الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - بابُ حَلَاوَةِ الإِيمَانِ
(باب: حلاوة الإيمان)
مُراده: أنَّ الحلاوة أَمرٌ زائدٌ على أَصْل الإيمان، وهي ثَمرتُه، ولمَّا ذكَر قبله أنَّ حُبَّ الرسول من الإيمان أرَدفَه بما يُوجد من حلاوة ذلك الحاصِل.
16 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أنسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الإيمَانِ؛ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ".
(م س).
(ثَلَاثٌ) سوَّغ الابتداء به إضافتُه إلى ثلاث خِصالٍ، أو أنَّه صفةٌ لمحذوفٍ، أي: خِصالٌ ثلاثٌ كما مثَّل ابن مالك، وذلك في "شرح التسهيل" بقولهم: ضعيفٌ عاذَ بقرملةٍ، أي: إنسانٌ ضعيفٌ التَجأ إلى قَرملةٍ، أي: شجرة ضعيفةٍ.
قال (ك): لكنَّ هذا يجوز أنْ يكون من باب: شَرٌّ أَهرَّ ذا نابٍ، وعلى هذين الخبرُ هو الجُملة بعدَها، وهي:(مَنْ كُنَّ فِيهِ) إلى آخره.
فـ (مَن) مبتدأٌ سواءٌ جعلت شرطيةً، أو موصولةً ضُمِّنتْ معنى الشَّرط، والخبر على الأوَّل مجموعُ الشَّرط والجزاء، أو الشَّرط فقط، على الخلاف في ذلك، وعلى الثاني:(وَجَدَ)؛ أي: أصابَ، (وكُنَّ) صِلَة الموصول، ويحتمل أن يكون ثلاثٌ موصوفَ الجملة بعدَه، والجواب: أَنْ يكونَ، وأمَّا على الأولين، فأَنْ يكون: بدَلٌ من (ثلاثٌ).
(حَلَاوَةَ الإيمَانِ) قال التَّيْمِي: أي: حُسنه، يُقال: حَلا الشَّيء في الفَمِ صار حُلْوًا، فإنْ حسُن في العين والقَلْب قيل: حَلا بعَيني، أي: حسُن.
(أَحَبَّ) إنما لم يقُل: أَحبَّا؛ لأنَّ أَفْعل التَّفضيل إذا وُصِل بـ (مِنْ) أُفرد دائمًا.
(مِمَّا سوَاهُمَا) إنما لم يقُل (ممن) ليُعمِّم.
وفيه دليلٌ على التَّثنية في مثْل ذلك، وأما قَول الخَطيب الذي قال:(ومَنْ يعصِهما)، [قال له النبي صلى الله عليه وسلم]:"بِئْسَ الخَطِيْبُ أَنتَ"، فلأَنَّ موضُوع الخُطَب الإيضاح، وأما هنا فالمُراد الإيجاز، ولهذا جاءَ في أبي داوُد:"ومَنْ يَعصِهِمَا فلا يَضُرُّ إلا نفْسَه"؛ لكونه في غير خُطبةٍ.
(الْمَرْءَ) مفعولُ (يُحبَّ)، وفاعله الضمير المستتر.
(لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ) جملةٌ حاليةٌ إما من الفاعل، أو من المفعول.
قال (ك): أو كليهما، وفيه نظَرٌ.
(يَعُودَ فِي) القياس: يَعود إِلى، ولكنْ ضُمِّن معنى: الاستِقْرار، أي: يعُود مُستقِرًّا فيه.
وذكر الحلاوة مع أنَّها مِن وصْف الطَّعم على التَّشبيه، ووجْه الشَّبه الالتِذاذ ومَيل القَلْب، فذكَر المشبَّه، وأُضيف إليه ما هو من خواصِّ المشبَّه به ولَوازمه، وهو الحَلاوة، على سبيل التَّمثيل، ويُسمَّى استعارةً بالكناية.
وفي الحديث الإشارة إلى التَّحلِّي بأَنْواع الفَضائل من التَّعظيم لأمر الله تعالى، فيكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سِواهما، ثم الشَّفَقة على خلْق الله بإِخلاص محبَّتهم، ثم التَّخلِّي عن الرَّذائل، وهو كَراهة الكُفر، وسائر النَّقائص.
قال (ن): هذا حديثٌ عظيمٌ من أُصول الإسلام، ومعنى حلاوة الإيمان الاستِلذاذ بالطَّاعات، وتحمُّل المشاقِّ في الدِّين، وإيثار ذلك على أَغْراض الدُّنيا، ومحبَّة الله بفعل طاعته وتَرْك مُخالفته، وكذلك محبَّة الرَّسول.
وقال (ع): لا تصحُّ هذه الثَّلاثة من العبْد إلا إنْ قوي بالإيمان يقينُه، واطمأنَّت به نفسه، وانشرح له صَدْرُه، وخالطَ لحمَه ودمَه، فبذلك يجدُ حَلاوة الإيمان.
وقال مالكٌ: المَحبَّة في الله من آداب أَولياء الله.
وقال يحيى بن مُعاذ الرَّازي: حقيقة المَحبَّة أنْ لا تزيد بالبِرِّ، ولا تنقُص بالجَفاء.
وقال البَيْضاوي: المراد بالحُبِّ هنا الحُبُّ العقْلي، وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه، ويَستدعي اختيارَه وإنْ كان على خِلاف الهوى، أَلا ترى أنَّ المريض يَعاف الدَّواء، ويَنفِر عنه طبعُه، ولكن يميلُ إليه باختياره، ويَهوى تناوُلَه بمقتضى عقْله؛ لمَا يعلم أنَّ صلاحه فيه، فالمرء لا يُؤمِن إلا إذا تيقَّن أنَّ الشَّارع لا يَأْمُر ولا يَنهى إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاصُ آجِل، والعقل يقتضي تَرجيحَ جانبه، وكمالَه بأنْ تتمرَّن نفسُه بحيث يصير هواه تبَعًا لعقْله، ويَلتذَّ به، والشَّارع صلى الله عليه وسلم عبَّر عن هذه الحالة بالحَلاوة؛ لأنَّها أَظهر اللَّذَّات المَحسوسة، وإنما جعَل هذه الأُمور الثلاثة عُنوانًا لكمال الإيمان المحصّل لتلك اللَّذَّة؛ لأنَّه لا يَتمُّ إيمان امرئٍ حتى يتمكَّن من نفْسه: أنَّ المنعِم باللَّذات هو الله، وما عَداه وسائطُ ليس لها ضرَرٌ ولا نفْعٌ، وأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو العَطُوف الساعي في إصلاح شأْن النَّاس، فلا يُحبُّ ما سِواه إلا لكونه واسطة بينه وبينه، وأنْ يتيقَّن أنَّ جميع ما وُعد وأُوعد حقٌّ كأنَّه وقَع، ويتخيَّل أنَّ ما لابَسَ ذلك من مَجالِس الذِّكْر رياض الجنَّة، وأنَّ أَكْل مال اليتيم أكلُ النَّار، والعَود في الكُفر إلقاءٌ في النار.
ثم أجابَ عن جمعهما في ضمير: بأَنَّ المعتبَر هو المَجموع المركَّب من المحبَّتين لا كلُّ واحدة، فإنَّها وحدَها ضائعةٌ لاغيةٌ بخلاف أَمْر الخَطيب، فإنَّها إشعارٌ بأنَّ كلَّ واحدٍ من العِصيانيَن مستقلٌّ باستِلزام الغِواية؛ إذ العطْف في تقدير التَّكرار، والأَصل