الله عليه وسلم (منذر جيش) أي كمن ينذر قومه بقرب جيش عظيم من عدوهم قصدوا الإغارة عليهم في الصباح والمساء، وهو معنى قوله (يقول) ذلك المنذر لقومه (صبحكم) جش العدو (ومساكم)
وَيقُولُ: "بُعِثْتُ أنا وَالسَّاعةُ كَهَاتَينِ"
ــ
أي أتاكم في الصباح والمساء، وضمير يقول عائد على منذر جيش، وضمير صبحكم ومساكم للجيش كما أشرنا إليه في الحل، والباء في صبحكم مشددة وكذا السين في مساكم مشددة، وجملة يقول في موضع الصفة لمنذر جيش أو حال منه لتخصصه بالإضافة، قال السنوسي: ويصح أن تكون جملة يقول في موضع الحال من اسم كأن، والعامل فيه معنى التشبيه فالقائل إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول الثاني عطف على الأول في هذا الوجه وعلى الوجه الأول عطف على جملة كأنه.
(قلت) مثل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته وإنذاره القوم بمجيء القيامة وقرب وقوعها وتهالك الناس فيما يرديهم بحال من ينذر قومه عند غفلتهم بجيش قريب منهم يقصد الإغارة عليهم والإحاطة بهم من كل جانب بحيث لا يفوت منهم أحد فكما أن ذلك المنذر يرفع صوته وتحمر عيناه ويشتد غضبه على تغافلهم كذلك حال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ سنوسي، قال القرطبي: ومنذر الجيش هو المخبر بقرب جيش العدو الذي يخوف به، وكونه صلى الله عليه وعسلم تحمر عيناه ويعلو صوته ويشتد غضبه في حال خطبته كان هذا منه في أحوال، وهذا مشعر بأن الواعظ حقه أن يكون منه في وعظه بحسب الفصل الذي يتكلم فيه ما يطابقه حتى لا يأتي بالشيء وضده ظاهر عليه، وأما اشتداد غضبه فيحتمل أن يكون عند نهيه عن أمر خولف فيه أو يريد أن صفته صفة الغضبان اهـ من المفهم. وجملة قوله (ويقول) معطوف على جملة احمرت عيناه على كونها خبر كان أي وكان صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول (بعثت أنا والساعة) بالنصب على أنه مفعول معه، وبالرفع معطوف على التاء في بعثت، وفصل بينهما بأنا توكيدًا للضمير المتصل على ما هو الأحسن عند النحويين، وقد اختار بعضهم النصب بناء على أن التشبيه في قوله (كهاتين) الإصبعين وقع بملاصقة الإصبعين واتصالهما، واختار آخرون الرفع بناء على أن التشبيه وقع بالتفاوت الذي بين رؤوسهما يعني أن ما بين زمان النسبي صلى الله عليه وسلم وقيام الساعة قريب كقرب السبابة من الوسطى، وقد جاء من حديث سهل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"سبقتها بما سبقت هذه هذه" رواه الترمذي من حديث المستورد بن شداد يعني الوسطى والسبابة اهـ من المفهم، قال النواوي: والمشهور نصبها على المفعول معه اهـ قال ابن الملك: والمعنى أن ما بيني وبين الساعة بالنسبة إلى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على السبابة
وَيقْرُنُ بَينَ إِصْبَعَيهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. وَيقُولُ: "أمَّا بَعْدُ. فَإِنْ خَيرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ. وَخَيرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ. وَشَرِّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا. وَكُل بِدْعَةٍ ضَلالة"
ــ
كما فسره قتادة في حديث آخر بقوله يعني كفضل إحداهما على الأخرى، شبه القرب الزماني بالقرب المساحي لتصوير غاية قرب الساعة اهـ. قال القاضي: ويحتمل أنه تمثيل لاتصال زمنه بزمنها وأنه ليس بينهما نبي كما أنه ليس بينهما إصبع أخرى، ويحتمل أنه تمثيل لقرب ما بينهما من المدة اهـ، وجملة قوله (و) الحال أنه (يقرن) بضم الراء على المشهور ويروى بكسرها أي يضم (بين إصبعيه السبابة) سميت سبابة لأنهم كانوا يشيرون بها عند السباب (والوسطى) سميت بذلك لكونها وسط الأصابع الأربع، جملة حالية من فاعل يقول، قوله (ويقول: أما بعد) معطوف على احمرت أيضًا، قال القرطبي (وقوله