الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذِّكْري نحو: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد: 17]، أو أنَّ (ثُمَّ) لا تَقتضي الترتيب كما قال بعضهم، أو لأنَّ فرْض الكفاية أهمُّ من فرض العَين كما قاله إمام الحرمَين، أي: وجمع لإسْقاط الإثْم عن الأُمَّة.
* * *
19 - بابٌ إِذَا لَمْ يَكُنِ الإِسْلَامُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل لِقَوْلهِ تَعَالَى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، فَإذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]
.
(باب: إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة)
(إذا) هنا لمُجرَّد الوقْت لا للاستِقبال، أي: باب حينِ عدَمِ كَونِ، أو إنَّ (لم) لمَّا كانتْ لنفْي الكَون المَقلوب ماضيًا كانتْ إذا لاستِقبال ذلك النَّفي، فهي إما ظرفيَّةٌ فقط، أو شَرطيَّة، والجَزاء محذوفٌ تقديره: لا يُعتدُّ به، وحينئذٍ فليس البابُ مُضافًا لمَا بعدَه.
(الاستسلام)؛ أي: الانقِياد ظاهِرًا فقط.
(أسلمنا)؛ أي: دَخلْنا في السِّلْم وانْقَدْنا، لا بالحقيقة، ولذلك قال تعالى:{قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات: 14] الآيةَ، أي: الإيمان الشَّرعي؛
لأنَّ الإيمان والإسلام الشَّرعي واحدٌ كما يقول البُخاري، أو الإيمان شَرْطه كما يقُول غيرُه.
(فهو على قوله)؛ أي: واردٌ على هذه الآية، أو الآيتَين لأنَّ المُراد بالإسلام فيهما على الحقيقة.
* * *
27 -
حَدَّثنا أبُو الْيَمَانِ، قَالَ: أَخْبَرَناَ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ سَعْدٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فتركَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَرَاه مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ:"أَوْ مُسْلِمًا"، فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ، فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي فَقُلْتُ: مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ، فَوَاللَّهِ إنِّي لأَرَاه مُؤْمِنًا؟ فَقَالَ:"أَوْ مُسْلِمًا"، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:"يَا سَعْدُ! إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ".
وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
(م د س).
في سنَده ثلاثٌ زُهريُّون مَدَنيُّون.
(رهطًا) هو جماعةٌ من الرِّجال ليس فيهم امرأةٌ، قيل: ما دُون العشَرة، وقيل: دون الأَربعين، وجمعه: أَرهُط، وأَرهَاط.
(أعطى)؛ أي: قال: أعطَى.
(رجلًا) هو جُعَيْل -بضم الجيم على التَّصغير- ابن سُرَاقة، ذكَره الواقِدي.
(هو أعجبهم)؛ أي: أَفْضلهم، وأَصلَحهم في اعتِقادي.
(إلي) فيه التِفاتٌ؛ حيث لم يقُل: (إليه) كما قال أوَّلًا، وسعدٌ جالسٌ، ولم يقل: أُقابل، وفي قوله:(وسَعْدٌ) التِفاتٌ آخَر عند السَّكَّاكي؛ لأنَّه لا يشترط في الانتِقال من تكلُّمٍ أو خطابٍ أو غَيبةٍ أن يكون مُحقَّقًا بل يُكتفى بالتَّقدير، فمُقتضى المقام التكلُّم، فأَتى به بلفْظ الغَيبة.4
(مالك عن فلان)؛ أي: أيُّ شيءٍ حصَل لك أعرضْتَ به عن فُلانٍ فلا تُعطيْهِ، وفلانٌ كِنايةٌ عن اسمٍ يُسمَّى به المُحدَّث عنه الخاصُّ، وفي "مسلم": فقُمتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسارَرْتُه، فقلتُ: ما لكَ عن فُلانٍ؟.
(لأراه)، قال (ن): بفتْح الهمزة، أي: أَعلمُه، ولا تُضمُّ على معنى: أَظنُّه؛ لأنَّه قال: (غلَبني ما أَعلَم)، ولأنَّه راجعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مِرارًا، فلو لم يكُن جازمًا لما كرَّرَ المُراجَعة.
قال (ك): يُروى بالضم أيضًا، فيكون (ما أَعلَم) معناه: ما أَظنُّ، كما قال تعالى:{فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10]، والمُراجَعة لا تدلُّ على الجَزْم؛ لأنَّ الظَّنَّ يَلزم اتباعُه اتفاقًا.
قال (ش): قال القُرطُبي: الرِّواية بالضمِّ، وهو منه حَلِفٌ على ظنِّه، ولم يُنكر عليه.
(أو مسلمًا) بإسكان الواو على الإضْراب عن قوله، والحُكمُ بالظَّاهر، كأنَّه قال: بل مُسلِمًا، ولا يُقطع بإيمانه، فإنَّ الباطن لا يَعلمُه إلا الله تعالى، فالأَولى أن يُعبَّر بالإسلام.
قال صاحب "التحرير": إنَّ فيه الحكم بأنَّه غير مُؤمنٍ؛ وردَّه (ن) بأنَّه ليس فيه إنكارُ كونه مُؤمنًا، [بل النَّهي عن القَطْع بإيمانه لعدَم مُوجِب القَطْع، فتوهُّم الحكم بأنَّه غير مؤمنٍ غلَطٌ، بل في الحديث إشارةٌ إلى كونه مُؤمنًا](1)، وهو قوله:"لأُعْطِي الرَّجُلَ وغيرُه أَحبُّ إِليَّ مِنْهُ".