أما) كلمة تفصل ما بعدها عما قبلها، وهي حرف متضمن للشرط ولذلك تدخل الفاء في جوابها، وقدرها النحويون بـ (مهما) و (بعد) ظرف زمان قطع عن الإضافة مع كونها مرادة فتبنى على الضم، وخص بالضم لأنه حركة ليست له في حال إعرابه والعامل فيه ما تضمنه أما من معنى الشرط فإن معناه مهما يكن من شيء بعد حمد الله تعالى فكذا والله أعلم، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى:{وَآتَينَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20] هي كلمة أما بعد، وقيل فيه غير ذلك، والأولى أنه الفصل بين الحق والباطل ومنه قوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)} قال القاضي: وهي كلمة يستعملها الخطيب للفصل بين ما كان فيه من الحمد والثناء والانتقال إلى ما يريد أن يتكلم فيه، قال النواوي: ويستحب الإتيان بها حتى في خطب التصانيف، وعقد البخاري بابا لاستحبابها، واختلف في أول من تكلم بها فقيل داود عليه السلام وقيل يعرب بن قحطان وقيل قس بن ساعدة اهـ (فإن خير الحديث) وأصدق الكلام (كتاب الله) العزيز الذي لا تبديل فيه ولا تغيير وهو القرآن الكريم (وخير الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال وهو المسموع من أفواه المحدثين، قال الفيومي والهدى بالفتح السيرة، وبضم الهاء وفتح الدال أي فإن أفضل المذهب وأحسن الطريقة (هدي محمَّد) صلى الله عليه وسلم بالضبطين المذكورين أي مذهب محمَّد وطريقته التي أرسل بها من التوحيد والأحكام العملية والاعتقادية (وشر الأمور) أي أقبح الأمور الدينية لا الدنيوية (محدثاتها) أي مخترعاتها ومبتدعاتها التي ليس لها في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة والجواز وهي المسماة بالبدع (و) لذلك حكم عليها بأن كل بدعة) أي محدثة (ضلالة) أي غواية، وحقيقة البدعة ما ابتدئ وافتتح من غير أصل
ثُمَّ يَقُولُ: "أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ. مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلأهْلِهِ. وَمَنْ تَرَكَ دَينًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ"
ــ
شرعي وهي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد" رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.
قال القاضي عياض: (قوله وخير الهدي هدي محمد) صلى الله عليه وسلم بالضبطين الفتح والضم فمعنى الفتح خير الطريقة أي أحسن الطرق طريقة محمد صلى الله عليه وسلم يقال: فلان حسن الهدي أي الطريقة والمذهب، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:"اهتدوا بهدي عمار" وللضم معنيان أحدهما الدعاء والإرشاد، ومنه قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقوله {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} وقوله {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ} وثانيهما خلق الإيمان في القلب، وهو بهذا المعنى مما انفرد الله تعالى به كقوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وقوله (وكل بدعة ضلالة) هذا عام مخصوص لأن البدعة تنقسم بحسب أقسام الشريعة إلى واجبة كترتيب الأدلة على طريقة المتكلمين للرد على الملحدة، ومندوبة كوضع التآليف وبناء المدارس واتخاذ الدواوين، ومحرمة ومكروهة واضحين، ومباحة كالتبسط في أنواع الأطعمة، ويشهد لهذا التقسيم قول عمر رضي الله عنه (نعمت البدعة هذه) في تراويح رمضان اهـ من إكمال المعلم.
(ثم يقول) رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنا أولى بكل مؤمن) أي أقرب له (من نفسه) أو أحق به منها، ثم فسر وجهه بقوله (من ترك مالًا فـ) ـهو موروث (لأهله ومن ترك دينا) بلا وفاء (أو ضياعا) أي عيالًا ضائعين لا يستقلون بأمرهم ولا مال لهم (فإليّ) كفاية عياله ومؤنتهم (وعليّ) قضاء دينه ففي الكلام لف ونشر مشوش.
قال القرطبي: معنى كونه صلى الله عليه وسلم (أولى بكل مؤمن من نفسه) أنه إذا ترك دينًا أو ضياعًا ولم يقدر على أن يخلص نفسه منه إذ لم يترك شيئًا يسد به ذلك ثم يخلصه النبي صلى الله عليه وسلم بقيامه به عنه أو سد ضيعته كان أولى به من نفسه إذ قد فعل معه ما لم يفعل هو بنفسه، وأما رواية من رواه "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم" في غير مسلم فيحتمل أن يحمل على ذلك، ويحتمل أن يكون معناه أنا أولى بالمؤمنين من
1897 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيدٍ. حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ. حَدَّثَنِي سُلَيمَانُ بْنُ بِلالٍ. حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَال: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ
ــ
بعضهم لبعض كما قال تعالى: {أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 66] أي ليقتل بعضكم بعضًا في أشهر أقوال المفسرين (والضياع) بالفتح العيال قاله النضر بن شميل، وقال ابن قتيبة: هو مصدر ضاع يضيع ضياعًا، ومثله مضى يمضي مضاء، وقضى يقضي قضاء أراد من ترك عيالًا عالة أو أطفالًا صغارًا فجاء بالمصدر موضع الاسم كما تقول ترك فقرًا أي فقراء (والضياع) بالكسر جمع ضائع مثل جائع وجياع وضيعة الرجل أيضًا ما يكون منه معاشه من صناعة أو غلة قاله الأزهري، وقال شمر: ويدخل فيه التجارة والحرفة فيقال: ما ضيعتك؟ فتقول كذا اهـ مفهم، وقوله (فإليّ وعليّ) لف على غير ترتيب النشر فهو من المحسنات البديعية اللفظية أي فإليّ كفاية عياله وعلي قضاء دينه. (قلت): وهذا الكلام إنما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين رفع ما كان قرر من امتناعه من الصلاة على من مات وعليه دين لم يترك له وفاء كما قاله أبو هريرة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤتى بالميت عليه الدين، فيسأل: "هل ترك لدينه وفاء؟ " فإن قيل: إنه ترك له وفاء صلى عليه، وإن قالوا: لا، قال: "صلوا على صاحبكم") ولم يصل هو عليه لئلا يتساهل الناس في الاستدانة ويهملوا الوفاء فزجرهم عن ذلك بترك الصلاة عليهم، قال: فلما فتح الله عليه الفتوح قال: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من توفي وترك دينًا فعليّ ومن ترك مالًا فلورثته" رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي.
قال القاضي: وهذا مما يلزم الأئمة من الفرض في مال الله تعالى للذرية وأهل الحاجة والقيام بهم وقضاء ديون محتاجيهم اهـ من المفهم. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث النسائي [3/ 188 - 189].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال:
1897 -
(00)(00)(وحدثنا عبد بن حميد) الكسي (حدثنا خالد بن مخلد) البجلي مولاهم أبو الهيثم الكوفي، صدوق، من كبار (10) مات لسنة (213)(حدثني سليمان بن بلال) التيمي مولاهم أبو محمد المدني، ثقة، من (8) (حدثني جعفر بن محمد) المدني (عن أبيه) محمد الباقر المدني (قال) محمد الباقر: (سمعت جابر بن
عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَتْ خُطْبَةُ النبِي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ. يَحْمَدُ اللهَ ويثْنِي عَلَيهِ. ثُمَّ يَقُولُ عَلَيَّ إِثْرِ ذلِكَ، وَقَدْ عَلا صَوْتُهُ. ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِهِ.