قال (ك): فعلى هذا التَّقدير لا يكون الحديث دالًّا على ما عُقد له البابُ، وأيضًا فلا يكون لرَدِّه صلى الله عليه وسلم على سَعْد فائدةٌ، ولئِنْ سُلِّم أنَّ فيه إشارةً إليه؛ فذلك حصَل بعد تَكرار سَعْدٍ إخباره بإيمانه، وجاز أنْ يُنكر أولًا ثم يُسلِّم آخِرًا؛ لحُصول أَمْرٍ يُفيد العِلْم.
قلتُ: وفيه نظَرٌ؛ فإنَّ استدلال البخاري إنما هو بإطلاقِ لفْظ (الإسلام) مقابلة للحقيقي من غير تعرُّضٍ لحاله، والإنْكار على سَعْد إنما هو على جَزْمه سواءٌ كان في نفْس الأمر كذلك أو لا.
(فعدت)؛ أي: رجعتُ.
(1) ما بين معكوفتين ليس في الأصل.
(لمقالتي)؛ أي: لقَولي، والمَقال معناه أيضًا.
(أعطي الرجل) مفعوله الثاني محذوفٌ.
(وغيره أحب) مبتدأٌ وخبرٌ، والجملةُ حالٌ.
(خشية) نصب بـ (أَعطَى) على المَفعول له سواءٌ أُضيف لمَا بعدَه، فيكون معرفةً، أو نُوِّن على تقدير مِنْ في:(أن يكبه)، وهو بضمِّ الكاف؛ أي: يُلقيه مَنْكوسًا، وهو من النَّوادر أنْ يكون الرُّباعي بالهمزة لازِمًا، والثلاثيُّ بدُونها مُتَعَدِّيًا، ونحوه: أَحجَمَ، وحَجَم.
والضَّمير في (يَكُبُّه) للرجل، أي: أتأَلَّف قلْبَه بالإعطاء مخافةً من كُفْره ونحوِه] إذا لم يُعطَ، والمعنى: أَنا أُعطي مَن في إيمانه ضَعْفٌ؛ لأني أَخشَى عليه لو لم أُعطه أنْ يَعرِض له اعتِقادٌ يكفر به، فيَكبَّه الله في النَّار، كأنَّه أشار إلى المُؤلَّفة، أو إلى مَن إذا مُنع نسَب النبيَّ صلى الله عليه وسلم للبُخْل، وأما مَن قَوِيَ إيمانه فلا أَخشَى عليه، ولا يَلزم أنْ يكون ذلك الرجل ممن قَوِيَ إيمانه؛ لاحتِمال إرادةِ غيره، فيكون تَعريضًا بسَعْدٍ نفْسه ونحوه.
واعلَمْ أنَّ هذا مِن نَوع الكِناية؛ لأنَّ الكَبَّ في النار لازِمٌ للكُفر، فأُطلِق اللازم وأُريد المَلْزوم، فالكناية وإنْ كان الشَّرط فيها مساواةُ اللازم للمَلزوم، والكَبُّ في النار قد يكون لمعصيةٍ غير الكُفر لكنَّ المُراد كَبٌّ خاصٌّ، وهو الكَبُّ للكُفر، فصارا مُتساوَيين، وليس مِن باب المَجاز، أي: من إطْلاق اللَّازِم على المَلْزوم؛ لأَنَّ الشَّرط فيه امتِناع اجتماع معنى الحقيقة والمَجاز بخلاف الكِناية، وهنا لا امتِناعَ
في اجتِماع الكُفر والكَبِّ، فيكون كنايةً لا مجازًا.
قال (ن): في الحديث جواز الشَّفاعة إلى وُلاة الأُمور وغيرهم، ومرادُه الشَّفيع إذا لم يُؤدِّ إلى مَفسدةٍ، والأَمرُ بالتثبُّت وتَرْك القطْع بما لم يُعلم القطْع به، وأن الإمام يَصرِف الأَموال في مَصالح المسلمين الأَهمِّ فالأَهمِّ، وأنَّ المَشفُوع لا عتبَ عليه إذا ردَّ الشَّفاعة لمصلحةٍ، والاعتِذارُ للشَّافع، ويُبيِّن له العُذر، وأنَّه لا يُقطَع بالجنَّة لأحدٍ على التَّعيين إلا مَن ثبَت كالعشَرة، وأنَّ الإقرار باللِّسان لا يَنفع إلا باعتِقاد القَلْب.
قيل: وفيه جواز قولِ: (أَنا مُؤمِنٌ) من غير أنْ يقول: إنْ شاء الله.
وأما الفَرْق بين الإسلام والإيمان فقال (خ): يجتمِعان حيث استَوى الظَّاهر والباطِن، ويَفترقان إذا لم يَستويا، ويُقال له: مسلمٌ حينئذٍ بمعنى: مُستَسلِم كما في الآية، وفي هذا الحديث.
(رواه يونسُ)؛ أي: إنَّ هذه الأَربعة تابَعوا شُعيبًا في رواية الحديث عن الزُّهري.
قال (ن): لقَول البخاري مثْلَ هذا ثلاثُ فوائدَ: تقْويةُ الحديث ببَيان كثْرة طُرُقه، ومعرفةُ رواتهم؛ ليَتبع رواياتهم مَن يُريد جمْع الطُّرُق أو نحو ذلك، ودفْعُ توهُّم أنَّه لم يَروِه غيرُ المذكور في الإسناد، حتى لو رآه في كتابٍ آخَر عن غيره تَوهَّمه غلَطًا.
قال (ك): ورابعةٌ، وهي الوَفاء بشَرطه صَريحًا؛ إذ شَرطه على ما قال بعضُهم: أنْ يكون لكلِّ حديثٍ راويان فأكثَر.