1898 -
(00)(00) وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيبَةَ. حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ؛ قَال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ. يَحْمَدُ اللهَ وَيُثْنِي عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ. ثُمَّ يَقُولُ: "مَنْ يَهْدِهِ اللهُ
ــ
عبد الله يقول) وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم مدنيون وواحد كوفي وواحد كسي، غرضه بسوقه بيان متابعة سليمان بن بلال لعبد الوهاب الثقفي في رواية هذا الحديث عن جعفر بن محمد (كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة) أن (يحمد الله) سبحانه وتعالى أي بوصفه بالكمالات (و) أن (يثني عليه) تعالى بتنزيهه من النقائص، وجملة يحمد وما عطف عليه خبر كان بتقدير أن المصدرية نظير قولهم: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. وقوله (ثم يقول) معطوف على يثني، والمعنى كانت خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة حمدًا لله تعالى وثناء عليه، ثم قوله (على إثر ذلك) أي عقيب ذلك الثناء أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله .. الخ (و) الحال أنه (قد علا) وارتفع (صوته) ليبلغ الناس ويسمعهم (ثم ساق) وذكر سليمان بن بلال (الحديث) السابق (بمثله) أي بمثل ما حدث عبد الوهاب الثقفي.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى المتابعة ثانيًا في حديث جابر رضي الله عنه فقال:
1898 -
(00)(00)(وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) الكوفي (حدثنا وكيع) بن الجراح الكوفي (عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي (عن جعفر) بن محمد (عن أبيه) محمد الباقر (عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهذا السند من سداسياته رجاله ثلاثة منهم مدنيون وثلاثة كوفيون، غرضه بسوقه بيان متابعة سفيان الثوري لعبد الوهاب الثقفي في رواية هذا الحديث عن جعفر بن محمد (قال) جابر:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس) أي يذكرهم بذكر الوعد والوعيد والترغيب والترهيب حالة كونه (يحمد الله) تعالى أي يصفه بكمال ذاته (ويثني عليه) أي يصفه في صفاته (بما) أي بوصف (هو) أي ذلك الوصف (أهله) أي لائق به تعالى أن يحمده ويثني عليه في مبدإ خطبته (ثم) بعد حمده وثنائه (يقول) أما بعد (من يهده الله) تعالى أي يوفقه الله تعالى
فَلَا مُضِلَّ لَهُ. وَمَنْ يُضْلِلْ الله فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَخَيرُ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ". ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الثقَفِيّ.
1899 -
(834)(238) وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى. كِلاهُمَا عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى. قَال ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى (وَهُوَ أَبُو هَمَّامٍ) حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ. وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ
ــ
طريق الهداية والرشاد (فلا مضل) ولا مغوي (له) عن طريق الرشاد (ومن يضلل الله) سبحانه وتعالى أي يرد في سابق علمه إضلاله وإغواءه عن طريق الرشاد (فلا هادي له) أي فلا موفق له بطريق الرشاد (وخير الحديث) أي أفضل الكلام (كتاب الله) العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (ثم ساق) سفيان وذكر (الحديث) السابق (بمثل حديث) عبد الوهاب (الثقفي) البصري.
ثم استشهد المؤلف لحديث جابر بحديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهم فقال:
1899 -
(834)(238)(وحدثنا إسحاق بن إبراهيم) الحنظلي المروزي (ومحمد بن المثنى) العنزي البصري (كلاهما عن عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي أبي محمد البصري أحد الكبار، ثقة، من (8) (قال ابن المثنى: حدثنا عبد الأعلى وهو) الذي كنيته (أبو همام) وكان يغضب إذا قيل له أبو همام (حدثنا داود) بن أبي هند دينار القشيري مولاهم أبو بكر البصري، ثقة، من (5)(عن عمرو بن سعيد) القرشي مولاهم أبي سعيد البصري، قال الأصبهاني: يشبه أن يكون الثقفي، روى عن سعيد بن جبير في الصلاة، وأنس وأبي العالية، ويروي عنه (م عم) وداود بن أبي هند ويونس بن عبيد وابن عون، وثقه النسائي وابن سعد، وقال العجلي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال في التقريب: ثقة، من (5)(عن سعيد بن جبير) الوالبي مولاهم أبي محمد الكوفي، ثقة، من (3)) عن ابن عباس) رضي الله تعالى عنهما، وهذا السند من سداسياته رجاله أربعة منهم بصريون وواحد كوفي وواحد طائفي أو ثلاثة بصريون وواحد مروزي وواحد كوفي وواحد طائفي وفيه التحديث إفرادا وجمعًا والعنعنة والمقارنة ورواية تابعي عن تابعي (أن ضمادا) بكسر الضاد المعجمة وفتح الميم المخففة آخره دال مهملة، ابن ثعلبة الأزدي (قدم مكة) المكرمة قبل الهجرة (وكلان من أزد شنوءة) بفتح الشين وضم النون وبعدها
وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هذِهِ الرِّيحِ. فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِن مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ. فَقَال: لَو أَني رَأَيتُ هذَا الرَّجُلَ لَعَل اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ. قَال: فَلَقِيَهُ. فَقَال: يَا مُحَمَّدُ! إِنِّي أَرْقِي مِنْ هذِهِ الرِّيحِ. وإنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَيَّ يَدِي مَنْ شَاءَ. فَهَلْ لَكَ؟ فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ. نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ
ــ
مدة، من بني سعد بن بكر، قال ابن حجر: وله ذكر في حديث أخرجه مسلم عن ابن عباس: أن ضمادًا قدم مكة .. الحديث، وأما ضمام -بضاد معجمة آخره ميم- المعروف فهو أيضًا بن ثعلبة السعدي من بني سعد بن بكر، وقع ذكره في حديث أنس في الصحيحين، قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي .. الحديث اهـ من الإصابة (وكان) ضماد هذا (يرقي) من رقى يرقى من باب رمى يرمي من الرقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة أي يعالج بالقراءة (من هذه الريح) وفي بعض النسخ (يرقى هذه الريح) فمن في نسختنا زائدة، والمراد بالريح هنا الجنون ومس الجن اهـ نواوي، وفي غير رواية مسلم يرقى من الأرواح أي الجن سموا بذلك لأنهم لا يبصرهم الناس فهم كالروح والريح اهـ سنوسي، أي وكان يرقى من هذه الريح يعني الجنون من أصابته الجان (فسمع) ضماد (سفهاء) أي قومًا حمقًا خفاف الأحلام (من أهل مكة) وسكانها أي سمعهم حالة كونهم (يقولون: إن محمدًا مجنون) أي أصابته الجن (فقال) ضماد (لو أني رأيت هذا الرجل) الذي قلتم: إنه مجنون، فلو هنا للتمني أي أتمنى رؤية هذا الرجل فأعالجه و (لعل الله) سبحانه أن (يشفيه) من هذا المس (على يديّ) بصيغة التثنية (قال) ابن عباس (فلقيه) أي فلقي ضماد النبي صلى الله عليه وسلم (فقال) ضماد له صلى الله عليه وسلم (يا محمد إني أرقي) وأعالج بالرقية من أُصيب (من هذه الريح) قال النواوي: المراد بالريح هنا الجنون ومس الجن (وإن الله يشفي) ويعافي (على يدي) بالإفراد أي بسببي (من شاء) وأراد شفاءه (فهل لك) يا محمد رغبة في رقيتي؟ وهل تميل إليها؟ فقوله لك خبر مبتدإ مقدر قدر مع صلته فإنه في الاستعمال ورد بفي وإلى كما يدل عليه عبارة الكشاف فيقدر لكل ما يناسبه ولوروده في سورة النازعات بإلى قدر البيضاوي كلمة ميل فقال في تفسير قوله تعالى فهل لك إلى أن تزكى هل لك ميل إلى أن تتطهر من الكفر والطغيان اهـ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطب في رد ما ظنه ضماد: (إن الحمد لله نحمده ونستعينه) في أمورنا (من يهده الله فلا مضل
لَهُ. وَمَنْ يُضلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ". قَال: فَقَال: أَعِدْ عَلَي كَلِمَاتِكَ هؤُلاءِ. فَأَعَادَهُنَّ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثَلاثَ مَرَّاتِ. قَال: فَقَال: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ. فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هؤُلاءِ. وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ. قَال: فَقَال: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الإِسْلامِ
ــ
له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله أما بعد) فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد .. الحديث (قال) ابن عباس (فقال) ضماد لرسول الله صلى الله عليه وسلم (أعد عليّ) يا محمد، أمر من الإعادة (كلماتك هؤلاء) التي أمليتها على (فأعادهن) أي أعاد تلك الكلمات (عليه) أي على ضماد (رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قال) ابن عباس (فقال) ضماد: والله (لقد سمعت قول الكهنة) في كهانتهم من الكلام المسجع، جمع كاهن نظير سحرة وساحر (وقول السحرة) من الكلام الذي يخيلون به على الناس، جمع ساحر ككامل وكملة وفاسق وفسقة (وقول الشعراء) من الكلام الموزون بأجزاء معلومة، جمع شاعر نظير عالم وعلماء، وإنما ذكر الثلاثة لأن سفهاء مكة يقولون له صلى الله عليه وسلم تارة: كاهن وتارة: ساحر وتارة: شاعر، فنفى عنه الثلاثة التي يقولون فيه، وقوله (فما سمعت) معطوف على سمعت الأول أي فما سمعت في كلام أولئك الثلاثة (مثل كلماتك هؤلاء) التي سمعتهن منك وقد عرفت الآن أنك لست بكاهن ولا ساحر ولا شاعر وأيقنت أنك نبي صادق ورسول مرسل حقًّا من الله تعالى (و) الله (لقد بلغن) هؤلاء الكلمات التي نطقت بهن ووصلن في تأثيرهن في قلب كل حيوان وتصديقهم لهن (ناعوس البحر) أي لجته وقعره ووسطه، هكذا وقع في صحيح مسلم، وفي غيره في بعض الروايات (قاموس البحر) وهو الصحيح الحق ومعناه وسطه ولجته، ولعل بعض النساخ صحفه إلى (ناعوس) بالنون والعين، وفي بعضها (قاعوس البحر) بالقاف والعين وهذا تصحيف أيضًا، والكل غلط وتصحيف إلا قاموص بالقاف والميم والمعنى بلغن غاية الغايات في الصدق والتأثير في المخلوق، وأطال النواوي فيه الكلام بما لا طائل تحته، وفيما ذكرنا كفاية ومقنع لمقتنع والله أعلم (قال) ابن عباس (فقال) ضماد:(هات يدك) يا محمد أي ابسط إليّ يدك، وقوله (أبايعك على الإسلام) بالجزم في جواب الطلب
قَال: فَبَايَعَهُ، فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَعَلَى قَوْمِكَ" قَال: وَعَلَى قَوْمِي. قَال: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَمَرُّوا بِقَوْمِهِ. فَقَال صَاحِبُ السَّرِيَّةِ لِلْجَيشِ: هَلْ أَصَبْتُمْ مِنْ هؤُلاءِ شَيئًا؟ فَقَال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَصَبْتُ مِنْهُمْ مِطْهَرَةً. فَقَال: رُدُّوهَا. فَإِنَّ هؤُلاءِ قَوْمُ ضِمَادٍ
ــ
السابق (قال) ابن عباس (فبايعه) أي فبايع ضماد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام وآمن (فقال) له (رسول الله صلى الله عليه وسلم و) بايع (على) الإسلام أيضًا لـ (قومك) الذين خلفتهم في بلادك (قال) ضماد (و) بايعت (على) الإسلام لنفسي ولـ (قومي قال) ابن عباس: (فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية) أي قطعة جيش من المسلمين للجهاد (فمروا) أي فمر أولئك الجيش (بقومه) أي على قوم ضماد (فقال صاحب السرية) أي أميرهم (للجيش: هل أصبتم) أي هل أخذتم (من هؤلاء) القوم يعني قوم ضماد (شيئًا) من المال (فقال رجل من القوم) أي من السرية (أصبت) أي أخذت (منهم) أي من قوم ضماد (مطهرة) بكسر الميم وفتحها والكسر أشهر، أي ميضأة منها (فقال) أمير السرية (ردها) أي رد أيها الآخذ تلك المطهرة ورجعها إليهم (فإن هؤلاء) القوم (قوم ضماد) بن ثعلبة الأزدي الذين بايعوا على الإسلام بواسطة ضماد فلا يجوز أخذ أموالهم لأنهم مسلمون. وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث أحمد [1/ 302] والنسائي [6/ 89 - 90] وابن ماجه [1893].
ولم يذكر المؤلف في هذا الباب إلا حديثين الأول حديث جابر ذكره للاستدلال وذكر فيه متابعتين، والثاني حديث ابن عباس ذكره للاستشهاد والله سبحانه وتعالى أعلم.
***